هل تنجح سياسة الملوِّث يدفع في تقليل انبعاثات الكربون والحد من تغيّر المناخ؟
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
يشير تغيّر المناخ إلى التغيّرات الطويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ويعزى هذا التغيّر بشكل أساسي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.
وظاهرة الاحتباس الحراري هي العملية التي يتم من خلالها احتجاز الحرارة بالقرب من سطح الأرض بواسطة مواد تعرف باسم "غازات الدفيئة"، التي تشكل طبقة تغلّف كوكب الأرض، ومن ثم تحتجز أشعة الشمس المنعكسة عن سطح الأرض والمحيطات وتمنع نفاذها خارج الغلاف الجوي، مما يؤدّي إلى زيادة حرارة كوكب الأرض وتغيّر أنماط الطقس والمناخ.
تتكون الغازات الدفيئة بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز. ولثاني أكسيد الكربون دور حاسم في الحفاظ على استقرار الغلاف الجوي للأرض.
وأدت زيادة الأنشطة البشرية في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وما نتج عنها من الاعتماد على حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، واختلال توازن الطاقة، ومن ثم تغيّر المناخ نتيجة ارتفاع حرارة الأرض.
الملوّث يدفعمع بداية الحركة البيئية العالمية، التي توضحت معالمها مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن البيئة البشرية في ستوكهولم عام 1972، برز اتجاه عالمي يدعو إلى مساعدة البلدان النامية، كونها الأقل مساهمة في انبعاث غازات الدفيئة وتلويث البيئة، والأكثر تأثرا بعواقب تغيّر المناخ، لعدم قدرتها على مواجهة التكاليف البيئية الإضافية التي تتكبدها برامجها الإنمائية، وأيّد العديد من المتحدثين في المؤتمر الحجة القائلة بأن "الملوّث يجب أن يدفع".
ويعتبر مبدأ "الملوّث يدفع" ممارسة مقبولة بشكل عام مفادها أن أولئك الذين ينتجون التلوث يجب أن يتحملوا تكاليف إدارته لمنع الإضرار بصحة الإنسان أو البيئة، من خلال إجراءات تتخذ لتخفيف التلوث حسب مدى الضرر الذي يلحق بالمجتمع، أو حسب مدى تجاوز المعيار المقبول للتلوث.
ويعد مبدأ "الملوث يدفع" جزءا من مجموعة من المبادئ الأوسع لتوجيه التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم، والمعروفة رسميا باسم "إعلان ريو" لعام 1992.
ويشكل هذا المبدأ الأساس لمعظم عمليات تنظيم التلوث الذي يؤثر على الأرض والمياه والهواء. وتعتبر انبعاثات غازات الدفيئة شكلا من أشكال التلوث لأنها تسبب أضرارا واضحة أو محتملة من خلال تأثيرها على نماذج المناخ، وتسهم أيضا في تلوث الهواء الخارجي أو المحيط، والذي تقدر منظمة الصحة العالمية أنه يرتبط بنحو 4.2 مليون حالة وفاة سنويا.
ويمكن تطبيق مبدأ "الملوث يدفع" على باعثي غازات الدفيئة من خلال ما يسمى "سعر الكربون"، وهو ما يفرض رسوما على انبعاث غازات الدفيئة تعادل التكلفة المحتملة المقابلة الناجمة عن تغيّر المناخ في المستقبل، ويجبر الجهات المصدرة للانبعاثات على تحمل تكلفة التلوث أو استيعابها، وهذا ما يسمى التكلفة الاجتماعية للكربون (SCC)، والتي يعتبرها العديد من الاقتصاديين أفضل طريقة لتسعير الكربون.
يمكن لسعر الكربون أن يجعل الملوث يدفع الثمن من خلال نهجين مختلفين:
الأول يتلخص في آلية واضحة تعتمد على السعر في هيئة ضريبة الكربون، حيث يتم تحديد سعر التلوث وفقا لمعدل الضريبة عن كل طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي المنبعثة.
والثاني من خلال نظام قائم على الحصص، وغالبا ما يشار إليه باسم نظام مقايضة الانبعاثات، تحدد الحكومة من خلاله إجمالي حجم الانبعاثات المسموح به من ثاني أكسيد الكربون على المستوى الوطني سنويا، وتُلزِم أي شركة تتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالحصول على أسهم عن كل طن منبعث، وتجد بعض الشركات أن خفض الانبعاثات أسهل أو أقل تكلفة، ومن ثم يمكنها بيع أسهمها للشركات التي تكون تكلفة خفض الانبعاثات أعلى بكثير بالنسبة لها، لذلك تتم تجارة الانبعاثات بين الملوثين ذوي التكلفة العالية والتكلفة المنخفضة.
وبغض النظر عن نوع الأداة المستخدمة، يرى العديد من الاقتصاديين أن سعر الكربون يجب أن يكون عالميا وموحدا عبر البلدان والقطاعات، حتى لا ينقل الملوثون عملياتهم ببساطة إلى ما يسمى "ملاذات التلوث"، وهي البلدان التي تفتقر إلى التشريع البيئي فيما يخص الملوثات، ومن ثم تكون ملاذا آمنا لما يطلق عليه اسم "تسريب الكربون".
أوروبا تفرض أول ضريبة كربون عابرة للحدودأحدث الاتحاد الأوروبي مطلع أكتوبر/تشرين الأول، تغييرا كبيرا في النظام التجاري العالمي إذ فُرضت لأول مرة، ضريبة استيراد على الكربون، من خلال تبني آلية ملزمة لدول الاتحاد الصناعية تفرض من خلالها رسوما مالية على الانبعاثات الكربونية المرتبطة بإنتاجها.
وستشمل الرسوم -التي عرفت باسم "آلية تعديل حدود الكربون"- الواردات الصناعية من بلدان الاتحاد الأوروبي وتستهدف أولا المنتجات الأكثر تسببا للتلوث مثل واردات الصلب والإسمنت والأسمدة والألمنيوم والكهرباء والهيدروجين.
ويفرض الاتحاد الأوروبي بالفعل ضريبة داخلية على الكربون، إذ تدفع محطات الطاقة والمنشآت الصناعية الكبرى ما يعادل 90 يورو لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في إطار نظام الاتجار بالانبعاثات، وذلك بهدف حث الشركات داخل حدود الاتحاد الأوروبي على تقليص انبعاثاتها.
ولكن نظام الاتجار بالانبعاثات لا يقيّد شراء الأوروبيين لمنتجاتهم الباعثة للكربون من البلدان الأخرى، خصوصا تلك التي لا تفرض ضرائب كربونية داخلية، وهذه البدائل التي يتم من خلالها "تسريب الكربون" تجعل نظام الاتجار هذا غير مؤهل لتحقيق تخفيض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي، ومن المفترض أن تحل آلية تعديل حدود الكربون الجديدة هذه المشكلة.
ويعني ذلك أن على المستوردين بدءا من عام 2026 الإعلان عن الانبعاثات المرتبطة مباشرة بعملية الإنتاج، وإذا تجاوزت المعايير الأوروبية، فسيكون عليهم الحصول على "شهادة انبعاثات" بثمن ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي، وإذا دفعت ضريبة الكربون في البلد المصدّر، فسيكتفي بتغطية الفرق.
يحظى مبدأ "الملوِّث يدفع" بإجماع أممي، حيث تقره معظم اجتماعات البيئة وقمم المناخ العالمية، إلا أنه لا يزال بعيدا عن مجال التطبيق خارج حدود الدول التي تلتزم بسياسات تسعير الكربون أو مقايضته، وعلى الرغم من إقرار هذا المبدأ في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، فإن الاتفاقية تعترف بالحق السيادي للدول في استغلال مواردها الخاصة، بمقتضى سياساتها البيئية والإنمائية، وتقر أيضا أن المعايير التي تطبقها بعض البلدان قد تكون غير مناسبة وذات تكلفة اقتصادية واجتماعية لا مبرر لها بالنسبة لبلدان أخرى، لا سيما لبلدان نامية معينة.
لذا فإن كثيرا من الدول لم تدخل سياسة تسعير الكربون في قوانينها البيئية، حتى الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن قدر كبير من الملوثات والانبعاثات.
على سبيل المثال رفضت الولايات المتحدة فرض ضرائب الكربون على منتجاتها، واختارت بدلا من ذلك تقديم حوافز لالتقاط وتخزين الكربون، وتحصل الشركات الأميركية على 85 دولارا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون يتم تخزينه بصورة دائمة، وهو ما يقترب من السعر المحدد في نظام الاتجار بالانبعاثات في أوروبا.
يمكن لضريبة الكربون الحدودية التي فرضتها أوروبا، أن تشجع دولا مثل الصين على إدراج تسعير للكربون يسمح لها بتحصيل إيرادات من المنتجين على المنتجات الباعثة للكربون، بدلا من تحصيلها في الاتحاد الأوروبي، ومن شأن اتساع رقعة تسعير الكربون عالميا أن تسهم في تعويض المتضررين وتمويل صناديق عالمية لتجنب آثار تغيّر المناخ.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من ثانی أکسید الکربون الاتحاد الأوروبی تغی ر المناخ من خلال ث یدفع ومن ثم
إقرأ أيضاً:
دراسة: تقليل الدهون في منتصف العمر يعزز الذاكرة ويقلل الخرف
المناطق_متابعات
أظهرت دراسة جديدة أن الالتزام بنظام غذائي صحي في الخمسينيات والستينيات من العمر قد يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالخرف.
وكانت الأبحاث قد أشارت إلى أن النظام الغذائي الغني بالأسماك والبقوليات والخضراوات مع تقليل تناول السكريات قد يؤخر ظهور مرض الخرف بنسبة تصل إلى 25%. والآن، اكتشف علماء بريطانيون أن اتباع هذا النظام الغذائي بين سن 48 و70 يعزز نشاط مناطق في الدماغ التي تبدأ بالتدهور قبل تشخيص المرض.
أخبار قد تهمك منتدى الاستثمار الرياضي 2025: الحدث الأكبر لتعزيز نمو القطاع الرياضي في المملكة 16 مارس 2025 - 6:43 مساءً المملكة ممثلة بوزارة الداخلية تسهم في إحباط محاولة تهريب 7 ملايين قرص من مادة الإمفيتامين المخدر في العراق 16 مارس 2025 - 6:31 مساءًوأظهرت الدراسة، التي أجراها خبراء من جامعة أكسفورد، أن الأشخاص الذين لديهم نسبة أقل من الدهون حول منطقة البطن في هذه المرحلة من العمر يتمتعون بذاكرة أفضل وقدرة أكبر على التفكير المرن مع تقدمهم في السن.
وحث الباحثون، الذين وصفوا النتائج بأنها “مهمة”، الجمهور على تبني استراتيجيات لتحسين نظامهم الغذائي للحفاظ على صحة الدماغ وتقليل خطر الإصابة بالخرف.
وكتب الباحثون في مجلة “جاما نيتورك أوبن”، أن “التحول العالمي نحو العادات الغذائية غير الصحية مرتبط بزيادة في انتشار أمراض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسمنة، وجميعها عوامل خطر معروفة للإصابة بالخرف”.
وأضافوا: “من المهم النظر في تأثير النظام الغذائي العام والسمنة المركزية على الذاكرة والمناطق المرتبطة بها في الدماغ، مثل الحُصين.”
وفي هذه الدراسة، تتبع الباحثون العادات الغذائية لـ512 بريطانيا على مدى 11 عاما، وقاسوا نسبة محيط الخصر إلى الورك لـ 664 شخصا على مدى متابعة استمرت 21 عاما.
تم إجراء اختبارات الأداء المعرفي، إلى جانب فحوصات تصوير بالرنين المغناطيسي في بداية الدراسة، وعندما بلغ المشاركون سن السبعين في المتوسط، وذلك لرصد التقدم واكتشاف أي علامات للتدهور المعرفي.
ووجد العلماء أن المتطوعين الذين التزموا بنظام غذائي صحي في منتصف العمر كان لديهم تحسن في التواصل بين الجزء الأيسر من الحُصين، وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة، والفص القذالي، المسؤول عن معالجة الرؤية، كما ارتبط تحسين النظام الغذائي بتحسن المهارات اللغوية، وفقًا للباحثين.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط 16 مارس 2025 - 6:48 مساءً شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد16 مارس 2025 - 6:21 مساءًشاهد.. أول صورة لظباء الريم بعد ولادتها في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية أبرز المواد16 مارس 2025 - 6:05 مساءًأمانة منطقة الباحة تنفذ أكثر من 4360 زيارة تفتيشية صحية أبرز المواد16 مارس 2025 - 6:01 مساءًالهيئة الوطنية للأمن السيبراني تعلن عن الشركات الحاصلة على «ترخيص تقديم خدمات مركز عمليات الأمن السيبراني المُدار» من المستوى الأول أبرز المواد16 مارس 2025 - 5:58 مساءً“الأرصاد”: أمطار متوسطة ورياح شديدة على منطقة نجران أبرز المواد16 مارس 2025 - 5:41 مساءًأمير تبوك يواسي الشيخ جزاع بن كريم في وفاة أخيه16 مارس 2025 - 6:21 مساءًشاهد.. أول صورة لظباء الريم بعد ولادتها في محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز الملكية16 مارس 2025 - 6:05 مساءًأمانة منطقة الباحة تنفذ أكثر من 4360 زيارة تفتيشية صحية16 مارس 2025 - 6:01 مساءًالهيئة الوطنية للأمن السيبراني تعلن عن الشركات الحاصلة على «ترخيص تقديم خدمات مركز عمليات الأمن السيبراني المُدار» من المستوى الأول16 مارس 2025 - 5:58 مساءً“الأرصاد”: أمطار متوسطة ورياح شديدة على منطقة نجران16 مارس 2025 - 5:41 مساءًأمير تبوك يواسي الشيخ جزاع بن كريم في وفاة أخيه منتدى الاستثمار الرياضي 2025: الحدث الأكبر لتعزيز نمو القطاع الرياضي في المملكة منتدى الاستثمار الرياضي 2025: الحدث الأكبر لتعزيز نمو القطاع الرياضي في المملكة تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً أجمل رسائل وعبارات صباح الخير وأدعية صباحية للإهداء 24 أبريل 2022 - 9:35 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن