الخليج الجديد:
2024-10-03@22:33:00 GMT

تخريجة الاعتداء على المدنيّين

تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT

تخريجة الاعتداء على المدنيّين

تخريجة الاعتداء على المدنيّين

ساسة الغرب دمروا وشوهوا صورة ذلك الغرب، وقلبوه إلى غرب قبيح انتهازي صهيوني حتى النخاع.

دوائر الغرب الاستعمارية والاستخباراتية تنجح من جديد في مهزلة التلاعب بالألفاظ التي برعت فيها عبر القرون.

ليس المستوطنون المحيطون بغزة مدنيين، إنهم جزء من جيوش المرتزقة الذين عبثوا بفلسطين منذ عشرات السنين.

من يقود تلك الحملة الجائرة ويجيش القوى الإعلامية الصهيونية وأنصارها من الانتهازيين لطمس الحقائق، لجعل المجرم القاتل ضحية والضحية هي المجرم؟

* * *

ها أن دوائر الغرب الاستعمارية والاستخباراتية تنجح من جديد في مهزلة التلاعب بالألفاظ التي برعت فيها عبر القرون. فهي تصف رد الفعل الفلسطيني تجاه عقود من الإذلال والحصار، وسرقة الأرض وما عليها، وتهجير ملايين الفلسطينيين خارج أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم… تصف ذلك باعتداء إرهابي ضد مدنيين عزل.

فهل حقاً أن الجيوش الجرارة من الذين جاءت بهم الحركة الصهيونية العالمية، بمباركة ومعاونة مالية وتسليحية من بعض دول الغرب الاستعماري، يقتحمون البيت الفلسطيني ويقيمون المستعمرات المدججة بالسلاح، يحاصرون، مثلا، غزة سنة بعد سنة، ويمنعون عن أهل البيت الماء والغذاء والدواء والكهرباء متى شاؤوا وكيفما شاؤوا.

ويمنعون التعليم عن أولاد البيت، أحياناً كعقاب وأحياناً كنكاية، ويأخذون الأرض الزراعية المحيطة بغزة ويحرثونها والبنادق فوق أكتافهم، أو يستعبدون أهل غزة ليقوموا بحرث أرضهم كعبيد مطأطئي الرؤوس من أجل لقمة عيش مذلة… هل هؤلاء حقاً يمكن وصفهم، زوراً وبهتاناً، وكذباً ونفاقاً، وتلاعباً حقيراً بالألفاظ، بأنهم مدنيّون عزّل؟

ومن يقود تلك الحملة الجائرة ويجيش كل القوى الإعلامية الصهيونية وأنصارها من الانتهازيين لطمس الحقائق، لجعل المجرم القاتل ضحية والضحية المتهالكة هي المجرم؟

إنها الولايات المتحدة التي يعطي دستورها الحق لصاحب كل بيت أن لا يسمح لأي متطفل حتى بالمرور في أرض بيته أو أو أملاكه، بل والحق في أن يحذره مرة واحدة، فإذا لم يستجب ويخرج من أرضه يطلق عليه النار من بندقيته ويرديه قتيلاً.

هناك يعتبرون الدفاع عن ملكية صغيرة في شكل بيت أو مزرعة وقتل حتى من يجرؤ على أن يدخلها بالغلط هو حق دستوري مشروع، وهنا في فلسطين يعتبرون مقاومة سرقة وطن بكامله إرهاباً ضد مدنيّين.

لكن هل هناك غرابة في ذلك؟ ألم يعتبر المجتمع الأمريكي في ما مضى راعي البقر الكاوبوي، الذي يذهب إلى الغرب الأمريكي، ويخرج الهندي الأحمر من أرضه تحت تهديد السلاح بطلاً مغواراً؟

بل ويعتبر قادة ذلك المجتمع أن ذلك ما هو إلا استجابة لأوامر المسيح بتطهير أمركيا من الهنود الكفار ليحل محلهم المؤمنون الغزاة الأنكلو سكسون؟

ألم تتهم الهندي الأحمر بالإجرام والتوحش والإرهاب، إذا تجرأ ودافع عن أرضه وعرضه؟ والأمر نفسه ينطبق على ما فعله المستعمرون المستوطنون الفرنسيون في المغرب العربي.. فدفاع أصحاب البلاد كان يعتبر اعتداءً على مدنيين مسالمين (حتى ولو كانوا مدججين بالسلاح ومن القتلة وحثالات الأرض).

والأمر نفسه فعله الاستعمار الإنكليزي في الهند: يسرق وينهب ويذل، حتى إذا ما تجرأ غاندي على المقاومة اعتبره إرهابياً في ثوب رجل كاهن. والواقع أن هذا العالم، وعلى الأخص العرب والمسلمين، قد ملّ وهو يرى الغرب الاستعماري يتعامل معه كما تتعامل بائعة الهوى مع محيطها.

فأمام مرآتها أنواع من المكياجات. فإن أرادت الذهاب إلى حانة لتغوي وضعت مكياجاً معيناً. وإن أرادت أن تتظاهر بامتلاكها العفة وتذهب يوم الأحد للكنيسة وضعت مكياجاً آخر. وهكذا هناك مكياج أمام مرآتها لألف موقف. لا يوجد خجل ولا ضمير ولا قيم. هناك فقط لذة الإغواء والابتزاز والنفاق.

والآن، ونحن نرى رئيس دولة مخرّف، ورئيس وزراء دولة لم يقرأ تاريخ البلاد التي جاء منها حتى يبقى انتهازياً مقبولاً في البلاد التي هاجر إليها، ورئيس دولة لا تهمه حتى مشاعر الملايين ممن أصولهم مغربية إسلامية، نرى هؤلاء يذهبون ليقبّلوا وجنة المجرم ويذرفوا دموع الكذب والنفاق ويتحسروا على موت من يدعون بأنهم من المدنيين العزل من المستوطنين السارقين لأرض غيرهم، الحاملين لأفتك الأسلحة، المذلين لكل ذرة في فلسطين.. يتحسرون على أولئك، ولكنهم لا يذكرون ولا بكلمة تعاطف واحدة الضحية الحقيقية، ولا يرف لهم جفن لبكاء ما بقي من نتف جثث أطفال غزة.

لا، ليس كل المستوطنين المحيطون بغزة، مدنيين، إنهم جزء من جيوش المرتزقة الذين عبثوا بفلسطين منذ عشرات السنين. وإذا كنتم، يا رؤساء الغرب، لا تعرفون الفرق بين المدني المسالم والمستوطن المعتدي فارجعوا إلى مفكريكم عبر تاريخكم الطويل. ولكن لا ترجعوا إلى أمثال مكيافيلي، بل إقرأو ما كتبه أمثال برتراند رسل وشومسكي وغيرهم من أحرار الغرب غير الاستعماري، بمن فيهم الكثير من الأحرار اليهود الرائعين.

يوجع قلبنا أن نتحدث هكذا عن ثقافة غربية رائعة، تعلمنا منها الكثير. لكن بعضاً من ساسة الغرب دمروا تلك الصورة وشوهوا صورة ذلك الغرب الجميل، وقلبوه إلى غرب قبيح انتهازي صهيوني حتى النخاع.

*د. علي محمد فخرو وزير بحريني سابق، مفكر قومي عربي

المصدر | الشروق

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: أمريكا الغرب الضحية المجرم الاستعمار الغربي المدنيون الهنود الحمر

إقرأ أيضاً:

ميديا بارت: 3 طرق يسهم بها الغرب في محو المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين

استنكر موقع ميديا بارت عدم رد فعل الغرب على التصرفات الإسرائيلية وما تسببت فيه من قتل عشرات الآلاف من المدنيين، مؤكدا أن ذلك يتجاوز المعايير المزدوجة التي تم التنديد بها منذ أشهر، ويعد في الواقع تواطؤا نشطا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها هذه الدولة المارقة.

ورأى الموقع الفرنسي -في تقرير مطول بقلم جوزيف كونفافرو- أن سرعة وعنف تفجيرات بيروت يخلقان نوعا من الدهشة في لبنان وفي الغرب، حتى أصبح لسلسلة الموتى المجهولين وغير المدفونين من المدنيين، الذين تساقطوا تحت الضربات الإسرائيلية، تأثير مخدر.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ستراتفور: ما خيارات إسرائيل للرد على هجمات إيران بالصواريخ الباليستية؟list 2 of 2بلومبيرغ: مسيّرات حزب الله تشكل تهديدا قويا لإسرائيلend of list

وقال المؤرخ فنسنت لومير "نحن لا نعرف قصص ووجوه الموتى في غزة. فما لا يقل عن 40 ألف قتيل، بينهم ما لا يقل عن 30 ألف امرأة وطفل في غزة، أبرياء بالطبع. وهذه الأرقام لها عمليا قدرة تخدير علينا، ولم تعد لها دلالة اليوم".

حرب انتقام

ولتقريب الصورة أكثر، يقول الموقع إن إسرائيل ظلت ترتكب على مدى عام ما يعادل مجزرة 7 أكتوبر/تشرين الأول كل أسبوع، ومع ذلك لم يهرع أي زعيم غربي إلى رام الله ولا إلى بيروت للتعبير عن الرعب من هذه المذبحة، ولم يؤكد أي رئيس دولة أو حكومة غربية للشعبين الفلسطيني واللبناني دعمه الكامل في مواجهة الهجمات.

وبالتالي -كما يقول الكاتب- تظل الحقيقة هي أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة في المتوسط عن مقتل أكثر من 1200 شخص كل أسبوع على مدى العام الماضي، وأن القادة الغربيين مسؤولون عن الدعم السياسي والعسكري لهذه المذبحة التي لا نهاية لها والتي لا تميز ولا تفرق بين المدنيين والمقاتلين.

هذه الحرب التي تقودها إسرائيل -حسب الكاتب- حرب للردع ولكنها أيضا انتقامية وتتسبب في تدفق أنهار من الدماء على أيدي القادة الغربيين والأميركيين قبل كل شيء، من الرئيس جو بايدن والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فهم جميعا ملوثون لأنهم يتقاسمون المسؤوليات مع المجرمين الذين يحكمون إسرائيل.

ولا يقتصر الأمر -حسب الكاتب- على أن الموتى والسجناء الإسرائيليين لديهم أسماء ووجوه وقصص، على عكس الجثث المتعفنة في المقابر الجماعية في غزة، أو المدفونة تحت أنقاض الضاحية الجنوبية، أو المحتجزين في سجون النقب التي يصعب الوصول إليها، بل إن الجسم الفلسطيني أو الشيعي لم تعد له أي قيمة في نظر الإسرائيليين خاصة، والغربيين عموما.

ولفت الموقع إلى أن تقديرات لا مبالغة فيها كشفت أن ثمة نحو 120 ألف حالة وفاة في غزة، وهذا يعني أنه سيكون لدينا بالفعل حوالي 100 قتيل فلسطيني مقابل وفاة إسرائيلية واحدة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذه أرقام مذهلة، مقارنة بنسبة 7 إلى 1 خلال الانتفاضة الأولى و3 إلى 1 خلال الانتفاضة الثانية.

التواطؤ الغربي

وذهب الكاتب إلى أن الغرب مسؤول عن محو المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بأكثر من طريقة، أولها توفير الأسلحة والأموال اللازمة لهذه المذبحة، حيث أبدت الحكومة الإسرائيلية سرورها بأن تعلن عن مساعدة جديدة بقيمة 8.7 مليارات دولار من الحليف الأميركي في الوقت الذي كانت تضرب فيه بيروت، وتزعم الولايات المتحدة أنها لم تكن على علم بذلك.

وثانيها رفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مع بعض الاستثناءات النادرة مثل النرويج وأيرلندا وإسبانيا، علما أن الشرق الأوسط اهتز بعد اغتيال زعيم حزب الله، وهو التحرك الذي من شأنه أن يثبت أن التهديد الإيراني لإسرائيل ما زال تحت السيطرة، وأن طهران غير قادرة على التنافس عسكريا مع دولة تدعمها الولايات المتحدة.

وأخيرا بترك الغرب حليفته إسرائيل تحبس نفسها في المنطق الخبيث الذي يبرر الخلط بين الأمن والانتقام، فمن ذا يستطيع أن يصدق أن حكومة إسرائيل ليست مسؤولة عن مصير المحتجزين الذين ما زالوا أحياء في غزة، بعد أن أخرجت عدة جولات من المفاوضات عن مسارها، وقضت على زعيم حماس إسماعيل هنية الذي أشرف عليها بطريقة أقل تعنتا من خط خلفه يحيى السنوار؟

حدود الإستراتيجية

وأشار الموقع إلى أن انتصار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التكتيكي لا ينبغي أن يخفي حقيقة أنه يستند إلى كارثة متوقعة، وكما قال ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس فإن على إسرائيل "قبل تحويل لبنان إلى غزة أخرى" أن تدرك أن هناك "طريقة أخرى غير القوة الجامحة لإعادة المحتجزين من غزة والشماليين إلى موطنهم"، مذكرا بأن تفكيك الترسانة الكيميائية السورية تمّ عن طريق الضغط الدبلوماسي لا عن طريق التدمير الأعمى.

وأشار الكاتب إلى الدمار الذي لحق بقطاع غزة وعشرات الآلاف من القتلى والمبتورين والجرحى والأيتام هناك مما يشكل أرضا خصبة لهجمات مستقبلية، كما أن عملية الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله من الحجم والفعالية بحيث يستحيل القول اليوم هل ستؤدي إلى رد إيراني، أو إلى وضع راهن جديد لصالح إسرائيل، أو إلى إعادة تشكيل عميقة للخرائط السياسية وحتى الجغرافية للمنطقة بأكملها.

وذكر الكاتب أن الاغتيالات المستهدفة التي ترتكبها إسرائيل قد جلبت في أغلب الأحيان أشخاصا أكثر تصميما إلى قيادة المنظمات التي تقاتلها، سواء داخل حزب الله أو مع انتخاب يحيى السنوار رئيسا لحركة حماس هذا الصيف.

ورأى أن انتصار نتنياهو الحالي لا يتعارض مع انتصار السنوار، مشيرا إلى أن السنوار حقق انتصارا إستراتيجيا باقتحامه جنوب إسرائيل وسط عمى استخباراتي كامل، وانتصارا سياسيا لأنه قد نجح إلى حد كبير في تدمير ما يمكن أن يدمره من إسرائيل، وهو في النهاية انتصار أيديولوجي من خلال إعادة صياغة القضية الفلسطينية في منطق جديد.

وخلص الكاتب إلى أن العالم إذا فكر اليوم بمنطق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن أو نتنياهو أو السنوار أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فلا يمكن أن يرى (العالم) إلا وفق محور الخير ومحور الشر، ولكن إذا كنا لا نزال نعتقد أن قوة القانون يمكن أن تتغلب على حق القوة، فمن الملح كبح جماح الذراع الانتقامية لبلد من المفترض أن يكون ملجأ لشعب عانى من الإبادة الجماعية وحليفا للغرب.

مقالات مشابهة

  • روسيا تحذّر من خطر اندلاع حرب مع أميركا
  • منظمات المجتمع المدني السودانية تدين تصفية مدنيين على أساس عرقي
  • إسرائيل غُده سرطانية لخدمة مصالح الاستعمار
  • بعد 5 قرون من فصل الدين عن الدولة.. هل استنفدت العلمانية زمنها؟
  • ميديا بارت: 3 طرق يسهم بها الغرب في محو المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين
  • أوهام الديمقراطية 2
  • الطيران المدني: تحويل مسارات الطائرات التابعة لدولة الكويت لتكون في مأمن عن الأحداث التي تشهدها المنطقة
  • بلاسخارت: ما زال هناك بصيص أمل لنجاح الجهود الديبلوماسية
  • على ضوء التاريخ: نصر الله بين الجدل والإرث المقاوم
  • أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ