المناوشات في الجنوب لتعويد الناس على فكرة الحرب
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
عندما كنا صغارًا كنا نرافق والدينا في الزيارات التي كانوا يقومون بها للأهل، والأقارب، والمعارف، والجيران. ولكي يتسنى لهما أن يلعبا "دق ترنيب" من دون أن نزعجهما وسائر اللاعبين كانا يسمحان لنا بالقيام بما لم يمكن يُسمح به في الأوقات العادية. المهمّ بالنسبة إليهما كان تمضية بعض الوقت في "لعبة الورق" برواق ومن دون وجع رأس وكثرة نقّ.
المهمّ في هذه العودة إلى زمن الطفولة أن ما يحصل اليوم على أرض الواقع السياسي المشوب بهواجس أمنية يشبه كثيرًا ما كان أهلنا يفعلونه معنا حين يسمحون لنا بأن نلتهي بألعابنا الصغيرة، ولم تكن ألعاب هذا العصر قد غزتنا وأفسدت ما في طفولتنا من براءة، لأنهم كانوا يريدون إلهاءنا بأي وسيلة من الوسائل. المهم ألا نزعجهم وننغصّ عليهم "لعبة الورق".
قد تكون الصورة كاريكاتورية، لكنها واقعية. نعيش تفاصيلها في كل خطوة نخطوها منذ اليوم الأول لرفض لبنان توطين الفلسطينيين، ووقوفه اليوم في وجه النزوح السوري العشوائي، والذي يُقال إنه يهدف إلى تغيير هوية لبنان وديموغرافيته، والسعي الحثيث لعدم جرّ لبنان إلى حرب مدمرة. ومع هذا كله يحاولون، أي "الكبار"، أن يلهونا، نحن الصغار"، بأشياء كثيرة لكي يتسنى لهم "اللعب على رواق".
ومن بين أدوات الالهاء على سبيل المثال لا الحصر التذّرع بالوضع المتفجّر في الجنوب للاستمرار في المراوحة في عملية انتخاب رئيس جديد، مع ما يرافق ذلك من تغييب أي تحرّك في هذا المجال، مما يثير أكثر من علامة استفهام عن الغايات من وراء إبقاء اللبنانيين "قاعدين على أعصابهم"، لا يعرفون متى تبدأ الحرب إذا كان لا مهرب من هذا القدر المحتّم.
فبدلًا من الاستفادة من هذا المأزق للانصراف إلى انتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، نلاحظ مماطلة مقصودة، حتى أن الكلام عن هذا الاستحقاق قد بات من المحرمات، مع العلم أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية من شأنه أن يحفظ المؤسسات الدستورية، التي من خلالها ينتظم عمل المؤسسات الأخرى، من دون أن ننسى "ملهاة" التصويب على عمل الحكومة، وما يرافقها من "سيناريوهات تعطيلية" تمتدّ إلى السلطتين التشريعية والقضائية أيضًا. وأن ننسى فلن ننسى "ملهاة" النائب باسيل، الذي يحاول أن يقطع اللبن بسكين.
بالتوازي فإن عمليات الالهاء المقصودة والمدروسة والمدوزنة على سلّم الاهتمامات اللبنانية تدخل إلى عمق المشاكل اليومية، التي يعاني منها اللبنانيون أساسًا، وقبل التهديدات الإسرائيلية، في مختلف المجالات، وأهمّ هذه المجالات ما له علاقة مباشرة بحياة الناس كالأكل والشرب والملبس والتنقلات، فضلًا عمّا له ارتباط مباشر بشؤونهم اليومية كالطبابة والتعليم والسكن، أو ما يُسمّى بـ "المثلث الميمي"، أي مسكن ومستشفى ومدرسة، التي تتمحور حياة الناس حولها في شكل أساسي، وهي تدخل بطبيعة الحال في صلب اهتمامات اللبنانيين، الذين يكتشفون كل يوم أن هذه المستلزمات الضرورية لإكمال دورة الحياة ناقصة وغير متوافرة كما هي الحال في الدول، التي يُحترم فيها الانسان، وتُحفظ كرامته.
فإذا كان الحدّ الأدنى من مسلتزمات العيش بكرامة غير متوافر في الزمن العادي فكم بالأحرى في زمن الحرب؟
بكل هذه الاهتمامات ينشغل اللبنانيون، وهم يصرفون معظم أوقاتهم في التفتيش عن الوسائل، التي قد تمكّنهم من العيش وسط دائرة الأمان الاجتماعي، بحيث يحصرون كل طاقاتهم وجهودهم بهذه النواحي، في الوقت الذي بلغوا فيه مرحلة اللامبالاة بما يُطبخ لهم في الخارج، وما يُحضّر لهم من مخططات. ولذلك بتنا نرى معظم الناس يعيشون على هامش الحياة السياسية، وهم يفضّلون، لو خيّروا، مئة مرّة أن يعيشوا بكرامة على أن يعيشوا غرباء في وطن لا يشبههم.
فلكي لا يزعج اللبنانيون "الكبارَ" بكثير من الأسئلة يجدون لهم في كل مرّة ما يلهيهم، وما يصرف أنظارهم عمّا هو مهمّ بأشياء أقّل أهمية، وصولًا إلى التسليم بالأمر الواقع، على رغم ما فيه من بشاعات وظلمات. وهذا ما يحصل في الجنوب من مناوشات يسقط فيها الشهداء بالعشرات وقبل أن تبدأ الحرب الفعلية، كمقدمة لتعويد اللبنانيين على تقبّل فكرة ما في هذه الحرب من قذارة وبشاعة. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
أكد وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، خلال لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن واشنطن ستقوم بتزويد إسرائيل بذخائر لم يتم منحها لها سابقًا، في إطار الدعم العسكري الأمريكي المستمر لتل أبيب خلال الحرب الجارية في غزة.
وخلال الاجتماع، قال نتنياهو إن إسرائيل قريبة جدًا من تحقيق أهداف الحرب، مؤكدًا أن العمليات العسكرية مستمرة لتحقيق ما وصفه بـ"الحسم النهائي" في القطاع.
وأضاف نتنياهو: "من الجنون أن نكرر الأمر نفسه في غزة مرارًا وتكرارًا"، في إشارة إلى الحاجة لتغيير النهج المتبع في التعامل مع الأوضاع في القطاع، دون أن يوضح طبيعة التغييرات المحتملة.
وفيما يتعلق بخطط ما بعد الحرب، أقرّ نتنياهو بأنه لم يتم بعد الوصول إلى مرحلة التفاصيل بشأن ما يمكن القيام به في غزة، مما يشير إلى استمرار الغموض حول مستقبل القطاع بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وتأتي هذه التصريحات وسط تصاعد الجدل حول السياسات الأمريكية والإسرائيلية في غزة، خاصة مع استمرار الضغوط الدولية للدفع باتجاه حلول سياسية وإنهاء العمليات العسكرية التي تسببت في أزمة إنسانية حادة في القطاع.
إيران: مقترح ترامب يتماشى مع خطة إسرائيل لإبادة فلسطين وندعو لإدانته دوليًا
انتقدت وزارة الخارجية الإيرانية بشدة مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة، مؤكدة أنه يتوافق مع خطة النظام الصهيوني الهادفة إلى إبادة فلسطين بالكامل.
وقالت الخارجية الإيرانية، في بيان رسمي، إن خطة الترحيل القسري التي تحدث عنها ترامب تمثل استمرارًا لخطة مدروسة من قبل الكيان الصهيوني لمحو الشعب الفلسطيني وطمس هويته الوطنية.
ودعت إيران المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى إدانة هذا المقترح بشدة، معتبرة أنه يتعارض مع كل القوانين الدولية والإنسانية، ويشكل تهديدًا مباشرًا لاستقرار المنطقة.
وأضاف البيان أن أي محاولات لفرض حلول تتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني لن تؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، مجددة موقفها الداعم لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.
وتأتي هذه التصريحات وسط ردود فعل متباينة على مقترح ترامب، حيث لاقى دعمًا من بعض الأوساط الإسرائيلية، بينما قوبل برفض واسع في العواصم العربية والإسلامية.