سلط الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد "نيو لاينز" في واشنطن، قمران بخاري، الضوء على تداعيات العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة على سياسة تركيا في الشرق الأوسط، مشيرا إلى تأثير سلبي كبير للتطورات على أهداف أنقرة.

وذكر بخاري، في تحليل نشره بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" وترجمه "الخليج الجديد"، أن العدوان الإسرائيلي يمثل معضلة كبرى بالنسبة لتركيا، فقد أدى إلى إحباط جهود أنقرة الأخيرة لتجنب التورط في الشرق الأوسط، وأجبر الأتراك على العودة إلى الساحة الإقليمية.

وأوضح أن تركيا ركزت اهتمامها على جناحها الشمالي، وكانت تأمل في الاستفادة الجيوسياسية من الانتصار الكبير الذي حققته حليفتها أذربيجان على منافستها أرمينيا في منطقة "ناجورنو قره باغ" المتنازع عليها، كما أنها تستكشف فرص توسيع نفوذها في حوض البحر الأسود في ضوء ضعف روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.

لكن العدوان على غزة قلب حسابات أنقرة، وأصبحت الخيارات المتاحة أمام تركيا محدودة وستكون مقيدة بتصرفات منافستها التاريخية، إيران، التي تتمتع بنفوذ أكبر بكثير على حماس وبالتالي على نتيجة هذا الصراع.

وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان: "إن حماس ليست منظمة إرهابية، إنها مجموعة من المجاهدين يدافعون عن أراضيهم"، وأعلن، في كلمته أمام حشد من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم، أنه ألغى خططه لزيارة إسرائيل بسبب حربها "غير الإنسانية".

وفي الوقت نفسه، وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره القطري في الدوحة، اتهم وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إسرائيل بارتكاب "جريمة ضد الإنسانية" في غزة.

وفي وقت سابق، كان فيدان في أبو ظبي للتشاور مع قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة حول كيفية إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الفلسطينيين في القطاع.

اقرأ أيضاً

عبر مصر.. تركيا ترسل أكثر من 200 طن من المساعدات الطبية إلى غزة

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، شهدت سياسة تركيا تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة، حيث تحاول أنقرة تحسين العلاقات مع إسرائيل وكذلك الدول العربية. وجاء هذا التحول في السياسة بعد عدة انتكاسات في نهج أنقرة السابق، على النحو التالي:

أولاً: لم يتمكن حلفاء تركيا، وخاصة القوى الإسلامية، مثل الإخوان المسلمين، من الاستفادة من انتفاضات الربيع العربي، وساعدت السعودية والإمارات الدول العربية والفصائل المناهضة للإسلاميين.

ثانياً: ساعدت إيران وروسيا نظام بشار الأسد على هزيمة المعارضين المسلحة المدعومة من تركيا، ما قيد تقدم تركيا في سوريا، وأدى إلى حصر القوات التركية في وجود محدود بشمالي البلاد.

ثالثًا: كان دعم واشنطن للقوات الكردية في شمال شرقي سوريا بمثابة عقبة رئيسية أخرى أمام أنقرة.

وأخيرًا: ساهمت الأزمة السياسية والاقتصادية الداخلية التي شهدتها أنقرة وسط الانقلاب الفاشل عام 2016، في حدوث أزمة مالية.

وأجبرت هذه العوامل الأربعة تركيا على إعادة التفكير في استراتيجيتها عام 2021، وتحركت حكومة أردوغان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد أن توترت في عام 2010 عندما حاول أسطول تركي كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، ما أدى إلى اشتباك مع الجيش الإسرائيلي قُتل فيه 10 جنود، قتل فيه نشطاء أتراك وأصيب عدد آخر.

 وبالمثل، تحركت تركيا، إلى جانب حليفتها العربية الوحيدة، قطر، لتحسين العلاقات مع السعودية والإمارات ومصر بعد سنوات من التوترات بشأن الدعم التركي لجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، خاصة خلال حروب غزة في الأعوام 2009 و2012 و2014.

وكان تحسين العلاقات ضروريا لإنعاش تركيا اقتصاديا، وقد أدركت أن هناك الكثير من العوائق في طريقها نحو التحول إلى دولة رائدة في الشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً

تداعيات غزة.. بلومبرج: تركيا علقت خطط التعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة

وفي الوقت نفسه، بدا أن الظروف الإقليمية بدأت تستقر، وأنه تم احتواء الصراع بين إسرائيل وحماس، خاصة بعد توقيع لدول العربية، بقيادة الإمارات العربية المتحدة، على اتفاقيات إبراهيم وإقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

وكانت إيران آنذاك في موقف دفاعي بسبب إلغاء الاتفاق النووي المقترن بعقوبات إضافية، واستهداف إسرائيل لبرنامجها النووي، واغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في غارة جوية أمريكية، والتصاعد المتزايد للاضطرابات المحلية على وقع زيادة وتيرة المعارضة الداخلية.

وسمح هذا الوضع الإقليمي للأتراك بالتركيز على إعادة بناء اقتصادهم السياسي، وهو ما كان ذا أهمية خاصة بالنظر إلى تراجع شعبية أردوغان، بحسب بخاري.

بينما كان لدى إيران وحماس ضرورة مشتركة لمنع هذا الترتيب الإقليمي المتطور، خاصة مع إحراز السعودية وإسرائيل تقدماً سريعاً نحو تطبيع العلاقات.

ويرى بخاري أن عملية "طوفان الأقصى" استهدفت "هز المنطقة وإجبار أصحاب المصلحة الرئيسيين على تغيير سلوكهم، وخاصة تجاه إسرائيل، وبالتالي تقويض الاستراتيجية الأمريكية لإدارة المنطقة".

وكانت حماس، المدعومة من طهران، تعرف جيداً عواقب هجوم بهذا الحجم، الأمر الذي من شأنه أن يصعب على الأتراك والدول العربية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حسبما يرى بخاري، مشيرا إلى أن "حماس وإيران حققتا نجاحاً أكبر بكثير مما كانتا تأملان فيه"، حيث أجبرتا اللاعبين الإقليميين، ليس فقط على النأي بأنفسهم عن إسرائيل، بل أيضًا على اتخاذ موقف صارم ضدها.

فالسعودية ومصر والأردن انتقدت إسرائيل بشدة، لكن هناك حدود للمدى الذي قد تتمكن الدول العربية من إعادة تموضعها فيه، بحسب بخاري.

وفي هذا السياق، لا تستطيع تركيا تحمل الاستمرار في سياسة التطبيع، نظراً لتاريخها وموقفها في ظل نظام أردوغان، الذي سعى إلى دور بارز في العالمين العربي والإسلامي الأوسع.

ولذا، كانت تركيا بحاجة إلى اتخاذ موقف صارم للحفاظ على أوراق اعتمادها كبطل للقضية الفلسطينية والحفاظ على مكانتها داخل العالم العربي، والدوائر الإسلامية، والأوساط الإسلامية العالمية، حسبما يرى بخاري، مشيرا إلى أن "المعضلة التي تواجهها هي أن حجم الأزمة من المرجح أن يتجاوز قدراتها الدبلوماسية".

فمن غير المرجح أن تمنع تركيا إسرائيل من القيام بعملية عسكرية تهدف إلى طرد نظام حماس من غزة، ولذا فإنها ستضطر إلى اتخاذ موقف دبلوماسي أكثر صرامة ضد إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأمور بالنسبة لوضع أنقرة الجيوسياسي.

ويعمل مثل هذا السيناريو لصالح طهران، التي تهدف إلى الاستفادة من تفاقم الأزمة الحالية، بينما تسعى تركيا، على النقيض، إلى تجنب المخاطرة، حسبما يرى بخاري، الذي خلص إلى أن إيران أجبرت الأتراك، من خلال حماس، على اتخاذ موقف لم يكونوا يخططون لاتخاذه، مشيرا إلى أن تركيا "ستكافح لتحرر نفسها من فخ إيران" على حد تعبيره.

اقرأ أيضاً

دعما لغزة.. قطر ترفض "المعايير المزدوجة" وتركيا تحذر من "مجزرة برية"

المصدر | قمران بخاري/جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا إيران حماس غزة الإمارات السعودية التطبيع مصر أردوغان الإخوان المسلمين الربيع العربي العلاقات مع مع إسرائیل اتخاذ موقف مشیرا إلى إلى أن

إقرأ أيضاً:

مجموعة "بريكس" تعرض على تركيا أن تصبح "عضوا شريكا"

قال وزير التجارة التركي، عمر بولات، إن مجموعة بريكس عرضت على تركيا الانضمام إليها بصفة عضو شريك، في وقت تواصل فيه أنقرة ما تسميه جهودها لتحقيق التوازن بين علاقاتها الشرقية والغربية.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، عبرت تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، عن رغبتها في الانضمام إلى مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وإثيوبيا وإيران ومصر والإمارات.

وحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قمة لزعماء بريكس استضافها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قازان الشهر الماضي بعدما قالت أنقرة إنها اتخذت خطوات رسمية للانضمام إلى المجموعة.

وقال بولات في مقابلة مع قناة (تي.في نت) التلفزيونية الخاصة أمس الأربعاء: "بالنسبة لوضع تركيا فيما يتعلق بعضوية بريكس، فقد تلقينا عرضا للانضمام بصفة عضو شريك".

وأضاف: "هذا (الوضع) يمثل المرحلة الانتقالية في الهيكل التنظيمي لمجموعة بريكس".

وقال أردوغان إن أنقرة ترى في مجموعة بريكس فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي مع الدول الأعضاء، وليس بديلا عن علاقاتها مع الغرب أو عضويتها في حلف شمال الأطلسي.

وقال مسؤولون أتراك مرارا إن العضوية المحتملة في مجموعة بريكس لن تؤثر على مسؤوليات تركيا تجاه الحلف العسكري الغربي.

ووفقا لبيان صادر عن بريكس يوم 23 أكتوبر خلال اجتماعها في قازان، أضافت المجموعة فئة جديدة هي "بلد شريك" إلى جانب فئة العضوية الكاملة.

ولم يذكر بولات ما إذا كانت أنقرة قد قبلت العرض.

وقال مسؤول في حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان لرويترز هذا الشهر إنه رغم مناقشة العرض في قازان، فإن صفة بلد شريك لا تلبي تطلعات تركيا في الحصول على عضوية كاملة.

مقالات مشابهة

  • نيويورك تايمز: ترمب سيواجه واقعا مختلفا بالشرق الأوسط
  • الاثنين.. مجلس الأمن يعقد جلسة عن إنهاء الحرب وتأمين السلام بالشرق الأوسط
  • حماس: مستعدون لوقف إطلاق النار وعلى ترامب الضغط على إسرائيل
  • عودة سياسة ترامب الاقتصادية تثير حماس الأسواق وتُخيف العالم
  • أمير قطر يصل أنقرة لتعزيز التعاون مع تركيا وسط توترات إقليمية
  • تركيا تعلن قطع العلاقات مع إسرائيل نهائية
  • وزير: بريكس تعرض ضم تركيا عضوا شريكا
  • رئيس "الشؤون السياسية والدفاعية الروسية": واشنطن معنية باستمرار الحرب بالشرق الأوسط
  • مجموعة "بريكس" تعرض على تركيا أن تصبح "عضوا شريكا"
  • القوى الوطنية اليمنية والتحالف ومتغيرات الأحداث بالشرق الأوسط