سقطة الغرب وحضارته الغاربة..
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
منذ كتب الفيلسوف الألمانى أوزوالد اشبنجلر عام 1918م كتابه الشهير «تدهور الحضارة الغربية» أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى وتنبأ فيه بانهيار الحضارة الغربية وهى تواصل بالفعل سقوطها شيئاً فشيئاً، وتتحول من حضارة معرفة وعلم إلى مدنية تركز على التطورات المادية والتقنية وخاصة فى مجال اختراع المزيد من الأسلحة الفتاكة وابتداع كل الوسائل المادية التى تمكنهم من السيطرة ليس فقط على الطبيعة بل أيضاً السيطرة على البشر ! وقد شاركه هذه النبوءة مواطنه البرت اشفيتسر( + 1965) فى كتابه «فلسفة الحضارة» حيث قال نصاً: أن الحضارة التى لا تنمو فيها إلا النواحى المادية دون أن يواكب ذلك نمو متكافئ فى ميدان الروح هى أشبه ما تكون بسفينة اختلت قيادتها ومضت بسرعة متزايدة نحو الكارثة التى ستقضى عليها.
والسؤال هو: أليس ما نراه الآن من التأييد الغربى الكاسح لآلة الحرب الإسرائيلية تحت دعوى أن لها حق الدفاع عن نفسها ضد من اغتصبت أرضهم وشردتهم ولم تتوقف يوماً عن ترويعهم وتجويعهم والتنكيل بهم فى السجون والمعتقلات، أقول أليس هذا أكبر دليل على غياب الرؤية الأخلاقية للغرب، وعلى درجة الوحشية واللاإنسانية التى وصل إليها الغربيون الآن!! إنهم لم يعودوا يرون شيئاً من الحقيقة، اللهم إلا التى تتوافق بل تتطابق مع رؤيتهم التمييزية العنصرية اللأخلاقية!!
إن هذا العماء الإنسانى الذى أصاب زعماء الدول الغربية والغالبية الغالبة من شعوبهم لدرجة أنهم لم يعودوا يهتزون وترتعد ضمائرهم مما تفعله إسرائيل من قصف متواصل للبشر والحجر فى غزة وحصار أهلها بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود وقتل مرضاهم داخل المستشفيات! إنهم لم يعودوا قادرين على معرفة وتمييز الفرق بين المعتدى والمعتدى عليه فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لدرجة تصديقهم على طول الخط لكل ما تعلنه إسرائيل وهى الكيان المغتصب للحق والأرض الذى زرعوه بأنفسهم عمداً على الأرض الفلسطينية إن ذلك انما يؤشر بوضوح شديد على أن الغربيين وحضارتهم المزعومة قد تعرت حتى من ورقة التوت التى كانت تدارى عورتها!
وأعتقد أنه من الآن فصاعداً لن يصدق أحد فى العالم الواعى كل مزاعمهم عن حقوق الإنسان واحترام الحريات، لن يصدق أحد مزاعمهم عن أنهم حراس وحماة الحريات وحقوق الإنسان فى العالم!
لقد كتبت عقب الحرب الأمريكية على العراق كتابى «حقوق الإنسان المعاصر بين الخطاب النظرى والواقع العملى» وأوضحت فيه بجلاء ان حقوق الإنسان التى نص عليها الاعلان العالمى لحقوق الإنسان وملاحقه تنتهك كل يوم ممن يدعون أنهم حراسها وحماتها وكشفت عن أننا نعيش بالفعل عصر «الأضداد العشرة» بمعنى أن كل حق مما نتشدق به نظرياً يتم انتهاكه فى الممارسة العملية فى الواقع! وكان ملحق الصور الذى وضعته فى نهاية الكتاب هو الدليل العملى الدامغ على صحة التحليل النظرى! وهاهى الممارسات الحالية لإسرائيل ومؤيديها تعيد تأكيد ما قلته فى ذلك الكتاب وتكشف عن مدى وحشيتهم ووحشية من يدعمونهم بالمال والسلاح ويقفون معهم بلا كلل ولا ملل ولا وعى بأنهم إنما يدعمون ارهاب دولة وجيشها المدجج بكل أنواع الأسلحة الفتاكة ضد شعب أعزل يدافع عن أرضه وعرضه وكل ما يطمح إليه هو حق الحياة والتحرر من الاحتلال!
والسؤال الحقيقى عندى الآن هو: إلى متى سيظل الوعى العربى يتوهم أن الغرب لا يزال هو مصدر الحضارة والتحضر وأن كل ما يأتينا منه هو التطور الصحيح الذى ينبغى علينا اللحاق به وتقليده!! أما آن لنا أن نفيق من غفلتنا ونشفى من وهم التقليد الأعمى للغرب الذى يعيش آخر سنوات سطوته وهيمنته ويقود العالم الآن إلى الهاوية معصوب العينين؟!!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل الحرب العالمية
إقرأ أيضاً:
الأدب والفن بين الدمار والإبداع
فى إحدى الأمسيات، كنت أنا وبعض الأصدقاء نناقش تأثير الحرب الاسرائيلية المدمرة على أهل غزة. فتساءلنا عن أهوال المجازر هناك وحجم الألم الذى قد نرى أثره فى الأدب والفن القادم. فى خضم الحديث، تذكرنا تأثير الحروب عبر التاريخ على الفن والأدب، وكيف أن المآسى الكبرى أفرزت أعمالًا خالدة. ومن بين تلك اللحظات التاريخية، دار الحديث عن حركة «فن وحرية» فى مصر وتأثير السريالية فى فرنسا.
فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، كانت فرنسا تعيش حالة من الصدمة الجماعية، مما دفع الفنانين والأدباء إلى البحث عن أساليب تعبيرية جديدة تتجاوز المألوف. ظهر فى هذا السياق أندريه بريتون، الذى عُرف بلقب «أبوالسريالية»، ليقود حركة فنية وأدبية تهدف إلى تحرير الخيال من قيود الواقع. استخدمت السريالية أحلامًا وصورًا رمزية لتجسِّد مشاعر الألم والمعاناة التى ولَّدتها الحرب
فى القاهرة، وفى خضم التحولات السياسية والاجتماعية فى أواخر الثلاثينيات، وُلِدت جماعة «فن وحرية» لتكون صدى للسريالية فى مصر. فى عام 1938، أصدرت الجماعة بيانها الأول «عاشت الفنون المنحطة»، معلنة تمردها على الفن التقليدى الذى كان خاضعًا لسلطة الصالونات الرسمية والنخب البرجوازية.
تألفت الحركة من شخصيات مصرية بارزة مثل رمسيس يونان، كامل التلمسانى، وجورج حنين. رأى هؤلاء الفن كأداة لتحرير الإنسان وكسر القيود التى فرضتها الظروف السياسية والاجتماعية. جاءت أعمالهم الفنية والأدبية لتصور الإنسان ككيان ممزق، يعانى من واقع قاسٍ فرضته الاستعمار والفقر.
فى لوحاتهم وأعمالهم الأدبية، استخدم أعضاء جماعة «فن وحرية» الرموز السريالية لتجسيد الدمار الذى أحاط بهم خلال الحرب العالمية الثانية. جسّدت لوحاتهم الموت والحطام، لكنها حملت أيضًا رؤى قيامة جديدة من قلب الخراب. على غرار السرياليين فى فرنسا، رأى هؤلاء الفن وسيلة لكشف الحقائق القاسية عن الفجوة الطبقية والاضطهاد الاجتماعى. دفع رمسيس يونان ثمن مواقفه بالسجن والنفى، لكنه ظل وفيًا لفنه وأصدر كتابات وترجمات مهدت الطريق أمام الأجيال القادمة. وبرع كامل التلمسانى فى التعبيرية والتكعيبية، وقدم أعمالًا تركز على قضايا اجتماعية مثل تسليع الجسد ومعاناة الطبقات المهمشة. أمّا جورج حنين، الشاعر السريالى، فقد ساهم فى نشر الفكر السريالى فى مصر من خلال أعماله الأدبية ومقالاته الجريئة.
لاشك أنّ تجربة «فن وحرية» أظهرت الفن قادرا على أن يكون سلاحًا فى وجه الظلم والاستبداد، كما أن المأساة يمكن أن تكون شرارة للإبداع الذى يخلّد لحظات الألم، ويمنح الضحايا صوتًا يعبر عن معاناتهم.
فى غزة اليوم، كما فى مصر وفرنسا سابقًا، قد يولد من بين الأنقاض جيل جديد من المبدعين يستطيع أن يحول الحطام إلى لوحات أدبية وفنية، تُعبّر عن آلامهم وآمالهم، وتقف شاهداً على مأساة غزة وصمود أهلها البواسل.