أكتوبر 1964: وزارة بتاع غنمايا
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
12 سبتمبر 2019
سمعت أكثر من مرة خلال هذه الثورة إلى من يقول باتساع نطاقها الوطني مقارنة بثورة أكتوبر 1964 التي اقتصرت على العاصمة أو مدن محدودة. وسمعت الطقة مؤخراً من السيد عبد الله حمدوك، رئيس الوزراء، الذي كان بين من قصر أكتوبر على الخرطوم لا غير. وحقيقة الأمر خلاف ذلك. فقد كانت أكتوبر هي ضربة البداية في "مدن السودان تنتفض".
أبرز معالم مساهمة المدن خارج الخرطوم هو سقوط شهداء منها في مظاهراتها ضد نظام عبود. فوجدتُ في قائمة للشهداء لا أجزم باكتمالها شهداء من الدويم (يوسف علي الحاج)، وكسلا (كمال محمد إبراهيم)، وبورتسودان (محمد الخليفة أحمد)، والأبيض (محمد عباس التجاني)، ومدني (حسن أحمد باديس). أما الفاشر فقد سقط منها شهيدان في مظاهرة 29 أكتوبر هما محمد صالح أحمد (صرماتي) وأحمد الأمين الشريف (طالب بالمعهد العلمي). ولم أجد بياناً بجرحى التظاهرات في غير الخرطوم سوى من عطبرة (مدني محمد مصطفى و السر ؟). ولكن دبليو جي بريدج في كتابه "ثورات السودان المدنية" (2015) أحصى 32 جريحاً للفاشر، وعين مهنهم ليسند حجته أن من شاركوا في الثورة كانوا ممن ارتبطوا باقتصاد مركز البلاد بشكل أو آخر.
كان واسطة العقد بين الخرطوم ومدن الأقاليم هو طلاب المدارس الثانوية وحتى الوسطي. وظل أولئك الطلاب على نضالهم المستميت ضد حكم الفريق يتربصون بعيده في 17 نوفمبر ليكدروه عليه في ما صار طقساً نضالياً كمواسم الطبيعة. بل كان المرحوم شهيد الثورة أحمد القرشي نفسه من خريجي ذلك الطقس في مدرسة الفاشر الثانوية. وأكثر ما أسمع من ناشطين كان أول عهدهم بالتظاهر ثورة أكتوبر مثل الدكتور موسى عبد الجليل الذي درس بكتم. وما ترامى للطلاب خبر مقتل زميل لهم في جامعة الخرطوم حتى ثأروا له في مظاهرات حركت ساكن المدن مثل عطبرة وسنار، وشندي، والدويم، بورتسودان، ونيالا، وكسلا. وهبت الدويم، القريبة من القراصة قرية الشهيد أحمد القرشي التي دفن فيها، للمشاركة في الدافنة ومعها بلدات القطينة، ونعيمة، وود شلعي. ولم تك قاطرة عطبرة العظمي في ثورة ديسمبر سوى صدى من قطار كسلا الذي امتلأ عن بكرة أبيه لنجدة الخرطوم. وكانت مدني وسنار ترتب لحشد جماهيرها في باصات لدعم الخرطوم لولا سقوط النظام وهي لم تتحرك بعد. بينما لحق لدعم الخرطوم بالمواصلات والسيارات الخاصة سكان المدن القريبة منها مثل الحصاحيصا.
أما الرابط الثاني لمدن السودان المنتفضة مع خرطوم أكتوبر فقد كان نشوء فروع لجبهة الهيئات، التجمع المهنيّ الذي قاد ثورة أكتوبر، في معظم المدن. فكان من قادته في مدني الدكتور فاروق محمد إبراهيم والشيخ الأمين محمد الأمين، رئيس اتحاد مزارعي الجزيرة. وكان في قيادة التنظيم في رفاعة الدكتور الجزولي دفع الله رئيس وزراء انتفاضة 1985. وقاد تجمع شندي الدكتور عبد لله سليمان. وكان على رأس تجمع نيالا الدكتور شاكر السراج. وقاد القاضي عبد العزيز شدو تجمع سنار. وكان دكتور الحارث (حمد؟) على رأس تجمع بورتسودان.
كانت المطالب والشعارات في غير الخرطوم صدى من تلك التي ضجت بها الخرطوم. وخلص بيردج من ذلك إلى أنه لم تتبلور في ذلك الوقت شعارات جهوية أو إثنية أو عرقية الطابع. فلم تزد المدن خارج الخرطوم عن الهتاف المركزي "إلى الثكنات يا عساكر"، "لا زعامة للقدامى"، و"مقتل طالب مقتل أمة" وغيرها. ولكنه قال إن لأكتوبر، بسعتها الديمقراطية ومطلبها في الحقوق ونجاحها في ذلك، الفضل في شحذ همة جماعات قومية مختلفة لتكوين منابرها لرفع الحيف عن جهاتها أو جماعاتها. فنشأت جبهة نهضة دارفور، واتحاد جبال النوبة، ومؤتمر البجا. ولكن حقيقة الأمر شهد الأخير، مؤتمر البجا، بعد أكتوبر انبعاثاً لا تأسيساً جديداً. لأن نشأته الأولى كانت في 1958.
فهمت حسن مقصد حمدوك من كلمته عن اتساع نطاق الثورة الحالية جغرافياً عن ثورة أكتوبر التي اقتصرت على العاصمة. فقد أراد أن يقول بوجوب إيلاء ثقل هذا الفيض السوداني الجديد في ثورتنا اعتباره وحسن تمثيله. وهذا الاعتبار مما يمكن إيلاؤه بالطبع بتثبيت حقيقة أن هذه المدن والأطياف ظلت سخية المساهمة في حركة التغيير في السودان منذ أكتوبر 1964. بل ربما قلنا منذ مؤتمر الخريجين في الحركة الوطنية. فلا أعرف ثورة أولت الهامش عناية منقطعة النظير مثل ثورة أكتوبر. فهي تدين بوجودها نفسه لتضامنها مع الجنوب. وبنجاحها توسعت في حسن تمثيله في درج السلطة والأسبقيات. فصار للجنوب وزارة الداخلية لأول مرة بعد أن اقتصرت حقيبة الجنوب الوزارية قبلها على الثروة الحيوانية أو "وزارة بتاع غنمايا" كما عبر أحدهم محتجاً. بل جاء اختبار رئيس الوزراء، المرحوم سر الختم الخليفة، لسابقة عمله المميز في الجنوب لا غير. وانعقد مؤتمر للسلام، المائدة المستديرة، في مارس 1965، أي بعد 3 أشهر من تكوين الحكومة في نوفمبر 1964، وقبل الانتخابات (يونيو 1965) بثلاثة شهور. ولم يصدقنا حملة السلاح اليوم حين يقيمون برزخاً بين الديمقراطية والسلام على بينة أن ثورة كتوبر وإبريل فعلت ذلك. حاشاها ثورة أكتوبر التي قدمت السلام في كنف ديمقراطي.
استقى هذه المقال أكثر مادته من كتاب:
W.J. Berridge, Civil Uprisings in Modern Sudan: The “Khartoum Springs” of 1964 and 1985 (2015)
وعلمت مؤخراً أن بدر الدين الهاشمي عربه منذ وقت قصير ونشره.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثورة أکتوبر
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف الدكتور محمد أبو الخير شكري يبحث مع محافظ حلب المهندس عزام الغريب واقع المؤسسات الدينية، وسبل الاهتمام بها
وزير الأوقاف الدكتور محمد أبو الخير شكري 2025-04-27hadeilسابق وزير الداخلية يستقبل وفداً مشتركاً من جمهوريتي ألمانيا والنمسا انظر ايضاً وزير الأوقاف: العمل بروح الفريق الواحد والالتزام بتطوير العمل الدعوي والتعليمي
إدلب-سانا بحث وزير الأوقاف الدكتور محمد أبو الخير شكري، مع محافظ إدلب محمد عبد الرحمن،
آخر الأخبار 2025-04-27وزير الداخلية يستقبل وفداً مشتركاً من جمهوريتي ألمانيا والنمسا 2025-04-27وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني: خلال لقاءٍ دام لأربع ساعات وتخلله ما يقارب ٥٠ سؤالاً، ازداد يقيني بأن لدينا من الطاقات البشرية ما يمكّننا من النهوض بسوريا من جديد، فثروتنا الحقيقية تكمن في هذا التنوع الرائع والكفاءات المنتشرة في كل مكان. (تغريدة عبر x) 2025-04-27وفد سوري كندي يبحث مع وزير التعليم العالي إقامة مشاريع تعليمية وأكاديمية 2025-04-27التعليم العالي والصحة: أكثر من 7 آلاف مقعد مخصص لخريجي الكليات الطبية في الوزارتين 2025-04-27أخلاقيات البحث العلمي ضمن ورشة عمل في مركز الدراسات الاستراتيجية والتدريب الصحي 2025-04-27أعمال صيانة وتركيب محولات في عدة مناطق بريف دمشق 2025-04-27خلال لقائه الوزير الشيباني… مندوب ليبيا يجدد دعم بلاده الكامل لسوريا في الحفاظ على سيادتها 2025-04-27قطر تجدد دعمها الثابت للشعب السوري 2025-04-27البحرين تستضيف بطولة غرب آسيا لبناء الأجسام بكل الفئات 2025-04-27قويض مدرباً لنادي الكرامة
صور من سورية منوعات صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17 أول سماعة طبية رقمية في اليابان تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل نبضات القلب 2025-04-10فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |