عربي21:
2024-09-28@02:20:49 GMT

غزة التي كشفت انحطاط العالم

تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT

دع عنك كل المفاهيم والمصطلحات التي تعلمتها عن الحروب وأهدافها الجيوسياسية وإستراتيجيات فاعليها، ودع عنك الحديث عن السياسة الدولية ونظرياتها ومقارباتها، وعن النظام الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، تلك ليست سوى كلام إنشائي مدرسي تلوكه الصحف والمجلات ويجري تعليمه في كليات العلوم السياسية للطلبة.

وإن أردت أن تفهم العالم المعاصر، وتطبيقاته العملية في إدارة السياسات والصراعات وتطبيقه لقواعد القانون الدولي واحترامه لحق الحياة والحرية، ما عليك سوى متابعة ما يجري في غزة، وستكتشف أن كل ما سبق ذكره مجرد غناء كئيب في واد لم تسمعه البشرية، بل إن كل ما أنتجه العقل البشري من فلسفات عقلانية وأنوارية ليست سوى قوالب كلامية فارغة تصلح للاستعراض في الصالونات الشيك حيث تمتزج روائح البارفانات بالويسكي بالتحذلق الممجوج.



دعوا الوحش يُخرج كامل غضبه، لا توقفوه ولا تعطلوه عن مهمته، أغمضوا عيونكم عن الضحايا، سايروا الوحش، أكدوا له أنه محق في كل ما يفعل، ولا يجوز للفريسة ان تخدشه تحت أي ظرف، هذا هو حقيقة السياسات التي يديرها الغرب اليوم تجاه غزة، الغرب الذي يعود له فضل اختراع أغلب نظريات السياسة التي نعرفها في عالمنا المعاصر، وعن العقلانية المطلوبة في التطبيقات العملية للسياسة، ومراعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان
كنت أفكر في كتابة مقال عن المواقف الدولية من حرب غزة، عن مصالح وأهداف كل طرف، عن الرؤى والاستراتيجيات التي يتبعها هؤلاء، عن الديناميكيات التي ستتشكل بعد حرب غزة، عن حسابات اللاعبين وتكتيكاتهم، لكن هل هذا الجنون وحفلة الدم الرهيبة وقتل آلاف الأطفال والنساء وتدمير حواضر سكنية بحالها، يمكن أن تتم مقاربته وفهمه بلغة السياسة التقليدية أو الأكاديمية؟ من المؤكد أن ذلك سينتج نصا عاجزا عن وصف وتحليل ما يحصل في غزة.

دعوا الوحش يُخرج كامل غضبه، لا توقفوه ولا تعطلوه عن مهمته، أغمضوا عيونكم عن الضحايا، سايروا الوحش، أكدوا له أنه محق في كل ما يفعل، ولا يجوز للفريسة ان تخدشه تحت أي ظرف، هذا هو حقيقة السياسات التي يديرها الغرب اليوم تجاه غزة، الغرب الذي يعود له فضل اختراع أغلب نظريات السياسة التي نعرفها في عالمنا المعاصر، وعن العقلانية المطلوبة في التطبيقات العملية للسياسة، ومراعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان!

ما فائدة الحديث عن المجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن منع مجانين صهاينة من ممارسة ساديتهم وجنونهم تجاه أكثر من مليونين من البشر، وأين السياسة في تصرف أولئك أصلا؟ هل ينتمي ما يمارسونه للسياسة بأي شكل من الأشكال؟ ما فائدة الحديث عن مجتمع دولي ومجلس أمن وأمم متحدة لم يستطيعوا إنقاذ أكثر من مليون طفل في غزة تدوسهم آلة القتل، بعضهم تم قتله، والآخرون ينتظرون دورهم، فيما ما يسمى المجتمع الدولي، أو القوى الفاعلة فيه، تتقاطر على تعزية بنيامين نتنياهو وأخذ خاطره وتقديم عروض الدعم بمختلف أنواع الأسلحة والقدرات الاستخباراتية، وبعضهم جاء يتفقد حاجة مخازن إسرائيل وتسجيل ما تتطلبه عمليات إبادتها لسكان غزة من ذخائر فتاكة وأسلحة ذكية وغبية!

ما فائدة الرأي العام العالمي طالما هو مستعد لتصديق رواية مجانين إسرائيل وإغماض العيون عن المذابح التي تفقأ العيون وعلى الهواء مباشرة؟ هل ثمة جدوى من التعويل على رأي عام تغذيه ماكينة الإعلام الصهيونية وتلقنه إحداثياته، بل وتحذره من عدم التفكير من خارج صندوق أدواتها الذي يرتكز على مزاعم مظلومية إسرائيل وديمقراطيتها وإنسانيتها، مقابل المتوحشين والظلاميين، أبناء النور مقابل أبناء الظلام، كما وصف نتنياهو الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة؟

طالما تشدق منظرو سياسات العالم المعاصر، عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بقدرة النظام الدولي على صياغة التوازنات العالمية بدقة ومهارة، والقدرة على ضبط الصراعات عبر الآليات التي يوفرها مجلس الأمن الدولي، غير أن أحدا لم يرَ ملامح ذلك في الحرب على غزة، وكأن غزة خارج هذا السياق العالمي
دع عنك ما تسمعه من رفض بعض القوى الدولية لسياسات إسرائيل وأساليبها في قتل الفلسطينيين، لا يعدو ذلك أكثر من سياسات مناكفة ومناكدة تحصل في إطار سياق دولي متوتر بسبب المصالح والمنافسات، والاختلافات بينهم تحتاج إلى مساومات تقع خارج فلسطين ولن يستفيد منها أطفال غزة الذين يقفون في طابور الموت، ولا تكلف قوى العالم الحي نفسها حتى مجرد التوضيح لهم لماذا يساقون الى المذبحة ولماذا تصمت العوالم الحرة وغير الحرة عن هذه المهزلة السوداوية.

طالما تشدق منظرو سياسات العالم المعاصر، عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بقدرة النظام الدولي على صياغة التوازنات العالمية بدقة ومهارة، والقدرة على ضبط الصراعات عبر الآليات التي يوفرها مجلس الأمن الدولي، غير أن أحدا لم يرَ ملامح ذلك في الحرب على غزة، وكأن غزة خارج هذا السياق العالمي وبالتالي لا تنطبق عليها قوانينه ونظرياته.

لكن مهلا، فعن أي قوانين نتحدث إذا كانت الأطراف التي تواضعت على هذه القوانين تأخذ من صندوقها ما تريد وتتجاهل ما لا يتوافق مع رغائبها وانحيازاتها. وفي حالة غزة جرى إحياء المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الدول في الدفاع عن نفسها، مقابل إهمال الرأي الاستشاري (الذي يملك قوّة القانون) الذي أصدرته محكمة العدل الدولية والذي سنة 2004 والذي يؤكد على عدم جواز تطبيق مبدأ الدفاع عن النفس إذا كان الطرف محتلا لأرض ويواجه مقاومة ضده.

twitter.com/ghazidahman1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الأطفال غزة أطفال حقوق الإنسان جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

السحر فى واقعنا المعاصر

أيها السادة انتبهوا جيدا وأعيرونى عقولكم وقلوبكم قبل آذانكم وأبصاركم. 

من الظواهر الاجتماعية البئيسة التعيسة التى انتشرت واستشرى خطرها فى مجتمعنا المصرى وخصوصا فى أرياف هذا المجتمع، بل وامتد خطرها إلى مجتمع الحضر والمدنية الحديثة فى قاهرة المعز والوجه البحرى، بل وطال خطرها البلدان العربية.

بل وطال خطرها طوائف كبيرة من جميع الأوساط تساوى فيها الفقير الذى من الممكن إن طلب منه أن يبيع كل ما يملك من أجل أن يشفى، وكذلك الغنى الذى من الممكن أن يكتب بعض املاكه لهذا الدجال من أجل أن يفك سحره فكك الله عظامه إن لم يهتدِ.

ولم يقتصر الأمر ويقف عند هذا الحد بل وطال المشاهير على كافة الأصعدة والأنشطة.

فالرياضى يذهب إلى الشيخ فلان -شيخه الله وقبح وجهه -من أجل أن يجلب له الحظ ويفوز فى بطولة من البطولات الرياضية، ومشاهير الفن والسياسة وللأسف طال هذا الوباء الكثير من المثقفين حاملى أعلى الدرجات العلمية لمجرد أنه لم يوفق فى عمل أو ترقية.

أو حتى ولو كان شابا ولم يوفق ليلة عرسه على الفور ينصح الناصحون -الأغبياء -بالذهاب إلى الشيخ فلان ليفك العمل السفلى -أسكنهم الله أسفل سافلين.

ويذهب هذا المأفون فورا ليجد السراب والوهم ورأيت ذلك بعينى نكون جلوسا فى المسجد نتدارس كتاب الله وآيات الله ورجل أو امرأة تدخل علينا المسجد بنتى معمول لها عمل -عملك وعملها أسود زى وجهكما- لماذا يا حاجة لأن سنها كبر 25سنة ولم يتقدم لخطبتها أحد وهى جميلة.

وذهبت وزورتها كل الأولياء وآخر شيخ روحت له قال دى مسحورة ومعمول لها عمل وهذا العمل مربوط على ورك نملة دكر، أو كشفت عليها أيها الدجال.

طب يا حاجة هو كشف على النملة شافها دكر ولا أنثى ومطلوب منك كذا.... ويرص قائمة طلبات، ما هذا الهراء وهذا الجهل الذى تفشى فى مجتمعاتنا المصرية والعربية.

فيا أمة الله، أما تعلمين أن الرازق هو الله تعالى، أما تعلمين أن هذا التأخير قد يكون فيه خير كثير، فالله يعلم ونحن لا نعلم، أما تعلمين أنه لا يقع شيء فى ملك الله إلا بقدر الله وقدرته وقضائه.

لكن ليس العيب عيبك، وإنما فى عدم وجود خطاب توعوى دينى، ثقافى، اجتماعى، عن طريق عقد ندوات تثقيفية وليست منتديات ترفيهية بتوعية هؤلاء البسطاء بخطر هذه الأفاعيل، والأباطيل التى تهلك الحرث والنسل وتصيب المجتمع برمته بالرجعية والتخلف، فلا يليق ونحن أبناء القرن الحادى والعشرين أن تسيطر علينا هذه الأوهام والشبهات الخطيرة التى تؤدى إلى تشويه المعتقد الصحيح. 

تركنا القرآن الكريم وما هم بضارين به من أحد، تركنا الرقية الشرعية وتركنا أذكار الصباح التى إذا قرأتها فى الصباح فأنت فى معية الله حتى تمسى، تركنا أحاديث النبى من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد.

يا سادة أفيقوا وأقلعوا عن كل هذه الخزعبلات ولا تسلموا عقولكم لهؤلاء المرتزقة الذين يبيعون لكم الوهم وعودوا إلى قرآنكم وسنة نبيكم لعلكم تفلحون. 

عودوا إلى رشدكم، واعلموا أن لكم ربا كريما إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، فأمره بين الكاف والنون، وهو تعالى المدبر والمعتنى بكل شىء فهل يعقل أن يخلقنا الله ويهملنا؟ لا ورب محمد صلى الله عليه وسلم، فعنايته محيطة بكل شىء. 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

مقالات مشابهة

  • السحر فى واقعنا المعاصر
  • يديعوت عن خطابات نتنياهو: غيّر أهداف الحرب بغزة وهذه أكثر الكلمات التي ردّدها
  • 6 مجلدات لمحمد سيد صالح تشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب
  • محددات السياسة الأمريكية بالتعامل مع المنطقة العربية وإسرائيل.. عدوان على غزة نموذجا
  • ماذا تعرف عن الصواريخ الباليستية التي استهدف أحدها مقر الموساد؟
  • هيئة المتاحف تطلق معرض “كتابات اليوم للغد” الذي يقدّم فن الصين المعاصر لأول مرّة في المملكة
  • مؤرخ إسرائيلي: حرب لبنان لاستعادة الردع الذي فقدناه في 7 أكتوبر
  • مجلس الأمن يدعو أطراف النزاعات المسلحة للألتزام بالقانون الإنساني الدولي
  • مفوضية اللاجئين: الحرب دمرت مناطق عدة في لبنان ولا يمكن قبول الخسائر التي لحقت بالمدنيين
  • “استثمر في الإمارات” تسلط الضوء على البيئة الاقتصادية المتكاملة التي تتمتع بها الدولة