يشير تغيّر المناخ إلى التغيّرات الطويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، ويعزى هذا التغيّر بشكل أساسي إلى ظاهرة الاحتباس الحراري.

وظاهرة الاحتباس الحراري هي العملية التي يتم من خلالها احتجاز الحرارة بالقرب من سطح الأرض بواسطة مواد تعرف باسم "غازات الدفيئة"، التي تشكل طبقة تغلّف كوكب الأرض، ومن ثم تحتجز أشعة الشمس المنعكسة عن سطح الأرض والمحيطات وتمنع نفاذها خارج الغلاف الجوي، مما يؤدّي إلى زيادة حرارة كوكب الأرض وتغيّر أنماط الطقس والمناخ.

تتكون الغازات الدفيئة بشكل أساسي من ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز. ولثاني أكسيد الكربون دور حاسم في الحفاظ على استقرار الغلاف الجوي للأرض.

وأدت زيادة الأنشطة البشرية في قطاعات الصناعة والنقل وإنتاج الطاقة، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وما نتج عنها من الاعتماد على حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، إلى زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، واختلال توازن الطاقة، ومن ثم تغيّر المناخ نتيجة ارتفاع حرارة الأرض.

الملوّث يدفع

مع بداية الحركة البيئية العالمية، التي توضحت معالمها مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة بشأن البيئة البشرية في ستوكهولم عام 1972، برز اتجاه عالمي يدعو إلى مساعدة البلدان النامية، كونها الأقل مساهمة في انبعاث غازات الدفيئة وتلويث البيئة، والأكثر تأثرا بعواقب تغيّر المناخ، لعدم قدرتها على مواجهة التكاليف البيئية الإضافية التي تتكبدها برامجها الإنمائية، وأيّد العديد من المتحدثين في المؤتمر الحجة القائلة بأن "الملوّث يجب أن يدفع".

ويعتبر مبدأ "الملوّث يدفع" ممارسة مقبولة بشكل عام مفادها أن أولئك الذين ينتجون التلوث يجب أن يتحملوا تكاليف إدارته لمنع الإضرار بصحة الإنسان أو البيئة، من خلال إجراءات تتخذ لتخفيف التلوث حسب مدى الضرر الذي يلحق بالمجتمع، أو حسب مدى تجاوز المعيار المقبول للتلوث.

ويعد مبدأ "الملوث يدفع" جزءا من مجموعة من المبادئ الأوسع لتوجيه التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم، والمعروفة رسميا باسم "إعلان ريو" لعام 1992.

ويشكل هذا المبدأ الأساس لمعظم عمليات تنظيم التلوث الذي يؤثر على الأرض والمياه والهواء. وتعتبر انبعاثات غازات الدفيئة شكلا من أشكال التلوث لأنها تسبب أضرارا واضحة أو محتملة من خلال تأثيرها على نماذج المناخ، وتسهم أيضا في تلوث الهواء الخارجي أو المحيط، والذي تقدر منظمة الصحة العالمية أنه يرتبط بنحو 4.2 مليون حالة وفاة سنويا.

ويمكن تطبيق مبدأ "الملوث يدفع" على باعثي غازات الدفيئة من خلال ما يسمى "سعر الكربون"، وهو ما يفرض رسوما على انبعاث غازات الدفيئة تعادل التكلفة المحتملة المقابلة الناجمة عن تغيّر المناخ في المستقبل، ويجبر الجهات المصدرة للانبعاثات على تحمل تكلفة التلوث أو استيعابها، وهذا ما يسمى التكلفة الاجتماعية للكربون (SCC)، والتي يعتبرها العديد من الاقتصاديين أفضل طريقة لتسعير الكربون.

يمكن لسعر الكربون أن يجعل الملوث يدفع الثمن من خلال نهجين مختلفين:

الأول يتلخص في آلية واضحة تعتمد على السعر في هيئة ضريبة الكربون، حيث يتم تحديد سعر التلوث وفقا لمعدل الضريبة عن كل طن من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي المنبعثة.

والثاني من خلال نظام قائم على الحصص، وغالبا ما يشار إليه باسم نظام مقايضة الانبعاثات، تحدد الحكومة من خلاله إجمالي حجم الانبعاثات المسموح به من ثاني أكسيد الكربون على المستوى الوطني سنويا، وتُلزِم أي شركة تتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالحصول على أسهم عن كل طن منبعث، وتجد بعض الشركات أن خفض الانبعاثات أسهل أو أقل تكلفة، ومن ثم يمكنها بيع أسهمها للشركات التي تكون تكلفة خفض الانبعاثات أعلى بكثير بالنسبة لها، لذلك تتم تجارة الانبعاثات بين الملوثين ذوي التكلفة العالية والتكلفة المنخفضة.

وبغض النظر عن نوع الأداة المستخدمة، يرى العديد من الاقتصاديين أن سعر الكربون يجب أن يكون عالميا وموحدا عبر البلدان والقطاعات، حتى لا ينقل الملوثون عملياتهم ببساطة إلى ما يسمى "ملاذات التلوث"، وهي البلدان التي تفتقر إلى التشريع البيئي فيما يخص الملوثات، ومن ثم تكون ملاذا آمنا لما يطلق عليه اسم "تسريب الكربون".

أوروبا تفرض أول ضريبة كربون عابرة للحدود

أحدث الاتحاد الأوروبي مطلع أكتوبر/تشرين الأول، تغييرا كبيرا في النظام التجاري العالمي إذ فُرضت لأول مرة، ضريبة استيراد على الكربون، من خلال تبني آلية ملزمة لدول الاتحاد الصناعية تفرض من خلالها رسوما مالية على الانبعاثات الكربونية المرتبطة بإنتاجها.

وستشمل الرسوم -التي عرفت باسم "آلية تعديل حدود الكربون"- الواردات الصناعية من بلدان الاتحاد الأوروبي وتستهدف أولا المنتجات الأكثر تسببا للتلوث مثل واردات الصلب والإسمنت والأسمدة والألمنيوم والكهرباء والهيدروجين.

ويفرض الاتحاد الأوروبي بالفعل ضريبة داخلية على الكربون، إذ تدفع محطات الطاقة والمنشآت الصناعية الكبرى ما يعادل 90 يورو لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في إطار نظام الاتجار بالانبعاثات، وذلك بهدف حث الشركات داخل حدود الاتحاد الأوروبي على تقليص انبعاثاتها.

ولكن نظام الاتجار بالانبعاثات لا يقيّد شراء الأوروبيين لمنتجاتهم الباعثة للكربون من البلدان الأخرى، خصوصا تلك التي لا تفرض ضرائب كربونية داخلية، وهذه البدائل التي يتم من خلالها "تسريب الكربون" تجعل نظام الاتجار هذا غير مؤهل لتحقيق تخفيض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون على المستوى العالمي، ومن المفترض أن تحل آلية تعديل حدود الكربون الجديدة هذه المشكلة.

ويعني ذلك أن على المستوردين بدءا من عام 2026 الإعلان عن الانبعاثات المرتبطة مباشرة بعملية الإنتاج، وإذا تجاوزت المعايير الأوروبية، فسيكون عليهم الحصول على "شهادة انبعاثات" بثمن ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي، وإذا دفعت ضريبة الكربون في البلد المصدّر، فسيكتفي بتغطية الفرق.

انبعاث الدخان من عوادم السيارات من أكبر عوامل تلوث الهواء في العالم (غيتي) هل توقف الضرائب تلوث البيئة؟

يحظى مبدأ "الملوِّث يدفع" بإجماع أممي، حيث تقره معظم اجتماعات البيئة وقمم المناخ العالمية، إلا أنه لا يزال بعيدا عن مجال التطبيق خارج حدود الدول التي تلتزم بسياسات تسعير الكربون أو مقايضته، وعلى الرغم من إقرار هذا المبدأ في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، فإن الاتفاقية تعترف بالحق السيادي للدول في استغلال مواردها الخاصة، بمقتضى سياساتها البيئية والإنمائية، وتقر أيضا أن المعايير التي تطبقها بعض البلدان قد تكون غير مناسبة وذات تكلفة اقتصادية واجتماعية لا مبرر لها بالنسبة لبلدان أخرى، لا سيما لبلدان نامية معينة.

لذا فإن كثيرا من الدول لم تدخل سياسة تسعير الكربون في قوانينها البيئية، حتى الدول الصناعية الكبرى المسؤولة عن قدر كبير من الملوثات والانبعاثات.

على سبيل المثال رفضت الولايات المتحدة فرض ضرائب الكربون على منتجاتها، واختارت بدلا من ذلك تقديم حوافز لالتقاط وتخزين الكربون، وتحصل الشركات الأميركية على 85 دولارا لكل طن من ثاني أكسيد الكربون يتم تخزينه بصورة دائمة، وهو ما يقترب من السعر المحدد في نظام الاتجار بالانبعاثات في أوروبا.

يمكن لضريبة الكربون الحدودية التي فرضتها أوروبا، أن تشجع دولا مثل الصين على إدراج تسعير للكربون يسمح لها بتحصيل إيرادات من المنتجين على المنتجات الباعثة للكربون، بدلا من تحصيلها في الاتحاد الأوروبي، ومن شأن اتساع رقعة تسعير الكربون عالميا أن تسهم في تعويض المتضررين وتمويل صناديق عالمية لتجنب آثار تغيّر المناخ.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من ثانی أکسید الکربون الاتحاد الأوروبی تغی ر المناخ من خلال ث یدفع ومن ثم

إقرأ أيضاً:

مادجيك مان يخطف سباق القدرة والتحمل ببركاء

توج الفارس آدم بن طالب البلوشي اليوم بالمركز الأول في سباق القدرة والتحمل لمسافة 100كم ببركاء، الذي جاء بتنظيم من الاتحاد العماني للفروسية والسباق، وذلك بعد تحقيقه المركز الأول بواسطة الحصان مادجيك مان بواسطة مدربه عبدالله بن خليفة العزيزي وخطف الميدالية الذهبية، أما المركز الثاني والميدالية الفضية فكان للحصان ماركيرس رويال فلاير وفارسه بدر بن سالم البلوشي ومدربه محمد بن حمود البلوشي، فيما حل في المركز الثالث والميدالية البرونزية الحصان فيليش البراكة وفارسه خالد بن سعيد البلوشي ومدربه سالم بن أحمد البلوشي.

واحتضن السباق ميدان قرية المحامد للقدرة والتحمل، واشتملت المنافسة على سباق محلي لمسافة 100 كم، حيث وصل عدد المشاركين إلى 51 خيلا في السباق المحلي لمسافة 100 كم، وقد سبق انطلاق المنافسة الفحص البيطري لجميع الخيول قبل موعد الانطلاق بيوم واحد من أجل التأكد من سلامتها وجاهزيتها، كما اشتملت المسابقة على سباق 40 كم تأهيليا و80 كم تأهيليا.

وشهد السباق منافسة وحماس بين المشاركين حيث تم استبعاد عدد من الخيول في السباق، وتمكنت الأخرى من اجتياز السباق في مراحله الأربع، وتم تقسيم السباق المحلي لمسافة 100كم على أربع مراحل المرحلة الأولى لمسافة 35 كم وأعطيت اللون الأصفر، والثانية لمسافة 25 كم وأعطيت اللون الأحمر، والمرحلتين الثالثة والرابعة لمسافة 20كم وأعطيت اللون الأزرق، كما خصصت مرحلة واحدة للسباق التأهيلي لمسافة 40 كم باللون الأبيض.

وقد وضع الاتحاد شروط عامة للمشاركة في هذه المسابقة الدولية لمسافة 100 كم وهي وجوب أن لا يقل عمر الخيل عن 6 سنوات، وأن يكون الخيل مسجل لدى الاتحاد العُماني للفروسية.

وانطلق السباق في تمام الساعة السادسة والربع صباحا واشتمل على ثلاث مراحل المرحلة الأولى أعطيت اللون الأبيض لمسافة 40 كم، والمرحلة الثانية أعطيت اللون الأصفر لمسافة 35 كم، والمرحلة الثالثة أعطيت اللون الأحمر لمسافة 25 كم ونبض القلب 64 نبضة في الدقيقة والسرعة الأدنى 14 كم في الساعة.

ورصد الاتحاد العماني للفروسية جوائز نقدية قيمة لهذا السباق وذلك تشجيعا للمشاركين في هذه الرياضة.

المسابقة التأهيلية لمسافة 40 كم شارك فيها عدد 11 خيلا وتمكنت من اجتياز المسابقة بنجاح عدد من الخيول، حيث اشتملت المسابقة على مرحلة واحدة لمسافة 40كم وأعطيت اللون الأبيض، والحد الأدنى للسرعة 12كم/ساعة والحد الأعلى للسرعة 16كم/ساعة والحد الأعلى لمعدل نبضات القلب 56 نبضة/دقيقة، كما حدد عمر الجواد بعمر خمس سنوات.

أما المسابقة التأهيلية لمسافة 80 كم فشارك فيها عدد من الخيول وتمكنت من اجتياز المسابقة بنجاح مجموعة من الخيول، حيث اشتملت المسابقة على مرحلتين لمسافة 40 كم وأعطيت اللون الأبيض، والحد الأدنى للسرعة 12كم/ساعة والحد الأعلى للسرعة 16كم/ساعة والحد الأعلى لمعدل نبضات القلب 56 نبضة/دقيقة، كما حدد عمر الجواد بعمر خمس سنوات. وفي ختام المنافسات جرى تتويج الحاصلين على المراكز الأولى.

مقالات مشابهة

  • أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون تنسحب من اتفاقية المناخ
  • العزي: سياسة أمريكا العدائية قد تنجح مع جميع دول العالم إلا اليمن
  • أكبر من مصدر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون تنسحب من اتفاقية المناخ
  • إبراهيم عيسى: مصر تمارس سياسة خارجية بمهارة وبراعة.. تنجح بامتياز
  • وزير المالية: المملكة تعمل على خفض انبعاثات الكربون تماشيًا مع رؤية 2030 .. فيديو
  • تزايد مستمر لثاني أكسيد الكربون في كوكب الأرض بسبب الاحتباس الحراري العالمي
  • “الأرصاد البريطاني”: “2024م” الأسرع ارتفاعًا في تركيزات ثاني أكسيد الكربون من بدء التسجيل عام 1958
  • تسمم 4 أشخاص بغاز أحادي أكسيد الكربون في سطيف
  • السمدوني: الحكومة تنجح في تطوير ثاني أقدم سكة حديد في العالم
  • مادجيك مان يخطف سباق القدرة والتحمل ببركاء