إعتبر سفير لبنان في الفاتيكان فريد إلياس الخازن أن "حرب غزة وتداعياتها المتواصلة فاجأت الجميع وكذلك الفاتيكان". وقال في حديث الى مندوب "الوكالة الوطنية للإعلام" لدى الكرسي الرسولي: "هذه الأحداث تشبه في بعض جوانبها، من منظار الفاتيكان، حرب أوكرانيا التي حتمت موقفاً من الكرسي الرسولي يدعو الى وضع حدّ للحرب.

ولهذه الغاية كلف البابا موفدين، أبرزهم الكردينال Zuppi لإيجاد تسوية عادلة. وفي غزة يسعى الفاتيكان الى وضع حدّ للمأساة الإنسانية جراء الحرب وضحاياها الكثر من المدنيين المستهدفين بأبشع الوسائل من إسرائيل. ولقد أشار الفاتيكان الى استعداده للقيام بوساطة لوقف إراقة الدماء. أما إسرائيل فلم توفر فرصة للضغط على الفاتيكان لتبني الموقف الإسرائيلي، كما طالب وزير خارجية إسرائيل. اما الحل بالنسبة الى الفاتيكان فمرتكزه دولتين لشعبين، على حد تعبير أمين سر الدولة الكردينال بارولين".
أضاف: "في ما يخص لبنان، الاهتمام الفاتيكاني لم يتوقف، بل ازداد بسبب القلق الشديد جراء الأوضاع المأزومة. وللتأكيد على هذا الامر دعا الكردينال بارولين، على رغم انشغالاته بأعمال السينودس الكنسي، البطريرك الراعي والوفد المرافق المشارك بالسينودس وكذلك البطاركة الكاثوليك، الى لقاء حول لبنان تناول فيه المجتمعون أزمات لبنان ومنها الرئاسة والنزوح السوري. يمكن القول ان لبنان من المواضيع الثابتة في اهتمامات الديبلوماسية الفاتيكانية ولم تتراجع على رغم المستجدات الإقليمية والدولية الضاغطة".

وحول  التطورات الإقليمية الفاتيكان، قال الخازن: "حرب غزة ليست الأولى، فاعتداءات إسرائيل في فلسطين متواصلة منذ 1948. في الستينات والسبعينات استند الحل الى قرارات مجلس الأمن (تحديداً 242 و338) بعد حربي 1967 و1973. بكلام آخر، إيجاد تسوية على قاعدة "الأرض مقابل السلام". ظلّ هذا التوجه قائماً حتى اتفاق أوسلو في 1993 ومبادرة السلام العربية الصادرة عن القمة العربية في بيروت في 2002. لكن بالعودة الى التسعينات، جاء نتنياهو الى الحكم في 1996 رافعاً شعار "السلام مقابل الأمن"، أي لا شيء للجانب الفلسطيني، لا وطن ولا دولة، وذلك بعد عامين من اغتيال اسحق رابين على يد مستوطن يهودي، وهو كان شريك ياسر عرفات في اتفاق أوسلو. واستمرت المواجهات في الأراضي المحتلة الى ان باتت اليوم تهدّد بحرب واسعة النطاق. واقع الأمر ان إسرائيل، بقيادة حكومة هي الأكثر تطرفاً وعنفاً، ايديولوجياً وسياسياً، من سابقاتها لا تجاه الفلسطينيين فحسب بل أيضاً تجاه الداخل الاسرائيلي. وهي لا ترى في الصراع، الدائر عملياً منذ عشرينات القرن الماضي، سوى الجانب الأمني وكأن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل وليس العكس. وفي السنوات الأخيرة برز العامل الاقتصادي الملازم للتطبيع من اجل تثبيت الاحتلال كأمر واقع لكن بدعم أميركي وتمويل عربي. اما حق الشعب الفلسطيني بدولة قابلة للحياة، فلا يعدو كونه خرافة بنظر نتنياهو وحكومته التي لم تترك للصلح مطرحاً لا تجاه غزة التي تسيطر عليها حماس بل ايضاً تجاه السلطة الوطنية التي أيدت حلّ الدولتين منذ عقود".  
تابع: "أما الآن فإن فائض القوة والغطرسة لدى إسرائيل لم يعد ينفع، وكذلك مفاعيل التطبيع المنشود، والعلاقات بين اميركا والعرب، أصدقاء واعداء، بلغت مداها من السوء لا بسبب النزاعات الإقليمية والدولية بل حول فلسطين. فلا حلّ المسألة القومية يأتي عن طريق الانماء الاقتصادي والمشاريع المعولمة، ولا الغاء الهوية الوطنية يتمّ بالقتل والتدمير في زمن nation-state، علة نشوء الحركة الصهيونية في الأساس ولاحقاً إسرائيل".
عن الموقف من المجتمع الدولي الداعم لإسرائيل، قال: "باختصار، دعم مطلق لإسرائيل ومن احزاب اليمين واليسار بحجة الدفاع عن النفس يقابله تجاهل كامل لارتكابات إسرائيل الوحشية بحق المدنيين الفلسطينيين. أما الولايات المتحدة وإسرائيل فحالة خاصة لا شبيه لها في العلاقات بين الدول، قبل حرب غزة وبعدها. فمن مقولة حق إسرائيل بالوجود التي تبناها المجتمع الدولي طيلة عقود الى الحق بالدفاع عن النفس اليوم التي باتت وصفة أكيدة لإبادة بلا رادع.  والمفارقة اللافتة ان تجاهل حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني بدولة اسوة بشعوب العالم يأتي في زمن المواقف الدولية، الغربية تحديداً، المؤيدة والداعمة بكل وسيلة ممكنة لحق الشعب الاوكراني بدولة سيدة باسم الهوية الوطنية بمواجهة روسيا. في أوكرانيا يسود القانون الدولي والمعايير المتعارف عليها ومنها (proportionality) في النزاعات المسلحة، بينما شريعة الغاب ساحتها فلسطين".

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الفاتيكان بعد تقرير بارولين: لا مواعيد لشخصيّات سياسيّة مسيحيّة

كتب ميشال نصر في" الديار": أجواء حاضرة الفاتيكان مختلفة كلياً، بعد التقرير الذي قدمه امين سرها الكاردينال بييترو بارولين ، والذي على ضوئه قررت الحاضرة تعليق جميع المواعيد التي كانت ستعطى لمسؤولين سياسيين مسيحيين، اعتراضا على ادائها وتحميلا لها لوزر ما وصلت إليه الأوضاع المسيحية.  فبحسب المصادر، إن أبناء الطائفة لم يجيدوا ترجمة الإرشاد الرسولي، ولا توجيهات الكنيسة الأم، والتي خرج بعض أبنائها للتغريد خارج سربها.
وفي معرض عتبها، تشير المصادر البابوية إلى أن الأطراف المسيحية نجحت في اختراق الكنيسة والرهبانيات، ناقلةً انقساماتها إليها، وهو ما دفع بالبطريرك الماروني إلى تحمل عبء المواجهة وحيداً، بعدما تعذّر تأمين إجماع داخل الكنيسة اللبنانية نتيجة تلك الإختراقات. من هنا، فإن أهمية اللقاء في روما، والكلام للمصادر ،انه يأتي للتاكيد على ثوابت "بي الكنيسة" من القضيّة اللّبنانيّة، حيث يصر البابا فرنسيس امام زواره على التعبير بشكل صريح عن أنّ هويّة لبنان في خطر، وثمّة انقضاض على صيغته الحضاريّة، مدافعا عن صيغة العيش معاً في لبنان، وواجب حماية هذا النّموذج في الحرّية، وحقوق الإنسان، والدّيمقراطيّة، والتّنوّع، والعدالة، والسّلام، والإبداع، حيث لا خوف ولا تخويف بل رجاءٌ لا ينقطع.
من هنا،والكلام للمصادر، فإن أهمية زيارة بارولين أنه أعاد جزءاً من وحدة الموقف، التي يجب أن تتظهّر على الأرض في بيروت، خصوصاً بعد التشكيك بالعلاقة بين قداسة البابا والبطريرك الراعي ، حيث سمع الكل بشكل واضح ضرورة إنجاز الاستحقاق الإنتخابي الرّئاسي كما النّيابي في مواعيدهما دون مغامرات انتحاريّة، ورفض أي تعديل لصيغة النّظام كما يحلو للبعض التّسويق، لكن في كلّ الأحوال يجب التنبّه إلى أنّ الفاتيكان لا ينظر إلى المسيحيّين في لبنان كأقليّة، وهو ضدّ مسار حلف الأقليّات.
وتابعت المصادر، بأن الفاتيكان على تواصل دائم وبشكل فاعل مع عواصم القرار الدولي وبخاصة مع واشنطن، حيث الإتفاق بين الطرفين على أن لا يدفع لبنان ثمن أي تسوية قد تحصل في المنطقة، مشيدةً على هذا الصعيد بدور اللوبي الكاثوليكي الفاعل والمؤثر في السياسة الأميركية، خصوصاً في الايام المتبقية من عهد إدارة الرئيس بايدن.
وختمت المصادر بأن الكرسي البابوي يرى في البطريركية القيادة البديلة حالياً على المستوى الوطني، في ظل أزمة الثقة بين  رموز الطبقة السياسية المسيحية ومجتمعها، والتي ترفض الإستماع إلى مطالب بيئتها، مصرّة على السير في حساباتها الضيقة، داعيةً الجميع إلى عدم الرهان على محدودية قدرة الفاتيكان على التحرك، إذ يملك من القوة المعنوية في ظل الأوضاع الدولية الحالية، ما يكفي من أوراق تؤهله للعب دور أساسي في رسم مستقبل هذا البلد

مقالات مشابهة

  • ما هي التزامات الدولة تجاه رعاية حقوق المسنين بعد التصديق على القانون الجديد؟
  • هل يعود العرب الى لبنان بعد الحل؟
  • وزير الخارجية الأسبق: حرب غزة ضربت مصداقية القانون الدولي
  • فلسطين في سوق الانتخابات الامريكية 272 من الصمود البطولي
  • شي: مواقف الصين وتركيا تجاه أزمة أوكرانيا وقضية فلسطين متطابقة أو متشابهة
  • رسالتان وراء الاهتمام الدولي بلبنان
  • الفاتيكان بعد تقرير بارولين: لا مواعيد لشخصيّات سياسيّة مسيحيّة
  • «التومي» يبحث مع سفير بريطانيا أوجه التعاون المشتركة
  • حكومة حزب العمال على خطى دعم الإبادة أم دعم وقفها؟
  • سفير بريطانيا الأسبق يصف المليشيا: طغاة ولصوص وخططوا طويلاً لقتل صالح