ما هو الموقف الحقيقي للصين من حرب غزة؟
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
يبدو موقف الصين من الحرب في غزة مثيراً للجدل وغامضاً لكثير من المراقبين.. بعد أن انتقدت القصف الإسرائيلي للمدنيين وأدانت انتهاكات القانون الدولي.
الصين تتبنى قواعد اللعبة الأوكرانية بشأن الحرب بين إسرائيل وفلسطين
وانتظر الرئيس شي جينبينغ إلى ما بعد منتدى الحزام والطريق الثالث للتعليق على الأزمة، إذ أكّد موقف الصين الثابت بأنه يجب تنفيذ حل الدولتين والدعوة إلى ممر إنساني للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة.
ووصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي قصف إسرائيل للمدنيين في غزة بـ "الأعمال التي تجاوزت نطاق الدفاع عن النفس".. وفي الوقت عينه، لم تُدن الصين الفظائع التي ارتكبتها حماس ضد المدنيين.
تُصور الصين نفسها، كما فعلت في أزمة أوكرانيا، على أنها قوة عظمى داعية للسلام، وتقول إن الدعم الدائم أن لدعمها الدائم لإسرائيل أثراً مزعزعاً للاستقرار في المنطقة.
هل الصين عاجزة عن التأثير في الأحداث؟وفي هذا الإطار، قال أحمد أبو دوح، زميل مشارك في المعهد الملكي للشؤون الخارجية (تشاثام هاوس) في لندن، إن تعليقات الصين على الحرب وموقفها المعارض لفكرة التدخل تعني أنها عاجزة عن التأثير على الأحداث، وهو موقف غير مواتٍ، خاصةً إذا كانت مصالحها مهددة بشكل مباشر بسبب الحرب.
China is positioning itself as a ‘neutral’ great power, in contrast to the US, whose support for Israel is depicted by Beijing as a destabilizing influence, writes @AAboudouh (@CH_MENAP).https://t.co/4hnuuJ72w9
— Chatham House (@ChathamHouse) October 27, 2023وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل بكين تصطف على نحو متزايد مع روسيا بشأن القضية الفلسطينية، وهو تطور غير مسبوق.. الهدف منه ضمان مكان على طاولة المفاوضات بأقل تكلفة وتقويض النفوذ الأمريكي.
وأوضح الباحث المتخصص في الشؤون الخارجية والأمن والجغرافيا السياسية للصين في تحليله بموقع الأبحاث البريطاني، أن الصين تتبنى قواعد اللعبة الأوكرانية بشأن الحرب بين إسرائيل وفلسطين، وتسعى إلى رسم مسار مختلف علناً عن الولايات المتحدة وحلفائها.
تحقيق التوازن بين دول الخليج وإيران وإسرائيلوقال الباحث إن التفاعلات الدبلوماسية للمسؤولين الصينيين مع المنطقة، تلتزم بصرامة بسياسة بكين الخاصة بتحقيق التوازن بين دول الخليج وإيران، وبين القوى الإقليمية الرئيسة وإسرائيل.
والخطاب الذي تتبناه بكين يركز بقوة على السياق الأكبر المتمثل في تنفيذ حل الدولتين، والتصدي للقضايا الإنسانية، ومنع الصراع من التحول إلى حرب إقليمية.
إستراتيجية مدروسةوامتنعت الصين عن وصف توغل حماس في إسرائيل بالهجوم الإرهابي، لكنها وصفت انتقام إسرائيل بـ "العقاب الجماعي" للمدنيين الفلسطينيين، ما يشير إلى معارضتها للغزو البري الإسرائيلي لغزة.. وهذه إستراتيجية مدروسة من الصين لتحقيق أهدافها في المنطقة وخارجها.
وبحسب الكاتب، لا تطمح الصين إلى الإطاحة بالولايات المتحدة في الشرق الأوسط والحلول محلها، لكن سيسرها بلا شك أن ترى الولايات المتحدة وهي تنجرّ إلى صراع جديد في المنطقة.
#China is positioning itself as a peace-seeking, ‘neutral’ great power in the war on #Gaza. However, Beijing is unable to influence events - an uncomfortable position when its interests are directly threatened by the war, writes @AAboudouh.
Read in full⬇️https://t.co/5kJ3H89IjP
ويعتقد الخبراء الصينيون أنه كلما زادت المسارح الإسراتيجية غير الشرق آسيوية التي تقتضي اهتمام واشنطن، صار لدى الصين مزيد من الوقت لتأكيد هيمنتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
الحياد المعادي للغربشددت الصين مجدداً على تقاربها التاريخي مع القضية الفلسطينية وسياستها القائمة على ما يُعرف باسم "الحياد المعادي للغرب" الذي لا يرقى إلى مستوى إدانة أي دولة أو قوة تقوض المركزية الغربية في النظام العالم.
وتستغل الصين أيضاً "الحياد المعادي للغرب" لاستقطاب قاعدة دعم كبيرة وذات أهمية إستراتيجية.. فكثير من دول الجنوب العالمي متعاطف مع فلسطين، ومن ثم فإن الحرب قضية يمكن للصين استغلالها لحشد الدعم لقيادتها للبلدان النامية.
ويساعدها ذلك أيضاً على كسب الدعم للمواقف الصينية المتعلقة بالقضايا الأساسية مثل شينجيانغ وتايوان.
وسعت الصين أيضاً إلى تعزيز الوحدة الإقليمية، وحثّت العالم الإسلامي على "التحدث بصوت واحد" مع الصين بشأن فلسطين، بناءً على مبادرتها للتوسط في اتفاق دبلوماسي بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس (آذار) الماضي.. فقد شجعت الحرب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على التحدث عبر الهاتف لأول مرة.
تريد الصين بالتأكيد على موقفها المحايد التحقق من الموقف الأخلاقي للولايات المتحدة، وإضفاء الشرعية على تدويل القضية والدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي لبدء عملية السلام، ومن ثم الإطاحة بواشنطن من مكانتها في المنطقة التي دامت عقوداً.. غير أن سياسة الصين معيبة وقاصرة، برأي الباحث.
في حين أخفقت إدارة بايدن في التعاطي مع الحرب الدائرة بطريقة متوازنة، إذ دعمت إسرائيل من دون قيد أو شرط، فقد حشدت القوة الدبلوماسية الأمريكية للتأثير على استجابة إسرائيل، وذلك للحيلولة دون امتداد الصراع خارج نطاق غزة والسماح بوصول المساعدات إلى المدنيين.
والواقع أن استجابة الولايات المتحدة الملتزمة هذه، قد تضع حداً لفكرة أن واشنطن رحلت عن الشرق الأوسط، ما يعزز دورها الإقليمي التقليدي.
وفي الوقت عينه، دفع "الحياد المعادي للغرب" للصين إسرائيل إلى الانتقام دبلوماسياً بالانضمام إلى المملكة المتحدة و50 دولة أخرى في الأمم المتحدة، لإدانة سياسات الصين ضد الإيغور في شينجيانغ.
تُظهر الحرب بين إسرائيل وفلسطين أن "الحياد المعادي للغرب" إجراء غامض ومقعد، فالحياد يمنع الصين من التأثير المباشر على هذه الأحداث الخطيرة بطريقة تخدم مصالحها.
وأشار الباحث إلى أن لدى الصين روابط اقتصادية قوية في المنطقة، فهي أكبر شريك تجاري لغالبية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ونحو نصف النفط الذي تستورده يأتي من منطقة الخليج.
وهذه المصالح الكبيرة ستوهنها الحروب الإقليمية وحالة عدم الاستقرار في المنطقة، غير أن القادة الصينيين ليس بوسعهم رؤية الأحداث سوى من منظور ضيق الأفق.
وأكد الباحث أنه يتعين على الصين الآن أن تدرك أن تخفيف حدة الاضطرابات بين المنافسين الإقليميين كالسعودية وإيران لا تشكل سلاماً بضرورة الحال.
دروس مستفادةوذكر الباحث أنه من بين الدروس الرئيسة المُستخلصة من الصراع هو أن وكلاء إيران كانوا على أهبة الاستعداد لإشعال فتيل الحروب في المنطقة لعرقلة التطبيع السعودي مع إسرائيل، ولن تكون مبادرات التكامل التي ترعاها الصين قادرة على الحيلولة دون أحداث مثيلة مستقبلاً.
وأبدت الولايات المتحدة التزامها المستمر تجاه إسرائيل وقدرتها على التأثير على السياسة الإسرائيلية، وحصرت الصين نفسها في الإعراب عن احتجاجها والدعوة إلى السلام.. غير أن عليها أن تدرك في هذه الأيام الحاسمة أن دبلوماسية الكلام الأجوف هي آخر ما تريده شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب الباحث أبو دوح.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل الصين أمريكا الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
هل تهدد الصين التحالف بين ترامب وماسك؟
توقع تقرير لمجلة "نيوزويك" أن تؤدي علاقة الملياردير الأمريكي إيلون ماسك بالصين إلى الإضرار بتحالفه مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وتهدد منصبه المتوقع في الإدارة الجديدة للبيت الأبيض.
ورشح ماسك الذي يترأس شركتي "تيسلا" و"سبيس إكس" لتولي منصب وزير الكفاءة الحكومية، التي أنشأت بالتحالف أيضا مع رجل الأعمال فيفيك راماسوامي .
وقال ترامب في بيان :"سوف يمهد هذان الأمريكيان الرائعان الطريق أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص اللوائح الزائدة، وخفض النفقات الباهظة، وإعادة هيكلة الوكالات الاتحادية".
ويأتي ذلك بعد أن أنفق ماسك، أغنى رجل في العالم، عشرات الملايين من الدولارات لمساعدة ترامب في الفوز بالانتخابات، وكان من أشد مؤيديه طوال الحملة.
ورغم العلاقات الوطيدة، يقول الخبراء إن هناك شيئاً واحداً قد يسبب خلافا بين ماسك وترامب، هو الصين.
وقال نيل توماس، زميل معهد السياسات التابع لجمعية آسيا، إن "ترامب وماسك ربما يختلفان؛ لأن الثاني قد ينتهي به الأمر إلى معارضة السياسات الاقتصادية الصارمة تجاه الصين".
يأتي ذلك بعد أن رشح ترامب اثنين من أبرز المعارضين للصين هما وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، في إشارة إلى نهجه العدائي تجاه العملاق الآسيوي.
وهدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وفرض عقوبات على السيارات الكهربائية الصينية التي يتم تصنيعها في المكسيك لتجنب الرسوم الجمركية، فضلاً عن إلغاء المزيد من الامتيازات التجارية المتبقية لبكين، مما قد يؤدي إلى إشعال حرب تجارية مع البلاد.
وقال ترامب في سبتمبر (أيلول):"الرسوم الجمركية هي أعظم شيء تم اختراعه على الإطلاق".
في المقابل، كان ماسك، حريصاً على عدم انتقاد الحزب الشيوعي الصيني، كون شركته تيسلا تمتلك مصنعاً ضخماً في شنغهاي، يقوم بتصنيع السيارات للسوق المحلية الصينية وكذلك في أستراليا ونيوزيلندا.
وقال في برنامج تلفزيوني في عام 2020: "الصين رائعة". كما هنأ الحزب الشيوعي الصيني بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيسه، بل وعُرض عليه ذات مرة الإقامة الدائمة في الصين.
وفي الوقت نفسه، عندما طلبت الصين من شركة تسلا إجراء تغييرات على سياراتها في عام 2021، واستدعت أكثر من 285 ألف مركبة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، امتثل ماسك فوراً. كما امتثل ماسك لاستدعاءات سيارات تسلا في الولايات المتحدة.
وعندما أغلقت الصين مصنعًا لشركة تسلا في عام 2022 لمدة 4 أيام، من أجل الامتثال لأمر البقاء في المنزل على مستوى المدينة من الحكومة الصينية، وسط ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، امتثل ماسك بهدوء، على الرغم من التحفظ في مواقف مماثلة في الولايات المتحدة.
على سبيل المثال، عندما أغلقت كاليفورنيا مصنعًا لشركة تسلا أثناء تفشي فيروس كورونا في ربيع عام 2020، ادعى ماسك أن السلطات الصحية في الولاية كانت "فاشية".
وأعرب ماسك أيضًا عن مخاوفه بشأن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين في الماضي.
وأجاب ماسك عندما سُئل عما إذا كان يشعر بالقلق بشأن "العداء المتزايد" بين الولايات المتحدة والصين، قائلاً: "أعتقد أن هذا يجب أن يكون مصدر قلق للجميع".
وفي وقت سابق من هذا العام، انتقد إدارة بايدن لرفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%.
وقال الملياردير في مؤتمر للتكنولوجيا في باريس: "لم أطلب أنا ولا تسلا هذه الرسوم الجمركية".
وأضاف: "الأشياء التي تمنع حرية التبادل أو تشوه السوق ليست جيدة".
تعليقاً على ذلك، تؤكد المؤرخة الرئاسية بجامعة أكسفورد لورا سميث أن تعيين ماسك قد يكون علامة على "افتقار ترامب إلى سياسة حاسمة" بشأن الصين، وهو ما قد يؤدي إلى الخلاف بين الرجلين.
وتابعت: "إذا نظرنا إلى إدارة ترامب الأولى، فمن الواضح أن العديد من أعضاء طاقمه كانوا يختلفون معه بسبب ولائهم الشخصي، وليس بسبب القضايا السياسية الجوهرية. وربما كان هذا انعكاسًا لافتقار ترامب للخبرة السياسية في ذلك الوقت، الأمر الذي جعله أقل التزامًا بالسياسات الحاسمة".
"كيسنغر جديد"ولكن في حين أن هناك احتمالا ًلحدوث خلاف بين الرئيس التنفيذي لشركة تسلا والرئيس المنتخب، فإن سميث وتوماس اتفقا على أن ماسك قد ينتهي به الأمر إلى تشكيل سياسات ترامب تجاه الصين، ما يساعد في إدارة العلاقات بين الدولتين.
وقالت سميث: "الآن بعد أن أصبح ترامب وماسك قريبين للغاية، يبدو أن ترامب يريد بقاءه إلى جانبه بالنظر إلى الثروة من الموارد التي يمتلكها ماسك لتشويه سمعة خصمه".
وأشارت إلى أن ترامب في نهاية المطاف "رجل أعمال يحترم نجاح ماسك"، وبالتالي فإن "علاقتهما الوثيقة قد تؤدي إلى أن يصبح الرئيس القادم أكثر استهدافًا في سياسته تجاه الصين ويختلف مع صقور الأمن في فريق السياسة الخارجية".
ويعتقد آخرون أن ماسك قد يكون بمثابة كيسنجر الجديد في الصين، حيث يساعد في التوسط في صفقة بين واشنطن وبكين.
ويُنسب إلى الدبلوماسي الأمريكي هنري كيسنغر، الذي توفي عام 2023، الفضل في تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بعد زيارته التاريخية لبكين في يوليو 1971.