المسيّرات الاسرائيلية تخسّر حزب الله مقاتليه المحترفين في غضون أيام
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
كتب ابراهيم بيرم في" النهار": وفق تقديرات خبراء عسكريين يعدّون من أصدقاء حزب الله وعلى صلة بدوائره، إن العقل العسكري الإسرائيلي نجح في استخدام تقنيات قتالية متطورة وأدخلها في الميدان، فيما بدا الحزب متكئاً على معادلات ونظريات قديمة نسبياً لا تتلاءم مع المعادلات المستجدة. فكانت من أكثر النتائج إيلاماً أن يفقد الحزب في الأيام الخمسة عشر الأولى لانخراطه في ميدان المواجهات الدائرة نحو 42 مقاتلاً يُفترض أن يكونوا في عداد القوة المحترفة وليسوا من عناصر الحشد والتعبئة.
– صحيح أن العقل العسكري للحزب ليس من النوع الذي يئنّ ويلجأ الى أسلوب التراجع أو يظهر بمظهر المأزوم، لكن قاعدة الحزب الجماهيرية أصابها ارتياب وصدمة.
ووفق معلومات ضيّقة سرت في الأيام القليلة الماضية إن قيادة الحزب اضطرّت الى اتخاذ إجراءات عاجلة أقصت بموجبها قيادات عسكرية مكلفة بإدارة الموقف على طول الحدود واستبدلتهم بغرف عمليات تضمّ فريقاً جديداً رديفاً. ومع هذه الإجراءات العاجلة والسرية فإن الحزب بدا كأنه "محاصر" ويصعب عليه التبديل العاجل لفرض معادلات ميدانية مختلفة يتم فيها تلافي الأخطاء والثغر لأن مثل ذلك بحاجة الى وقت وجهود استثنائية.
ويروي هؤلاء الخبراء أن الحزب الذي أنشأ خلال الأعوام التي تلت حرب تمّوز عام 2006 قوة نخبوية أطلق عليها اسم قوة "الرضوان" (تضمّ وفق تقديرات الإسرائيليين نحو 4 آلاف مقاتل أخضعوا لتدريبات صعبة في المعسكرات كما لتدريبات في الميدان السوري)، أعدّها لمهمتين غير المهمة التي وجدت نفسها مجبرة على خوض غمارها وهما:
– الاقتحام والاشتباك للعمق الإسرائيلي لا التراشق عبر خطوط تماس كما هو واقع الحال حالياً، خصوصاً أن مثل هذا الوضع هو حتماً لمصلحة جيوش كلاسيكية نظامية لا قوات من نوع قوات الحزب، إذ إن ميزان القوى العسكري هو حتماً لمصلحة الجيش النظامي.
– استخدم الإسرائيلي بكفاءة عالية تقنيات حرب المسيّرات وهي التقنيات الأحدث في الحروب وقد جرّبها الجيشان الروسي والأوكراني في حربهما المدمرة منذ أكثر من عامين وقد أبلى كل منهما في إثخان الآخر بالجراح والخسائر لكونهما استوعبا قسراً هذا السلاح ذا التقنية المعقدة ولكن ذات المفعول القوي والكاسح في تدمير قوة الخصم.
وحسب الوقائع المتوافرة فإن نحو 37 عنصراً من العناصر الذين فقدهم الحزب قد سقطوا بفعل حمولات القوة النارية لهذه المسيّرات.
وحسب المعلومات نفسها فإن الخيارات المتاحة أمام مقاتلي الحزب تكاد تكون مقتصرة على سلاحين هما: الصواريخ الموجهة (قصيرة المدى) وقاذفات الكورنيت الروسية الفاعلة في إلحاق الأذى بالميركافا الإسرائيلية الحصينة.
المسيّرات هي العدو الأول لمقاتلي الحزب، فهي قادرة على رصد المواقع التي يطلق منها أولئك المقاتلون الصواريخ الموجهة والتي تحتاج الى 36 ثانية لتطلق الصاروخ وتطلق آلياً حمولتها النارية على مصدر الإطلاق الذي يحتاج عملياً الى ثلاثة عناصر حداً أدنى.
وبمعنى آخر فإن مقاتلي الحزب يبذلون جهداً استثنائياً للعثور على هدف عسكري إسرائيلي وهم في هذه الحال يكونون في حركة وحال انكشاف واستطراداً يكونون هدفاً سهلاً للمسيّرات الإسرائيلية التي لا ترحمهم، ولأن الوضع هكذا خسر الحزب من العناصر في أسبوعين نصف ما خسره إبان حرب تموز التي استمرت 33 يوماً وكانت أكثر ضراوة وشراسة واتساعاً.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المسی رات
إقرأ أيضاً:
أبو العباس السبتي متصوف اختلى في جبل 40 عاما أيام دولة الموحدين بالمغرب
أبو العباس السبتي عالم ومتصوف مغربي ولد بمدينة سبتة سنة 524هـ/1129م، وتوفي بمدينة مراكش عام 601هـ/1205م. يرتبط اسمه بمذهب صوفي اجتماعي يقوم على العطاء والبذل، إذ كان يعدّ الصدقة أصل كل العبادات ودواء لكل داء.
اشتهر بالتجول في الأسواق والساحات، ودعوة الناس إلى "المتاجرة مع الله" بإخراج الصدقات، وكان يرى أن قضاء الحاجات ورفع الضرر والمرض والفقر والجفاف وغيرها لن يتحقق إلا بالتصدق.
لم يكن واعظا للناس داعيا لهم للإنفاق فقط، بل كان أول من طبق مذهبه وأفكاره، فكان في البدء يتصدق بنصف ما يملك وبعد ذلك بالثلثين ثم في نهاية حياته كان يقسم ما لديه إلى 7 أقسام، فيبقي له ولأهله قسما ويتصدق بالباقي.
ويذكر الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد أن مذهب أبي العباس السبتي أن "الوجود ينفعل بالجود"، ووصفه الشيخ المتصوف ابن عربي "بصاحب الصدقة في مراكش".
تحولت زاويته في مراكش إلى مزار يقصده ذوو الحاجات والفقراء، خاصة يوم الأربعاء، واستمر مذهبه قرونا بعد وفاته من خلال ما يسمى "بالعباسية"، وهي عادة منتشرة في عدد من مناطق المغرب، إذ يحرص أصحاب محلات الطعام والمشروبات على توزيع بضاعتهم مجانا في اليوم الأول طلبا للبركة وتزكية لمالهم وسيرا على منهج أبي العباس.
ولد أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي بمدينة سبتة عام 524هـ/1129م.
نشأ يتيما واضطرت أمه لأخذه إلى نساجي الحرير في المدينة ليتعلم الحرفة مقابل أجر، لكنه كان يفر منهم ويذهب إلى مجلس الفقيه أبي عبد الله الفخار لتلقي العلم، فتضربه أمه وتعيده إلى النساج للعمل.
إعلانمع تكرار الواقعة، سألها الشيخ الفخار عن سبب ضربها إياه، فقالت إنها تريده أن يعمل ليساعدها على تكاليف الحياة، بينما اختار هو السير في طريق العلم، فاقترح الشيخ أن تترك الصبي يتعلم في مجلسه مقابل أن يدفع لها أجره، فقبلت.
حفظ القرآن الكريم كاملا في 6 سنوات، وتعلم الفقه ودرس فنون اللغة العربية وآدابها، وعندما بلغ 16 من عمره قرر السفر لطلب العلم، فرحل إلى مراكش لأنها كما قال لشيخه "مدينة العلم والخير والصلاح".
وصل إلى مراكش في وقت كانت فيه محاصرة من جيوش عبد المومن الكومي الموحدي، عام 541هـ، فأقام في جبل غليز بقبيلة هرغة بالأطلس الكبير، وكان المكان حينئذ مقصدا للزهاد والمتصوفة، ومنهم القاضي عياض والإمام السهلي والإمام وايحلان.
بقي في خلوة بالجبل نحو 40 سنة (من سنة 540 إلى 580)، وهي السنة التي تولى فيها يعقوب المنصور الموحدي الحكم، ولم يكن يقطع خلوته إلا للذهاب لمجالسة الشيخ أبي يعقوب بن أمغار برباط تيط قرب مدينة الجديدة.
كان السلطان المنصور الموحدي يميل إلى مجالسة الصلحاء والعلماء، فوجه إلى أبي العباس السبتي دعوة لدخول مدينة مراكش -عاصمة الدولة آنذاك- فوافق.
أعطاه المنصور دارا قرب جامع الكتبية فتزوج وأنجب عدة أولاد ذكورا وإناثا، وأوقف عليه مدرسة كان يدرس فيها الحساب والنحو.
يذهب بعض المؤرخين إلى أن السلطان الموحدي اتخذ أبا العباس السبتي شيخا له، وذلك بعدما لم يتسن له ملاقاة الشيخ أبي مدين الغوث الذي توفي وهو في طريقه إلى مراكش.
تضمنت عدد من الكتب بعض صفاته، ومنها أنه كانت له بسطة في اللسان وقدرة على المجادلة والكلام، و"كان سريع الجواب كأن القرآن ومواقع الحجج على طرف لسانه"، وفق ما ذكرت مصادر تاريخية، كما كان كثير الدعابة ولكن مع قول الحق.
يدور مذهب أبو العباس السبتي على الصدقة، وترجع الروايات جذور مذهبه إلى طفولته عندما سأل شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، واكتملت معالمه أثناء خلوته في جبل غليز حيث كان كثير التعبد والتدبر للقرآن الكريم.
إعلانكان يرد أصول الشرع والعبادات إلى الصدقة، فيرى أن التكبير في الصلاة بقول "الله أكبر" يعني الالتزام بعدم البخل على الله بشيء، ورفع اليدين للتكبير معناه التخلي عن كل شيء، وكان يرى أن الركوع يعني المشاطرة، والسلام بعد الصلاة هو الخروج من كل شيء.
كان يقول إن سر الصوم هو الشعور بالجوع وتذكر الجائع وما يقاسيه للتصدق والعطاء، والزكاة فرضت على المسلم في كل عام ليتدرب على البذل والعطاء في كل أيام السنة، أما الحج فقد فرض على الناس ليظهروا في زي المساكين بحلق الرأس ولبس النعلين والتجرد من ثياب الرفاهية والبذل لله تعالى وإظهار العبودية.
ويرى الشيخ السبتي أن سر الجهاد هو بذل النفس في مرضاه الله تعالى والتخلي له عن كل شيء وترك التعلق بأسباب الدنيا، وأن معنى التوحيد توحيد الله تعالى دون أن تجعل معه إلها غيره من متاع الدنيا، فالإنفاق دليل على أن المنفق تخلص من الشرك الخفي الذي يتسرب إلى القلب من حب المال.
اشتهر بالتجول في الأسواق والطرقات وحضّ الناس على الصدقة والمتاجرة مع الله، وكان يقول "درهم يساوي عشرة"، في إشارة إلى قوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".
وكان إذا جاءه أحد يشكو من مرض أو ضيق أو هم أو فقر يقول له "تصدق تصل إلى ما تريد"، ويدعو الناس عندما يشتكون من الجفاف وانحباس المطر إلى الصدقة ويقول "لو تصدقوا لمطروا".
لم يقسم أبو العباس الناس إلى أغنياء وفقراء، بل إلى كرماء وبخلاء، فكان يدعو الجميع إلى التصدق مما لديهم قليلا كان أو كثيرا، ويقول "سبَق درهم مائة ألف درهم"، ويحث على ذلك بآيات من القرآن الكريم والأحاديث.
وكان قول الله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" من أكثر الآيات ورودا على لسانه وبها كان يوضح مذهبه، فالعدل عنده هو المشاطرة، مستدلا بذلك من مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، إذ تقاسم الأنصار أملاكهم مع إخوانهم المهاجرين، فعقد السبتي مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطره الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة يتصدق بنصف ما يملك.
إعلانعاد للتدبر في الآية فتبين له أن العدل هو الشطر وأن الإحسان ما زاد عليه، وخلص إلى أن الإحسان هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني، فعاهد الله أن يخصص له ولأهله الثلث ويتصدق بالثلثين، وهو ما فعله مدة عشرين سنة.
ولم يقنع أبو العباس بهذا القدر، بل أراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة، فقسم ما يأتيه إلى 7 أقسام: قسم هو حق النفس وحق الزوجة والأولاد ومن تجب عليه نفقتهم، ويصرف الباقي لمستحقيه، فظل على هذه الحال 14 سنة، ويقول معاصروه إنه أصبح بمقتضى هذه الحال مجاب الدعاء.
وتذكر بعض المصادر أن درجة الاستجابة بلغت حدا جعل القدماء يقولون: "لا يمكن لأي مخلوق أن يساوي عبادة الحسن البصري وزهد داود الطائي ومعارف أبي مدين وهمة أبي العباس السبتي"، أي إنه كانت له همة عالية تنفعل لها الأشياء.
تجاوزت سيرته مراكش إلى باقي مناطق الغرب الإسلامي والأندلس والمشرق، وأرسل أبو الوليد ابن رشد أحد تلاميذه من قرطبة إلى مراكش ليسأل عن مذهبه، فلما عاد وأعلمه به قال عنه ابن رشد "هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود".
وكان الشيخ الأكبر ابن عربي قد وصفه في الفتوحات المكية "بصاحب الصدقة بمراكش"، وذكر أنه رآه وعاشره.
توفي في مراكش في 3 جمادى الثانية سنة 601 هـ/1205م، ودفن في قبر كان مدفن العلامة ابن رشد الذي توفي عام 595 قبل أن تأتي عائلته بعد 100 يوم من دفنه وتقرر نقل جثمانه إلى قرطبة مسقط رأسه.
وقد ظل القبر فارغا إلى أن توفي أبو العباس السبتي ودفن فيه، وفي فترة لاحقة بنيت على القبر زاوية (تكية) تحولت إلى مزار للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات.
في عام 1012هـ/1605م، بنى السلطان أبو فارس عبد العزيز السعدي قرب الزاوية مسجدا كبيرا أطلق عليه اسم أبي العباس السبتي ومدرسة أوقف عليها كتبا نفيسة.
إعلانخضعت الزاوية لأشغال ترميم وتوسعة في فترات لاحقة، وتتلقى هبات من ملوك المغرب بشكل منتظم إلى جانب تبرعات وأعطيات المحسنين وتوزع شهريا على المحتاجين.
العباسيةلم ينقطع مذهب أبي العباس السبتي بوفاته، بل استمر من خلال ما يعرف بالعباسية، وهي عادة ارتبطت باسمه وتنتشر في مناطق عدة من المغرب وخاصة في المجتمع المراكشي، إذ يحرص بائعو الحلويات ومحلات الأكل على توزيع الطعام مجانا في أول يوم لافتتاح مشاريعهم، وكذلك أصحاب الحمامات التقليدية يقدمون خدماتهم في اليوم الأول من دون مقابل، وذلك طلبا للبركة والفأل الحسن وسيرا على منهج أبي العباس السبتي في البذل والعطاء في سبيل الله.
وما زال التجار في مدينة مراكش يخصصون أول ربح يكسبونه في صباح كل يوم لصندوق زاوية أبي العباس ويسمونه العباسية، وفي نهاية الشهر يوزع القائمون على الزاوية ما جمع في الصندوق على المعوزين والأرامل والمحتاجين.