دع عنك كل المفاهيم والمصطلحات التي تعلمتها عن الحروب وأهدافها الجيوسياسية وإستراتيجيات فاعليها، ودع عنك الحديث عن السياسة الدولية ونظرياتها ومقارباتها، وعن النظام الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة، تلك ليست سوى كلام إنشائي مدرسي تلوكه الصحف والمجلات ويجري تعليمه في كليات العلوم السياسية للطلبة.
وإن أردت أن تفهم العالم المعاصر، وتطبيقاته العملية في إدارة السياسات والصراعات وتطبيقه لقواعد القانون الدولي واحترامه لحق الحياة والحرية، ما عليك سوى متابعة ما يجري في غزة، وستكتشف أن كل ما سبق ذكره مجرد غناء كئيب في واد لم تسمعه البشرية، بل إن كل ما أنتجه العقل البشري من فلسفات عقلانية وأنوارية ليست سوى قوالب كلامية فارغة تصلح للاستعراض في الصالونات الشيك حيث تمتزج روائح البارفانات بالويسكي بالتحذلق الممجوج.
دعوا الوحش يُخرج كامل غضبه، لا توقفوه ولا تعطلوه عن مهمته، أغمضوا عيونكم عن الضحايا، سايروا الوحش، أكدوا له أنه محق في كل ما يفعل، ولا يجوز للفريسة ان تخدشه تحت أي ظرف، هذا هو حقيقة السياسات التي يديرها الغرب اليوم تجاه غزة، الغرب الذي يعود له فضل اختراع أغلب نظريات السياسة التي نعرفها في عالمنا المعاصر، وعن العقلانية المطلوبة في التطبيقات العملية للسياسة، ومراعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان
كنت أفكر في كتابة مقال عن المواقف الدولية من حرب غزة، عن مصالح وأهداف كل طرف، عن الرؤى والاستراتيجيات التي يتبعها هؤلاء، عن الديناميكيات التي ستتشكل بعد حرب غزة، عن حسابات اللاعبين وتكتيكاتهم، لكن هل هذا الجنون وحفلة الدم الرهيبة وقتل آلاف الأطفال والنساء وتدمير حواضر سكنية بحالها، يمكن أن تتم مقاربته وفهمه بلغة السياسة التقليدية أو الأكاديمية؟ من المؤكد أن ذلك سينتج نصا عاجزا عن وصف وتحليل ما يحصل في غزة.
دعوا الوحش يُخرج كامل غضبه، لا توقفوه ولا تعطلوه عن مهمته، أغمضوا عيونكم عن الضحايا، سايروا الوحش، أكدوا له أنه محق في كل ما يفعل، ولا يجوز للفريسة ان تخدشه تحت أي ظرف، هذا هو حقيقة السياسات التي يديرها الغرب اليوم تجاه غزة، الغرب الذي يعود له فضل اختراع أغلب نظريات السياسة التي نعرفها في عالمنا المعاصر، وعن العقلانية المطلوبة في التطبيقات العملية للسياسة، ومراعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان!
ما فائدة الحديث عن المجتمع الدولي الذي وقف عاجزا عن منع مجانين صهاينة من ممارسة ساديتهم وجنونهم تجاه أكثر من مليونين من البشر، وأين السياسة في تصرف أولئك أصلا؟ هل ينتمي ما يمارسونه للسياسة بأي شكل من الأشكال؟ ما فائدة الحديث عن مجتمع دولي ومجلس أمن وأمم متحدة لم يستطيعوا إنقاذ أكثر من مليون طفل في غزة تدوسهم آلة القتل، بعضهم تم قتله، والآخرون ينتظرون دورهم، فيما ما يسمى المجتمع الدولي، أو القوى الفاعلة فيه، تتقاطر على تعزية بنيامين نتنياهو وأخذ خاطره وتقديم عروض الدعم بمختلف أنواع الأسلحة والقدرات الاستخباراتية، وبعضهم جاء يتفقد حاجة مخازن إسرائيل وتسجيل ما تتطلبه عمليات إبادتها لسكان غزة من ذخائر فتاكة وأسلحة ذكية وغبية!
ما فائدة الرأي العام العالمي طالما هو مستعد لتصديق رواية مجانين إسرائيل وإغماض العيون عن المذابح التي تفقأ العيون وعلى الهواء مباشرة؟ هل ثمة جدوى من التعويل على رأي عام تغذيه ماكينة الإعلام الصهيونية وتلقنه إحداثياته، بل وتحذره من عدم التفكير من خارج صندوق أدواتها الذي يرتكز على مزاعم مظلومية إسرائيل وديمقراطيتها وإنسانيتها، مقابل المتوحشين والظلاميين، أبناء النور مقابل أبناء الظلام، كما وصف نتنياهو الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة؟
طالما تشدق منظرو سياسات العالم المعاصر، عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بقدرة النظام الدولي على صياغة التوازنات العالمية بدقة ومهارة، والقدرة على ضبط الصراعات عبر الآليات التي يوفرها مجلس الأمن الدولي، غير أن أحدا لم يرَ ملامح ذلك في الحرب على غزة، وكأن غزة خارج هذا السياق العالمي
دع عنك ما تسمعه من رفض بعض القوى الدولية لسياسات إسرائيل وأساليبها في قتل الفلسطينيين، لا يعدو ذلك أكثر من سياسات مناكفة ومناكدة تحصل في إطار سياق دولي متوتر بسبب المصالح والمنافسات، والاختلافات بينهم تحتاج إلى مساومات تقع خارج فلسطين ولن يستفيد منها أطفال غزة الذين يقفون في طابور الموت، ولا تكلف قوى العالم الحي نفسها حتى مجرد التوضيح لهم لماذا يساقون الى المذبحة ولماذا تصمت العوالم الحرة وغير الحرة عن هذه المهزلة السوداوية.
طالما تشدق منظرو سياسات العالم المعاصر، عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، بقدرة النظام الدولي على صياغة التوازنات العالمية بدقة ومهارة، والقدرة على ضبط الصراعات عبر الآليات التي يوفرها مجلس الأمن الدولي، غير أن أحدا لم يرَ ملامح ذلك في الحرب على غزة، وكأن غزة خارج هذا السياق العالمي وبالتالي لا تنطبق عليها قوانينه ونظرياته.
لكن مهلا، فعن أي قوانين نتحدث إذا كانت الأطراف التي تواضعت على هذه القوانين تأخذ من صندوقها ما تريد وتتجاهل ما لا يتوافق مع رغائبها وانحيازاتها. وفي حالة غزة جرى إحياء المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على حق الدول في الدفاع عن نفسها، مقابل إهمال الرأي الاستشاري (الذي يملك قوّة القانون) الذي أصدرته محكمة العدل الدولية والذي سنة 2004 والذي يؤكد على عدم جواز تطبيق مبدأ الدفاع عن النفس إذا كان الطرف محتلا لأرض ويواجه مقاومة ضده.
twitter.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الأطفال غزة أطفال حقوق الإنسان جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
باحث: تصريحات ترامب تضعه في مواجهة غير مسبوقة مع المجتمع الدولي
قال محمد العالم كاتب صحفي وباحث سياسي متخصص في الشأن الأمريكي، إنّ تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لقائه مع رئيس وزراء الاحتلال عن قطاع غزة كانت مفاجأة نوعا ما، وذلك باعتراف رئيس مجلس النواب الجمهوري نفسه، لافتًا، إلى أنها تضعه في مواجهة غير مسبوقة مع المجتمع الدولي.
سفير أمريكي سابق لدى اسرائيل: مقترح ترامب بشأن غزة غير جاد الكويت تجدد دعمها الثابت لفلسطين وترفض مقترحات ترامب بشأن غزة ترامب طالب الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزةوأضاف "العالم"، في مداخلة هاتفية مع الإعلامي محمد رضا، عبر قناة "القاهرة الإخبارية"، أنّ ترامب طالب الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة، وفوجئ الأمريكيون من حجم النزاعات التي انخرط فيها ترامب في أول فترة من حكمه.
وتابع: «الأمريكيون كانوا يعتقدون أن ترامب كان سيستمر في الحرب الاقتصادية مع الصين، لكنهم فوجئوا بتصريحاته عن قطاع غزة، بعدما قال إن الحرب ستنتهي في اليوم الأول لحكمه».
ترامب لا ينهي الحرب بقدر ما يعطي بعض السيناريوهات المجنونةوأكد، أن ترامب لا ينهي الحرب بقدر ما يعطي بعض السيناريوهات المجنونة غير القابلة للتحقيق وتنافي سياسة أمريكا في السنوات الأخيرة، إذ تعلن الإدارة الأمريكية أنها لا تتدخل بشكل مباشر من خلال الجيش الأمريكي على أراضي أخرى.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل اعتبر أن المقترح الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة "ليس جادًا"، محذرًا من أن مجرد طرح الفكرة قد يؤدي إلى تصاعد موجات التطرف في المنطقة.
وأشار السفير السابق، وفقًا للتقرير، إلى أن هذا النوع من المقترحات يفتقر إلى الواقعية السياسية والدبلوماسية، مشددًا على أن أي تحرك أحادي الجانب بهذا الشكل قد يزيد من حالة عدم الاستقرار بدلاً من تحقيق أي حلول عملية.
كما حذّر من أن تداعيات اقتراح ترامب قد تؤثر سلبًا على الجهود المبذولة لإطلاق سراح مزيد من الرهائن المحتجزين في القطاع، حيث قد يدفع هذا الطرح بعض الأطراف إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، مما يعقد فرص التوصل إلى تفاهمات إنسانية.
ويأتي هذا التقرير في ظل الجدل المتصاعد حول تصريحات ترامب الأخيرة، التي اقترح فيها سيطرة أمريكية طويلة الأمد على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما قوبل برفض دولي واسع، خاصة من الدول التي تؤكد على ضرورة الحفاظ على حقوق الفلسطينيين في أراضيهم.
جددت الكويت اليوم موقفها الثابت والداعم للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، مؤكدة على حق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، جاء ذلك في بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية الكويتية، حيث أكدت أن هذا الحق يمثل حجر الزاوية في أي حل عادل ودائم للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأشار البيان إلى "رفض دولة الكويت القاطع لسياسات الاستيطان الإسرائيلي وضم الأراضي الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه"، وأضاف أن هذه السياسات تمثل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وتهديدًا لأمن واستقرار المنطقة".
في الوقت ذاته، دعت الكويت المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته في توفير الحماية للشعب الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف"، مع ضرورة "إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة"، وهو ما يتماشى مع الموقف الكويتي الثابت في دعم حقوق الفلسطينيين.
تأتي هذه التصريحات بعد أيام من تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أدلى بها في لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض الثلاثاء الماضي، وكان ترامب قد اقترح في تلك التصريحات فرض سيطرة أمريكية على قطاع غزة، مؤكدًا أن الولايات المتحدة "ستتولى السيطرة على القطاع" متوقعًا أن تكون لها "ملكية طويلة الأمد" هناك.
وقال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو: "الولايات المتحدة ستتولى مسؤولية أعمال إعادة الإعمار في غزة، وتحويلها إلى ما أسماه "ريفييرا الشرق الأوسط" التي يمكن أن يستمتع بها كل العالم"، كما وصف غزة بأنها "منطقة للهدم"، وذكر أن السكان يجب أن يغادروا إلى دول أخرى بشكل دائم.
واستطاع ترامب في تصريحاته الأخيرة إلقاء الضوء على مقترحات سابقة له بنقل الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، حيث برر ذلك بعدم وجود أماكن صالحة للسكن في القطاع نتيجة للدمار الكبير الذي خلفته الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 15 شهراً.
وقد أثارت هذه التصريحات استنكارًا دوليًا واسعًا، في وقت كانت الكويت قد أكدت فيه مرارًا على أهمية الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، مع التزامها التام بدعم حقوق الفلسطينيين وفقًا للقرارات الدولية.