حرب غزة: إبادة وليست تطهيراً عرقيّاً
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
حرب غزة: "إبادة" وليست "تطهيراً عرقيّاً"
من الأفضل استخدام "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب" لوجودهما في صلب نظام المحكمة، على مصطلح "التطهير العرقي".
تصريحات مسؤولين إسرائيليين تصف الفلسطينيين بـ"حيوانات بشرية" ودعت لقتل جميع سكان غزة، تثبت "نية" إسرائيل بإبادة أهلها بصفتهم الجماعية.
في حال تجنّب استخدام "الإبادة الجماعية" قانونيا، يستحسن عدم استخدام مبدأ "التطهير العرقي"، لأنه لا يقع في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي انضمت إليها فلسطين.
الغرب يصرّ على أن أعمال إسرائيل "دفاع عن النفس"، في حين قال خبراء أمميون إنه "تطهير عرقي" رغم أن المصطلح يصف جريمة لم يشملها نظام المحكمة الجنائية الدولية.
حرص غربي على تبرئة "إسرائيل" من "الإبادة" لأنها "جريمة الجرائم" في القانون الدولي ومع وجودها في نظام المحكمة الجنائية الدولية فهي الجريمة خصصها القانون الدولي، مبكراً، باتفاقية خاصة.
* * *
رغم أنّ كلّ ما تفعله "إسرائيل" في غزة اليوم، ينطبق عليه وصف "إبادة" بجميع المعايير القانونية الدولية، ما زال الغرب يصرّ على أن هذه الأعمال هي "دفاع عن النفس"، في حين قال بعض الخبراء في الأمم المتحدة إنه "تطهير عرقي"، علماً أن هذا المصطلح يصف جريمة لم يشملها نظام المحكمة الجنائية الدولية والتي دخلت فلسطين عضواً في نظامها.
ويأتي الحرص الغربي على تبرئة "إسرائيل" من تهمة "الإبادة"، لأنها تعتبر "جريمة الجرائم" في القانون الدولي، ولأنه إضافة إلى وجودها في نظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية الدولية)، فهي الجريمة التي خصصها القانون الدولي، مبكراً، باتفاقية خاصة لمنعها عام 1951.
1. جريمة الإبادة
أوّل من صاغ مصطلح "الإبادة الجماعية" هو المحامي البولندي اليهودي رافائيل ليمكين عام 1944 من خلال الجمع بين كلمة geno، من الكلمة اليونانية التي تعني العرق أو القبيلة، مع كلمة -cide، المشتقّة من الكلمة اللاتينية وهي مرادف للقتل.
طوّر ليمكين مفهوم الإبادة الجماعية جزئياً ليصف الهولوكوست، ولكن أيضاً ليشير إلى الجرائم السابقة التي اعتبر فيها أن أمماً ومجموعات عرقية ودينية قد تمّ تدميرها بشكل كامل أو جزئي، ومنها مذبحة الأرمن.
وبعدها، باتت جريمة الإبادة الجماعية جريمة مستقلة يعاقب عليها القانون الدولي، وذلك في اتفاقية خاصة أقرّت عام 1948، والتي دخلت حيّز النفاذ عام 1951، وذلك لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ثم أقرّ نظام روما الأساسي تجريمها وكذلك في النظام الأساسي لمحكمة رواند ومحكمة يوغسلافيا السابقة وغيرها.
وذكرت محكمة العدل الدولية في عدّة قرارات، أن أحكام "اتفاقية الإبادة الجماعية" تجسّد المبادئ التي تشكّل جزءاً من القانون الدولي العرفي العام، ما يعني أنه سواء كانت الدول صدّقت على اتفاقية الإبادة الجماعية أم لا، فهي ملزمة من الناحية القانونية بمبدأ اعتبار الإبادة الجماعية جريمة بموجب القانون الدولي، وعليها بالتالي التزام قانوني بمنعها والمعاقبة عليها.
وتتضمّن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948 (المادة 2) تعريفاً للإبادة الجماعية بأنها "أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية ..."، بما في ذلك:
- قتل أعضاء من الجماعة؛
- إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة؛
- إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛
- فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة؛
- نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلى جماعة أخرى.
2. التطهير العرقي
أصبح "التطهير العرقي" المصطلح السائد المستخدم لوصف جرائم الإبادة الجماعية لتجنّب استخدام كلمة "إبادة جماعية". وعلى النقيض من "الجرائم ضد الإنسانية" المتمثّلة في الترحيل أو النقل القسري للسكان، وجريمة "الإبادة الجماعية" و"جرائم الحرب"، فإن هذا المصطلح لا يظهر في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولا توجد معاهدة تجرّم "التطهير العرقي".
3. توصيف قانوني لما ترتكبه "إسرائيل" في غزة
عملياً، إنّ استخدام مصطلحات "التطهير العرقي" أو "الإبادة الجماعية" أو "الجرائم ضد الإنسانية" لا علاقة له بعدد الأشخاص الذين قتلوا، بل بمعايير قانونية محدّدة. وينطلق الإثبات القانوني للقول إن هناك فعل "إبادة جماعية" والفرق بينها وبين الجرائم الأخرى، وهو إثبات "النية" لدى مرتكبي الجرم، بإهلاك تلك الجماعة كلياً أو جزئياً بوصفها جماعة (وهو عنصر يصعب غالباً تحديده).
على سبيل المثال، في قضية دارفور(السودان)، قالت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بقيادة القاضي أنطونيو كاسيزي إن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في دارفور، لا يمكنها اعتباره جريمة "إبادة" لأنها لم تجد دليلاً كافياً على "نية" حكومة السودان بإهلاك الجماعة بصفتها "جماعة".
ولكن، هذا لا يعني تبرئة المتهمين من حكومة السودان بارتكاب جرائم دولية، بل تمّ اتهامهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" وذلك بحسب المعطيات القانونية المتوافرة.
أما في الموضوع الإسرائيلي، فمن الواضح أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي وصفت الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وتلك التي دعت إلى قتل جميع سكان غزة، وإلى ترحيلهم جماعياً بالقوة إلى سيناء، وغيرها... تثبت "النية" الإسرائيلية بإبادة أهل غزة كلياً أو جزئياً بصفتهم الجماعية.
وبما أن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يشمل جميع الأراضي الفلسطينية، فإن المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، يستطيع أن يباشر بنفسه التحقيقات ضد الحكومة الإسرائيلية، ومن دون أن تكون "إسرائيل" عضواً في تلك المحكمة، وذلك لأن تلك الجرائم وقعت على أرض "دولة" عضو.
هذا وكانت الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة، أصدرت حكمها في 5 شباط/فبراير 2021، ورأت "أن المحكمة تملك اختصاصاً في حالة فلسطين، وأن المنطقة المعنية تشمل غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية".
في النتيجة، ورغم أنه لن يكون متعذّراً إثبات "النية" الإسرائيلية في إهلاك أهل غزة جزئياً أو جماعياً، ولكن في حال تمّ تجنّب استخدام مصطلح "الإبادة الجماعية" قانونياً لسبب ما، فمن المستحسن عدم استخدام مبدأ "التطهير العرقي"، لأنه جريمة لا تقع في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي انضمت إليها فلسطين، ومن الأفضل استخدام "جرائم ضد الإنسانية" و"جرائم حرب" على مصطلح "التطهير العرقي"، لوجودهما في صلب نظام المحكمة.
*د. ليلى نقولا أستاذة العلاقات الدولية بالجامعة اللبنانية
المصدر | الميادين نتالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين غزة حرب غزة التطهير العرقي الإبادة الجماعية المقاومة الفلسطينية طوفان الأقصى نظام روما الأساسي المحكمة الجنائية الدولية نظام المحکمة الجنائیة الدولیة جرائم ضد الإنسانیة الإبادة الجماعیة التطهیر العرقی القانون الدولی جریمة الإبادة فی نظام
إقرأ أيضاً:
فلسطين تدعو لتدخل دولي عاجل لوقف الإبادة الجماعية
البلاد – واس
أكدت وزارة الخارجية الفلسطينية أن الفلسطينيين في قطاع غزة يتعرضون لحرب إبادة وتهجير ومجاعة بشعة، وأن الموت بسبب قلة الغذاء وسوء التغذية ينتشر بالتدريج في القطاع، وعدت ذلك جرائم تطهير عرقي في إطار محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتفريغ شمال القطاع من سكانه، داعية إلى ضرورة وجود تدخل دولي عاجل لوقف جميع مظاهر الإبادة وفي مقدمتها القتل الجماعي والمجاعة.
وأشارت الوزارة إلى أن إقدام إسرائيل على توسيع ممراتها الاستعمارية وتقطيع قطاع غزة من خلال 3 محاور، وبناء منشآت عسكرية ثابتة؛ هدفها تكريس احتلال القطاع وتصميم واقع جديد بداخله لا يستوعب وجود الفلسطينيين.
من جهته، ندد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس، بالجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحق ثلاثة معتقلين من قطاع غزة، تم قتلهم بالرصاص بعد الإفراج عنهم بلحظات.
وأوضح الرئيس في بيان، أن الأسرى المحررين الذين تم قتلهم، تم إنزالهم من الجيب العسكري الإسرائيلي كونهم أسرى مفرج عنهم، وعندما بدأوا مغادرة المكان بخطوات معدودة تم مباشرة إطلاق النار عليهم من قبل الجنود مما أدى لاستشهادهم على الفور.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال وصلت في ممارساتها بحق الأسرى إلى أدنى مستوى على وجه الكرة الأرضية، وخطورة ما تعرض له الأسرى الشهداء الثلاثة، بالإضافة إلى آلاف الجرائم المستمرة يوميًا، مطالبًا بتحرك دولي عاجل لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
إلى ذلك، استشهد 33 فلسطينيًا وأصيب وفقد العشرات تحت أنقاض منزل قصفته طائرات الاحتلال الإسرائيلي، في جباليا شمال قطاع غزة.
وأفادت مصادر طبية فلسطينية، أن من بين الشهداء 13 طفلًا من عائلة واحدة، تم انتشالهم من تحت البناية السكنية المكونة من عدة طوابق، فيما لا يزال هناك العديد من المفقودين تحت الأنقاض، لم يتم انتشالهم لعدم توفر الإمكانيات اللازمة لعملية الإنقاذ، خاصة بعد أن أعلن الدفاع المدني الفلسطيني عن توقفه عن العمل قبل ثلاثة أسابيع، لتعمد الاحتلال تدمير كل معدات الإنقاذ ونفاذ الوقود.
وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 43603 شهداء، ونحو 102929 جريحًا، معظمهم من النساء والأطفال. وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية، باستشهاد 51 فلسطينيًا وإصابة 164 بجروح مختلفة وحروق بعضها خطيرة، بالإضافة إلى ارتكاب 3 مجازر بحق العائلات الفلسطينية، خلال الساعات الـ24 الماضية، في قصف الاحتلال الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، مؤكدة وجود عشرات الشهداء تحت ركام المنازل المدمرة في كافة مناطق القطاع، لم يتم انتشالهم لعدم توفر الإمكانيات والوقود اللازم لتشغيل المعدات.