بينتقموا منا بالأولاد … معلش
عبارة قالها مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح وهو يحتضن ابنه الشهيد بعد قصف إسرائيلي استهدف عائلته وأسفر عن استشهاد زوجته أم حمزة وولده وابنته وأحد أحفاده.
معلش، كلمة يستخدمها الناس لتطييب الخاطر أو إبداء الدعم والمساندة للآخرين في آلامهم وأزماتهم ومشاكلهم، ثم تحولت في السنوات الأخيرة إلى طريقة للسخرية من بعض الآراء المخالفة أثناء نقاش محتدم في عالم عربي ضاق بالرأي الآخر.
ثم تحولت لأيقونة دارجة على مواقع التواصل الاجتماعي لإنهاء أي نقاش لا تريد استكماله أو لأرسال رسالة للطرف الآخر أنك لا تعبأ بكلماته ولا تهتم لها.
بينتقموا منا بالأولاد... معلش
قالها وائل الدحدوح وهو يشد على أسنانه الأمامية ويضغط عليها كمدا وألما وغيظا وحزنا على فراق ولده الذي تمنى يوما أن يكون صحفيا ينقل الحقيقة كما يفعل والده ويكون صوتا لفلسطين وأهلها كما تعود أن يرى أباه.
قالها وائل الدحدوح ليسجل بها مدلولا جديدا لكلمة معلش لا علاقة له بكل ما سبق، حولها الدحدوح إلى لفظة تعبر عن قمة الصبر لحظة المصيبة الأولى، وذروة الثبات أمام زلزال خسارة الزوجة والأبناء، وسنام الصمود أمام أقسى لحظات الهزيمة.
معلش لن نسمعها بعد الآن إلا بصوت وائل الدحدوح ولن نقولها إلا كما قالها هو، سنعلمها لأطفالنا وأجيال قادمة أن إذا أصابتكم مصيبة فقولوا معلش إنا لله وإنا إليه راجعون كما علمها لنا وائل.
الاحتلال الإسرائيلي يستهدف الصحفيين وعائلاتهم وكاميراتهم وبيوتهم وكلماتهم، خسروا في حربهم الإعلامية وخسروا في حربهم المعلوماتية ويخسرون في حربهم الميدانية والعامل المشترك بين كل هذا هي الصحافة ورجالها ومراسلوها أمثال وائل الدحدوح.
انهار البرج.. سمعناها يوما بصوتك الباكي الذي اختنق بعبرات صادقة وأنت تبكي برج قناة الجزيرة في قطاع غرة.. انهار البرج يومها يا وائل وبقيت أنت شامخا كشموخ الجبال، وستبقى كذلك جبلا من جبال الصحافة الصادقة لن يكسروا ارادتك ولن يغيروا بوصلتك الواضحة..خرج وائل بعد ساعات من استشهاد زوجته وأبنائه على الهواء مباشرة ليستكمل رسالته الإعلامية ويمارس عمله الصحفي المهني في نقل الحقيقة التي أراد الاحتلال الإسرائيلي أن يغيبها ولكن هيهات.
هذا دورنا وهذه رسالتنا ويجب أن تستمر، بهذه العبارات لخص الدحدوح رسالة الصحفي والإعلامي الذي يحمل أمانة نقل الحقيقة ويدفع من أجلها ثمنا يصل إلى حياته وحياة عائلته ولكن ماذا عن الإنسان الذي يعيش بداخل هذا الصحفي والإعلامي.
بينتقموا منا بالأولاد... معلش
لماذا نعيش؟ لماذا نعمل؟ لماذا نتعب؟ لماذا نسعى ونسعى ونسعى ونصل الليل بالنهار بحثا عن فرصة أفضل ورزق أوسع وحياة أيسر؟
المال والبنون زينة الحياة الدنيا
حصلت على المال، رزقك الله بالبنين والبنات، كبروا وكبرت معهم، ضحكتم معا بكيتم معا، أصبحت حياتك ملكا لهم لأحلامهم لطلباتهم، أصبحت أنت وما تملك رهن إشارتهم، ثمنا لابتسامة على وجوههم، تتعب ليرتاحوا وتسهر ليناموا وتبحث عن الدنيا بما فيها كي تضعها تحت أقدامهم.
ثم؟ صاروخ واحد بضغطة زر واحدة بيد مجرم محتل وحشي ينزع منك روحك ويمزق قلبك ويحرق فؤادك لا بقتلك انت وانما بقتل اولادك وزوجتك لينهي كل شيء مرة واحدة ولكنها نهاية هذه الدنيا التعيسة البغضية وبداية لجنة الخلد التي خلقنا لنعمل من أجلها.
بينتقموا منا بالأولاد… معلش
وجع الأولاد صعب يا وائل.. ابتلاء عظيم.. فتنة كبيرة.. أعانك الله على الصبر عليها وهون الله على قلبك الذي يعتصر ألما.
ألمك هو ألم كل أب يا وائل، كل زوج، كل جد، كل إنسان عصفت به دموعك وأنت تحتضن أبناءك وتودعهم وداعا أخيرا.
مصابك مصابنا جميعا يا وائل، هون الله عليك مرارة هذه الأيام يا وائل فهي عصيبة طويلة قاسية على كل أب يقضيها مع أبنائه فما بالنا بك أنت وأنت المصاب بفقدهم المكلوم على فراقهم.
انهار البرج.. سمعناها يوما بصوتك الباكي الذي اختنق بعبرات صادقة وأنت تبكي برج قناة الجزيرة في قطاع غرة.. انهار البرج يومها يا وائل وبقيت أنت شامخا كشموخ الجبال، وستبقى كذلك جبلا من جبال الصحافة الصادقة لن يكسروا ارادتك ولن يغيروا بوصلتك الواضحة..
انهار البرج.. ورحل الأهل شهداء.. وبقي وائل الدحدوح على عهده الأول صامدا متمسكا بنقل الحقيقة.
فليخسأ الاحتلال يا وائل الدحدوح..
سلام على عائلتك أحياء وشهداء وحين تلقاهم في الفردوس الأعلى..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة وائل الدحدوح الاحتلال احتلال فلسطين غزة رثاء وائل الدحدوح مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وائل الدحدوح
إقرأ أيضاً:
صناعة السيارات.. لماذا تفوقت المغرب؟!
قبل عامين ، وبينما كانت إيرادات قناة السويس تتجاوز 9 مليارات دولار، فإن صادرات المغرب من السيارات سجلت زهاء الـ11 مليار دولار.
وبعد هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية والغربية الداعمة لها، تأثرت القناة وتراجعت حركة السفن وتراجعت معها الإيرادات.. لكن استمرت السيارات المغربية فى التدفق نحو أوروبا لتسجل 12 مليار دولار.
الآن تقترب المغرب من إنتاج مليون سيارة سنويا بمتوسط سيارتين كل دقيقة تقريبا، وهى تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث التنافسية فى صناعة السيارات بعد الهند والصين.
كانت المقارنة بين مصر والمغرب ستصبح أكثر إنصافا لو ذكرنا قيم صادرات السيارات المجمعة فى مصر، لكن فوضى الأرقام تعوق هذة المقارنة، ربما لأن لا أحد هنا فى مصر يهتم بصادرات السيارات.
فمثلًا نشرت صحيفة حكومية أن مصر تصدر سيارات بقيمة 6 ملايين دولار فى السنة، وهذا رقم مضحك، فى حين نشر موقع الكترونى كبير، أن تقريرا صادرا عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، أظهر ارتفاع صادرات السيارات المجمعة محليا فى 2022 بنسبة قدرت بنحو 51.7%، لتسجل 85 مليون دولار، مقارنة بنحو 56 مليونا فقط فى 2021.
وهناك صحيفة اقتصادية شهيرة تشير إلى أن صادرات مصر من السيارات بمختلف فئاتها، سجلت نحو 13.7 مليون دولار خلال شهر أغسطس 2024، أى أقل من 150 مليون دولار فى العام.
ورغم تضارب الأرقام عندنا فى مصر، فإنها جميعها تشير إلى أن الصادرات المصرية من السيارات «هزيلة».
تقوم صناعة السيارات فى المغرب على البنية التحتية القوية، ورأس المال البشري، و جذب الشركات الأجنبية وأشهرها بالطبع العلامة الفرنسية الشهيرة «رينو».
وفى مصر تتوافر البنية التحتية القوية ، ويتوافر رأس المال البشري، بجانب ميزة أخرى لا تتوافر فى المغرب وهى اتساع السوق المحلى ، إذ إن تعدادنا السكانى يتجاوز 3 أمثال المغاربة.
أما بالنسبة للقرب من الأسواق التصديرية فموقعنا أفضل، لأننا نجاور أوروبا والسوق الخليجى والأفريقي الكبير ، بخلاف المغرب.
وللحقيقة فإن المغرب حظيت بدعم أوروبى ، إذ بدأت نشاطها كقاعة تجميع للاتحاد الأوروبي، وهو أمر لا يعيبها.. ثم تحولت إلى التجميع والتصنيع .
وللحقيقة ايضا فإن الإرادة السايسية لدى الاتحاد الأوروبى هى السبب الخفى فى إنجاح التجربة المغربية، بينما هنا فى مصر كان الرهان الأكبر على الاستثمارات الحكومية تارة ، والاستثمارات الروسية تارة أخرى( السيارة لادا)؛ وكلاهما لا يكفي.
مؤخرا قال الدكتور مصطفى مدبولى :» اتخذنا قرارًا حاسمًا بإعادة شركة النصر للسيارات للعمل، مع ضمان استمرارية نشاطها وعدم توقفها مجددًا، من خلال بناء شراكات قوية ومستدامة مع القطاع الخاص».
وأهم ما فى الموضوع هو «شراكات القطاع الخاص»، لأنها هى محور الارتكاز ، إذ إن الدولة لن تستطيع ضخ استثمارات بعشرات مليارات الدولارات فى شركة النصر. كما أن الروس فى ظل حربهم العسكرية والسياسية والاقتصادية مع الغرب لن يستطيعوا تنفيذ مشروع ضخم للسيارة «لادا» فى مصر.
ويبقى البديل فى استثمارات صينية ، لأن أوروبا لن تضحى بمركز تجميع المغرب من أجل منافس جديد فى مصر.
نحتاج رؤية واقعية بعيدا عن التهليل لعودة شركة النصر للسيارات .. وتكفينا سنوات الفرص الضائعة.
[email protected]