طه حسين دعا لمناصرة فلسطين قبل 90 عاما ورفض الهجرة الجماعية لليهود
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
قبل 90 عاماً، أطلق عميد الأدب العربى صرخة تحذيرية مدوية، داعياً للوقوف إلى جانب الفلسطينيين فى مواجهة الظلم الذى يتعرضون له، إثر العدوان الغاشم من العصابات الصهيونية الإجرامية، عندما كتب مقالاً مؤثراً فى عام 1933، على وقع الأحداث الدامية التى وقعت فى 27 أكتوبر من العام ذاته، عقب خروج أهالى بلد الأقصى بمظاهرات عارمة، رفضاً لهجرة اليهود الجماعية آنذاك، ما أدى إلى وقوع عشرات القتلى ومئات المصابين.
وقال طه حسين فى جزء من المقال: «لو لم يكن بيننا وبين إخواننا من أهل فلسطين إلا هذا الإخاء العام، لكان من الحق علينا ألا نقف من هذه الأحداث التى ألمت بهم أمس موقف الذين ينظرون ولا يشعرون، ويشهدون ولا يتأثرون.. كم نحب أن يشعر إخواننا من أهل فلسطين أننا شركاؤهم فيما يحسون من ألم وحزن».
وبعد مرور 9 عقود كاملة، لا تزال شمس فلسطين غارقة فى ظلام حالك مع الجرائم التى يرتكبها جيش الاحتلال فى غزة، وبما يرتكبه على مرأى ومسمع من العالم، بمجازر ترقى إلى مستوى التطهير العرقى والإبادة الجماعية، محاولاً استكمال مخططه الذى بدأه فى 1917 من تهجير قسرى، واعتداءات وحشية لم يسلم منها بشر أو حجر.
لكن بعد 12 عاماً من مقاله، كان «العميد» على موعد مع معركة شرسة خاضها بنبل وشموخ، حينما اتهمه العديد من المثقفين فى عام 1945 بمحاباة الصهيونية مع إصدار مجلة «الكاتب المصرى»، التى كانت تمولها أسرة هرارى اليهودية، وتولى «طه» الإشراف على تحريرها، حتى إن الناقد الكبير على شلش خصّص بحثاً مهماً للدفاع عن وطنية العميد، فى كتابه «طه حسين.. مطلوب حياً وميتاً»، فى دراسة مستفيضة، معتمداً على مواقف وكتابات متفرقة، تصدى خلالها بقوة لما كان يعتقد أنه الحق. لم تكن تلك الواقعة فقط التى أوقعت عملاق الأدب العربى الذى هزم العمى بالفكر والقلم فى مرمى الاتهامات، لكنه كان قد ألقى محاضرة فى مدرسة الطائفة اليهودية بشارع النبى دانيال بالإسكندرية، عن اليهود والأدب العربى عام 1943، ونشرت نصها جريدة «الوفد المصرى» فى عددها الصادر 26 ديسمبر عام 1943، بل وذكرت زوجته فى كتابها «معك» علاقته الوطيدة بالطالب والباحث اليهودى إسرائيل ولفنسون، حيث أشرف عميد الأدب العربى على رسالة الدكتوراه الخاصة به فى إصرار ودأب، وساعده على التدريس فى دار العلوم، مشيرة إلى مساعدته للكثير من اليهود، مشددة على أنه كان يفرق جيداً بين اليهودية والصهيونية.
ويبدو أن «شلش» كان يمتلك استشرافاً بديعاً للمستقبل، إذ مثّل عنوان كتابه السابق ذكره تجسيداً مدهشاً لما يعانيه عميد الأدب العربى حتى اليوم من اتهامات عديدة، جعلته مطلوباً حياً وميتاً، فبعد رحيله بعامين فقط، طرح الأديب والمفكر الإسلامى أنور الجندى كتاباً بعنوان «طه حسين فى ميزان الإسلام»، اتهمه خلاله بالإلحاد والعمالة للصهيونية والإيمان بالفكر المادى والتآمر على الإسلام، إضافة إلى قائمة طويلة من الاتهامات الأخرى، التى خاطب فيها العاطفة الشعبوية دون النظر إلى القيمة الفكرية التى قدمها الراحل العظيم. وظل العميد فى مرمى نيران اتهامات مزعومة بتجاهل قضية فلسطين، حيث حاول كثيرون إلصاقها به فى النصف الأول من القرن العشرين، بالتزامن مع التدفق اليهودى الكبير نحو الأرض المقدسة، الذى انتهى بإعلان دولة إسرائيل عام 1948، ليواجه كتابات متعددة تطعن فى وطنيته وتزعم محاباته للصهيونية، حتى بعد وفاته بسنوات.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: طه حسين الهجرة الجماعية الأدب العربى طه حسین
إقرأ أيضاً:
معرض القاهرة الدولي للكتاب: أول هزيمة معنوية لإسرائيل بعد نكسة 67.. وضربة لعزلة مصر الثقافية
بعد نكسة 67، كان الألم يملأ كل زاوية من زوايا الشوارع المصرية، كأن الأمل غادر الوطن تاركاً وراءه جراحاً عميقة وأسطورة الهزيمة، الوجوه كانت تعكس مرآة الخيبة، بينما الأسئلة التى لا تنتهى كانت تملأ الأفئدة: كيف حدث ذلك؟ وما الذى ضاع؟ لكن وسط هذا الظلام، بدأت تبرز همسات «لن نركع»، كانت هذه الشرارة بداية صحوة جديدة، الشعب المصرى، الذى اعتاد على الكرامة، وجد فى قلبه عزيمة لمواجهة هذا الجرح، وإصراراً على الوقوف مجدداً.
هذا المعرض يعكس مبدأ «الحرية الشخصية»، حيث يمنح الزوار حرية الاختيار بين مختلف أنواع المعرفة دون أى محاولة لتوجيههم نحو فكر أو ثقافة معينة، فى ظل العولمة التى تسود العالم، يظل العلم والثقافة والتراث تتدفق فى مجرى واحد، يلتقى فيه الجميع دون قيود أو حواجز، وعلى الرغم من أن الهدف الأساسى لمعرض الكتاب هو تسويق الكتاب وتعريف الجمهور بأحدث إصداراته، فإنه يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يشجع على القراءة ويعزز من انطلاق الأفكار وتبادلها بين الناس.
لكن من هو صاحب فكرة معرض القاهرة الدولى للكتاب؟ تعود الفكرة إلى عام 1969، حين طرح الفنان عبدالسلام الشريف، أحد رواد الفن التشكيلى فى مصر، فكرة إقامة المعرض على الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة فى تلك الفترة.
كان «الشريف» يرى فى المعرض فرصة اقتصادية وثقافية عظيمة، تتمثل فى جمع أكبر عدد من الكتب فى مكان واحد، لتكون فى متناول يد كل باحث ومحب للمعرفة، أما الرؤية الثانية، فكانت تهدف إلى توفير منصة للناشرين لعرض إصداراتهم أمام جمهور واسع من المواطنين والمثقفين.
ورحب «عكاشة» بالفكرة، وأبدى اهتماماً بالغاً بتطبيقها، ونقلها بدوره إلى الرئيس جمال عبدالناصر، رغم ألم الهزيمة التى يتجرعها الجميع، وافق الزعيم متحمساً، نظراً لإيمانه الشديد بقيمة القراءة، وقدرة الأسلحة الناعمة على تحطيم معنويات العدو الصهيونى المغتصب.
سارع «عكاشة» بعدها للتواصل مع سوق الكتاب الدولى فى لايبزج (ألمانيا)، وأرسل إسلام شلبى، ممثل وزارة الثقافة، لتسهيل الترتيبات اللازمة لهذا المشروع الطموح، الذى بذل مجهوداً كبيراً فى إقناع كبرى دور النشر العالمية بالمشاركة فى الحدث الكبير، رغم محاولات إسرائيل المستميتة فى إحباط إقامة المعرض.
فى مذكرات الدكتور ثروت عكاشة، وعند الحديث عن فترة توليه وزارة الثقافة عام 1966 (الولاية الثانية)، يتجسد الدور الاستثنائى لإسلام شلبى فى تنظيم أول معرض دولى للكتاب فى مصر عام 1969، ورغم قلة الإشارات التى أوردها «عكاشة» عن الشاب المغمور حينها، فإن ما قام به «شلبى» يعد نقطة فارقة فى تاريخ الثقافة المصرية.
إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب جاءت ضربة قوية للعزل الثقافى الذى فرضته إسرائيل، وكان بمثابة أول هزيمة ساحقة لها، فمع تدفق الناشرين العالميين والإقبال الكبير من دور النشر على المشاركة، ثبتت القاهرة مكانتها كعاصمة ثقافية عالمية.