إسرائيل والأمم المتحدة: توتر وعلاقة معقدة!
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
أثار الأمين العام للأمم المتحدة بتصريحاته الأخيرة حفيظة إسرائيل
لم تتأخر إسرائيل كثيراً في الإعراب عن غضبها: "لقد تجاوز أنطونيو غوتيريش الخط الأحمر وبرر الفظائع التي ترتكبها حماس"، بحسب متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية. كما دعا سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، إلى الاستقالة الفورية للأمين العام للأمم المتحدة.
وكان غوتيريش قد أدان بشدة هجوم حماس الدامي على إسرائيل، لكنه ذكر في الوقت نفسه أنه لم يأت "من فراغ"، وأن الفلسطينيين عانوا من "احتلال قمعي" من قبل إسرائيل لعقود من الزمن وأن إسرائيل ارتكبت "انتهاكات ضد القانون الإنساني الدولي في غزة".
أحدثت كلمات غوتيريش ضجة، وحتى في أروقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهاجم المندوبون هناك بعضهم البعض باتهامات كـ "الافتقار إلى التعاطف"، وفي المقابل، أصيب غوتيريش نفسه بالصدمة وقال بأنه "أسيء تفسيره".
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
معركة مشاريع قرارات
وظهر الصدع العميق، الذي يقسم الأمم المتحدة نفسها إلى معسكرين، مرة أخرى بعدها بوقت قصير في مجلس الأمن: حيث تم طرح مشروعي قرارين للمناقشة يوم الأربعاء (25 تشرين الأول/أكتوبر 2023). ويهدف مشروعا القرارين في الواقع إلى: ضرورة توقف القتال حتى يمكن إيصال المساعدات إلى قطاع غزة المعزول.
المسودة الأولى، التي قدمتها الولايات المتحدة، دعت فقط إلى وقف قصير لإطلاق النار، والاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس، ووضع حد لتسليح الجماعات المسلحة في غزة مثل حماس. وقد فشل مشروع القرار بسبب حق النقض الذي استخدمته الصين وروسيا.
وفي مسودتهما، دعا البلدان بدلاً من ذلك إلى وقف إطلاق النار وسحب دعوة إسرائيل للمدنيين إلى إخلاء شمال غزة والتوجه إلى جنوب القطاع في ضوء الهجوم البري الوشيك. ومشروع القرار الصيني-الروسي بدوره سقط بفيتو الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. ويسود الشك فيما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق.
معضلة الشرق الأوسط
لا توجد منطقة أزمة أخرى في العالم أصدرت الأمم المتحدة بشأنها قرارات مثل إسرائيل والأراضي الفلسطينية. وكانت العلاقة بين إسرائيل والأمم المتحدة متوترة على الدوام. هناك أغلبية ثابتة ودائمة من الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، تضع بانتظام وضع الفلسطينيين على جدول أعمال المنظمة الأممية على مدار سنوات، وتنتقد إسرائيل. وبالإضافة إلى الدول ذات الغالبية المسلمة، تبرز الكثير من الدول النامية في "عالم الجنوب".
بالنسبة لألمانيا، تنحاز برلين عند التصويت في العادة إلى موقف مشترك للاتحاد الأوروبي وتصوت اعتماداً على الموضوع. الولايات المتحدة وحدها تصوت دائماً لصالح إسرائيل.
وذكرت منظمة "رقابة الأمم المتحدة" غير الحكومية ومقرها جنيف، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت بين عامي 2015 و2022 حوالي 140 قراراً تنتقد إسرائيل في قضايا تتعلق، على سبيل المثال، ببناء المستوطنات أو ضم مرتفعات الجولان. وفي الفترة نفسها، لم يصدر سوى 68 قراراً آخر بشأن كل مناطق العالم الأخرى، من بينها خمسة تناولت إيران.
ويشعر الإسرائيليون منذ فترة طويلة بأنه تتم معاملتهم بشكل غير عادل من قبل الأمم المتحدة. ولعل هذا هو السبب الذي جعل رد فعل إسرائيل على كلمات أمينها العام حاداً بهذا الشكل.
قرارات مجلس الأمن الدولي ملزمة بموجب القانون الدولي
الفرق بين قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة
لكن المهم في هذا السياق هو أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست ملزمة بموجب القانون الدولي. فهي تمثل فقط مبادئ توجيهية أو مواقف للمجتمع الدولي بشأن بعض الصراعات والنزاعات وتقرر الجمعية العامة للأمم المتحدة القرارات بأغلبية الثلثين.
ولكن وفي المقابل، فإن قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ملزمة بموجب القانون الدولي؛ حيث يتم إصدارها ضد الدول أو أطراف النزاع التي تعرض الأمن الدولي للخطر أو تنتهك القانون الدولي أو حقوق الإنسان. ومع ذلك، يمكن منع إصدارها باستخدام حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به الدول الخمس الدائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا.
وعادة ما تستخدم واشنطن حق النقض لوقف القرارات المنتقدة لإسرائيل. وقد أدى ذلك إلى خلق وضع غريب للغاية حيث أن القرارات الـ 140 التي تنتقد إسرائيل والتي اتخذتها الجمعية العامة منذ عام 2015 لم يقابلها سوى قرار واحد لمجلس الأمن: في عام 2016، طالب بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وحتى في تلك المرة، لم تصوت الولايات المتحدة صراحةً لصالح القرار، بل امتنعت عن التصويت.
في هذه الأثناء، يلوح في الأفق بالفعل القرار رقم 141 في الجمعية العامة: الأردن ودول عربية أخرى تقدمت بمشروع قرار جديد يوم الجمعة (27 تشرين الأول/ أكتوبر)، يدعو إلى وقف إطلاق النار والوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وتوصف إسرائيل في مشروع القرار بأنها "قوة احتلال"ولم يتم ذكر حقها في الدفاع عن النفس، الأمر الذي انتقده مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان بشدة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً).
مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة دعا إلى الاستقالة الفورية للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو عوتيريش
الأمم المتحدة "ساعدت في ولادة إسرائيل"
كان يُنظر إلى الأمم المتحدة ذات يوم على أنها "ساعدت في ولادة إسرائيل". ففي عام 1947، أقرت الجمعية العامة، بما يخالف إرادة الدول العربية، خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، مما مهد الطريق لتأسيس دولة إسرائيل بعد ستة أشهر. وفي ذلك الوقت، كان عدد أعضاء الأمم المتحدة 57 دولة فقط. ونتيجة لذلك، وتحت تأثير موجة إنهاء وتصفية الاستعمار، استمر هذا العدد في الزيادة، حيث انضمت، على وجه الخصوص، العديد من البلدان النامية والناشئة إلى الأمم المتحدة، وبالتالي غيرت التوازنات السياسية في الجمعية العامة.
بعد حرب الأيام الستة لعام 1967 والاحتلال الإسرائيلي اللاحق لأراض فلسطينية وعربية، تدهورت العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة بشكل ملحوظ. ومنذ ذلك الحين، ارتفع عدد قرارات الجمعية العامة التي تنتقد إسرائيل بشكل لافت. يوجد الآن في كل اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بند في جدول الأعمال يتناول الوضع في الأراضي التي تحتلها إسرائيل.
في المقابل، شهدت السنوات الأخيرة خطوات دبلوماسية أصغر نحو دمج إسرائيل بشكل أكبر في الأمم المتحدة. إذ شغلت منصب نائب رئيس الجمعية العامة لأول مرة في عام 2012 ورئاسة لجنة الشؤون القانونية في عام 2016. ومع ذلك، ظلت علاقة إسرائيل مع الأمم المتحدة متوترة دائماً، وتصاعدت بشكل تام بعد انتقادات الأمين العام أانطونيو غوتيريش.
ولم يعتبر البرتغالي البالغ من العمر 74 عاماً يوماً ما في خانة منتقدي إسرائيل- بل على العكس من ذلك: في عام 2020 منحه المؤتمر اليهودي العالمي جائزة تيودور هرتزل. وقال رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، رونالد لاودر، في حفل التكريم: "على مدى سنوات عديدة، أثبتت أنك صديق حقيقي ومخلص للشعب اليهودي ودولة إسرائيل". واليوم يبدو أن زمن هذه الكلمات الدافئة قد ولّى.
توماس لاتشان/ خ.س
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: غزة إسرائيل حماس الأمين العام للأمم المتحدة انتقاد إسرائيل قرارات مجلس الأمن الاستيطان القانون الدولي حرب الأيام الستة المؤتمر اليهودي العالمي غزة إسرائيل حماس الأمين العام للأمم المتحدة انتقاد إسرائيل قرارات مجلس الأمن الاستيطان القانون الدولي حرب الأيام الستة المؤتمر اليهودي العالمي الجمعیة العامة للأمم المتحدة الولایات المتحدة القانون الدولی الأمم المتحدة مجلس الأمن من الدول فی عام
إقرأ أيضاً:
قرار إسرائيل حظر الأونروا في القدس يدخل حيز التنفيذ
دخل قرار سلطات الاحتلال حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس الشرقية حيز التنفيذ اليوم الخميس.
وغادر الموظفون الدوليون في الوكالة مدينة القدس الشرقية لانتهاء مفعول تصاريحهم الإسرائيلية فيما لم يتواجد الموظفون المحليون في مقار الوكالة.
وكانت سلطات الاحتلال أمرت الأونروا بإخلاء جميع منشآتها في القدس الشرقية ووقف عملياتها فيها بحلول اليوم.
وجاء القرار في رسالة وجهها الممثل الدائم لإسرائيل في الأمم المتحدة داني دانون إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش يوم 24 يناير/ كانون الثاني الجاري.
ومنذ ذلك الحين أخلت "الأونروا" مقرها الرئيس في حي الشيخ جراح الذي تتواجد فيه منذ العام 1951 وعيادة بالبلدة القديمة في المدينة ومدارس في المدينة بما فيها مركز تدريب مهني.
هجمات وعنف واعتقالاتوقالت الأونروا في تصريح مكتوب "تعمل الأونروا في جميع أنحاء القدس الشرقية المحتلة منذ خمسينيات القرن الماضي. وتوفر الوكالة الرعاية الصحية الأولية لما مجموعه 70 ألف مريض إلى جانب 1150 طالبا وطالبة في مدارس وعيادات الأونروا".
وأضافت "المقر الرئيسي للأونروا في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة، حيث تتواجد الوكالة منذ أكثر من 70 عاما، هو مركز عمليات الوكالة في الضفة الغربية المحتلة التي تشمل القدس الشرقية".
إعلانوتابعت "مجمع قلنديا هو مركز تدريب مهني لما مجموعه 350 طالبا وطالبة (تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة)، ويقع على أرض أتاحتها الحكومة الأردنية للأونروا".
وأردفت "على مر السنين، كانت هناك محاولات متكررة لإجبار الأونروا على إخلاء المبنى في الشيخ جراح، بوسائل عدة بما في ذلك من خلال هجمات الحرق المتعمد والاحتجاجات من قبل المتطرفين ورسائل الإخلاء. وقد تعرض موظفو الأونروا للعنف والاعتقالات".
جيش الاحتلال دمر عددا من مقرات ومدراس تابعة للأونروا في غزة (الفرنسية) طرد إسرائيليوقال المتحدث باسم وكالة "الأونروا" جوناثان فاولر لموقع الأمم المتحدة، الأربعاء "تم تقصير مهلة التأشيرات للموظفين الدوليين لتنتهي يوم 29 يناير/ كانون الثاني، وهو ما يعادل الطرد. لذا، أنا وبقية الزملاء الدوليين الذين كانوا في مقر الأونروا في القدس اليوم، انطلقنا إلى عمان (الأردن)، وقد وصلت للتو إلى الأردن".
وأضاف "التزامنا بالامتثال للقرار ينشأ من حقيقة أن أي شخص يعمل لصالح الأمم المتحدة في أي مكان لابد وأن يحصل على تأشيرة من البلد أو السلطات التي يعمل بها. ونحن لا نمارس عملنا في ظل انتهاك للقانون حتى لو كان يعني أن نفعل ذلك مكرهين، وهذا يعادل إعلاننا كأشخاص غير مرغوب فيهم. كان لزاما علينا الامتثال، ولم يكن لدينا أي خيار آخر".
وتابع "الموظفون الدوليون في المقر الرئيسي نقلوا إلى مكان آخر حتى يتسنى لنا استئناف عملنا، والذي بالطبع ليس لدينا أي رؤية بشأنه".
وأردف "أما الموظفون المحليون – الذين يشكلون بالطبع الأغلبية بين موظفينا – لن يكونوا موجودين في المجمع بسبب المخاطر التي يمكن أن يواجهونها، خاصة عندما تكون هناك مظاهرات تنظمها حركات إسرائيلية مختلفة حول المقر في القدس الشرقية".
تتعرض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين باستمرار للتحريض الإسرائيلي (غيتي) مخطط استيطانيوكان نائب رئيس بلدية القدس الغربية اليميني المتطرف أرييه كينغ دعا من خلال منصة "إكس"، أمس الأربعاء، للتجمع قبالة مقر "الأونروا" بالشيخ جراح والاحتفال بمناسبة إخراج الوكالة الأممية من مدينة القدس.
إعلانوسبق لكينغ أن أعلن في الأشهر الماضية إعداد مخطط لبناء 1440 وحدة استيطانية مكان مقر الأونروا في الشيخ جراح البالغة مساحته عدة آلاف متر مربع.
وكانت الأمم المتحدة دعت إسرائيل مرارا للتراجع عن القرار ولكن بدون جدوى.
وردت المحكمة العليا الإسرائيلية، مساء الأربعاء، التماسا قدمه المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل "عدالة" لإصدار أمر قضائي مؤقت بوقف الإجراءات ضد "الأونروا".
وقال مركز عدالة (غير حكومي) في تصريح مكتوب "رفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طلبًا بإصدار أمر قضائي مؤقت تقدمت به مؤسسة عدالة مع التماسها ضد قانونين يهدفان إلى وقف عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)".
وأضاف " قدم مركز عدالة الالتماس في 16 يناير/ كانون الثاني الجاري نيابة عن عشرة لاجئين فلسطينيين سيتأثرون بشدة بالقوانين، بالتعاون مع مركز غيشا – المركز القانوني لحرية الحركة" وهي مؤسسة إسرائيلية غير حكومية.
وذكر مركز عدالة إن " قرار المحكمة العليا جاء بعد أن قدمت الدولة والكنيست ردودهما على طلب الأمر القضائي المؤقت، حيث أصرا على التنفيذ الفوري للقوانين، المقرر أن تدخل حيز التنفيذ غدًا (اليوم)، مع تجاهل العواقب الإنسانية الكارثية".
قصفت قوات الاحتلال عدة مدارس تابعة للأونروا كانت تؤوي نازحين (الأناضول)
ولفت إلى أنه يخشى من تأثير القرار الإسرائيلي ليس فقط على عمل "الأونروا" في القدس الشرقية وإنما أيضا في قطاع غزة والضفة الغربية.
وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتأسيس الأونروا في عام 1949 وفوضتها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجلين في مناطق عمليات الوكالة إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم.
وتعمل الأونروا في الضفة الغربية، والتي تشمل القدس الشرقية، وقطاع غزة، والأردن، ولبنان، وسوريا.
ويتم تمويل الأونروا بالكامل تقريبا من خلال التبرعات الطوعية.
وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، صدّق الكنيست نهائيا وبأغلبية كبيرة على قانونين يمنعان الأونروا من ممارسة أي أنشطة داخل إسرائيل وسحب الامتيازات والتسهيلات منها ومنع إجراء أي اتصال رسمي بها.
إعلانوتزعم إسرائيل أن موظفين لدى الأونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر 2023، وهو ما نفته الوكالة، وأكدت الأمم المتحدة التزام الأونروا الحياد، وتتمسك بمواصلة عملها، وترفض الحظر الإسرائيلي.
وتعاظمت حاجة الفلسطينيين إلى الأونروا، أكبر منظمة إنسانية دولية، تحت وطأة حرب إبادة جماعية شنتها إسرائيل بدعم أميركي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدى أكثر من 15 شهرا.