عربي21:
2025-04-29@04:38:24 GMT

الحرب في غزة: منظور جيوسياسي

تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT

تشهد منطقة غرب آسيا حاليا تحولات وتطورات كبيرة تتجاوز حدود النزاعات الإقليمية المحدودة، سأحاول في هذا المقال تسليط بعض الضوء على العوامل والديناميات المختلفة المتداخلة المؤثرة في هذا المشهد المعقد، متناولا الآثار الأوسع والعواقب المحتملة لهذه الأحداث.

لا يمكن للمرء أن يقتنع بأنّ قدوم حاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة هو من أجل غزة وحسب.

لقد رأينا كيف اجتذب الصراع المستمر في غزة الاهتمام الدولي خصوصا الغربي، فلا بد أنّ هناك دوافع أخرى كامنة للوجود الأمريكي. بالمقابل، فإن الروس مستفيدون في التوتر في غزة، حيث يحول دون تركيز الانتباه عن أوكرانيا ويعطيهم المبرر لمزيد من التدخل في المنطقة. إذن من المهم أن ندرك أنّ الأمريكيين والروس يرون أنفسهم مضطرين للتدخل في المنطق لحماية مصالحهم الاستراتيجية.

تعتمد الصين، وهي لاعب رئيسي على الساحة العالمية، بشكل كبير على الخليج لإمداداتها من النفط، ولا بد أن الصين ترى الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة تهديدا لخطوط إمدادات الطاقة التي تعتمدها عليها في التنمية وفي المجالات الأخرى، لكنها في المقابل تستفيد أيضا من تحويل الانتباه الأمريكي عن بحر الصين الجنوبي، ما يسمح لها بمواصلة صعودها، بينما تكون الولايات المتحدة مشغولة في الشرق الأوسط، وقد يشجع ذلك الصين على اتخاذ إجراءات ضد تايوان، وهي خطوة مرتقبة منذ فترة طويلة في طموحاتها الجيوسياسية.

أمّا الدول العربية فقد فقدت الثقة في قوة إسرائيل وأهميتها، ومع ذلك فإنّ مخاوفهم الأكبر تكمن في صعود القوى الإسلامية داخل المنطقة، وحماس جزء منها. هذه الديناميكية المعقدة تخلق وضعا يحتاج إلى ميزان حساس عند هذه الدول، خصوصا أنّ الجمهور العربي، الذي يشعر بالغضب العميق مما يجري في غزة ومن عجز الأنظمة العربية في التعامل بجدية مع الاحتلال الإسرائيلي، يشكل خطرا كبيرا على الاستقرار، ولذا فلا يمكن تجاهل إمكانية موجة جديدة من ربيع عربي أكثر عنفا، عندما يصل الاحتقان العام والغضب الشعبي إلى نقطة الغليان.

أمّا إيران، والتي تعد قوة إقليمية رئيسة، فتواجه هي أيضا نقطة تحوّل حاسمة، إذ ترتبط روايتها وشرعيتها بمواجهتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تبرّر على الدوام تدخلها في النزاعات الإقليمية، مثل تلك التي في سوريا والعراق ولبنان واليمن تحت هذا العنوان، ما يهدد بتقويض الرواية المؤسسة لإيران وتآكل تأثيرها إن لم تتدخل بشكل مؤثر في هذه الحرب.

تجد السلطة الفلسطينية نفسها تفقد ما تبقى من الدعم المحلي والشرعية الشعبية، نتيجة فشل عملية السلام والخسارة المترتبة على الضفة الغربية والقدس وانهيار حل الدولتين، وتحوّلها إلى أداة أمنية في يد إسرائيل، الأمر الذي أدى كذلك إلى خيبة أمل الشعب الفلسطيني وزيادة الشك في قدرتها على تمثيل مصالحه بشكل فعّال.

علاوة على كل ذلك، هناك قلق متزايد من أنّ اليهود لم يعودوا يرون إسرائيل ملاذا آمنا لهم بعد الآن، وقد يؤدي هذا التخوف إلى نزوح جماعي للسكان اليهود، مما يزيد من تعقيد الوضع المتوتر بالفعل في في دولة الاحتلال. كما أنّ إسرائيل التي تواجه مخاطر كبيرة تهدد بانهيارها، يجعلها بيئة غير آمنة للاستثمار ويضرب اقتصادها في الصميم. علاوة على كل ما سلف، فإنّ تفاقم التحديات التي تواجهها إسرائيل، بالذات في حماية نفسها، سيؤثر سلبا على إقامة شراكات وتحالفات مع دول أخرى. تعاني إسرائيل على المستوى الداخلي من الانقسامات وفقدان الثقة في هويتها كـ"دولة ديمقراطية حديثة". هذه الانقسامات الداخلية تضعف قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية والحفاظ على الاستقرار.

لا شك أنّ الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة تحمل آثارا عميقة، وخطيرة على الشعب الفلسطيني لكنها أيضا قد تكون تذكيرا صارخا بقابلية المنطقة للانهيار، وضرورة إعادة تقييم النهج والاستراتيجيات القائمة.

كل هذه المقدمات توضح بأنّنا أمام نقطة تحوّل تاريخية، سنشهد فيها تشكيل نظام عالمي جديد، وستكون نتائج هذه التطورات الجيوسياسية في غرب آسيا، عواقب بعيدة المدى، ليس فقط على المنطقة، بل أيضا على التوازن العالمي للقوى، على الأرجح.

المفارقة الكبرى، أنّ حركة المقاومة الفلسطينية رغم محدوديتها، لها ـتأثير ضخم على الصراعات الدولية، ما يعني أنّها يمكن أن تكون السبب الأبرز في إعادة تشكيل المنطقة بأكملها وأن تكون نموذجا يحتذى للحرية وتقرير المصير.

وفي حين يتكشف تراجع غرب أوروبا تدريجيا، تسهم العوامل الاقتصادية بشكل كبير في ضعفها. يخلق هذا التراجع فراغا في القوة، مما يترك المزيد من الفرص لتأثير الصين المتنامي، خصوصا وأنّ الولايات المتحدة تفقد التركيز وتحوّل اهتمامها إلى أماكن أخرى بعيدا عن بحر الصين الجنوبي وشرق آسيا عموما.

بالنسبة لكثيرين، قد تشكل هذه الأحداث هذه المرحلة الثانية للإفلات من قبضة الاستعمار، والسعي إلى اكتساب استقلال حقيقي، خالٍ من هيمنة الولايات المتحدة وأوروبا، زخما، بينما يحاول الفاعلون الإقليميون إلى إعادة تعريف علاقاتهم مع الغرب وتأكيد سيادتهم.

يمكن القول أيضا إنّ الوضع الحالي في غرب آسيا يمكن أن يكون محفزا لصعود العالم الإسلامي وتحقيق مكانته المرجوّة في العالم، وذلك مع تطور الأحداث واستمرار الديناميات الجيوسياسية، من الضروري مراقبة وتحليل هذه التطورات عن كثب، وفهم تداعياتها على استقرار المنطقة والنظام العالمي.

(المقال مترجم من اللغة الإنجليزية ومنشور على موقع ميدل إيست مونيتور)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الشرق الأوسط إسرائيل إسرائيل الشرق الأوسط امريكا غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل تُصنع السلع الغربية الفاخرة في الصين حقا؟ أم يستغل تجار التقليد الحرب الاقتصادية؟

تنتشر مقاطع فيديو على تيك توك تتهم دور أزياء عريقة بتصنيع منتجاتها سرا في الصين وبيعها بأسعار تفوق تكلفتها بأضعاف مضاعفة… لكن وراء هذه الفضائح المفترضة، ثمة عملية مدروسة يسعى مدبروها لبيع منتجات مقلدة، مستغلين حالة الغموض المحيطة بالرسوم الجمركية.

ويدّعي صنّاع محتوى صينيون يُقدمون أنفسهم على أنهم عمال أو مُقاولون من الباطن في مجال السلع الفاخرة، أن سلطات بكين رفعت شروط السرية الملزمة للمقاولين من الباطن المحليين ردا على الزيادة الحادة في الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين.

هذا القرار الصيني المفترض -الذي لم تعثر وكالة "فرانس برس" على أي أثر له- يتيح بحسب المروجين له، الكشف عن الآليات الخفية لتصنيع السلع الفاخرة في الصين. كما من شأنه تشجيع المستهلكين الغربيين على الشراء مباشرةً من مواقع إلكترونية تبيعها من دون أي شعار تجاري ولكن بالجودة والتصميم المُفترضين نفسيهما، بأسعار مُنخفضة للغاية، على سبيل المثال، بـ1400 دولار لحقيبة تحمل توقيع مصممين مشهورين بدلا من سعرها الأصلي البالغ 38 ألف دولار.

ورفضت علامات تجارية مستهدفة بهذه الفيديوهات -بينها الماركات الفرنسية "إيرميس" و"شانيل" و"لوي فويتون" التي تصنع منتجاتها في أوروبا أو الولايات المتحدة وفقا لمواقعها الإلكترونية- الرد على أسئلة حول الادعاءات الواردة في هذه المقاطع المصورة المنتشرة على نطاق واسع.

إعلان

لكن الرئيس المؤسس لـ"مركز الفخامة والإبداع" جاك كارلس يرى أن فكرة تصنيع دور الموضة الكبرى منتجاتها في الصين "سخيفة". ويوضح، "سيكون ذلك بمثابة انتحار. لو وُجد دليل -وهو غير موجود- لكان ذلك ضربة قاضية. العلامات التجارية ليست مجنونة".

يشكل شراء المنتجات المقلدة مخالفة قانونية في دول الاتحاد الأوروبي وفي العديد من الدول الأخرى (الفرنسية) سياسة إثارة الشكوك

بينما يُشدد مستخدمو تيك توك على خبرات العمال الصينيين الذين يُصوَّرون على أنهم أصحاب مهارات تستعين بهم العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في الخفاء، يوضح كارلس أن "ورش التزوير هذه لا تحترم مطلقا مختلف مراحل التصنيع"، مستشهدا بمثال حقيبة "بيركين" الشهيرة من "إيرميس" التي تتطلب "مئات الساعات من العمل".

في الواقع، يسعى مستخدمو الإنترنت الذين ينشرون هذا المحتوى إلى "إثارة الشكوك" بهدف "استنفاد مخزوناتهم" من المنتجات غير القانونية، وفق كارلس الذي يتحدث عن "حملة واسعة الانتشار تعززت عبر وسائل التواصل الاجتماعي" و"يصعب التصدي لها". أما العلامات التجارية، من جانبها، فتلزم الصمت و"تتعامل مع الأمر بازدراء"، وهو خطأ وفق كارلس.

ويرى أستاذ تسويق المنتجات الفاخرة في كلية إمليون الفرنسية للأعمال ميشال فان أن اتهام الصين بإنتاج منتجات فاخرة سرية يتم الترويج لها على أنها مصنوعة في أوروبا "لا أساس له من الصحة".

كذلك الأمر بالنسبة للرواية التي طُرحت على تيك توك وتُفيد بأن ذلك يشكل ردا صينيا على الإجراءات الجمركية الأميركية. ويقول فان "هذا غير منطقي، لأن مهاجمة العلامات التجارية الأوروبية لا تضر الحكومة الأميركية بأي شكل من الأشكال".

تُعرف الصين بأنها أكبر بؤرة لتقليد المنتجات في العالم حيث تُصنّع 70 إلى 80% من المنتجات المقلدة فيها بحسب بعض التقديرات (شترستوك) استياء وغضب على الشبكات

وأثارت مقاطع الفيديو هذه استياء لدى مستخدمي الإنترنت، إذ عّبر البعض ممّن اطلعوا على هذه الفضائح المفترضة عن "الغضب" لشرائهم منتجات فاخرة بأسعار باهظة.

إعلان

وسأل آخرون في التعليقات عن أسماء "موردي العلامات التجارية الفاخرة الكبرى" في الصين الذين يمكنهم شراء المنتجات منهم بأسعار مخفضة.

في الوقت نفسه، يُنظّم تجار صينيون عمليات بيع مباشرة على تيك توك، عبر ربطها بمواقع إلكترونية.

وتحصد فترات البث الحي أو الرسائل المباشرة مئات المشاهدات لكل منها. وتُعرض فيها نماذج للمنتجات الفاخرة وتُرقّم وتُرتّب على الرفوف. وفي إحدى هذه الرسائل، يقول صوت مولد بواسطة الذكاء الاصطناعي بالفرنسية "توصيل سريع "دي إتش إل". منتجات مطابقة لتلك الموجودة في المتاجر. الفرق الوحيد: السعر".

ويُدعى مستخدمو الإنترنت إلى مسح رمز الاستجابة السريعة أو النقر على رابط لإتمام عملية الشراء عبر "واتساب" أو "باي بال".

ورصدت وكالة فرانس برس حوالي 20 بثا مباشرا مشابها تُبثّ في آنٍ واحد باللغتين الإنكليزية والفرنسية، ما يُشير إلى أن مستخدمي الإنترنت في أوروبا وأميركا الشمالية هم المستهدفون الرئيسيون.

وحذّرت وزارة التجارة الصينية في بيان من أنه "سيتم إبلاغ السلطات فورا عن أي حالة لإعلان مُضلّل، أو انتهاك، أو إنتاج سلع مُقلّدة من مُقدمي الخدمات الذين يُقدّمون أنفسهم على أنهم مقاولون من الباطن لعلامات تجارية كبرى"؛ للتحقيق فيها ومعاقبة المسؤولين عنها.

وتُعرف الصين بانتظام بأنها أكبر بؤرة لتقليد المنتجات في العالم. وبحسب بعض التقديرات، تُصنّع 70 إلى 80% من المنتجات المقلدة في البلد الآسيوي العملاق.

ويشكل شراء المنتجات المقلدة مخالفة قانونية في دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك في العديد من الدول الأجنبية الأخرى. وفي فرنسا، يُعاقَب على هذه الجريمة بالسجن لمدة 3 سنوات وغرامة قدرها 300 ألف يورو. كما يُمكن للجمارك مصادرة المنتجات وفرض غرامة تعادل قيمتها.

وبحسب مكتب "الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية" (EUIPO)، يُكلّف التزوير الصناعة الأوروبية 16 مليار يورو سنويا. وأكثر القطاعات تضررا هي الملابس ومستحضرات التجميل وألعاب الأطفال.

مقالات مشابهة

  • “هآرتس” : يمكن لترامب إنهاء حرب غزة بتغريدة واحدة فقط
  • الأمم المتحدة: لا يمكن لـ إسرائيل ممارسة السيادة على الأراضي الفلسطينية
  • الصين تخزن مزيدا من النفط مستفيدة من الحرب التجارية الأميركية
  • حين تطلق النار على نفسك: ثمن الحرب الاقتصادية على الصين
  • هل تُصنع السلع الغربية الفاخرة في الصين حقا؟ أم يستغل تجار التقليد الحرب الاقتصادية؟
  • المخترة.. نسائية أيضاً!
  • أحمد موسى: إسرائيل كيان له أطماع توسعية في المنطقة
  • إسرائيل مأزومة للغاية من الداخل.. فما الذي يمنعها من الانهيار؟
  • الصين تدرس إعفاء بعض السلع الأميركية من الرسوم الجمركية
  • أخبار العالم | أوكرانيا تطرح عرضا بشأن إنهاء الحرب مع روسيا .. زيلينسكي يطالب بضمانات أمنية مشابهة لـ إسرائيل.. ترامب يشترط تنازلات من الصين حتى يلغى الرسوم الجمركية