التدخل في شؤون الغير تطفّل على الخصوصية
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
تساؤلات لا معنى لها وتدخّل في شؤون الغير بلا حدود! هذا ما علّقت عليه بعض النساء مشيريات إلى أن تلك التدخلات والتساؤلات تسبب إزعاجًا وإحراجًا ومضايقة البعض منهن أمام الآخرين،وقد دعون الجميع إلى ضرورة الارتقاء في الحديث في المجالس العامة وغيرها. وأشار أخصائيون نفسيون أن النساء أصبح لديهن وعي كامل في التعامل مع الضغوطات النفسية والاجتماعية، وأن دسّ الناس أنوفهم وآذانهم في شؤون غيرهم يحملنا إلى نقطة مهمة في كيفية وضع حدود التعامل مع الآخرين.
تقول بلقيس البلوشية: أتعجب من كثرة تساؤلات بعض الأشخاص في حال لم تحمل المرأة، صحيح أن الإنجاب هو أحد أهم أسباب الزواج ونتائجه، لكن لا بد أن ندرك أن عدم القدرة على الإنجاب هو ليس بالضرورة مسؤولية المرأة وحدها، وهو أمر شائع في الكثير من المجتمعات ، والإنجاب مسؤولية مشتركة بين الزوجين، بمعنى أن ثمة أسبابا لدى الزوج والزوجة في ذات الوقت تمنع الحمل، وتؤدي إلى تأخره وفي النهاية هو قدر الله وأمره وهذه حقيقة لابد من الإيمان بها.
قلة الوعي
تشاركها الرأي فاطمة بنت سعيد الوهيبية: الاستفسارات المطروحة عن عدم الإنجاب يسبب حرجًا كبيرًا للمرأة خصوصا إذا كان الكلام أمام الناس، وعلى الزوج تحمّل مسؤوليته، ونصح من حوله بعدم التحدث في موضوع الحمل والإنجاب أمام الزوجة، حتى لا تجرح مشاعرها، ولأن الإنجاب رغبة وقرار بيد الزوج و الزوجة قبل أن يكون رغبة من حولها، وتأخرّه قد يكون سببه حالة مرضية، مثله مثل باقي الأمراض التي تصيب الناس، والكثير من النساء تأخرن في الحمل، ولكن مع العلاج، وضبط الوزن من خلال الحمية الغذائية، حملن وأنجبن.
ترى بدرية بنت حمود النعمانية أن بعض الأشخاص ممن لديهم قلة وعي وعدم الإحساس بمشاعر الآخرين في مضايقاتهم للفتيات عن سبب تأخّر زواجهن ،و أتفهم مشاعر الفتاة التي لم تتزوج رغم كبر سنها إلا أن أكثر ما يحزننا هو نظرات الفتيات حولها وإشفاقهن عليها، وعليها أن تعي أن العبرة ليست في الزواج بحد ذاته، بل هي في اختيار الزوج الصالح المناسب لها وفي جاهزيتها للزواج، وعلى كل فتاة لم تتزوج أن تضع في عين الاعتبار أن الزواج كونه رزقا من الله فهو يأتي في الوقت الذي يريده الله لا في الوقت الذي نحن نريده، ونرى جميعا حالات الطلاق المتكررة في مجتمعاتنا وهذا يضفي إلى أن الاختيار المناسب هو الأجدر للحياة الزوجية.
حدود التعامل
من جهتها قالت هيفاء بنت أحمد الشنفرية مؤسسة مركز وعي للاستشارات الأسرية : إن الوعي أصبح يلعب دورا مهما في وقتنا الحالي، فنجد الكثير من النساء أصبح لديهم الوعي الكافي في التعامل مع مشكلات الضغوطات الاجتماعية تجاه عدد من الموضوعات والقضايا التي قد تشكل عبئًا على كتف العديد من الناس كموضوع الزواج أو الوظيفة أو الإنجاب على سبيل المثال لا الحصر، كما إنه أصبح ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة أن المرأة لم تعد تتردد باللجوء إلى طلب المساعدة من مختص سواء كان أخصائيا نفسيا أم اجتماعيا أو من مدرب في مجال التنمية البشرية ، كما أنها قد تسجل في العديد من الدورات في هذه التخصصات لمساعدة نفسها، و مما يبدو أن النسبة تزداد مع تقدم السنوات.
وأوضحت الشنفرية : لعل أهم شيء يجب أن نعلمه أن هذه الأمور (الزواج والوظيفة والإنجاب) هي أرزاق من الله سبحانه وتعالى فليس لنا دور في التحكم فيها سوى أن نسعى ونتوكل على الله، كما علينا أن ندرك من قيم الإسلام الأساسية عدم السؤال عمّا يحرج الآخرين وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة وهي كيفية وضع حدود في التعامل مع الآخرين وهنا علينا أن ننوّه أن هناك فرقا بين الحدود والسدود، فالإنسان بطبعه مدنيا ولكن عليه أن يتعلم كيف يتعامل مع مثل هذه المواقف بحيث يشعر الطرف الآخر بأنه لا يرغب في الإجابة ولا يفضّل هذا النوع من الأسئلة، كأن يقول : (أتفهم اهتمامك ولكن ليس لدي إجابة على هذا السؤال، أو اعذرني ليست لدي إجابة على هذه الأسئلة وشكرا لاهتمامك)، وطبعا ليس علينا أن نكون عدائيين تجاه السائل إنما هي طريقة لسد باب الأسئلة التي قد لا تتناسب معنا إلا في حالة تكرارها فهنا لابد من اتخاذ موقف معين.
الضغوطات النفسية
أما بالنسبة للضغوط النفسية التي يسببها الضغط المجتمعي تجاه النساء وخاصة نحو مواضيع الزواج والإنجاب، قالت الشنفرية: في الوقت الراهن يعتمد ذلك على قيمة الموضوع لدى المرأة، فمن الملاحظ مع خروج المرأة للعمل وتقلدها العديد من المناصب فإن القيم الفردية تغيرت فمنهن من ما زال الزواج والإنجاب يشكل قيمة أساسية مهمة،ومنهن من يرى أن العلم والعمل والاستقلالية المادية قيم أهم من الزواج والإنجاب، ورغم هذا قد تشكل هذه المواضيع في مرحلة ما ضغطا نفسيا على المرأة وقد يسبب لها مشكلات نفسية كالقلق وقد يؤدي إلى الاكتئاب إذا لم تستطع التعامل مع هذه الضغوطات ،وهنا على المرأة أن تحدد ما هو السبب الحقيقي لهذا القلق هل هو خوف من عدم الزواج أو الحصول على الوظيفة أو الإنجاب أم بسبب خوف من ضغط المجتمع أو سبب آخر ، فإن كان السبب الخوف هنا تعمل على التعامل مع الشعور بإقراره أنها خائفة وقلقة والتعلم كيفية التعامل معه سواء بالتنفس الاسترخائي،وتغيير الأفكار، بممارسة العمل أو إتقان هواية ،أما إن كان بسبب ضغط المجتمع فهنا عليها أن تتعلم وضع الحدود، والتركيز على أهدافها ،ولا بأس من اللجوء لمختص للتعامل مع هذه الضغوطات مهما اختلفت أسبابها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التعامل مع
إقرأ أيضاً:
الخُلع.. تشخيص لبعض الأسباب والآثار والحلول
صالح بن سعيد بن صالح الحمداني
في مجتمعاتنا العربية، يُعد الخُلع أحد أبرز الوسائل القانونية التي أتاحها الإسلام للمرأة لحماية كرامتها وحقوقها النفسية والاجتماعية، حين تُصبح الحياة الزوجية غير قابلة للاستمرار، ومعنا في السلطنة كما في معظم الدول العربية، شهدت المحاكم ازديادًا ملحوظًا في عدد قضايا الخُلع خلال السنوات الأخيرة، مما يستدعي التوقف عند هذه الظاهرة لفهم جذورها، آثارها، وسبل الحد منها.
ولنقف أولاً لتعريف الخُلع فما هو؟ الخُلع هو فسخ عقد الزواج بناءً على طلب الزوجة، مقابل تنازلها عن المهر أو جزء منه بهدف إنهاء العلاقة الزوجية بشكل قانوني وشرعي دون الحاجة لإثبات الضرر كما هو الحال في الطلاق للضرر.
الأساس الشرعي للخُلع موجود في القرآن الكريم في قوله تعالى "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ" (البقرة: 229).
وقد طبّقه النبي محمد ﷺ مع زوجة الصحابي ثابت بن قيس، حين طلبت الخلع لأنها لا تطيق العيش معه رغم عدم تقصيره في حقها.
أما الإطار القانوني للخلع في السلطنة؛ فهو يندرج ضمن قانون الأحوال الشخصية (الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 32/97 وتعديلاته)، ويمنح المرأة الحق بطلب الانفصال عن زوجها شريطة أن تتنازل عن جميع حقوقها المالية الناتجة عن الزواج (مثل المُؤخر).
ويُعرف الخلع بأنَّه إجراء قانوني تطلب فيه الزوجة الطلاق من زوجها مقابل تنازلها عن حقوق مالية معينة، مثل المهر أو جزء منه. وتُعيد له ما دفعه كمهر إن أمكن، وتقر أمام المحكمة أنها لا تستطيع الاستمرار في الحياة الزوجية.
وتقوم المحكمة بمحاولة الإصلاح أولًا، وإذا ثبت أن لا أمل في استمرار الزواج، يتم الحكم بالخلع.
ومن الأسباب الشائعة لقضايا الخلع نجد سوء المعاملة في مقدمتها؛ فالعديد من الزوجات يلجأن للخلع بسبب العنف اللفظي أو الجسدي أو الإهمال المستمر من الزوج، مما يجعل الحياة لا تطاق ولغياب التفاهم والاختلاف الكبير في الطباع، أو التوقعات الخاطئة من الطرفين قبل الزواج، يؤدي إلى خلافات عميقة يصعب إصلاحها.
والتدخلات العائلية من العوامل التي تؤدي للخلع مثل تحكم أهل الزوج أو الزوجة في تفاصيل الحياة اليومية تؤدي إلى فقدان الاستقلالية والراحة النفسية.
الخيانة الزوجية سواء أكانت خيانة فعلية أو مجرّد شكوك متكررة، فهي سبب شائع لانهيار الثقة وبالتالي المطالبة بالخلع، بينما ضعف الوعي الزواجي من أحد الطرفين أو الطرفين معًا؛ فالكثير من الأزواج يدخلون الحياة الزوجية بدون فهم حقيقي لمعناها ومسؤولياتها، مما يجعلهم عاجزين عن التعامل مع ضغوطها.
ونتيجة لما سبق وأكثر قد يكون من الأسباب التي لم نتطرق لها نجد الآثار الاجتماعية والنفسية للخلع سواء على الزوجة فهي قد تشعر بالراحة النفسية فور تحررها من تلك العلاقة المؤذية ولكن في المقابل تعاني بعض النساء من نظرة المجتمع السلبية أو الوحدة، خاصة إذا كانت أمًّا لأطفال.
أما الزوج أيضا فهناك آثار قد يشعر بعض الأزواج بالصدمة خصوصًا إذا لم يروا أن الزواج كان في أزمة.
وفي حالات قد يستخدم بعض الأزواج الخلع كوسيلة للتنصل من المسؤوليات القانونية، وهو ما يشكّل خللًا قانونيًا وأخلاقيًا.
أما الحلقة الأضعف في هذا الموضوع فهم الأطفال كالطلاق تمامًا؛ فالأطفال غالبًا ما يكونون الضحية الصامتة، يعانون من التشتت والضغط النفسي، خاصةً إذا لم يُدر الانفصال بحكمة.
ونجد آثاره على المجتمع في ازدياد نسب الخلع؛ فهو مؤشر على وجود مشكلات عميقة في الثقافة الزوجية؛ فانتشار هذا النمط من الطلاق يمكن أن يضعف بنيان الأسرة كمؤسسة مستقرة وفاعلة.
الوضع معنا في السلطنة بارتفاع ملحوظ ومقلق؟ تشير الحالات في واقع الحياة إلى أن قضايا الخلع شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في بعض الولايات خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
أغلب هذه القضايا مقدمة من زوجات شابات لم يمضِ على زواجهن أكثر من 3 سنوات، وغالبًا لأسباب تتعلق بسوء المعاملة أو الخلافات المادية.
أيضًا ازداد الوعي القانوني عند النساء رغم أنه أمر إيجابي، لكنه في نفس الوقت كشف عن هشاشة بعض العلاقات الزوجية، وقد يكون لدى البعض ضعف الوعي والإدراك للعواقب التالية التي قد تكون بعد هذه الخطوة.
المحاكم وقضايا الخُلع ما الذي يحدث فعلًا؟
وتشهد محاكم في السلطنة قضايا خلع، وغالبًا ما تكون الجلسات مليئة بالتوتر يُطلب من الطرفين حضور جلسات صلح؟ فإذا أصرّت الزوجة، تُحكم المحكمة بالخلع دون الحاجة لإثبات الضرر.
بعض الأزواج يرفضون إعادة المهر، مما يعقّد القضية.
المحامون يؤكدون أن قضايا الخلع أصبحت تمثّل من القضايا ذات النسبة الكبيرة من قضايا الأحوال الشخصية، وغالبًا ما يتم البت فيها بسرعة مقارنة بالطلاق العادي، ما يشير إلى حاجة لتدخلات اجتماعية قبل أن تصل العلاقة إلى هذا الحد.
من بين الحلول والعلاج المقترح اول ما نتطرق له التأهيل قبل الزواج دورات توعوية إلزامية حول المسؤوليات الزوجية، وتوفر الإرشاد الأسري بتوفير مراكز متخصصة للاستشارات الزوجية والإعلام الهادف لتوعية مجتمعية بقيم التسامح والتفاهم أمرًا مهمًا وبالغًا؟ كما إننا نجد تغليظ العقوبات على العنف الأسري حماية المرأة بشكل فعال، ومن اهم طرق العلاج: دعم المرأة بعد الخلع نفسيًا واقتصاديًا لتبدأ حياة جديدة بثقة مهم جدا فقد تكون طلبت ذلك بناء على سوء معاملة او أمرا مجبرا لها أيًّا كان نوعه.
وفي ختام الحديث.. نقول إن الخُلع ليس نهاية؛ بل قد يكون احيانًا بداية جديدة، لكنه يبقى خيارًا صعبًا يأتي بعد معاناة، وقد يكون قرارًا خاطئًا إن لم يكن له من الاسباب والمبررات الشديدة التي قد توصل إليه. والمطلوب اليوم ليس فقط تسهيله قانونيًا واللجوء للمحاكم؛ بل العمل على تقليل الحاجة إليه من الأساس، من خلال التوعية، والدعم، والتفاهم الحقيقي بين الأزواج ونحتاج كثيرا لفهم معاني جليلة وعظيمة من كتاب الله ثم هدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللتفكير الجيد والتأمل في العلاقة الزوجية وجعل امام أعيننا هذه الآية العظيمة "وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلۡفَضۡلَ بَیۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ" (البقرة: 237).