عندما أطلق رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل ما سُمّيت بـ"المبادرة"، أو ما أسماها هو بـ"مجموعة أفكار"، قادته للقاء الكثير من الشخصيات التي يخاصمها في السياسة، كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" السابق وليد جنبلاط، تفاوتت الآراء بشأن مدى جدّيتها، وفرص نجاحها في تحقيق أيّ "خرق".


 
لكنّ أحدًا لم يصل إلى طريقة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في تلقف حراك "خصمه الأول"، رغم "التقاطع المرحلي" معه الذي جاء كبدل عن "تفاهم معراب" الضائع، إذ لم يكتفِ بالتقليل من شأن حظوظها، بل ذهب لحد تصويرها على أنها "استغباء للناس"، معتبرًا أنّ "باسيل لا يملك أي مبادرة، بل يختار إيماءات لا فائدة منها"، بل ذهب أبعد من ذلك بقوله إنّ باسيل "جاد فقط حين يتعلق الأمر بتقاسم الجبنة"، وفق تعبيره.
 
وفي حين كان طبيعيًا أن تخلو جولة باسيل التشاورية على الأفرقاء من أيّ زيارة لمعراب، في ظلّ اعتقاد بأنّ باسيل لن يطلب مثل هذا اللقاء، وأنّ جعجع لن يلبّيه في حال وصل الطلب، فإنّه طرح علامات استفهام بالجملة، فلماذا يأخذ جعجع هذا الموقف السلبي من حراك باسيل، قبل أن تظهر ملامح نتائجه؟ ولماذا يعتبره "استغباء للناس"؟ وألا يعتقد جعجع أنّ المرحلة تتطلب مقاربة مغايرة، ولا سيما أنّ الحرب "على كفّ عفريت"؟!
 
"القوات" على موقفها
 
في الأيام الأخيرة، برزت الكثير من الأفرقاء لبعض القوى السياسية خارج السياق التاريخي والمعروف عنها، انطلاقًا من أنّ المرحلة الحالية دقيقة واستثنائيّة، وأن خطاب معاداة "حزب الله"، أو حتى تحميله مسؤولية التوتر الحدودي الجاري والذي قد يمتدّ إلى مناطق أخرى، ليس مناسبًا، وينبغي تأجيله بالحدّ الأدنى، ليُستبدَل بخطاب وطني يصل لحدّ التأكيد على الوقوف "صفًا واحدًا" في مواجهة أيّ عدوان إسرائيلي يمكن أن يحصل في أيّ لحظة.
 
لكن، لا يبدو أنّ "القوات اللبنانية" تبنّت مثل هذه المقاربة حتى الساعة، إذ يقول العارفون بأدبيّاتها والمحسوبون عليها، إنّ مثل هذا الخطاب سيشكّل "انقلابًا" على كلّ الثوابت التي نادى بها الحزب، وعلى رأسها منع أيّ قوة سياسية من "احتكار" قرار الحرب والسلم، الذي يجب أن يكون بحوزة الدولة اللبنانية، فضلاً عن رفض "ازدواجية السلاح"، تحت أيّ عنوان من العناوين، ولو كان "مقاومة العدو الإسرائيلي"، كما يحصل اليوم.
 
أكثر من ذلك، يقول المحسوبون على "القوات" إنّ تطورات الأيام الأخيرة لا يمكن أن تغيّر هذا الموقف "المبدئي"، لأنّ "القوات" لا يمكن أن تعطي أيّ "غطاء" لمحاولة أيّ حزب جرّ البلاد إلى الحرب، أو استدراجها كرمى لأيّ قضية، ولو كانت بحجم القضية الفلسطينية، فمساندة الفلسطينيين يجب أن تكون معنوية،كما تفعل سائر الدول العربية، من دون "توريط" البلاد بما لا طاقة لها على تحمّله أصلاً، في ضوء الأزمات المتفاقمة التي تتخبّط فيها.
 
ماذا عن مبادرة باسيل؟
 
صحيح أنّ "القوات" حرصت في الفترة الأخيرة على عدم "استفزاز" أيّ طرف، على وقع "الحرب المصغّرة" الدائرة على حدود لبنان الجنوبية، ولو أنّ قياديّيها ومسؤوليها كرّروا في إطلالاتهم الإعلامية ضرورة إبقاء لبنان بمنأى عن الحرب الدائرة في غزة، إلا أنّ مبادرة باسيل وجدت على ما يبدو "أصداء سلبيّة" في صفوف "القوات"، دفعت جعجع لقول ما قاله بحقها، وصولاً لحد وصفها بأنّها "استغباء للناس".
 
يقول المحسوبون على "القوات" إنّ ما قصده جعجع هو أنّ باسيل لا يملك مبادرة أصلاً، وأنّ كلّ ما يحاول أن يفعله هو استغلال الظروف الحاليّة لاستعادة دور كان قد فقده، بل لتفعيل قنوات تواصل كان قد خسرها في السياسة، علمًا أنّه برأي هؤلاء ليس مؤهّلاً أصلاً لقيادة أيّ دور في مواجهة سيناريو الحرب، ولا سيما أنّه يتحمّل مسؤولية في التفريط بقرار الحرب والسلم، وجعله بيد حزب لا يجد حَرَجًا في الحديث عن انتماءاته الخارجية.
 
من هنا، يعتقد "القواتيون" أنّ ما سُمّيت بـ"مبادرة باسيل"، لا قيمة لها، خصوصًا أنّ الأفكار التي تطرحها قد لا تكون أكثر من "عبارات شعرية وإنشائية"، كالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، والوقوف صفًا واحدًا في مواجهتها، في حين أنّ المطلوب برأي هؤلاء أكثر بكثير، ويتمثّل تحديدًا في "الضغط" على "حزب الله" لمنع قيامه بأيّ "مغامرة غير محسوبة"، تستنسخ سيناريو "لو كنت أعلم" الشهير، في تموز 2006.
 
تتمسّك "القوات" بسرديّة "الحرب والسلم"، في مواجهة "حزب الله"، بمعزل عن كلّ الدوافع التي تجعل غيرها "يليّن" موقفه، تمامًا كما تتمسّك بـ"السلبية المطلقة" إزاء رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير السابق جبران باسيل، من دون انتظار ما يطرحه فعليًا. قد ينسجم ذلك مع "مبدئية" تتمسّك بها "القوات"، ترقى لمستوى "البراغماتية"، برأي البعض، لكنّها تصطدم بظرفٍ استثنائي ودقيق، يفترض "تفاهم الحدّ الأدنى"، وفق كثيرين!
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

سقيا وإطعام.. مبادرة لإغاثة السودانيين الفارين من الحرب في سنار

أطلق ناشطون سودانيون بولاية القضارف شرقي البلاد مبادرة تحمل اسم "سقيا وإطعام" لتوزيع وجبات الطعام وإيواء آلاف الفارين من ولاية سنار هربا من ويلات الحرب، وذلك بالتزامن مع بداية هطول الأمطار وافتراش آلاف النازحين للأرض بمقرات الإيواء المؤقتة.

واستقبلت القضارف نحو 90 ألف شخص خلال 3 أيام فقط من دخول قوات الدعم السريع إلى مدن سنار، حسبما أعلنته وزارة الصحة بالولاية.

ونشرت الناشطة التطوعية هالة الشفيع مقاطع فيديو تظهر تجهيز وتقديم الوجبات الغذائية للنازحين الذين لجأوا إلى صالة الميناء البري بالقضارف، والتي استقبلت أكثر من 3 آلاف نازح معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن في أقل من أسبوع.

وبحسب الشفيع، قدمت المبادرة 1200 وجبة غذائية خلال ثلاثة أيام للنازحين من مدينة سنجة إلى مراكز الإيواء المؤقتة بولاية القضارف، مشيرة إلى أن البادرة ستستمر لأربعة أيام قادمة.

ظروف مناخية صعبة

وتسعى المبادرة الشعبية لشراء مخيمات إيواء للأسر النازحة إلى الولاية التي تتوقع حكومتها استقبال آلاف الفارين خلال الأيام القادمة في موجة نزوح وصفتها بـ"الأعنف والأقوى منذ اندلاع الحرب العام الماضي".

وكتبت القائمة على المبادرة في تدوينة عبر حسابها بموقع فيسبوك "اليوم تمطر بغزارة في القضارف، ومشهد الأطفال بلا مأوى محزن للغاية".

وأضافت "الوضع صعب وأعداد كبيرة من الأسر في أمسّ الحاجة إلى المفارش والأغطية بسبب الأمطار".

وتداول رواد المنصات صورا تظهر بدء تشييد مبانٍ لإيواء النازحين من سنار بمزرعة تعود لرجل أعمال بمنطقة أم شجيرات، وذلك بالتنسيق مع المجلس النرويجي للاجئين وعدد من المنظمات والمبادرات المحلية.

وكانت لجان مقاومة محلية الدندر قد نشرت مقطع فيديو يوثق معاناة النازحين السودانيين وهم يفترشون الأرض دون غطاء أو خدمات داخل المخيمات المؤقتة بالقضارف.

بدوره، دعا والي القضارف المكلف، محمد حسن، المنظمات الأممية والدولية إلى التدخل الفوري لتوفير المواد الصحية والإيواء للنازحين من ولاية سنار الذين قدموا إلى القضارف بسبب الحرب.

وأشار إلى أن الوضع الراهن يتطلب زيادة وتيرة التدخلات في جميع المجالات لامتصاص التداعيات الناتجة عن الحرب، على حد تعبيره.

وقالت الأمم المتحدة إن توسع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جميع أنحاء ولاية سنار أدى إلى فرار أكثر من 136 ألف شخص.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن الفارين وصلوا إلى مناطق القضارف والنيل الأزرق وكسلا.

وأضافت في بيان لها أصدرته الخميس الماضي الخميس "يواجه المدنيون الآن مخاطر كبيرة على الأمن، حيث أفادوا بوقوع عمليات نهب واسعة النطاق لمنازلهم وممتلكاتهم الشخصية".

تفاقم المعاناة

وأدى الصراع في مدينة سنجة، التابعة لولاية سنار، إلى تفاقم معاناة المدنيين وزيادة انتهاكات القانون الإنساني الدولي بشكل كبير، وفقا لمكتب الأمم المتحدة.

من جهة أخرى، سلط الناشط السوداني سوار الذهب جهوده على معاناة النازحين من إقليم دارفور، الذين لجأوا إلى الحدود التشادية هربا من ويلات الحرب والعنف في بلادهم.

ونشر مقطعا مؤثرا عبر صفحته على فيسبوك يوثق فيه حجم المعاناة الإنسانية التي يعيشها النازحون على الحدود التشادية.

ويُظهر المقطع صورا قاسية لنازحين من مختلف الأعمار، يجلسون تحت أشعة الشمس الحارقة، دون مأوى أو طعام أو ماء.

ويروي سراج الذهب في مقطعه أن بعض هؤلاء النازحين قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، تصل إلى 40 كيلومترا، هربا من مناطق النزاع في دارفور.

وأشار إلى أن النازحين يعانون من نقص حاد في الموارد الأساسية، فبعضهم يفتقر حتى إلى شربة ماء، ناهيك عن الحاجة إلى الغذاء والدواء والمأوى.

ويُظهر المقطع مشاهد مؤثرة لنازحين، خاصة من النساء، يبكون بحرقة على حالهم المأساوي، بعد أن اضطروا لترك منازلهم وأحبائهم هربا من الموت.

وناشد الناشط السوداني المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بضرورة التدخل العاجل لإنقاذ النازحين من هذه الكارثة الإنسانية، وتقديم المساعدة العاجلة لهم، وتوفير احتياجاتهم الأساسية، وحمايتهم من المخاطر التي تُهدد حياتهم.

مقالات مشابهة

  • تفاهم بري ــ باسيل: الحصة المسيحية في السلطة لـالتيار
  • هل تفلح التحركات الدبلوماسية الأخيرة في تطويق الأزمة السودانية؟
  • لماذا زار رئيس الحكومة الإثيوبية السودان في هذا التوقيت؟
  • جعجع: من يريد طاولة استعراضية لحوار غير دستوري فليذهب للمشاركة فيها
  • لحظات ما قبل الانهيار
  • باسيل يُجهّز التيّار لانتخابات ٢٠٢٦.. وتواصل بارد بينه وبين حزب الله
  • سقيا وإطعام.. مبادرة لإغاثة السودانيين الفارين من الحرب في سنار
  • لماذا ارتفع احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي خلال يونيو الماضي؟
  • لماذا يُهزم الجيش؟.. إلى ماذا أفضى الحياد؟
  • إحصاءات تقلق باسيل وهذا ما كشفته