الاحتلال ينتقم من الأسرى بعد «طوفان الأقصى»
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
بكامل عنفوانه وبصحة جيدة، كان عمر دراغمة حين اعتقله جيش الاحتلال الإسرائيلي من منزله في مدينة طوباس شمال الضفة الغربية في السابع من أكتوبر الجاري. وبالقوة نفسها ظهر عمر أمام محاميه وهيئة المحكمة الإسرائيلية، وأقر لهم بأنه «بصحة جيدة»، وأن كل المؤشرات المحيطة به لم توح مطلقا بأنه سيكون في عداد الشهداء بعد 3 ساعات فقط.
وبعد أسبوعين من اعتقاله، وبالتحديد في 23 أكتوبر الجاري، أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الأسير عمر دراغمة (58 عاما) تدهورت حالته الصحية بشكل أدى لاستشهاده.
خبر لم يصدم ذويه ومعارفه وحسب، بل صدم كل الفلسطينيين، ولا سيما المؤسسات الحقوقية وتلك التي تُعنى بشؤون الأسرى، التي أكدت أن الاحتلال يرتكب «جرائم قتل» ضد الأسرى، ودللت على صحة أقوالها بشهادات للأسرى أنفسهم، خاصة المفرج عنهم والمحامين.
استخدام العنف بدأ من لحظة اعتقال الشيخ عمر دراغمة القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ونجله حمزة في 9 أكتوبر الحالي، حيث اعتدى عليه الجنود بالضرب والدفع بقوة في منزله وأمام عائلته، واقتادوه مكبلا ومعصوب العينين إلى آلية الاعتقال، وسط مشهد من التعنيف لم يعشه في اعتقالاته السابقة.
وعمر دراغمة واحد من أكثر من 1350 أسيرا فلسطينيا اعتقلتهم إسرائيل منذ بدء «طوفان الأقصى» فقط، معظمهم من قيادات وكوادر حركة حماس، وكلهم، وفق هيئة شؤون الأسرى، تعرضوا للتعذيب والتنكيل، وهو ما يعكس توجها إسرائيليا لقتل الأسرى.
وما حذَّرت منه تلك المؤسسات عاشته عائلة الأسير عرفات حمدان من قرية بيت سيرا قرب مدينة رام الله، التي استشهد نجلها الثلاثاء بعد يومين من اعتقاله، ما يؤكد لا مبالاة الاحتلال بالأسرى واستمراره بتعذيبهم حتى الموت. كان عرفات (25 عاما) بصحة جيدة -أيضا- عند اعتقاله، ورغم إصابته بمرض السكري -الذي كان يعرف به جنود الاحتلال حسب قول قريبه حامد حمدان للجزيرة نت-، فإنه لم يعانِ أي أمراض ثانية، وأضاف أن ما تعرض له عرفات هو «قتل متعمد ناجم عن حقد مع سبق الإصرار، ولا أستبعد أن يكونوا قد خنقوه بفعل الضغط والحشر داخل السجون والزنازين». هذه الشكوك بالقتل العمد أكدتها مؤسسات الأسرى، وقالت، إن الاحتلال «بدأ بتنفيذ عمليات اغتيال ممنهجة بحق الأسرى عن سبق إصرار وانتقام على أثر الحرب بغزة»، وحمَّلت تلك المؤسسات إسرائيل كامل المسؤولية عن حياة الأسرى، واستهجنت «الصمت المريب» لمنظمة الصليب الأحمر الدولي حيال موقفها ودورها تجاه الأسرى.
وشرعت قوات الاحتلال ومنذ إعلان الحرب على غزة بحرب أخرى على الأسرى عبر قطع الماء والكهرباء ومصادرة أدواتهم الكهربائية، ومنعتهم من الخروج للفورة (ساحة السجن)، وأغلقت المطبخ ودكان السجن، وحددت كميات الطعام بوجبتين فقط يوميا، ومنعت العلاج وقطعت الاتصال معهم ومنعت المحامين من زيارتهم، وكدَّست أعدادهم (10 أشخاص في الغرفة الواحدة بدلا من 5)، وغير ذلك من الإجراءات الانتقامية.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: الضفة الغربية الاحتلال الإسرائيلي سلطات الاحتلال الأسير عمر دراغمة عمر دراغمة
إقرأ أيضاً:
رسائل طوفان الأقصى تتجاوز الزمان والمكان
الشعب الفلسطيني ليس في حاجة إلى تقديم الدليل على عدالة قضيته، فالحق الفلسطيني ثابت في مجلدات المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ثابت في خرائط الجغرافيا كما وثائق التاريخ، في تضحيات السابقين وإصرار اللاحقين، في ضمير أحرار العالم من سياسيين ومؤرخين وأدباء وشعراء وكتاب ومدونين، تتناقله الأجيال شرقاً وغربا، شمالاً وجنوباً، حتى لو ماتت القضية في الأروقة السياسية بعضاً من الوقت، ما تلبث أن تستيقظ بقوة لسبب واحد، وهو أننا أمام قضية عادلة، بل الأكثر عدالة في التاريخ المعاصر، ناهيك عن أننا أمام احتلال هو الأبغض والأخير في كوكب الأرض.
رغم ذلك، يُصر الشعب الفلسطيني على تقديم المزيد من الأدلة يوماً بعد يوم على عدالة قضيته، ليس ذلك فقط، بل يقيم الدليل على تحضره وأصالته وبسالته في آن واحد، وسط عالم يموج بكل ما هو مسخ ونفاق ومؤامرات وتدليس، ما جعل القضية تتخبط في عالم التيه، على مدى 77 عاماً، سقط خلالها آلاف الشهداء، تشتت خلالها ملايين المهجرين واللاجئين، ضاعت خلالها أعمار عشرات آلاف المعتقلين، مع تدمير متكرر وغير مسبوق لبنيته التحتية، تحت سمع وبصر العالم، مدعي التحضر والتطور.
وحتى بدء تنفيذ اتفاق وقف العدوان، الأحد الماضي، كان المراقبون يقفون في دهشة بالغة، أمام ذلك العمل العسكري بالغ الشجاعة، الذي نفذه المقاتلون الفلسطينيون، داخل عرين الاحتلال، تحت عنوان (طوفان الأقصى) في السابع من أكتوبر 2023، من خلال قوات مقاومة غير نظامية، بأسلحة تقليدية، في مواجهة أحد الجيوش الذي يأتي في عداد الأقوى عالمياً في التصنيفات المتخصصة، ثم ما تلا ذلك من أعمال بطولية، امتدت على مدى شهور حرب الإبادة، التي استخدمت فيها قوات الاحتلال، كل الأسلحة المتطورة، غير المشروعة، بمشاركة الخبراء والقوات الأجنبية، في مقدمتها الأمريكية بالطبع.
إلا أن السؤال الذي يؤرق الإسرائيليين الآن، يدور حول كيفية استمرار قوة المقاومة وسيطرتها على القطاع، والظهور في اليوم التالي للحرب بمظهر المنتصر، عالي الرأس، مرتفع المعنويات، إلى غير ذلك من رسائل مدروسة ومهمة، رغم حجم القوة التدميرية غير المسبوقة، التي سقطت على رؤوس من في القطاع من بشر وجماد ونبات، في صورة قذائف وقنابل وصواريخ، وطلقات رصاص، وأخرى فسفورية وكيماوية، إلى الحد الذي ذابت معه أجساد الشهداء، وهي أمور غير مسبوقة في تاريخ الحروب، خصوصاً أن أهداف الحرب كانت معلنة منذ اليوم الأول، ومن بينها تحديداً، القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وربما كانت الإجابة على السؤال المشار إليه واضحة جلية للإسرائيليين وغيرهم، إلا أنهم يتعمدون عدم الاقتراب منها، لأنها تمثل إدانة لجيش الاحتلال، والسياسيين هناك، أمام المحاكم الدولية، التي تتمثل في أن الحرب -باعتبارها حرب إبادة- لم تستهدف المقاومة، قدر استهدافها منذ اللحظة الأولى المدنيين الفلسطينيين، أطفالا ونساءً وشيوخاً، استهدفت الصحافيين والإعلاميين والأطقم الطبية، من مسعفين وأطباء وسيارات إسعاف، استهدفت المستشفيات والمدارس والنازحين ومخيمات الإيواء، استهدفت الأسواق والمنازل وسيارات المواطنين ومزارعهم، بما يؤكد أننا كنا على مدى ما يزيد على خمسة عشر شهراً، أمام مخطط يستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني ككل، ذلك أن عناصر المقاومة، كانوا بمثابة أشباح، يسجلون بطولات يومية، في صفوف قوات الكيان وآلياته المدرعة.
من هنا خرجت المقاومة بشكلها المذهل، الذي شاهده العالم من أقصاه إلى أقصاه، خلال عملية تسليم الأسرى في يومها الأول، تسطر بطولات جديدة، إعلامية وإنسانية وأخلاقية، تتجاوز الزمان والمكان، في رسائل جديدة للكيان من جهة، وللعالم الخارجي من جهة أخرى، مع تأكيد طوال الوقت، على أن هذه هي أخلاق فلسطينية خالصة، نابعة من قيم دينية ووطنية وإنسانية، حتى لو قابلها الطرف الآخر بممارسات ممقوتة تجاه الأسرى في السجون، أو حتى خلال عمليات الإفراج المتزامنة، التي تدلل على أننا نتعامل مع عدو جبان، لا يرعوي لقوانين دولية، ولا يمتثل لقيم إنسانية، ولا حتى لمبدأ المعاملة بالمثل.
أعتقد أن رسائل الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، فرضت على العالم احترامه، وتقدير قضيته، التي يمكن القول إنها عادت إلى الواجهة من أوسع الأبواب، وهو المكسب الأهم من طوفان الأقصى، فلم يعد بمقدور العالم تجاهل القضية الفلسطينية إن أراد السلام والوئام، لم يعد بمقدور الأنظمة السياسية بالمنطقة تجاهلها، إن هي أرادت الاستقرار، لم يعد بمقدور الكيان تجاهلها إن هو أراد العيش والاستمرار عدة سنوات أخرى، فكل الشواهد والحسابات، تؤكد أننا أمام كيان إلى زوال، طال الوقت أم قصر، وهو ما يعيه الإسرائيليون أنفسهم، وقد جاءت عملية الطوفان منذ بداياتها لتؤكد ذلك، ثم جاءت النتيجة النهائية مؤكدةً ذلك أيضاً، ما يجعل من الأهمية الإشارة إلى مجموعة من النقاط، تتعلق بالموقف العربي تحديداً:
أولاً: الأنظمة العربية بشكل خاص، يجب أن تتوقف أمام أحداث غزة بكل ملابساتها، خاصة ما يتعلق بما كان شائعاً من قبل عن قوة الكيان العسكرية، التي جعلت منها المقاومة أضحوكة، حتى في الداخل الإسرائيلي، لم يعد موثوقاً بهاً، وهو ما كان سبباً رئيسياً في الموافقة، أو بتعبير أدق «الخضوع» لوقف الحرب، بعد الخسائر العسكرية الباهظة، والبشرية الفادحة، والاقتصادية الكبيرة، ناهيك عن الانحطاط والانكشاف أمام العالم، بأننا أمام نازية جديدة، قامت على الغش والخداع.
ثانياً: الآن أصبحنا أمام أجيال عربية جديدة، لم تكن على دراية بمكنونات القضية الفلسطينية، التي غُيبت عمداً، ليس عن وسائل الإعلام المحلية فقط، بل عن المناهج الدراسية أيضاً، بعد أن كانت قضية العرب الأولى، ما يجعل من المستقبل تحدياً كبيرا للاحتلال وللأنظمة في آن واحد، يجب وضعه في الاعتبار، بما يحتم إعادة النظر في المواقف الحالية، التي لم تعد تتوافق مع المزاج الشعبي، الذي سوف يفرض رؤيته على السلوك الرسمي، شئنا أم أبينا، خصوصاً مع تطور الفضاء الإعلامي، بما يجعل من الصعوبة انتهاج سلوك العمالة والخيانة، الذي سجلته وثائق الماضي والحاضر.
ثالثاً: يجب الوضع في الاعتبار أن الشعب الفلسطيني أدرى بشعاب وطنه وقضيته، بحكم ما عانى عبر التاريخ، وبحكم ما سدد من فاتورة ثقيلة، من الأرواح الطاهرة والدماء النقية، وهو ما يمنحه كل الحق، في اختيار قيادته، وطريقة إدارته، ونوعية حكمه، بما يجعل من التدخل الخارجي في شؤونه، أمرا مرفوضا شكلًا وموضوعاً، مع الوضع في الاعتبار أن استخدام أساليب التجويع والحصار والتنكيل، وحتى القتل والترويع، فشلت، ما يحتم الوقوف في وجه كل المحاولات الخارجية للإملاءات المريبة، التي تديرها سلطات الاحتلال سراً وجهراً، من خلال عواصم عربية للأسف.
رابعاً: أكثر من 30 عاماً مرت على اتفاقيات «أوسلو» التي باركها العرب، لم يحقق من خلالها الشعب الفلسطيني هدفه المنشود، وهو إقامة دولته المستقلة على الأقل القليل من أرض فلسطين التاريخية، وهو ما يجعل من المقاومة طريقاً وحيدا لتحقيق الهدف، ويكفي أن الإفراج عن أسرى الضفة الغربية، الواقعة شكلاً، تحت إدارة سلطة فلسطينية، يتم من خلال اتفاقيات مع المقاومة، وليست مع السلطة، التي تناهض المقاومة ليل نهار لحساب قوات الاحتلال.
ولأن الأمر كذلك، وأياً كانت نوعية الإدارة الأمريكية، جمهورية أم ديمقراطية، وأياً كانت طبيعة الحكومة الإسرائيلية، معتدلة أم إرهابية، وأياً كانت أيديولوجية الأنظمة العربية، علمانية أو دينية، وأياً كان الموقف العالمي، منصفاً أو متواطئاً، يبقى الشعب الفلسطيني هو السيد في الوطن السيد، له الكلمة الأخيرة في النضال والتحرير، إلا أن الأمر يحتم الالتقاء داخلياً على كلمة سواء، لا يقبل الفرقة والانقسام، ولا يأبه للتدخلات والإملاءات، ليظل الطوفان يبعث بمزيد من الرسائل، التي كانت وستظل سبباً رئيسياً في كثير من التغييرات والتحولات الإقليمية، وربما العالمية.
القدس العربي