إلى متى ضرب وحدة قوى الثورة بفزاعة الهبوط الناعم؟

رشا عوض

في سياقنا السوداني حالياً، أي تشغيل لأسطوانة الهبوط الناعم هو “خرف سياسي بامتياز”

الخيار الوحيد المتاح أمام قوى مدنية تسعى للتغيير بوسائل سلمية هو الهبوط الناعم، بمعنى تفاوض جدي مع سلطة الأمر الواقع على شروط الانتقال إلى مربع سياسي جديد،

حتى لما تندلع الثورات أو الانتفاضات وتطيح برأس سلطة الأمر الواقع كما حدث في ثورة ديسمبر المجيدة التي أطاحت بالبشير، يظل النظام القديم عقبة أمام التغيير وجزء من المعادلة السياسية، لأن التغيير السلمي قصاراه هي أن يخلق أوضاعاً تدفع المؤسسة العسكرية لعزل رأس النظام، وبالتالي تجد قوى التغيير السلمي نفسها مجبرة على التفاوض مع ممثلي النظام القديم على شروط الانتقال إلى مربع جديد، مواصفات المربع الجديد وضمانات التقدم إلى الأمام باضطراد رهينة لوحدة وتماسك وتنظيم وفاعلية وكفاءة القوى الراغبة في التغيير نحو أوضاع أكثر عدلاً وديمقراطيةً واستجابةً للمصالح العامة، هذا هو منطق التغيير السلمي، وعلى هذا الأساس فإن كل من يعتقد أن الهبوط الناعم هو قنبلة ناسفة للمشروعية السياسية وكرت أحمر للطرد من ميدان النضال الديمقراطي فعليه أن يشرح لنا بالتفصيل الممل طريقته في التغيير عبر الهبوط الخشن، ففي الثالث عشر من أبريل عندما تكون المجلس العسكري فاوضته قوى الحرية والتغيير تحت وطأة الأمر الواقع، فهذه المؤسسة العسكرية كانت الذراع التنفيذي لاقتلاع البشير من القصر الجمهوري وإيداعه السجن، لو قلنا إن التفاوض خيانة وكان يجب أن تستمر الثورة حتى الإطاحة بالمجلس العسكري ففي ذلك ذهول عن طبيعة الواقع السوداني وتعقيداته المستجدة ممثلة في معضلة قوات الدعم السريع، هذه القوات قبلت بالإطاحة بالبشير والتقت إرادتها ساعة الإطاحة بالبشير مع إرادة الجيش الذي يسيطر عليه الكيزان، ولعبت قوات الدعم السريع دوراً حاسماً في استبعاد كل اللجنة الأمنية بقيادة عوض بن عوف، فلم يتبق من تلك اللجنة الأمنية سوى حميدتي نفسه الذي قلب ظهر المجن للكيزان، ليس من أجل الثورة أو الديمقراطية بل من أجل مصلحته الوجودية، لو اختار الثوار طريق الاستمرار في الثورة للإطاحة تماماً بالمجلس العسكري الجديد وهو بالمناسبة ليس اللجنة الأمنية التي كانت مكونة من كيزان من العيار الثقيل مثل كمال عبد المعروف وصلاح قوش وعمر زين العابدين ومصطفى محمد مصطفى وغيرهم، لو اختار الثوار الاستمرار في الثورة وتهيئة البلاد لتغيير جديد يطيح بالبرهان وحميدتي، فهذا معناه أنهم يرغبون في تحرك ضباط جدد من المؤسسة العسكرية لاقتياد البرهان وحميدتي إلى كوبر، ومؤكد هؤلاء الضباط سيكونون من الكيزان بدون أدنى شك، لأن الجيش محتل كيزانياً على مستوى دماغه ومفاصله القيادية، في هذه الحالة مؤكد حميدتي سوف يشتبك عسكرياً مع الكيزان مثل اشتباكه معهم الآن! فهل كانت قوى الثورة تمتلك ذراعاً عسكرياً للإطاحة بالبرهان وحميدتي وهزيمة الكيزان في ضربة واحدة قاضية؟ طرحت هذا السؤال على قوى التغيير الجذري مراراً وتكراراً دون جدوى! وما زلت اتحداهم بتقديم إجابة منطقية تحترم قواعد المنطق البسيط والمعطيات الواقعية للسياق السوداني الماثل أمامنا لا المتخيل.

الكيزان لأنهم يريدون استدامة سيطرتهم ولا يحتملون أدنى تغيير ناهيك عن التحولات الجوهرية أشعلوا هذه الحرب، والآن الصراع المسلح على أشده بين الجيش مدفوعاً من الكيزان وبين الدعم السريع، وأكبر تحدي أمام الشعب السوداني الآن هو إيقاف هذه الحرب بنصر للشعب السوداني لا لأحد طرفيها، ونصر الشعب السوداني بأن يتوقف القتال وتبدأ عملية سياسية للتحول الديمقراطي تنتهي بخروج العسكر بكل فصائلهم من السياسة والاقتصاد، وهذا الهدف يتطلب تحقيقه اصطفافاً مدنياً موحداً وقوياً، فبدلاً من تقسيم قوى الثورة والتغيير إلى جذريين ودعاة هبوط ناعم يجب أن ينسق الفريقان جهودهما في مواجهة العدو الاستراتيجي لأي شكل من أشكال التغيير سواء كان جذرياً أو سطحياً، وهذا العدو هو الكيزان وكتائب ظلهم والعسكر الراغبين في الدكتاتورية العسكرية بواسطة الجيش أو المليشياوية بواسطة الدعم السريع، بصراحة لم أفهم ما هو مكان حديث الهبوط الناعم من الإعراب في سياقنا هذا؟ من الذي يمتلك خيار الهبوط الخشن أصلاً؟ بمعنى من يمتلك جيشاً قادراً على دحر الكيزان وكتائبهم وإلحاق الهزيمة الساحقة بما تبقى من الجيش وإلحاق هزيمة مماثلة بالدعم السريع وتحرير البلاد تماماً من سيطرة هذا المثلث كيزان وجيش ودعم سريع ثم إقامة البديل السياسي الاقتصادي المختلف جذرياً وبعد ذلك يصبح السودان هو منصة الانطلاق إلى تحرير العالم أجمع من الإمبريالية والنيولبرالية وشنق آخر كمبرادور في الكرة الأرضية بأمعاء آخر جندي في حلف شمال الاطلسي!

نحن كقوى مدنية لا تمتلك سوى وسائل النضال السلمي ليس أمامنا سوى الاستثمار في وحدتنا وقدراتنا السياسية وتعظيمها بالعمل المشترك حتى نكون رقماً أساسياً في معادلة توازن القوى ومن ثم نفرض أجندة وأهداف الثورة في أي عملية تفاوضية لوقف الحرب وإحلال السلام.

من المضحكات المبكيات أن بعض دعاة التغيير الجذري الآن تحولوا إلى بلابسة! وانخرطوا في أكبر عملية غسيل للكيزان من وزر إشعال الحرب ولم يكتفو بذلك بل حاولوا إخراس من تصدى لتعرية الكيزان وفضح أجندتهم ومدى تمكنهم من الجيش لدرجة توريطه في حرب لا تخصه، عبر الإرهاب المعنوي ممثلاً في لوثة الكيزان والكيزانوفوبيا وغيرها! وهنا أيضاً أطرح سؤالاً على البلابسة الجذريين: ما هي الأوضاع التي تستهدفونها بالتغيير الجذري اصلاً؟ أليست هي تركة نظام الكيزان التي مثلت أكبر عدوان على الشعب السوداني في تاريخه؟ كيف نتخلص من تركة نظام الكيزان جذرياً عبر التواطؤ مع موقفهم من الحرب التي أشعلوها خصيصاً لإغلاق أي نافذة مفتوحة على التغيير ولو بشكل جزئي ناهيك عن التغيير الجذري!

الوسومالإمبريالية التغيير الجذري الجيش الدعم السريع السودان الكيزان النيوليبرالية الهبوط الناعم رشا عوض عوض بن عوف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الإمبريالية التغيير الجذري الجيش الدعم السريع السودان الكيزان النيوليبرالية الهبوط الناعم رشا عوض التغییر الجذری الهبوط الناعم الدعم السریع قوى الثورة

إقرأ أيضاً:

الجيش السوداني بين الضرورات والمحظورات

أماني الطويل
تتعدد المسارات الراهنة بشأن محاولة وقف إطلاق النار في السودان. الملمح الرئيسي لهذه المرحلة على الصعيد الدولي هو محاولة خلق مداخل متزامنة وتواز بين المسارين السياسي والعسكري ربما لأول مرة، حيث شهدنا خلال الشهور الـ١٥ الماضية في الحرب السودانية تنازعًا إقليميًا على المبادرات، رغم المحاولات المصرية المبكرة منذ يوليو/تموز ٢٠٢٣ في صهر كل المبادرات في مسار واحد خلال مؤتمر دول جوار السودان.

الجيش السوداني بين الضرورات والمحظورات
المطروح حاليًا، مبادرة هي العاشرة من نوعها من المنصة السويسرية برعاية أمريكية سعودية لجمع الطرفين العسكريين، بعد أن نجحت القاهرة في بلورة مؤتمر للأطراف السياسية حضره غالبية القوى والرموز السياسية السودانية.

الجديد أنه بالتوازي مع المبادرة الأمريكية السعودية المشتركة، فإنّ هناك مجهودًا في جيبوتي تحت رعاية كل من الجامعة العربية ومنظمة إيغاد، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بجانب الرياض وواشنطن، بشأن دعم جهود وقف إطلاق النار في السودان عبر مناهج جديدة أكثر تماسكًا، من أهمها "التنسيق بشأن الاستجابة لقضية توحيد الجهود وضمان تكامل المبادرات للسلام بما يضمن نتائج تعزز بعضها البعض".

عناصر التعقيد ترتبط بالاعتقاد أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال
وذلك عبر نهج منسق متعدد الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، حيث تم دعم منصة سويسرا والإشادة بالجهود السابقة عليها، والتعهّد بمواصلة جهود التنسيق الدولي والإقليمي بشأن الأزمة وذلك في مؤتمر يعقد في نيويورك سبتمبر/أيلول القادم.

هذا المشهد الدولي والإقليمي بشأن السودان والذي توافق على فكرة التنسيق لا الصراع يملك عددًا من المعطيات التي يجب أن تبحثها الأطراف السياسية الداخلية في السودان لتحدد كل منها خارطة طريق، إما للالتحاق بالمجهود الراهن أو الخروج من المعادلة بالكلية، وعدم ضمان استمرار دولة السودان.

أولًا: أنّ تعقيد الأزمة السودانية قد فرض الاعتراف بكل الأطراف العسكرية والسياسية ومن هنا نشأت الدعوة للتنسيق وتدشين مناهج جديدة.

ثانيًا: أنّ منهج تنسيق المبادرات هو عودة لما طرحته القاهرة في يوليو/تموز ٢٠٢٣ من ضرورة الأخذ بمصالح جميع الأطراف الإقليمية دون عزل لأي طرف مهما كانت الأسباب المرتبطة بالموقف الدولي من هذا الطرف أو ذاك.

ثالثًا: أنّ لكل من القاهرة والرياض وأبو ظبي أدوارًا قائدة في هذا المشهد في المنصات المختلفة، وبالتالي فلا طريق أمام أي طرف داخلي سوداني إلا بوضع هذه الحقيقة نصب عينيه والتعامل معها.

وإذا كان وقف إطلاق النار في السودان هو هدف إقليمي ودولي فهو غير معزول أبدًا عن مجمل معادلة اليوم التالي للحرب التي من المطلوب بلورتها في هذه المرحلة رغم حالة التعقيد المحيطة بها، ذلك أنه دون التوافق على عملية ومعادلات سياسية سودانية داخلية فلا سبيل لوقف إطلاق النار.

المعضلة الرئيسية حاليًا أمام استكمال ضفيرة المجهودات المجمعة لوقف الحرب السودانية هي موقف الجيش السوداني الذي يتسم بحالة من التعقيد عبّر عنها ببيان صادر من الخارجية السودانية بشأن مبادرة السلام في منصة سويسرا.

عناصر التعقيد ترتبط باعتقاد مرتبط بالذهنيات العسكرية عامة أنّ إحراز المكاسب على موائد التفاوض، مرتبط بإحراز النصر في ميادين القتال، وإذا كانت هذه المقولة صحيحة في الاستراتيجيات العسكرية فهي تخالف الواقع السوداني الذي عوّدنا على التفرّد والتعقيد وذلك للأسباب التالية:

- أنّ الشرعية السياسية والدستورية للجيش محفوظة ومرتبطة بالمصالح الإقليمية والدولية في منطقة ملتهبة على الصعيد الجيوسياسيي. من هنا فإنّ وزن الجيش محفوظ على مائدة التفاوض وهو مرهون بأدوار مستقبلية محجوزة له كجيش قومي للسودان، دون أي تحالفات سياسية، وهي الأمور التي تعطيه وزنه على مائدة المفاوضات رغم الخسائر العسكرية.

- أنّ انتهاكات "قوات الدعم السريع" ستخفض من وزنها التفاوضي رغم سيطرتها على أراضٍ لن تستطيع أن تحكمها حتى عن طريق أي حليف سياسي بسبب الضرر في مساحة الأمن الشخصي الذي لحق بالسودانيين، حيث ثبت عن طريق الممارسة عدم الأهلية في ممارسة الحكم لهذه القوات.

- أنّ الشعب السوداني يريد إيقاف الحرب، وأنّ مقاومة هذه الرغبة تحت أي مبررات أو مزاعم لا تلقى لا قبولًا ولا ترحيبًا .

- أنّ ملكية بيوت الناس فعلًا مهددة بالحيازة الحالية من المعتدين عليها، وفي حالة امتداد الحيازة بسبب استمرار العمليات العسكرية دون قدرة على الحسم النهائي في توقيت مقبول فإنّ عودة تلك الملكيات صارت غير مضمونة.

هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري
- أنّ العالم والإقليم سوف يتعاون مع الجيش السوداني في حال التمسّك بالأداء المهني وليس السياسي في ترتيب الأوضاع الداخلية، بما يمهّد لاستقرار السودان ومشاركة الجميع على الصعيد السياسي بلا استثناء.

وطبقًا لما سبق فإنّ هناك ضرورات لا بد وأن تدفع الجيش السوداني نحو التخلي عن سياسيات التمترس العسكري والانطلاق نحو آفاق قد تحقق خيرًا للسودان والسودانيين.

(خاص "عروبة 22")  

مقالات مشابهة

  • لماذا يريد الكيزان اغتيال البرهان؟
  • الجيش السوداني يكشف تفاصيل محاولة إغتيال البرهان
  • استهداف قائد الجيش السوداني بطائرة مسيرة
  • نجاة "البرهان" من محاولة استهداف بمسيرة في أحد معسكرات الجيش السوداني
  • اشتباكات بين الجيش والحركة الشعبية بجنوب كردفان
  • بيرييلو لـ«التغيير»:الجيش يأخذ الدعوة إلى مفاوضات «جنيف» على محمل الجد
  • حلمٌ سيتحقّق.. انتظرناه طويلًا!
  • بيرييلو لـ«التغيير»:الجيش يأخذ الدعوة إلى مفاوضات«جنيف» على محمل الجد
  • الشعب السوداني: معلم الشعوب!!
  • الجيش السوداني بين الضرورات والمحظورات