كتب محمد علوش في" الديار": بدا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متأثراً خلال زيارته الى "تل أبيب" منذ أيام، وكان في خطابه عدائياً تجاه الفلسطينيين، داعماً لأقصى الحدود للعدو الاسرائيلي، حتى وصل به الأمر الى دعوة ما يُسمى بالتحالف الدولي الذي ادّعى محاربة تنظيم "داعش "الارهابي، الى محاربة حركة حماس.
قبل أشهر تعرضت العلاقات الفرنسية - الإيرانية الى ضربة قوية بعد مواقف باريس المناهضة لإيران على خلفية الحرب الروسية - الأوكرانية، لكن ذلك لم يؤثر على دور فرنسا في لبنان، حيث استمرت بالتواصل مع حزب الله الذي تعترف بدوره الكبير في أي تسوية ممكنة، لكن هذه المرة بحسب مصادر سياسية مطلعة ، فإن الموقف الفرنسي لن يمر مرور الكرام لدى اطراف محور المقاومة، ولو أن هذه الاطراف تُدرك انه عندما يتعلق الأمر ب "إسرائيل"، فلن يكون أي طرف دولي داعم للمقاومة بالمطلق على حساب العدو، وفرنسا بالتحديد فهي "بالجيب" الأميركي، ولا يمكن لها أن تكون سوى هناك.


وبحسب المصادر فإن المواقف الفرنسية ستؤثر حكماً في العلاقات، لكن هذا لا يعني قطعها، فبالنسبة الى المحور فهو لا يقدم شيئاً الى باريس دون مقابل، ولا يتعامل معها على أساس انها وسيط نزيه، بل وسيط الضرورة، وهناك فرق شاسع بين الأمرين، مشيرة الى أن على فرنسا أن تعلم عندما تُقارب الوضع في المنطقة ولبنان، أن لديها مصالح اقتصادية قد لا تبقى قائمة، خاصة بعد البلبلة الكبيرة التي رافقت عمل شركة "توتال" في البلوك رقم 9، والذي سيكون محطّ اهتمام كبير بعد انتهاء الأزمة العسكرية التي تمر فيها المنطقة.
في السابق، خسرت فرنسا بعض الأصدقاء التقليديين في لبنان، بعد اتهامها بالانحياز الى جانب حزب الله في تسوياتها المقترحة، واليوم قد تخسر "أصدقاء" إضافيين جراء انحيازها التام الى جانب "اسرائيل"، فخلال زيارة وزيرة خارجية فرنسا كاترين كولونا الى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري برفقة السفير الفرنسي لدى لبنان هيرفيه ماغرو، كان الخطاب الفرنسي خطاباً أميركياً بامتياز، وكان الرد عليه كالرد على الأميركيين. لذلك سيكون السؤال الأساسي في المستقبل القريب، وعلى الرغم من تحركات جان إيف لودريان التي لا تزال قائمة على مستوى البحث عن حل سياسي لإنهاء أزمة الفراغ الرئاسي، هل يكون ما يجري في فلسطين

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

هل تعيد فرنسا سيناريو عام 2002؟

بداية الأسبوع المقبل ستكون حاسمة لتحديات سياسية - وربما وجودية - خطيرة تمر بها فرنسا اليوم؛ وهي تحديات من تلك القماشة التي لا تهدد السلطة السياسية وتحولاتها الطبيعية بين يمين ويسار الوسط فحسب، بل تهدد كذلك ما تمثله هوية فرنسا وكيانيتها في العالم الحديث.

فأمام النتائج المفزعة في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي أسفرت بداية هذا الأسبوع عن تقدم كبير لأقصى اليمين المتطرف، وأفزعت الكثيرين في أوروبا والعالم من احتمالات خطرة أمام مستقبل فرنسا الوجودي، يبدو الوضع اليوم - والقياس مع الفارق - أشبه بحال فرنسا العام 2002 حين أسفرت الانتخابات الرئاسية، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، عن حصد الجبهة الوطنية لليمين المتطرف بقيادة جان ماري لوبين (والد مارين لوبين الزعيمة الحالية لحزب التجمع الوطني) ما نسبته 18% من أصوات مقترعي الانتخابات الرئاسية، فكان ذلك الحدث، بحد ذاته، مؤشرا خطيرا اضطرت معه كل القوى السياسية الفرنسية بيمينها - غير المتطرف - ويسارها إلى الاصطفاف خلف برنامج الرئيس الديغولي جاك شيراك، ونجح المجتمع السياسي الفرنسي آنذاك في الحد من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.

اليوم، هل يمكن القول إن ذلك السيناريو في صيف العام 2002 قابل للتجديد في ظل مياه كثيرة جرت تحت الجسر؟ لعل الإجابة على هذا السؤال تبدو أكثر صعوبةً حيال السيولة السريعة لتقلب الأوضاع السياسية في فرنسا، وهي سيولة نتوقع معها تحالفات دراماتيكية قد تسفر عنها ترتيبات القوى السياسية المختلفة للحيلولة دون وصول اليمين المتطرف إلى السلطة.

تنهض الدعاية السياسية لليمين المتطرف على تمثيلات شعبوية تتوهم صفاءً للهوية الفرنسية كنموذج احتذائي للتميَّز الذي عكس فرادة الشعب الفرنسي في مخيال محازبي ذلك اليمين، إلى جانب تسويق الضجر من الوعود غير المتحققة لسياسات الرئيس الفرنسي ماكرون، والزعم بطرح برنامج اقتصادي ذي سياسات إنفاق تختلف عن أولويات الإنفاق على قضايا الاندماج وسياسات الهجرة، والتخفف من الالتزام بقضايا الاتحاد الأوروبي، حيث وعد اليمين المتطرف في برنامجه السياسي «بإنهاء سيادة القوانين الأوروبية،» فضلاً عن قضايا أخرى مثل؛ الإسلاموفوبيا والعولمة وغيرها من القضايا التي تعكس طابعًا للإثارة والقابلية للتهييج الإعلامي الشعبوي، لكنها في الوقت ذاته، لا تنطوي على تصورات تضمر حلولاً واقعية أو موضوعية في محتوى البرنامج السياسي لليمين المتطرف، فضلاً عن أن تلك المشكلات المعقدة؛ مشكلات ذات طابع عمومي في أوروبا جميعا.

هكذا سنجد في بعض وعود البرنامج السياسي لمرشح اليمين المتطرف جوردان بارديلا ما يقوم على رفض تعيين الفرنسيين مزدوجي الجنسية الذين قال عنهم: «إنه يريد منعهم من تولي مناصب استراتيجية حسّاسة» واصفا إياهم بـ «أنصاف الوطنيين» وهو أمر يضمر تمييزا خطيرا نابعا من توهم صفاء الهوية!

سياسي «التيك توك» هذا (جوردان بارديلا) - كما يطلقون عليه في فرنسا - يحرك بسهولة وسائل التواصل الاجتماعي «التي قاد حزبه خلالها حملات ناجحة تحت شعارات وأفكار بسيطة، تلعب على مخاوف بسطاء الناس من خسارة هويتهم الفرنسية» قال عنه بعض الأكاديميين الفرنسيين: «لا تعلم تحديدا ما الذي يقترحه، لكنك تجد الكثير من مقترحاته». ولعل في هذا الوصف - تحديداً - يكمن خداع الدعاية السياسية لليمين الشعبوي المتطرف، فذلك اليمين إذ يستهلك قيم الديمقراطية دون أن يلتزم بقيمها واستحقاقاتها، فهو كذلك يعجز عن وضع الحلول المعقدة للمشكلات المعقدة.

ولعل فشل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في معالجة تحديات وباء كورونا الذي كان في قائمة أهم أسباب عدم التجديد له لولاية ثانية في انتخابات العام 2020 بالولايات المتحدة، خير دليل على ذلك.

هناك مشكلات حقيقية لعبت فيها سياسات العولمة الاقتصادية دورا كبيرا في تقليص دور الرعاية والرفاهية للدولة القومية في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي مشكلات يزعم اليمين المتطرف وعودا لمعالجتها في دعايته الشعوبية خلال الانتخابات، لكنها أبعد ما تكون عن ذلك.

من يطلع على كتاب «المثقفون المزيفون» للمفكر الفرنسي باسكال بونيفاس الذي وضع له عنوانا جانبيا: «الانتصار الإعلامي لصناعة الكذب» وتعرض فيه لنقد التزييف الذي يمارسه «فلاسفة» شعبويون في الإعلام الفرنسي، ربما سيدرك طرفا من طبيعة ذلك الرواج الذي تنهض عليه الدعاية السياسية لليمين المتطرف.

محمد جميل أحمد كاتب من السودان

مقالات مشابهة

  • كأس أوروبا 2024 .. فرنسا تبلغ نصف النهائي بفوزها على البرتغال بالضربات الترجيحية (5-3)
  • مساع اميركية ــ فرنسية لضبط التصعيد هوكشتين في باريس: الكل في انتظار غزة
  • السكيتيوي يكشف عن لائحة المنتخب الأولمبي التي ستمثل المغرب في أولمبياد باريس
  • مدير مكتبة الإسكندرية يشرح تفاصيل تصميم «بيت مصر في باريس»: صُمم بهوية مصرية
  • فرنسا قلقة من تصاعد التوترات جنوبا.. ميقاتي: العدوان الاسرائيلي تدميري وارهابي
  • هذه هي أبعاد مهمة المبعوث الأميركي في فرنسا
  • معاداة المهاجرين والأقليات.. شبح ماضي اليمين المتطرف يخيم على فرنسا
  • رسالة فرنسية - أميركية لإسرائيل تخصّ لبنان.. ماذا فيها؟
  • هل تعيد فرنسا سيناريو عام 2002؟
  • هوكشتين في باريس لمحادثات حول لبنان