باسمة العنزي: القصة تناسب نمط حياتي وانشغالاتي الكثيرة
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
*لا أبحث عن الأبطال النبلاء إنما تستهويني شخصيات أصادفها في مراكز التسوق والمطارات
*أبطالي استخدموا المنصَّات الرقمية كما يستخدمها غالبيتنا لإشباع الفضول الفطري
*عندما تبدو الأرض وحولها آلاف الأقمار الصناعية وكأنها كوكب "زحل" لن نستطيع النجاة بحريتنا
*هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي مجرد حلقة في النظام العالمي الجديد والأدب لا يمكنه أن يكون معزولاً عما يحدث حولنا
*بطلتي "أميرة ويلز الصحراوية" هي الوجه الآخر الحزين للمرأة العربية التي لا تعرف الحرية
*الأدب العربي مطالب بمتابعة تأثير الذكاء الاصطناعي بدلاً من الدوران في نفس الموضوعات منذ نصف قرن
*مواقع السوشيال ميديا لن تختفي من حياتنا سوى بقطع كابلات الإنترنت في قاع البحار
إن كنت من قرَّاء الكاتبة الكويتية باسمة العنزي ستعرف جيداً ولعها برصد تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي على الإنسان العربي، ففي روايتها "قط إنستجرام" وكذلك في مجموعتها القصصية الجديدة "نجمة واحدة قد تكفي" تحوَّل الإنسان العربي إلى روبوت بارد المشاعر، معزول في بيئته وشارعه وحتى بين أفراد أسرته، يعيش خلف أقنعة ليحصل على ما يريده من إعجاب ومتابعات وشهرة، لكنه لا ينتبه إلى أنه لم يعد يعرف أقرب المقرَّبين إليه بل إنه لا يعرف نفسه ولا التحوَّلات التي طرأت على شخصيته.
وبخلاف العملين السابقين لها رواية هي "حذاء أسود على الرصيف"، ومجموعتان قصصيتان هما "حياة صغيرة خالية من الأحداث"، و"يغلق الباب على ضجر"، وقد حصلت على عدد من الجوائز مثل جائزة الدولة التشجيعية في الكويت (مرتين) 2007 و2013، وجائزة الشارقة للإبداع العربي 2012، وجائزة المرأة العربية 2016. في الحوار التالي تتحدث باسمة العنزي عن مجموعتها الجديدة وسبب قلة إنتاجها رغم التقدير الكبير الذي تحظى به أعمالها.
الانطباع المبدئي الذي تتركه قراءة مجموعتك "نجمة واحدة قد تكفي" أن العالم لا يضم سوى مجموعة قليلة من البشر هم أبطالك الوحيدون المنعزلون.. ما تعليقك؟
حقيقة لم أعمد إلى محاصرة أبطالي بالعزلة والوحدة، كما لا أجد ذلك أمراً مزعجاً على مستوى الكتابة أو المستوى الشخصي، أن تكون على مسافة من غيرك، مكتفيا بأقل قدر من العلاقات الاجتماعية المرهقة ومن تبعات الدوران حول الآخرين. المدينة حافلة بمن يشبهون أبطالي، بالواقفين في منتصف المسافة بين "الأنا" و"الآخر"، الجالسين على دكة رتابة الحياة اليومية، المسالمين في عالم قاس.
سؤالك جعلني أنظر لأبطالي - في هذه اللحظة - نظرة مختلفة! فلم يخطر لي بالمرة أن سماتهم المشتركة واضحة جداً كالبضائع المعروضة في واجهات المتاجر.
أبطال القصص يجمعهم ولعٌ بالسوشيال ميديا، والتخفِّي خلف الشاشات، والحياة أمام الآخرين بأقنعة مستعارة.. هل كان في ذهنك اختيار أبطالٍ متشابهين؟
الإجابة نعم وأيضاً لا! أميل عادة لاختيار أبطال يشبهون من نقابلهم في حياتنا اليومية. لهم نفس همومنا وتطلعاتنا وألوان ثيابنا. لا أبحث عن النبلاء الذين ينزلون من شرفتهم العالية لعامة الشعب. تستهويني الشخصيات التي نصادفها في مراكز التسوق وعلى مقاعد انتظار الرحلات في المطارات، أولئك الذين تتسرب أيامهم في مكاتب العمل الباردة وعلى طاولات مطاعم الوجبات السريعة، مستخدمو الأجهزة الذكية وزبائن متاجر التجزئة العملاقة. الفرد المعاصر بنسخته العالمية الجديدة "Global Citizen" هو ما تستهويني الكتابة عنه وبالتحديد تطلعاته وانكساراته وضعفه الأبدي.
وبما أن السوشيال ميديا سمة هذا العصر الأبرز والأهم، لا يمكنني تخيل هذه الحقبة من تاريخ البشرية بدون شبكات الواي فاي ومنصات التواصل والتفاعل.
على رأي سيجمونت باومان "إننا نتسوق طرقاً لجذب الانتباه وطرقاً للتواري عن الأنظار" أبطالي استخدموا المنصات الرقمية كما يستخدمها غالبيتنا لإشباع الفضول الفطري وتقديم الذات بعدة صور.
استخدمتِ في أول قصة "امرأة كل سبت" تقنية المفارقة حيث بنيتِها على النهاية المفاجئة، وهي موت المرأة.. لماذا؟
النهاية الحتمية لنا مهما تجولنا كمستهلكين بين أروقة الحياة وابتعنا ما اخترناه من الأرفف أن نتحول لمجرد اسم باهت في خانة الوفيات. المرأة المتقاعدة الستينية كانت تقارع ضجرها وقلقها من القادم بمشوار السوبرماركت الصباحي، كما يفعل كل منا مع المول والمطار والنادي الرياضي والمقهى، حياة تنقضي بمحاولات مراوغة نهايتها، لذا بدت نهاية القصة مفاجأة للقارئ، كان هناك أمل لدى البعض أن تبقى لسبت قادم!
هل تريد قصة "نجمة واحدة قد تكفي" أن تقول إن علاقتنا بالعالم أصبحت محكومة بنمط تقييم محدد؟ وأن كل شيء يخضع لمزاج العميل وحالته النفسية لحظة التقييم؟
علاقتنا كمستهلكين بكل ما حولنا مبنية على شراء السلعة وفي المقابل تقييمها، كل شيء قابل للتقييم والنقد داخل حدود العالم الرقمي الآمن، كي يصل رأيك لأبعد مدى في مجتمع العيش المشترك.
العميلة المحبطة، بطلة القصة كانت ضحية الروتين والإجراءات البيروقراطية إلا أنها نجحت في الوصول إلى الإدارة العليا من أجل المطالبة بحقها، تصعيدها للموضوع كان عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد موقع Linkedin للتواصل المهني.
حالتنا النفسية بالتأكيد ترتبط بمدى رضانا كمستهلكين عما نقتنيه من بضائع وأحد أهم حقوقنا كأعضاء في نادي العولمة تدوين انطباعاتنا في مواقع باتت ساحة للتنفيس عن السخط والتعبير عن الرضا ودور ذلك في التأثير على قرارات مستهلك محتمل خاضع بشكل أو بآخر لاستراتيجيات التسويق الجديدة.
هل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على القصص تقول إننا أصبحنا نعيش في الواقع الافتراضي؟
نحن نعيش الواقع الافتراضي بكافة تفاصيله ومعطياته منذ 2012 وسيستمر ذلك ويزداد حدة مع كل قمر صناعي تطلقه شركة ستارلينك المملوكة لأيلون ماسك في فضاء العالم، سيصل الإنترنت لبقاع جديدة ومستخدمين لم يكونوا يوماً جزءاً من المعادلة، وستكون له سلطة المراقبة الأولى. عندما تبدو الكرة الأرضية وحولها آلاف الأقمار وكأنها كوكب زحل بأقماره التابعة لن نستطيع النجاة بحريتنا ولا تفردنا، عندها سيُقرأ التاريخ بشكل مغاير.
بالنسبة للقصص في هذه المجموعة وحيث أنها ترتبط بواقع الحياة اليومية وبتكنولوجيا التواصل والنزعة الاستهلاكية وتبعات العولمة، فمن البديهي أنها تؤكد على فكرة تلاشي المسافة ما بين البطل وصورته المبثوثة للمتلقي. هيمنة مواقع التواصل ما هي إلا حلقة في النظام العالمي الجديد، والأدب لا يمكنه أن يكون معزولاً عما يحدث حولنا.
تفكرُ المرأةُ في قصة "عدَّاءة الغرف" أن "المتابعة (في مواقع السوشيال ميديا) تعني ضمنياً اهتمامك بالآخر".. هل أصبح مقياس الإنسان هو مقدار متابعيه لا عدد من يتابعهم هو، أي أنه يحكم على نفسه بنفسه بالعزلة؟
هو عُرف عام وشرط من شروط نجومية الفرد أن يكون متابَعاً لا تابعاً. أن يكون مؤثراً على شريحة كبيرة بينما ينأى بنفسه عن التأثر بالآخرين اللهم إلا فئة قليلة ممن لا يقلون عنه نجومية وشهرة. الكل يتجول في شاشته، هناك من يراقب بصمت وهناك البطل الجالس خلف الفاترينة مقدماً نفسه للمتابعين بالشكل الذي يروق له. عالم يخفى الكثير من أسرار علم النفس والاجتماع مهما بدا لنا واضحاً وبسيطاً وأحياناً تافهاً.
بطلة نفس القصة "عدَّاءة الغرف" امرأة ثلاثينية تتخفَّى في مجتمعها المحافظ خلف قناع وهمي هو "أميرة ويلز الصحراوية" وتتمنَّى لو كانت الحياة بسهولة التنقل بين تطبيقات الأجهزة الذكية ومرونة محو العبارات أو حذف المراسلات من أي جدار إلكتروني.. هل يقدم السوشيال ميديا مجتمعاً بديلاً للمأزومين في المجتمعات الضاغطة؟
يقدم متنفساً ومنصة حرة يعبرون فيها عن آرائهم التي لا يمكن أن تقترن بهوياتهم الحقيقية في عالم له حساباته الخاصة.
يذكر غريغوار دولاكور في رواية "لائحة رغباتي" - وهي بالمناسبة رواية بديعة - أن "الناس وحيدون مع هواتفهم المحمولة. يقذفون آلاف الكلمات في فراغ حياتهم".
أميرة ويلز الصحراوية هي الوجه الآخر الحزين لآلاف النساء المقيدة حرياتهن والممنوعات من الظهور خارج حدود ما رسم لهن، تحاول أن تجد مخرجا عبر دخول حفلة العالم الافتراضي بزي تنكري يتقبله رواد المكان ويتعايشون معه. وفي نهاية السهرة تعود لواقعها البائس عاجزة عن اتخاذ قرار فردي أو الاعتراض على قوانين الجماعة. السوشيال ميديا تتحول لبوابة سرية لتضميد جراحهن واحتضان رغباتهن الصغيرة، فمحاولاتهن التمرد لا تتوج بالنجاح.
قصة "هناك إجابة لكل شيء" تقول إن أقصى أحلام الناس، كما يتضح من تفكير البطلة، أن يصبحوا نسخاً من مشاهير السوشيال ميديا.. ما تعليقك؟
هناك أجيال قبل أن تصل سن المدرسة أدمنت الأجهزة الذكية واعتبرتها ملاذها الآمن والممتع ومن العالم الافتراضي اتخذت القدوة والمتعة الترفيهية القصوى والبوصلة. لا غرابة أن دهاليز السوشيال ميديا تمثل المكان الآمن والمثالي لهم والأكثر سطوة على قراراتهم. هذا التأثير الكاسح سيستمر في التضخم جيلاً بعد جيل. بطلة هذه القصة الموظفة الصغيرة تتمنى لو كانت صديقة أو قريبة الآنسة (N) رغم أنها لم تصادفها يوما في الواقع!
وهل وصلنا إلى نقطة اللاتراجع، بمعنى أن الإنسان في عصر السوشيال ميديا لم يعد هو نفس الإنسان قبله؟
كل فترة زمنية ولها سماتها الخاصة. أظن أننا محظوظون أننا نعيش هذه المرحلة من عمر البشرية، حيث وصلت التكنولوجيا لمدى مكَّن الأفراد والمجتمعات من حياةٍ تغلبُ عليها السهولة والمرونة والتقارب بين الشعوب. أحد أبرز سمات المواطن العالمي الجديد استخدام السوشيال ميديا والتفاعل معها، ولا أعلم حقيقة أن كنا سنستبدلها بشيء آخر إلا أنها بالتأكيد لن تختفي من حياتنا سوى بقطع كابلات الإنترنت في قاع البحار وتلاشيه من العالم! أي تراجعنا للخلف عشرات السنوات.
تقدم قصتا "عزيزي العميل" و"استدامة" فكرة الاستغناء عن البشر لمصلحة الآلات.. هل حلَّ العصر الذي كنا نراه في أفلام الخيال العلمي فعلاً وهل على الأدب أن ينتبه لتراجع البشر أمام الآلات؟
الذكاء الاصطناعي قادم لا محالة، تراجع البشر سيكون سببه تدني مهاراتنا مقابل ما هو مبرمج بشكل مثالي لتلبية متطلباتنا. بالنسبة للأدب وبالتحديد عربياً علينا أن نتناول هذه التغييرات، وتأثيرها على مجتمعاتنا ونمط حياتنا، بدلاً من الدوران في ذات الموضوعات منذ نصف قرن!
لماذا يبدو الرجل في مجموعتك هامشياً إذا قسناه بحضور المرأة؟
لم أعمد إلى ذلك. رغم ذلك أتفق معك، الرجل موجود على الهامش في معظم القصص. هل عليَّ أن أفكر طويلاً لماذا بدا ذلك واضحاً؟! أظنني أملك الإجابة لكني لن أمررها للقارئ.
هل يمكن أن يشير تراجع الرجل إلى نظرة نسوية تنطلقين منها؟
لا على الإطلاق.
كتبتِ القصة وكتبتِ الرواية.. أيهما تجدين نفسك فيه أكثر ولماذا؟
بدأت كقاصة ونضجت تجربتي في الرواية، ربما القصة تناسب نمط حياتي وانشغالاتي الكثيرة بحيث أن فكرة نص واحد تسيطر عليَّ لأيام أو أسابيع إلى أن أدونها، بينما الرواية تحتاج لنسيج طويل من الأفكار واشتغال مكثف على السرد.
وهل ترين القصة مظلومة في مواجهة الرواية؟
كتَّاب الرواية أكثر بكثير من كتاب القصة القصيرة، لا أعلم حقيقة لماذا نجد شُحَّاً في النتاج القصصي الجيد في الوطن العربي في السنوات الأخيرة! لنستبدل كلمة مظلومة بغير مفضلة.
لماذا أنتِ مقلة في أعمالك؟
هذا السؤال غالباً يشعرني بالذنب! أعترف أنني مقلة جداً ولا عذر لي مهماً بررت ذلك بانشغالات الحياة كأم وامرأة عاملة تلتهم نهاراتها عشرات المسؤوليات والتفاصيل الصغيرة والمجاملات الاجتماعية. رغم ذلك لديَّ الكثير من الأفكار التي أخشى عليها من الذبول، أدوِّنها إلكترونياً لأكتبها يوماً ما.
أخيراً.. ما الذي تحققه لك الكتابة؟
في كل مرحلة من حياتي حققت لي الكتابة أمراً ما، أظن أن دوافع الكتابة لديَّ متغيرة في كل مرحلة من حياتي، في هذه المرحلة تحديداً تُقدِّم لي الكتابة دعماً معنوياً هائلاً وتمكنني من فهم ما هو غامض عبر تحليله والتماهي معه، وفي نفس الوقت تبقى دائماً وسادة مريحة لرأس متعب.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مواقع التواصل الاجتماعی السوشیال میدیا أن یکون
إقرأ أيضاً:
بيت ثقافة الإسماعيلية ينظم ندوة عن صناعة المحتوى الهادف على السوشيال ميديا
يقيم بيت ثقافة الإسماعيلية ندوة عن صناعة المحتوي الهادف علي السوشيال ميديا، الاسبوع المقبل، يحاضرها ريم السياري صانعة محتوي.
من جانبها تقول ريم السياري أو استراتيجية صناعة المحتوى واحدة من أهم الاستراتيجيات والأدوات التي ينبغى معرفتها، بناء على مقولة “المحتوى هو الملك” وذلك بسبب اهتمام الناس وبحثهم بإستمرار عن المحتوى سواء كان مسموعا أو مرئيا أو مكتوبا واهتمامهم بالمحتوى التعليمي والترفيهي، استراتيجية صناعة المحتوى تعتبر أداة قوية جدا ستساعدك في تحقيق أهدافك والوصول إلى جمهورك المستهدف.
أضافت ريم السياري، تعتبر خطوات إنشاء استراتيجية صناعة المحتوى كثيرة، ولكن من أهمها تحديد الأهداف وامتلاك المهارات، دراسة الجمهور المستهدف، تحديد قنوات الاتصال، نوع المحتوى.
كما لفتت إلي أهمية اختيار نوع المحتوى الذي يجذب إنتباه عملائك اكتر هل يفضلون اكتر الفيديوهات والريلز أو الصور أو المحتوى المكتوب.
اختتمت مؤكدة أن تحديد الوقت المتواجد فيه جمهورك على قنوات الاتصال علشان تقدر تحدد مواعيد النشر الخاصة بكل وسيلة اتصال تستطيع التعرف على ذلك من خلال دراسة الجمهور وعمل A/B test.