في مشهد مؤلم، اضطر إبراهيم لحام، لأن يكدس جثث 17 فردا من عائلته في شاحنة صغيرة، بعد أن قتلوا في غارة إسرائيلية على قطاع غزة، وذلك بغية دفنهم على عجل في إحدى المقابر الجماعية، دون أن يتمكن من تكريمهم بـ"جنازات لائقة"، على حد قوله لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وأوضح إبراهيم أنه وأقاربه وجيرانه "لم يتمكنوا من إقامة صلاة الجنازة على أرواح ضحايا عائلته في المسجد"، كما هي العادة في الأحوال الطبيعية، لافتا إلى أن "رهطا قليلا صلى عليهم عند مشرحة مستشفى ناصر، قبل نقلهم إلى المقبرة لدفنهم".

وتابع لحام بأسى: "ما زلنا في حالة صدمة، إذ أننا لم نتمكن من وداعهم بشكل لائق، ولم نستطع أن نضع شواهد على قبورهم أو ترك أكاليل من الورود.. لقد حرمنا، نحن آل لحام، من تلك الطقوس".

ولا تعد حالة هذا الرجل شاذة عن القياس، فمنذ أن بدأت إسرائيل بشن غارات مكثفة على قطاع غزة، ردا على هجمات حماس غير المسبوقة في السابع من أكتوبر، قضت أسر بأكملها دون أن يتمكن من بقي على قيد الحياة من القيام بشعائر الدفن وطقوس العزاء المناسبة.

وفي 7 أكتوبر، شنت حركة حماس هجمات على إسرائيل، تضمنت تسلّل المئات من مسلحيها إلى بلدات غلاف غزة، وإطلاق آلاف الصواريخ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص، معظمهم من المدنيين، من بينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.

وردت إسرائيل على الهجمات، بقصف مكثف على غزة تسبب بمقتل أكثر من 7000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ومن بينهم نساء وأطفال، بحسب آخر حصيلة للسلطات الصحية في القطاع الفلسطيني.

ودعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة، إلى "سرعة دفن" ضحايا القصف الإسرائيلي، وأذنت بدفنهم في مقابر جماعية بسبب "الأعداد الكبيرة "من القتلى "وقلة المساحة المتاحة"، بحسب بيان صادر عنها.

وبدأ أفراد بعض العائلات في ارتداء "أساور التعريف"، أو كتابة الأسماء على أذرع أطفالهم، لزيادة فرص التعرف عليهم في حالة موتهم جراء الغارات والقصف، وفق "فاينانشال تايمز".

وقالت منظمة إنقاذ الطفولة، وهي منظمة خيرية دولية، هذا الأسبوع إن "2000 طفل قتلوا في القصف على غزة، مع فقدان أكثر من 800 آخرين، يخشى أن يكونوا محاصرين تحت أنقاض المباني المنهارة".

"لن يقصفونا"

وكانت عائلة لحام تعيش في 8 منازل متجاورة في منطقة المواصي بغزة، بالقرب من مدينة خان يونس، وعندما تم قصف منزل مجاور، اتخذ إبراهيم وأحد إخوته قرارًا بإخلاء منزليهما، لكن آخرين في العائلة رفضوا ذلك.

ويتذكر لحام تفاصيل حديثه مع أفراد عائلته الذين بقوا في بيوتهم، موضحا أنهم قالوا: "نحن مدنيون ولن يقصفونا".

وأردف: "بعد ساعة من مغادرتنا، سويت جميع المنازل بالأرض، وقُتل الجميع باستثناء 3 أشخاص.. ولا يزال هناك صبي، يبلغ من العمر 11 عاماً، مفقوداً تحت الأنقاض".

وأصبحت مشاهد العائلات المكلومة التي تبحث عن أحبائها في المرافق الطبية المكتظة أمرًا شائعًا. ففي مستشفى ناصر، الذي يقترب من نقطة الانهيار، تتراكم جثث القتلى في المشرحة.

وفي أحد الأيام، تجمع عشرات الثكالى على الجانب الآخر من الباب المعدني المغلق للمشرحة، حيث كانت شابة تصرخ بحزن: "دعوني أدخل، أريد أن أقول لهم وداعا".

وقال رجل آخر وهو يبكي: "هيا، أخرجوهم بسرعة لندفنهم".

"زرني في المنام"

وفي مكان قريب، تم وضع المزيد من الجثث ملفوفة بأكفان بيضاء على الأرض في موقف سيارات المستشفى، حيث وقفت مجموعة من الرجال خلفها لأداء صلاة الجنازة.

كما تواجدت أم أحمد الزناتي في المستشفى لتوديع نجلها هشام وطفليه، الذين قضوا في خان يونس.

وكانت الأم الثكلى تردد بأسى: "حبيبي هشام.. هل تسمعني؟.. زرني في منامي وأحلامي، لأني سأشتاق لك كثيرا".

أما المراهقة ديما المداني (18 عاماً)، فلا تزال تحاول أن تتأقلم مع مقتل أكثر من 20 فرداً من عائلتها، الذين قضوا في قصف إسرائيلي قبل أسبوع.

وكان شقيقها واثنين من أبناء عمومتها الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات، هم الناجون الوحيدون، وفق الصحيفة.

وكان والدها قد نزح مع أسرتها من مدينة غزة إلى منزل عمتها في خان يونس، بعد أن أمرت إسرائيل نحو 1.1 مليون مدني في المناطق الشمالية من القطاع بالتوجه جنوبا، نحو "الأماكن الآمنة"، "حفاظا على سلامتهم".

وكانت المداني تشرب القهوة رفقة عمتها وشقيقها صباح 17 أكتوبر، عندما تعرض المنزل للقصف.

وعندما فتحت عينيها وجدت نفسها مستلقية على سطح مبنى مجاور، مضيفة: "كنت أسمع صراخ إخوتي وأطفال عمتي"، وذلك قبل أن تفقد وعيها مرة أخرى، حيث استيقظت في المستشفى بينما كان الأطباء يخيطون الجروح في رأسها.

وقالت المداني: "بعد أن انتهوا من مداواة جروحي، ركضت في أرجاء المستشفى مثل المجنونة أبحث عن أفراد عائلتي".

وأضافت والذكريات الأليمة تتراقص أمام عينيها: "لقد كانت أفظع صدمة في حياتي بعد أن وجدت جثثهم في المشرحة، وسط كومة من الأشلاء".

وتابعت، تغالب دموعها: "كنت أرغب في إقامة جنازة كبيرة لعائلتي.. لكن لا نملك سوى أن نرضى بقضاء الله، بيد أنني لن أغفر أو أسامح".  

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: أکثر من بعد أن

إقرأ أيضاً:

ولاد الشمس.. دراما مؤلمة تكشف قسوة الحياة في دور الأيتام

يسلط مسلسل "ولاد الشمس" الضوء على واقع مؤلم يعكس معاناة الأطفال داخل دور الأيتام، حيث تدور الأحداث حول 4 شباب نشؤوا في دار رعاية تحت إدارة مدير قاس يستغلهم ويعرضهم لشتى أنواع العذاب.

من خلال شخصيات "ولعة"، و"مفتاح"، و"ألمظ"، و"قطايف"، يكشف المسلسل عن الحياة القاسية التي يعيشها هؤلاء الشباب، ونضالهم المستمر للهروب من هذا السجن وكسر قيود الاستغلال والقهر المفروضة عليهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2سائقو شاحنات المساعدات بالعريش يقضون رمضان بصفوف انتظار فتح المعابرlist 2 of 2لماذا يُعد التمر "كنزا"؟ استخداماته من الغذاء إلى مستحضرات التجميل والوقود الحيويend of list

المسلسل من إخراج محمد عبد العزيز، ويضم نخبة من النجوم، حيث يجسد أحمد مالك دور "ولعة"، وطه دسوقي دور "مفتاح"، بينما يلعب محمود حميدة دور "بابا ماجد"، المدير المتسلط الذي يحكم الدار بقبضة من حديد. كما يشارك في البطولة كل من فرح يوسف، وجلا هشام، ومريم الجندي، ومعتز هشام، في عمل درامي يكشف الوجه الخفي لمؤسسات الرعاية.

قصة إنسانية وأداء يشبه الواقع

نجح المسلسل في ملامسة مشاعر المشاهدين من خلال تسليط الضوء على معاناة الأطفال في ظل هذه الظروف القاسية، حيث عكس الواقع المرير الذي يعيشه العديد من الأطفال داخل مؤسسات الرعاية.

ولم يكتفِ العمل بعرض هذه المآسي، بل حفّز الجمهور على التفكير في أهمية تحسين أوضاع دور الأيتام، وضمان حماية الأطفال من الاستغلال والتعذيب. كما قدم رسالة قوية حول حقوق الطفل وضرورة حمايته من أي نوع من الأذى، مما جعله عملا يحمل بُعدا إنسانيا عميقا.

إعلان

تميز كل من طه دسوقي وأحمد مالك بأداء استثنائي في تجسيد شخصيتين متناقضتين تمامًا، حيث استطاع كل منهما إبراز جوانب مختلفة من الصراع النفسي والتفاعل بينهما.

لعب طه دسوقي دور "مفتاح"، الشاب الهادئ الذي يعتمد على العقل والتفكير قبل اتخاذ أي خطوة، مما جعله الشخصية الأكثر اتزانًا في مواجهة الأزمات، حيث أبدع في إظهار سماته المتأنية والرصينة.

على الجانب الآخر، قدم أحمد مالك شخصية "ولعة"، الشاب المندفع والعنيف، الذي لا يتردد في اللجوء إلى القوة للتعبير عن مشاعره ومواقفه. ومع تصاعد الأحداث، تتضح العلاقة التكاملية بينهما، حيث يصبح كل منهما جزءا مكملا للآخر في الأداء وردود الفعل، مما أضفى على المسلسل مزيدًا من العمق والواقعية.

الشرير الأنيق وأداء متوقع

أدى محمود حميدة في المسلسل شخصية "بابا ماجد" الشرير بمهارة عالية، وجسّد شخصية أنيقة وشريرة في الوقت نفسه. استغل حميدة قدراته التمثيلية ليظهر "بابا ماجد" كشخص يفرض سلطته بهدوء، ويستغل الأطفال في دار الأيتام لمصالحه الشخصية.

جعل حميدة الشخصية مليئة بالدهاء والبرود، وأبدع في نقل فكرة الشر المغلف بمظهر أنيق، كما أظهر براعة في التلاعب بالمواقف المختلفة لصالحه، ورغم الأداء القوي له، فإن هناك بعض المبالغة في التعبير عن الشر، ما أثر على مصداقية الشخصية في بعض المشاهد.

بالإضافة إلى تكرار بعض الحركات والتعبيرات، ما جعل حميدة يفقد عنصر المفاجأة. وفي مشاهد أخرى جاء تركيز حميدة على الأناقة، مبالغا فيه أيضا ليبدو كشخصية سطحية إلى حد ما، بدلا من كونه شخصية عميقة ومليئة بالتفاصيل والتعقيدات.

إيقاع بطيء وحبكة متوقعة

نجح مسلسل "ولاد الشمس" في جذب الانتباه وتقديم حكاية تلامس الواقع، لكن إيقاع المسلسل جاء بطيئا إلى حد ما، ما جعل الأحداث تبدو مترهلة، خصوصا في المشاهد التي تتطور فيها الأحداث، وتسبب في فتور بعض المشاهدين، مع سهولة توقع ردود فعل بعض الشخصيات، وتزايد الصدف غير المنطقية في أحداث المسلسل، ما تسبب في انفصال المشاهد عن الأحداث.

إعلان

ليست فقط الحبكة المتوقعة أهم عيوب المسلسل، لكن المعالجة السطحية إلى حد ما دون تعمق في موضع المسلسل الأساسي وهو حقوق الأيتام واستغلال دور الأيتام لهم.

فقد جاءت فكرة المسلسل الأصلية، كأنها فكرة ثانوية تدور كخلفية لقصة الأبطال الأصليين، سواء القصص العاطفية أو الرغبة في التحرر من قبضة "بابا ماجد" والبحث عن حياة جديدة، ما جعل الرسالة الأهم من المسلسل تتوارى إلى حد كبير.

مشاهد معتمة وإضاءة قاتمة

تميز تصوير مسلسل "ولاد الشمس" باختيار دقيق لموقع دار الأيتام وعمارته التي أظهرته كمكان معتم ومغلق، يعيش فيه الأطفال الأيتام، ليعكس البيئة القاسية والضاغطة التي يعيش فيها الأطفال، كما استخدمت الإضاءة بصورة متقنة، لتظهر العالم القاتم للأيتام، وتسلط الضوء على الحالة النفسية للشخصيات وعلى معاناتهم.

خاصة أن المكان على اتساعه، صمم ليشبه السجن في الكثير من تفاصيله، فالممرات الطويلة تعطي شعورا بالاختناق، بينما أضفت السقوف العالية إحساسا بالعزلة والبعد عن العالم الخارجي، لترسيخ حالة الخوف والتوتر التي يعيشها الأطفال داخل الدار.

وأسهمت الديكورات والألوان الباهتة والظلال الثقيلة القامة في تعزيز الأجواء المقبضة للمكان، بالإضافة إلى النوافذ المغلقة طوال الوقت، التي تضفي إحساسا بالحصار، وكأن الأطفال لا يمكنهم الهرب أو النجاة من هذا المكان، كما يؤكد على فكرة القسوة والظلم والعزلة.

مقالات مشابهة

  • الأجنبي يغرق الأسواق رغم الاكتفاء المحلي.. مفارقة عجيبة بقطاع الدواجن العراقي
  • لأول مرة في التاريخ.. أكثر من نصف الديمقراطيين في أمريكا يؤيدون فلسطين ضد إسرائيل
  • ولاد الشمس.. دراما مؤلمة تكشف قسوة الحياة في دور الأيتام
  • الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب أعمال "عنف وإبادة جماعية" في غزة
  • إسرائيل تحتجز جثامين 676 شهيدا في مقابر الأرقام والثلاجات
  • نقل جثامين 38 شهيدًا دُفنوا داخل مستشفى الشفاء خلال حرب الإبادة
  • تحقيق أممي: هجمات "إسرائيل" على مراكز الإنجاب في غزة إبادة جماعية
  • في الضنية.. انقلاب سيارة يصيب عائلة بأكملها (صورة)
  • بدء نقل جثامين فلسطينيين من "مستشفى الشفاء" بغزة إلى مقابر رسمية
  • تقرير أممي جديد يتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة جماعية وعنف جنسي في غزة