تشهد منطقة غرب آسيا حاليا تحولات وتطورات كبيرة تتجاوز حدود النزاعات الإقليمية المحدودة، سأحاول في هذا المقال تسليط بعض الضوء على العوامل والديناميات المختلفة المتداخلة المؤثرة في هذا المشهد المعقد، متناولا الآثار الأوسع والعواقب المحتملة لهذه الأحداث.
لا يمكن للمرء أن يقتنع بأنّ قدوم حاملات الطائرات الأمريكية إلى المنطقة هو من أجل غزة وحسب.
تعتمد الصين، وهي لاعب رئيسي على الساحة العالمية، بشكل كبير على الخليج لإمداداتها من النفط، ولا بد أن الصين ترى الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة تهديدا لخطوط إمدادات الطاقة التي تعتمدها عليها في التنمية وفي المجالات الأخرى، لكنها في المقابل تستفيد أيضا من تحويل الانتباه الأمريكي عن بحر الصين الجنوبي، ما يسمح لها بمواصلة صعودها، بينما تكون الولايات المتحدة مشغولة في الشرق الأوسط، وقد يشجع ذلك الصين على اتخاذ إجراءات ضد تايوان، وهي خطوة مرتقبة منذ فترة طويلة في طموحاتها الجيوسياسية.
أمّا الدول العربية فقد فقدت الثقة في قوة إسرائيل وأهميتها، ومع ذلك فإنّ مخاوفهم الأكبر تكمن في صعود القوى الإسلامية داخل المنطقة، وحماس جزء منها. هذه الديناميكية المعقدة تخلق وضعا يحتاج إلى ميزان حساس عند هذه الدول، خصوصا أنّ الجمهور العربي، الذي يشعر بالغضب العميق مما يجري في غزة ومن عجز الأنظمة العربية في التعامل بجدية مع الاحتلال الإسرائيلي، يشكل خطرا كبيرا على الاستقرار، ولذا فلا يمكن تجاهل إمكانية موجة جديدة من ربيع عربي أكثر عنفا، عندما يصل الاحتقان العام والغضب الشعبي إلى نقطة الغليان.
أمّا إيران، والتي تعد قوة إقليمية رئيسة، فتواجه هي أيضا نقطة تحوّل حاسمة، إذ ترتبط روايتها وشرعيتها بمواجهتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وهي تبرّر على الدوام تدخلها في النزاعات الإقليمية، مثل تلك التي في سوريا والعراق ولبنان واليمن تحت هذا العنوان، ما يهدد بتقويض الرواية المؤسسة لإيران وتآكل تأثيرها إن لم تتدخل بشكل مؤثر في هذه الحرب.
تجد السلطة الفلسطينية نفسها تفقد ما تبقى من الدعم المحلي والشرعية الشعبية، نتيجة فشل عملية السلام والخسارة المترتبة على الضفة الغربية والقدس وانهيار حل الدولتين، وتحوّلها إلى أداة أمنية في يد إسرائيل، الأمر الذي أدى كذلك إلى خيبة أمل الشعب الفلسطيني وزيادة الشك في قدرتها على تمثيل مصالحه بشكل فعّال.
علاوة على كل ذلك، هناك قلق متزايد من أنّ اليهود لم يعودوا يرون إسرائيل ملاذا آمنا لهم بعد الآن، وقد يؤدي هذا التخوف إلى نزوح جماعي للسكان اليهود، مما يزيد من تعقيد الوضع المتوتر بالفعل في في دولة الاحتلال. كما أنّ إسرائيل التي تواجه مخاطر كبيرة تهدد بانهيارها، يجعلها بيئة غير آمنة للاستثمار ويضرب اقتصادها في الصميم. علاوة على كل ما سلف، فإنّ تفاقم التحديات التي تواجهها إسرائيل، بالذات في حماية نفسها، سيؤثر سلبا على إقامة شراكات وتحالفات مع دول أخرى. تعاني إسرائيل على المستوى الداخلي من الانقسامات وفقدان الثقة في هويتها كـ"دولة ديمقراطية حديثة". هذه الانقسامات الداخلية تضعف قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية والحفاظ على الاستقرار.
لا شك أنّ الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة تحمل آثارا عميقة، وخطيرة على الشعب الفلسطيني لكنها أيضا قد تكون تذكيرا صارخا بقابلية المنطقة للانهيار، وضرورة إعادة تقييم النهج والاستراتيجيات القائمة.
كل هذه المقدمات توضح بأنّنا أمام نقطة تحوّل تاريخية، سنشهد فيها تشكيل نظام عالمي جديد، وستكون نتائج هذه التطورات الجيوسياسية في غرب آسيا، عواقب بعيدة المدى، ليس فقط على المنطقة، بل أيضا على التوازن العالمي للقوى، على الأرجح.
المفارقة الكبرى، أنّ حركة المقاومة الفلسطينية رغم محدوديتها، لها ـتأثير ضخم على الصراعات الدولية، ما يعني أنّها يمكن أن تكون السبب الأبرز في إعادة تشكيل المنطقة بأكملها وأن تكون نموذجا يحتذى للحرية وتقرير المصير.
وفي حين يتكشف تراجع غرب أوروبا تدريجيا، تسهم العوامل الاقتصادية بشكل كبير في ضعفها. يخلق هذا التراجع فراغا في القوة، مما يترك المزيد من الفرص لتأثير الصين المتنامي، خصوصا وأنّ الولايات المتحدة تفقد التركيز وتحوّل اهتمامها إلى أماكن أخرى بعيدا عن بحر الصين الجنوبي وشرق آسيا عموما.
بالنسبة لكثيرين، قد تشكل هذه الأحداث هذه المرحلة الثانية للإفلات من قبضة الاستعمار، والسعي إلى اكتساب استقلال حقيقي، خالٍ من هيمنة الولايات المتحدة وأوروبا، زخما، بينما يحاول الفاعلون الإقليميون إلى إعادة تعريف علاقاتهم مع الغرب وتأكيد سيادتهم.
يمكن القول أيضا إنّ الوضع الحالي في غرب آسيا يمكن أن يكون محفزا لصعود العالم الإسلامي وتحقيق مكانته المرجوّة في العالم، وذلك مع تطور الأحداث واستمرار الديناميات الجيوسياسية، من الضروري مراقبة وتحليل هذه التطورات عن كثب، وفهم تداعياتها على استقرار المنطقة والنظام العالمي.
(المقال مترجم من اللغة الإنجليزية ومنشور على موقع ميدل إيست مونيتور)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الشرق الأوسط إسرائيل إسرائيل الشرق الأوسط امريكا غزة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی غزة
إقرأ أيضاً:
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: حماس أذلت “إسرائيل” عسكريا وأفشلت قطار التطبيع
#سواليف
اعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن ” #إسرائيل ” لم تحقق #أهداف_الحرب ضد #حماس، والتي تتمثل في القضاء الكامل على قدرات الحركة العسكرية والإدارية. فقد صمدت حماس على الرغم من حجم الضربات التي تلقتها.
وأشار المعهد إلى أن #فشل #جيش_الاحتلال في تحقيق أهداف الحرب يتطلب التركيز على جهود رئيسية: إتمام صفقة التبادل، استغلال فكرة #تهجير #سكان قطاع #غزة، ومنع #حكم_حماس عبر ربط ذلك بإعادة الإعمار.
وبيّن المعهد أنه في وثيقة “استراتيجية الجيش الإسرائيلي” (2015)، يُعرَف النصر على أنه “الوفاء بأهداف الحرب التي حددتها القيادة السياسية، والقدرة على فرض شروط إسرائيل على العدو لوقف إطلاق النار وترتيبات سياسية وأمنية بعد الحرب”. هذه الأهداف لم تتحقق في الحرب.
مقالات ذات صلةووفقًا للمعهد، على الرغم من أن “إسرائيل” حققت بعض الإنجازات مثل تحرير عدد من الأسرى، وقتل آلاف المقاتلين في قطاع غزة، وتدمير معظم أراضي القطاع، إلا أن “إسرائيل” لم تحقق أهداف الحرب التي وضعتها القيادة السياسية. لم يتم تدمير قدرات حماس العسكرية والإدارية، وتحقيق تحرير الأسرى لا يزال جزئيًا حتى الآن. وشدّد المعهد على أن الصفقة الحالية لتحرير الأسرى لا تعكس فرض “إسرائيل” شروطها على وقف إطلاق النار، بل هي تسوية مع مطالب حركة حماس. والواقع المطلوب؛ عدم حكم حماس قطاع غزة، ومنع تهديدها لإسرائيل، يبدو بعيدًا عن التحقيق في الظروف الحالية.
وتابع المعهد أن حماس تمكنت من قتل 1,163 مستوطنًا وجنديًا في يوم واحد، وجرحت الآلاف، وسيطرت على مستوطنات ودمرتها، وأسرت 251 مستوطنًا وجنديًا. كما نجحت في إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، ولا تزال تهرب الأسلحة، وتصنع المتفجرات من مخلفات الجيش، وتعيد بناء كادرها العسكري عبر تجنيد شبان جدد. نصف بنيتها التحتية تحت الأرض لم يتمكن الجيش من استهدافها، وتدير قطاع غزة حتى الآن، حيث يظهر مقاتلوها وعناصر أمنها في كل القطاع ويحققون مع العملاء والمتخابرين مع السلطة الفلسطينية.
وبالنسبة للمعهد الأمني الإسرائيلي، فإن فكرة القتال ضد “إسرائيل” أثبتت نفسها؛ فقد أذلت حماس “إسرائيل” وألحقت بها هزيمة عسكرية لم تشهدها منذ تأسيسها. ولا تزال تسيطر عسكريًا ومدنيًا على القطاع حتى الآن، وأفشلت عملية التطبيع بين “إسرائيل” والسعودية، ونجحت في إطلاق سراح مئات من الأسرى، مما دفع “إسرائيل” للتوقيع على صفقة معها. في حين أن السلطة الفلسطينية وحركة فتح بعيدة عن تحقيق إنجاز مشابه.
وأكد المعهد أن صفقة تبادل الأسرى لها أيضًا آثار سلبية على “إسرائيل”: فهي اعتراف صريح بأن “إسرائيل” لم تحقق النصر الكامل، كما تمنح حماس أكسجينًا ضروريًا لاستمرار حكمها وإعادة قوتها. بموجب هذه الصفقة، يتم إطلاق سراح أكثر من ألف أسير، ومن المحتمل أن يعود بعضهم إلى المقاومة ويقتلوا مستوطنين، مما يتيح لحماس الاحتفاظ بعدد من الأسرى الذين يمثلون ضمانًا لاستمرار بقائها.
ويرى معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن “إسرائيل” تحتاج إلى وضع مواقف واضحة بشأن التقدم إلى المرحلة الثانية من خطة تحرير الأسرى، وربطها بحالة إنهاء الحرب المعروفة بـ “اليوم التالي”، وهو ما امتنعت عنه حتى الآن، وعلى “إسرائيل” أن تعرض الشروط الضرورية التالية: إعادة إعمار مقابل نزع السلاح، إقامة حكومة بديلة في القطاع، والتأكد من أن إدارة التكنوقراط الخالية من كوادر حماس هي التي تحتكر السيطرة الأمنية. كما يجب إصلاح النظام التعليمي، مراقبة الحدود، إنشاء منطقة أمنية، والعودة إلى القتال إذا استمرت حماس في الحكم.