أيام «مهرجان الدن الدولي» تطوي صفحاتها يوما بعد آخر، مقتربة من حفل الختام الذي سيكون الثلاثاء القادم، والذي سيخبئ في طياته نتائج المهرجان وسط ترقب الجميع في انتظار اللحظة الحاسمة، وبعد أربعة أيام من بداية العروض، شهد اليوم الرابع مساء أمس تقديم عرضين مسرحيين، وسط أجواء ماطرة أضفت على المهرجان نسمات باردة وقطرات منعشة، إضافة إلى عدد من الورش والحلقات والزيارات الميدانية لضيوف المهرجان.

«على حافة الانهيار»

العرض الأول ضمن عروض مسرح الشارع، كان «على حافة الانهيار» من تقديم فرقة الوحدة المسرحية الأهلية بسلطنة عمان، وقد أداها الممثلون وسط أجواء ماطرة تذبذبت فيها الآراء بين تأجيل العرض أو بقائه، إلا أنه كما يقال «المسرح لا يوقفه شيء» فترجحت كفة إقامة العرض، تناولت المسرحية التي ألفها وأخرجها علي بن صالح العلوي آفة النكران، النكران المجتمعي، والنكران المؤسسي، والنكران الأسري، يعيش فيه بطل العرض بصراع داخلي يمنحه القوة الظاهرية والانكسار الداخلي، يخرج من صمته ومن جدران بيته ويأوي إلى الشارع، يلجأ إلى المشروبات المحرمة، ورغم يقينه بآثامه التي يصنعها لنفسه إلا أنه يجد في ذلك وسيلة للنسيان، إلا أنه دون وعي لا يتحكم بما يجب قوله، فيسرد من حكاياته الكثير للتخفيف عن ألمه، 30 عاما قضاها يعمل في شقاء وتعب ليكبر أطفاله ويوفر لهم سبل الراحة، فدرسوا وكبروا وقد حملهم على كفوف الراحة، وبعد مضي تلك السنين تفرق الأبناء بعيدا عنه، أحدهم في وظيفته المرموقة دون سؤاله عن حاجة أبيه، والبنت تزوجت من ذاك الغني وعاشت حياتها معه دون اكتراث بوالدها ولا حتى سؤال عنه، يعيش البطل في صراع الذكريات، النكران يلاحقه من كل صوب، فلم تكرمه جهة عمله التي عمل فيها بإخلاص، ولا المجتمع يكترث لحاله فقد وجده مدمنا على الكحوليات فأصبح منبوذا، فأين المجتمع المصلح؟ وأين الأبناء الأوفياء؟ وأين جهة العمل المقدرة؟ كل تلك الأشياء استقلت بذاتها واكتفت بنفسها عن هموم الآخرين، يلجأ البطل إلى الشارع، إلى الحرية، إلى الفضاء المفتوح الذي يتنفس فيه الصعداء، والأجواء الماطرة هي التي أضفت عليه نوعا من الحنان السماوي، نسمات الهواء الباردة تحاول إطفاء ناره، وهناك في الفضاء المفتوح، التقى بطل العمل بعدد من الأشخاص، كل يحاول سرد مأساته، وفي الوقت ذاته يحاول تهوين مصيبة غيره، وكأنه اعتراف مجتمعي بأنه لن يشعر بالألم أحد إلا أنت، إلا صاحب المشكلة نفسها، وأنك مهما بلغت مصيبتك فإنها بعينك أعظم مشكلة، وما إن عظمت مشكلة الآخرين فإنها بعينك صغيرة ولها حل.

تميز العمل بخلوه من الإضافة، فهل كان ذلك تفاديا للأخطار الناتجة عن الأمطار، أم كان ذلك مقصودا لإضفاء نوع من الواقعية على العمل، إذ سردت الحكاية في ليل كئيب؟ كما تم توظيف الأجواء الماطرة في العمل في استغلال لعامل التأثير الطبيعي، ويبقى للجنة التحكيم رأيها الذي سيعلن في ختام المهرجان.

أدى العمل المسرحي الفنانون عبدالله الكاسبي وعلي العلوي وحميد الساعدي وعبدالله العلوي وحمد العلوي، واستمر العمل حوالي 30 دقيقة بعدها توجه الجمهور إلى العرض التالي، في مدرجات مسرح الكبار.

«أنا وجهي»

العرض الثاني مساء أمس كان من جمهورية العراق، ضمن عروض مسرح الكبار، وسرد العمل المسرحي «أنا وجهي» حكاية امرأة عاشت الكثير من الآلام، امرأة تنسى نفسها من تكون؟ وماذا تريد؟ وماذا كانت تعمل؟ تتساءل هل هي شريرة متورطة في الدماء، أم هي طيبة حنونة القلب؟ تسأل نفسها «من أنا؟»، ولكنها تعجز عن الإجابة، تسترسل بالحديث دون وعي، وترِد بين كلماتها كلمة «القتل»، فتصمت فجأة ثم تتساءل بهدوء «هل قُلتُ قتل!؟»، لكنها تستأنف الحديث مرة أخرى، فتكرر الأمر مرة أخرى لتسقط من حديثها كلمة «قتل»، فتعاود الصمت والتفكر، وتسأل «من أنا؟!»، المشاهد الأولى من العمل بدأت بتساؤلات مبهمة عديدة دون إجابة، لتنحل العقدة مع تسلسل الأحداث وتتضح الإجابة أكثر وأكثر.

جسد العمل 3 فنانات عراقيات، جسدت جميعها امرأة واحدة، في شبابها، وكهولتها، وشيخوختها، لتحاور نفسها في المشاهد مع تعاقب الأجيال، فهي المرأة التي بدأت شبابها بقسوة وألم، تعيش لإرضاء الآخرين، وتعمل في شتى الأعمال لتكسب رزقها، تبتسم رغم الألم، تصنع الأقنعة قناعا بعد قناع، قناع في حالة الحزن لترتديه وهي غير حزينة، وقناع للفرح لترتديه وهي في قمة بؤسها، قناع للابتسامة رغم العبوس، وقناع ثم قناع ثم قناع حتى لم تعد تعرف وجهها الحقيقي، أقنعة لازمتها منذ شبابها حتى كهولتها، فتقف متسمرة أمام المرآة، تضحك قليلا «هذا وجهي الحقيقي» ثم تنتبه إلى خطوط التجاعيد في وجهها، فتصرخ أين أنا؟ ومن أين تلك الخطوط؟ ولكن الصراخ جاء بعد فوات الأوان، بعد أن كانت الأقنعة هي وجهها طيلة الفترة الماضية، تحاور نفسها الشابة والكبيرة، تقف في المنتصف بين الماضي والمستقبل، فهي الطيبة فعلا والشريرة فعلا، وهي الحنونة والقاسية، وهي الصغيرة والكبيرة، تكون هي ذاتها المتناقضة، لأنها الحياة التي تصنع تلك الشخصيات في تارة، وتصنع نقيضها في تارة أخرى للشخص ذاته، الحياة جعلتها تقسو أحيانا، ثم تحن أحيانا أخرى، الحياة جعلتها تنكسر بموت والديها وأخيها، ثم تجعلها قوية في مواقف أخرى، هي الحياة التي تمضي بنا بين شر وخير وبين فرح وبؤس، وتمضي بنا نحو الكهولة والشيخوخة، العمر الذي يمضي لن يعود، هنا تنتبه أنها تعيش، وهذا يكفي لتشرق بها الحياة رغم ما مر بها من ألم، فتنطلق نحو الحياة بردائها الأبيض المشرق بعد أن كانت مكتفية بالسواد.

استمر العمل، الذي قدمته فرقة المسرح القومي بجمهورية العراق، لحوالي ساعة كاملة في مشهد متواصل عكس لياقة عالية للممثلات، وهن الفنانة سمر محمد بشخصية الشيخوخة المقعدة على الكرسي، والفنانة الدكتورة شذى سالم بشخصية المرأة الكهلة، والفنانة شيماء جعفر، وتم توظيف تقنيات الإضاءة في العمل بصورة كبيرة، معتمدين على إضاءة تنبعث من داخل المسرح، وإضاءات إسقاطات بقع الضوء، إضافة إلى «البروجكتر» حيث أغنى عن تبديل الديكور وصنع بعدا إلى العمل، كما تم توظيف المشاهد التمثيلية المصورة في العمل، خاصة في المشهد الأخير، حيث تم تصوير النقلة الفكرة بحياة البطلة من البؤس إلى النور وهي تتمشى في شوارع العراق وأبرز معالم العاصمة بغداد.

عروض متواصلة

واستمرت عروض مهرجان الدن الدولي، ففي فئة مسرح الأطفال قدمت فرقة «الزرقاء المسرحية» من المملكة الأردنية الهاشمية العرض المسرحي «الأمنيات الذهبية»، وفي فئة مسرح الشارع قدمت «الشراع المسرحية» من سلطنة عمان عرضها المسرحي «متاجا»، وفي فئة مسرح الكبار قدمت فرقة «المسرح القومي» من جمهورية العراق العرض المسرحي «خلاف»، أما اليوم السبت فإن جمهور المهرجان على موعد مع ثلاث مسرحيات، مسرحية الأطفال «الأرانب» من تقديم شركة «ترند آرت برودكشن للإنتاج الفني» من دولة الكويت في تمام الساعة الخامسة عصرا، ومسرحية الشارع «لمن؟» من تقديم الجامعة الألمانية بسلطنة عمان في تمام الساعة 7 مساء، وأخيرا عرض مسرح الكبار «نقيق» من تقديم فرقة المسرح القومي بالجمهورية العربية السورية وذلك في تمام الساعة الثامنة مساء. جدير بالذكر أن كافة العروض المسرحية في مهرجان الدن تقام في الجمعية العمانية للسيارات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من تقدیم

إقرأ أيضاً:

قصور الثقافة تواصل تقديم ليالي المحروسة على مسرح السامر لطلاب المدارس

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تواصل الهيئة العامة لقصور الثقافة، بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تقديم العرض المسرحي "ليالي المحروسة" على مسرح السامر بالعجوزة، ضمن مبادرة "مسرحة المناهج" التي تقدمها وزارة الثقافة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم لتقديم التاريخ لطلاب التعليم الأساسي بشكل تفاعلي ومبسط، ويقام العرض يوميًا في الحادية عشرة صباحًا ويستمر حتى 24 نوفمبر الجاري عدا يومي الجمعة والسبت.

ويقام العرض بإشراف الإدارة المركزية للشؤون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي، وتقدمه فرقة السامر المسرحية بإدارة الفنان محمد النبوي، ويحظى بإقبال واسع من طلاب المدارس ويجمع بين التعليم والمتعة، مستعرضا حقبا من تاريخ مصر بأسلوب مسرحي شيق، ما يسهم في تثقيف الطلاب حول تاريخ وطنهم عبر أحداث وشخصيات نابضة بالحياة.

ويتناول عرض "ليالي المحروسة" للمخرج عصام سعد، مراحل تاريخية محورية في مصر بداية من حقبة المماليك وحتى ثورة 25 يناير، ما يسهم في إلقاء الضوء على الحقب التاريخية بأسلوب يجمع بين الدراما والترفيه.

والعرض تأليف وأشعار حمدي نوار، غناء وألحان باسم عبد العزيز، واستعراضات ماهر مفتاح، ديكور وملابس رانيا حداد، مكياج رانيا صابر، فيديو مونتاج محمود صلاح، تصميم إضاءة عز حلمي، تصميم دعاية الدكتور إنجي عبد المنعم، مخرج منفذ محمد صفوت، مشرف فني ياسمين سمير، مدير إنتاج أحمد عزيز.

ويشارك في العرض كوكبة من الفنانين من بينهم سمر الشاذلي، أمينة أمين، نهال أحمد، طارق نور، عاطف كساب، عبد الله مهنا، علي شندي، ماجد علي، عبد الرحمن سليم، أحمد يونس، أنس سليمان، حسين محمد، مصطفى إسماعيل، مصطفى محمد، نجلاء عامر، ثريا ربيع، أشرف شكرى، أسامة نعيم، محمود الشوكي.

ويعد العرض هو الثاني لهيئة قصور الثقافة، بمشروع مسرحة المناهج عقب مسرحية "سر حياتي" التي تم تقديمها خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، لتبسيط منهج مادة العلوم لطلاب المرحلة الابتدائية من خلال تقديمه في قالب غنائي استعراضي للأطفال.

4eb8c90a-0d16-40e0-83c6-503010971b8a 188bdeba-90ef-41ce-b6bd-4b940a388ae7

مقالات مشابهة

  • كاسبر ابن شجرة الزيتون" دراما الاحتلال والمقاومة في قلب فلسطين على خشبة المسرح
  • مسلسل "موعد مع الماضي" بطولة آسر ياسين.. القصة وموعد العرض
  • بعد أن تم الإبلاغ عن فقدانها في فيضانات إسبانيا..امرأة مغربية لا تزال على قيد الحياة
  • ضمن أنشطة الشتاء مسندم
  • الثقافة تواصل عرض "ليالي المحروسة" لطلاب المدارس على مسرح السامر
  • قصور الثقافة تواصل تقديم ليالي المحروسة على مسرح السامر لطلاب المدارس
  • «القومي لذوي الإعاقة» ينظم حلقة نقاشية عن مسرح ذوي الهمم بالتعاون مع «الثقافة»
  • "القومي لذوي الإعاقة" ينظم حلقة نقاشية بعنوان "مسرح ذوى الهمم بين الواقع والمأمول"
  • رئيس البيت الفني للمسرح: افتتاح مسرح مصر قريبا
  • هشام عطوة: "مسرح مصر" أصبح جاهزًا للعمل وافتتاحه قريبا