منذ بدء عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لم تتردد باريس في إظهار دعمها غير المشروط لإسرائيل، متبنية الدعاية الأميركية التي تزعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وفاجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجميع هذه المرة باقتراح حشد تحالف دولي ضد حركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" لدى الاتحاد الأوروبي، على غرار التحالف ضد "تنظيم الدولة" في العراق وسوريا.

ومشروع ماكرون الذي ما تزال خططه غامضة حتى الآن قد يواجه عقبات كثيرة، خاصة بعد إثارته جدلا واسعا في فرنسا وغياب أي متابعة دولية له.

ماكرون (يسار) والرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتسوغ (يمين) حيث قدم الدعم الكامل لإسرائيل (الفرنسية) تأجيج الوضع

وبعد أسبوعين من عملية "طوفان الأقصى"، التقى ماكرون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس للتعبير عن تضامنه مع إسرائيل وتقديم التعازي لها قائلا "إن بلدينا مرتبطان بالحداد نفسه".

وحول هذه الزيارة، قال النائب الفرنسي جيروم لوغارد، إن ماكرون وعد بمناقشة سبل التوصل إلى هدنة إنسانية لكنه لم يفعل ذلك، بل على العكس "أجّج الوضع أكثر وناقش حشد تحالف دولي يقاتل ضد ما أسماه تنظيم الدولة الإسلامية".

وأضاف لوغارد -للجزيرة نت- أن الإليزيه تحفّظ على تعليقات رئيس الجمهورية بشأن التحالف الدولي "الذي لا أعتقد أنه سيُطبق على أرض الواقع. وحتى دوليا، لم يؤيد أي رئيس دولة هذا الاقتراح بمن فيهم الداعمون لإسرائيل".

وترى رئيسة منظمة "قاطعوا إسرائيل" في فرنسا أوليفيا زيمُور، أن ماكرون يريد الدخول في اللعبة العسكرية، معتبرة أن اقتراح التحالف "خطوة أخرى في اتجاه تشجيع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة والانضمام إلى جوقة تجار السلاح والموتى".

مظاهرة قرب ساحة الجمهورية في باريس تضامنا مع الشعب الفلسطيني (الأناضول) تقسيم العالم

وانتقدت المتحدثة ذاتها بشدة، عدم تطرق الرئيس الفرنسي إلى وقف إطلاق النار أو لمطالبات أهالي المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس حكومة نتنياهو بإجراء تبادل بين الأسرى الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم الآن نحو 7 آلاف شخص داخل سجون الاحتلال.

من جانبه، استبعد الكاتب والمحلل الفرنسي جان بيير بيران -في تصريحه للجزيرة نت- فرضية أن يكون الغرض من التحالف سياسيا فقط، نظرا لوجود تعاون سابق بين الأجهزة الفرنسية والإسرائيلية في مجال الاستخبارات منذ فترة طويلة.

واستنكر النائب في حزب فرنسا الأبية تشبيه حماس بتنظيم الدولة، وربط ذلك بالاتهامات التي يتعرض لها حزبه حول "معاداة السامية والاعتذار عن الإرهاب" بسبب رفض أعضائه استخدام مصطلح "إرهابي" لوصف الحركة.

وأضاف "لا نريد ترديد هذا الخطاب نسخا ولصقا عن خطاب جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والذي قسّم العالم باسم الحرب ضد الإرهاب إلى معسكرين، الخير ضد الشر".


"سياسة عاطفية"

أما مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس ليزلي فارين، فتصف هذا التشبيه "بالسياسة العاطفية" التي تتناسب مع رغبة نتنياهو في تقديم إسرائيل كضحية للإرهاب. وتقول للجزيرة نت "لهذا قدم ماكرون مواساته واستذكر الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا سابقا".

من جهته، يقول المحلل السياسي بيران إنه من غير الصواب إدراج حماس وتنظيم الدولة في التصنيف ذاته، لأن الحركة عبارة عن حزب إسلامي وقومي لا يتطلع إلى نشر سيطرته في مناطق خارج فلسطين.

ولهذا السبب، يستبعد نجاح ماكرون في استقطاب دول عربية إلى تحالفه لأن التشكيل الذي تم حشده لمحاربة تنظيم الدولة تم في ظروف مختلفة.

وهو تحليل تدعمه رئيسة منظمة "قاطعوا إسرائيل" نظرا لإدانة شعوب المنطقة العربية الصريحة لإسرائيل في مسيرات حاشدة، لافتة إلى أن دولا أوروبية أخرى لن ترغب في الانجراف والتورط في هذا المشروع.

أما فيما يخص ربط حماس "بالإرهاب"، فلم تتفاجأ زيمُور بذلك لأن فرنسا في فترة الاستعمار كانت تطلق على مقاتلي المقاومة اسم "الإرهابيين" أيضا.

محللة فرنسية ترى أن اقتراح ماكرون حشد تحالف ضد حماس يشجع الإبادة الجماعية للفلسطينيين (الأناضول) "سريالي وغير معقول"

وفي حالة عدم اليقين التي تلف اقتراح ماكرون، يبدو أن الإليزيه يحاول لملمة الجدل حوله في ظل صعوبة حشد عدد كبير من الشركاء لتحقيقه.

وأوضحت فارين أن الإليزيه استدرك تصريحات رئيس الجمهورية التي لم تكن على جدول أعماله ولم تُذكر في أهداف الزيارة، لأنها تسببت في ضجة حقيقية في البلاد.

كما وصفت التحالف "بالسريالي وغير المعقول" لأنه يضر بالأجندة الدبلوماسية لفرنسا التي دعت إلى تجنب حرب إقليمية، "لكن في حال مساندة العراق ولبنان واليمن حركة حماس، فسيؤدي ذلك إلى حرب إقليمية لا محالة"، حسب رأيها.

وقالت فارين إن فرنسا "فقدت مكانتها كقوة توازن في منطقة الشرق الأوسط منذ ترديدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وكأنها تعويذة"، مستبعدة أن يجد اقتراح ماكرون آذانا مصغية تجعله قابلا للتنفيذ. وتساءلت ما إذا كان نتنياهو هو من اقترح عليه قول ذلك خلال لقائهما؟


"محتل يسرح ويمرح"

وفي تصريحه للجزيرة نت، استذكر النائب الفرنسي جيروم لوغارد خطاب الحكومة قبل 20 عاما في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، عندما أعلن عدم مشاركة فرنسا في التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة في حربها ضد العراق في عام 2003.

وعلق على ذلك قائلا، "إن سياسة البلاد اليوم تتماشى بشكل مباشر مع سياسة إسرائيل وأميركا، وهو أمر كارثي".

وأكد لوغارد أنه ليس من مصلحة أحد تأجيج التصعيد المستمر خاصة بعدما استخدمت الأمم المتحدة مصطلح "التطهير العرقي" عند إصدار الجيش الإسرائيلي أمرا بإجلاء أكثر من مليون من سكان غزة إلى جنوب القطاع المحاصر.

أما زيمور، فتعتبر أن تصريحات ماكرون تخدم جماعات الضغط بين تجار الأسلحة وشركات كبرى متعددة الجنسيات ـبما فيها لوبيات الأمن وتكنولوجيا القمع- والبنوك التي تريد نصيبها من الكعكة لأن بيع الأسلحة يعني مزيدا من الأرباح.

وقالت المتحدثة ذاتها إن "هؤلاء يضغطون حتما على ماكرون للانضمام إلى المعسكر الأميركي والإنجليزي الذي ترك المحتل يسرح ويمرح منذ أكثر من 75 عاما في فلسطين".

وأضافت الفاعلة المدنية نفسها أن إسرائيل ترى في كل ما يجري فرصة لتحقيق أحلامها وتطبيق أهداف بن غوريون وغولدا مائير وغيرهما ممن قالوا "لم ننه المهمة بعد منذ عام 1948".

ورفض محلل سياسي وآخر عسكري وعضو سابق في مجلس الشيوخ الفرنسي الإدلاء بأي تصريحات خاصة للجزيرة نت، معتبرين أنها تدعم حركة حماس.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

هل يحوّل نتنياهو وحلفاؤه إسرائيل لدولة ثيوقراطية يحكمها دكتاتور؟

لم يكن إعلان وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين الأربعاء الماضي عن البدء بخطوات لعزل المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا إلا قمة الجبل الجليدي لتطورات قد تشير إلى تحول إسرائيل إلى "دولة دينية تدار بحكم الفرد الواحد".

وبحسب استطلاع للرأي نشرته القناة 12 الأربعاء الماضي، فإن 42% يؤيدون طرد المستشارة القانونية، مقابل 41% يعارضون ذلك، في حين أجاب 17% أنهم لا يعرفون.

وبيّن الاستطلاع أن 75% من ناخبي الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤيدون الإقالة، مقارنة بـ12% فقط من ناخبي المعارضة يؤيدون هذه الخطوة.

ويعلق المحامي يهودا شيفر، في مقال نشرته القناة 12، أن نتنياهو يقف وراء هذه الخطوة، وهو يفعل ذلك في ظل سلسلة تحركات مدروسة تهدف إلى إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، وإحباط التحقيقات مع كبار المسؤولين في مكتبه.

كما يسعى رئيس الحكومة إلى تعيين مستشار قانوني جديد يكون قادرا على تأخير إجراءات محاكمته، والإدلاء بشهادته في الاستجواب المضاد.

من اليمين: رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت المستشارة القانونية غالي بهار ميارا ورئيس الشاباك رونين بار (وكالات) العقبات الثلاث بمواجهة دولة ثيوقراطية

وفي مقال نشرته هآرتس يقول يوسي فيرتر إنه "لم يبق غير 3 أشخاص هم من يقفون في وجه تحوُّل إسرائيل لدولة استبداد قومي مسيحياني على حدود الفاشية، وهم المستشارة القانونية غالي بهار ميارا، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس المحكمة العليا إسحاق عميت".

إعلان

ولم يخف نتنياهو رغبته في إقالة رئيس الشاباك أو محاصرة رئيس المحكمة العليا عبر لجنة مفوض الشكاوى، ثم جاءت خطوات عزل المستشارة لاستكمال خطة التعديلات القضائية، التي بدأت في فبراير/شباط 2023 وتم تجميد خطواته السريعة بسب الحرب على غزة.

فقد شنّت الحكومة وأذرعها في الكنيست حملة تحريض وتشهير غير مسبوقة على هؤلاء الثلاثة عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموالية لنتنياهو وحاشيته وحكومته.

وقال موقع هشومريم الحرّاس إن "الهدف وراء انقلاب نتنياهو في فبراير/شباط 2023 هو تجزئة الجهاز القضائي في إسرائيل على نحو يمنح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم المدنية".

ويرفض نتنياهو وقف "خطة الانقلاب القضائي"، رغم كل الاحتجاجات التي كانت قبل الحرب على غزة من قبل المعارضة والتحذيرات الكثيرة بالتمرد في صفوف الجيش والمؤسسة الأمنية، بحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.

ويضيف عبد الهادي أن هناك تبادل منافع بين نتنياهو شخصيًا وشركائه من اليمين المتطرف، "فالقوانين التي يتم إقرارها تعمل على نجاته من قضايا الفساد التي تلاحقه، كما تضمن بقاءه السياسي عبر تحجم المنظومة القضائية، ويخدم ذلك اليمين المتطرف الذي أعلن صراحة عن هدفه بتغيير وجه إسرائيل من دولة علمانية يحكمها اليسار إلى دولة دينية تحكمها الشريعة اليهودية".

وبحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد، فإن إسرائيل "تتحول فعليًا بوجود الحكومة الحالية ومكوناتها من الصهيونية الدينية والتيار الديني القومي من دولة ليبرالية ديمقراطية إلى دولة ثيوقراطية دينية".

وقال إن اليمين المتطرف يستغل الأغلبية التي يملكها في الكنيست لتغيير وجه إسرائيل، ويقوم بتفكيك المؤسسات التي تمثل فصل السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، والتي باتت مرتبكة أمام هجمة نتنياهو وشركائه ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، لتتحول مع الوقت لأدوات تخدم أهداف نتنياهو الشخصية وشركائه من اليمين المتطرف.

إعلان

المطلوب رأس القضاء

وجاءت خطة عزل المستشارة القانونية بعد أيام فقط من الانقلاب على منصب مفوض شكاوى القضاء، وهي الهيئة الرقابية التي تعالج الشكاوى ضد القضاة، حيث أقر الكنيست قانون تغيير طريقة تعيين المفوض بالقراءتين الثانية والثالثة.

وبموجب القانون سيتم تعيين المفوض من قبل لجنة يرأسها وزير القضاء، الذي يمثل رأس الحربة في انقلاب نتنياهو وشركائه على شكل الدولة في إسرائيل، وسيكون معظم أعضاء اللجنة من الشخصيات السياسية أو الذين يتم تعيينهم بدعم من الائتلاف.

وهذا على النقيض من الوضع الحالي الذي يتطلب من لجنة اختيار القضاة الموافقة على مرشح مقترح بشكل مشترك من قبل وزير القضاء ورئيس المحكمة العليا.

ويصف يوسي فيرتر في مقال نشرته صحيفة هآرتس الخطوات بأنها "وصول إلى حافة الهاوية من صراع دستوري وانهيار النظام الحكومي".

ملاحقة عميت

وتهدف هذه الخطوة، وفقا لتوفا تسيموكي في مقال نشر في يديعوت أحرونوت، إلى إقصاء رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الجديد -أعلى محكمة في البلاد- القاضي إسحاق عميت، وملاحقته قانونيًا بسبب تجاوزات عقارية نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أسابيع.

وإذا خضع عميت للتحقيق والمراجعة يمكن منعه من قيادة لجنة تحقيق حكومية في فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يسعى نتنياهو بكل قوة إلى عدم إقامتها، رغم أن غالبية الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إقامتها، وفقا لآخر استطلاعات الرأي المنشورة في الفترة الأخيرة. فبحسب صحيفة هآرتس، أكثر من 70% من الإسرائيليين يؤيدون إقامة هذه اللجنة.

وتشير تقديرات القضاة إلى أنه بمجرد اكتمال تشكيل اللجنة الجديدة التي ستختار المفوض، فإن الوزير ياريف ليفين سيقدم شكوى تأديبية ضد رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت، وستتناول هذه الشكوى المخاوف بشأن تضارب المصالح، وخاصة فيما يتصل بالعقارات الخاصة للقاضي عميت والتي نشرت قبل عدة أسابيع.

إعلان

وقد صيغت مسودة شكوى عشية تعيين عميت رئيسا للمحكمة العليا، وتم تقديمها إلى لجنة اختيار القضاة كجزء من "التحفظات" ضد ترشيحه، ورفضت اللجنة هذه المقترحات في نقاش تمّ دون مشاركة الوزير ليفين وأعضاء الائتلاف الذين قاطعوا انتخاب عميت.

ولم يسبق أن تم تقديم شكوى ضد أي رئيس للمحكمة العليا، وفي حال اتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق حكومية في الفشل يوم 7 أكتوبر، فإن الائتلاف قد يطرح ذلك كسبب لعدم السماح لعميت برئاسة اللجنة.

تنصيب رئيس هيئة الأركان العامة الجديد إيال زامير (مكتب الصحافة الحكومي بإسرائيل) الجيش عصا الدكتاتورية

دفعت التحقيقات التي شكك فيها نتنياهو، رئيس أركان جيشه الجديد إيال زامير إلى تعيين اللواء احتياط سامي ترجمان رئيسا لفريق فحص التحقيقات التي جرت في السابع من أكتوبر، وتعد هذه الخطوة تشكيكا واضحا في التحقيقات التي تم تنفيذها في عهد سلفه هرتسي هاليفي.

ويضاف لذلك، التغيير الكبير في التعيينات التي أعلنها هاليفي في ديسمبر/كانو الأول الماضي، والتي جمدها وزير الدفاع يسرائيل كاتس بحجة استكمال التحقيقات الداخلية للجيش في أحداث السابع من أكتوبر.

وتشمل التعيينات الجديدة التي تم الإعلان عنها بعد أقل من 24 ساعة من تعيين زامير، حوالي 60 ضابطا برتب عميد وعقيد بمناصب مختلفة، كما شملت تعيين قائد لشعبة العمليات والقيادة الجنوبية.

وخلال حفل التنصيب، خاطب نتنياهو زامير قائلا "نحن نعرف بعضنا بعضا منذ عدة سنوات. لقد أوصيت بك مرتين كرئيس للأركان، والآن للمرة الثالثة، لقد حان وقت زامير، لقد عملنا جنبًا إلى جنب عندما كنت السكرتير العسكري، وحتى في ذلك الوقت كنت معجبًا جدًا بك وبالتزامك المهني".

وبهذه التعيينات يكون نتنياهو قد نجح بشكل أو بآخر في السيطرة على مؤسسة الجيش عبر تسيسها، وما إقالة يوآف غالانت وتكليف كاتس إلا جزء من هذا المخطط الذي جاء معه زامير لتنفيذ سياسة نتياهو وتنفيذ أجندته الشخصية.

كما تضع هذه التطورات الجيش الاسرئيلي وقدراته تحت تصرف نتنياهو الذي يصف نفسه بأنه "ملك إسرئيل وسيد الأمن"، و"هي تأتي ضمن خطوات الانقلاب التي ينفذها بالتوافق التام مع شركائه للوصول الى دكتاتورية الفرد الواحد"، وفقا للمتخصص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.

إعلان خطورة التوقيت

ولم تأت خطوة إقالة المستشارة القانونية، أو قانون مفوض شكاوى القضاة، بعيدًا عن المشاكل التي تواجه نتنياهو شخصيا واستقرار ائتلافه من اليمين المتطرف، حيث يأتي توقيت عزل المستشارة -التي هي المدعية العامة الرئيسية في محاكمة نتنياهو- قبيل البدء بالاستجواب المضاد في محاكمته بعد بضعة أسابيع.

ووفقا للمحامي يهودا شيفر، فإن نتنياهو يخشى الاستجواب المضاد أكثر من أي شيء آخر، فالرجل الذي لم يعد على استعداد حتى للوقوف أمام أسئلة الصحفيين، وهو يخاف بالتأكيد من اللحظة التي سيتم فيها مواجهة كل أكاذيبه والتناقضات الواضحة بين شهادته والأدلة الأخرى علناً، الأمر الذي قد يحطم نظرية الاضطهاد واختلاق القضايا أمام الجمهور.

كما لا يمكن فصل توقيت هذه الخطوة عن ظروف الائتلاف، وإقرار الموازنة العامة بحلول 24 مارس/آذار الحالي، ويطالب الحريديم بقانون لإعفائهم من التجنيد قبل التصويت على تمرير الموازنة.

ويتعرض الاستقرار الداخلي في إسرائيل إلى زلزال مستمر منذ بدء المطالبة بالتعديلات القضائية مرورا بفشل السابع من أكتوبر والحرب على غزة، التي استغلها نتنياهو لإعادة تصدير صورة عدوانية جديدة له عبر استغلال شركائه وضمن خطاب شعبوي دموي ضد كل من يعارضه في إسرائيل.

وفي المقابل، تعيش المعارضة في أتون تيه سياسي غير مسبوق، وكل ذلك يصب -وفقا لأبو عواد- "في تحميل المؤسسة الأمنية فشل السابع من أكتوبر وتخليص نتنياهو وشركائه من أي مسئولية عن الفشل".

ولا تكمن خطورة التوقيت على مستوى استقرار ائتلاف نتنياهو، بل القدرة على التحكم في مفاصل الدولة وإيقاعاتها الداخلية أمام معارضة ضعيفة تم تحيديها وتقسيمها.

جبهات متعددة

وعلى مستوى الإقليم -يضيف عبد الهادي- فإن تأثير انقلاب نتنياهو على علاقته بالإقليم خطير في ظل حرب على جبهات مختلفة، يقوم بتسخينها وزيادة التوتر فيها تصريحات وضغوط حلفائه من اليمين المتطرف، وهو قابل لاستمرار حالة الحرب والمغامرات العسكرية على جبهات إيران وسوريا وغزة والضفة ولبنان، ويأتي ذلك في ظل سيطرة نتنياهو على مؤسسة الجيش من خلال التغييرات الأخيرة.

إعلان

وقد أجمعت التحقيقات في فشل السابع من أكتوبر، التي نشرها الجيش الإسرائيلي والشاباك والاستخبارات العسكرية، على أن أجواء الانقلاب القضائي لحكومة نتنياهو كانت من أهم دوافع حركة حماس لشن عملية طوفان الأقصى، وقد شعرت بضعف جبهة إسرائيل الداخلية.

وبحسب مقال لرونين بريجمان نشر في يديعوت أحرونوت، فإن إيران وحزب الله وحماس يرون أن إسرائيل "تعيش أزمة حادة غير مسبوقة تهدد تماسكها وتضعفها، والوضع الحالي هو فرصة لتعميق مصاعبها عبر عملية خاطفة ستنتهي بانهيار إسرائيل".

المحكمة الجنائية الدولية أصدرت أوامر اعتقال بحق نتنياهو (يسار) ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت (الفرنسية) الملاحقة القانونية الدولية

ومنذ أن بدأت حكومة نتنياهو في تنفيذ انقلابها القضائي في فبراير/شباط 2023 حذّر خبراء القانون من أن هذه الإجراءات ستشكك في استقلالية القضاء في إسرائيل، وستفتح الباب أمام الملاحقة القانونية الدولية لضباط الجيش الإسرائيلي وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والسياسيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.

وبعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فُتح الباب واسعًا أمام الملاحقات الدولية لضباط وجنود إسرائيليين شاركوا في حرب الإبادة على قطاع غزة.

وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن عدة قضايا رفعتها مؤسسة "هند رجب"، التي تسعى لاعتقال الجنود الإسرائيليين المتورطين في حرب الإبادة في غزة.

وأعلنت المؤسسة أنها قدمت شكوى في بلجيكا لاعتقال وزير الخارجية جدعون ساعر بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك قبيل زيارته بروكسل يوم 16 فبراير/شباط 2025، كما فتحت سويسرا تحقيقا جنائيا ضد "مشتبه فيه إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب" مقيم في البلاد، في الشهر ذاته.

إعلان

وأكد المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد أن "استقلال القضاء" هو الحجة التي تستخدمها إسرائيل أمام أي طلبات لفتح تحقيقات أو ملاحقات ضد جنودها ومسؤوليها الأمينين والسياسيين.

وأضاف أن ما يحدث من خطوات ائتلاف نتنياهو لاستكمال الانقلاب القضائي يعني أن هذا القضاء بات مسيسا وغير مستقل، مما يفتح الباب أمام الملاحقات للجنود والضباط المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.

وفي الختام، فإن التحولات العميقة في إسرئيل والتي تمس بالدرجة الأولى المنظومة القضائية لا يتوقف تأثيرها على داخل إسرئيل وعلاقتها الإقليمية والدولية، بل ستسفر عن تحطيم "سردية واحة الديمقراطية التي عملت على بنائها عبر أدوات دعايتها المختلفة لأكثر من سبعة عقود".

مقالات مشابهة

  • ماكرون ردًا على ترامب: الفرنسيون حلفاء أوفياء ومخلصون
  • خطة الجحيمفي غزة.. ما الذي تخطط له حكومة نتنياهو ؟
  • هل يحوّل نتنياهو وحلفاؤه إسرائيل لدولة ثيوقراطية يحكمها دكتاتور؟
  • غياب المظلة الأمريكية... هل يكفي الردع النووي الفرنسي لحماية أوروبا؟
  • زلزال هز إسرائيل .. أمريكا تفتح الأبواب السرية مع حماس وتُحرج نتنياهو وتساؤلات حول خطة ترامب الجديدة؟
  • ما الذي نعرفه عن المظلة النووية بعد عرض فرنسا توفيرها لحلفائها بأوروبا؟
  • ماكرون يواجه تشكيك ترامب: فرنسا كانت وستبقى حليفًا مخلصًا للناتو
  • لافروف: تصريحات ماكرون بشأن السلاح النووي تهديد لروسيا
  • بولندا ودول البلطيق ترحب بمقترح ماكرون بشأن "الردع النووي"
  • «الخارجية الروسية»: تصريحات ماكرون تهديد لنا