وراق، والمؤتمرون وعصا موسى!
تاريخ النشر: 27th, October 2023 GMT
بثينة تروس
هل لنا أن نأمل بان تصير كلمات استاذنا الحاج وراق، في الاجتماع التحضيري لتكوين الجبهة المدنية الديموقراطية باديس ابابا، عصا سيدنا موسى؟ هل ستتحول الكلمات الداعية للسلام والمحبة والجمال، والمبشرة بعالم جديد – يتآخى فيه السودانيون من جميع أقاصيه، يجتمعون من أجل إيقاف الحرب – إلى برنامج عمل، يتشاطرون في مستقبله القريب تنسم عبير الديموقراطية، واعمار البلاد، شراكة الثروات، واقتناء عمارات العواصم، وخبز الرغيف دون ضغينة؟
في إشارة لتصحيح مسار أخطاء الدولة السودانية (56) التي فشلت منذ الاستقلال في تحقيق المواطنة المتساوية للجميع، وصارت كقميص سيدنا عثمان، يجهل من يرفعونها اليوم ان الذين يتسربلون به هم أصحاب الفتنة الكبرى! ولكن يكون السؤال هل تصير كلمات الوراق عصا تتلقف قبح الداعين لاستمرار الحرب، وتبتلع ثعابين الشؤم التي ترقص علي أشلاء الموتى، وتمزق البلاد إلى دويلات فقيرة ومهزومة؟ وتذكر الداعين لوحدة الصف المدني ان إيقاف الحرب حقاً يكون بالالتفاف حول مطالب ثورة ديسمبر في “العسكر للثكنات والمليشيات تنحل”؟
ويتمدد حبل التساؤل هل تعلمت القوى السياسية الدرس بعد الحرب: قيمة وحدة صفها المدني؟ وبالطبع هنالك فرق بين النقد والمعارضة البنـّاءة، وبين التخوين وادعاءات الطهرانية الثورية.
وبقراءة للواقع الماثل اليوم لا يخامرني شك في ان السلطة الدينية المتوهمة ودعاوى الوطنية الزائفة، من الاخوان المسلمين، ومن المهووسين وتحالف دعاة الحرب، سوف تقف لتعويق سبل السلام، وتستثمر في شتات القوى المدنية. ولقد أثمر فعل هؤلاء حرب 15 ابريل بعد أن نجحوا في خلط الأوراق بخبثهم المألوف، وتشويه مطالب المدنية بدعاوى العلمانية، وشيطنة حق المواطنة المتساوية والكرامة الإنسانية، ومسخ مطالب رفع التمييز ومناهضة أشكال العنف ضد المرأة بتشويه كل القوانين التي تعين علي ذلك، وخلق الأزمات الاقتصادية والأمنية، وإشاعة الفوضى، ودمار الطاقات الشبابية بترويج المخدرات، وإشاعة الفتنة بين شعوب السودان ومجموعاته الإثنية المتعددة، والوقوف خلف انقلاب البرهان، إلى أن نجحوا في صناعة حربهم التي يعتقدون انها ستعيدهم إلى كراسي السلطة مجدداً.
ولكل سوداني داعم لوقف الحرب: كيف السبيل لانتشال البلاد من وهاد جحيمها؟ وما هو الواجب سوى دعم السلام والإسراع بالجبهة المدنية العريضة لوقف نزيف الحرب في البلاد، والاستعداد لما بعد ايقافها، بالصورة التي تكسر سلاسل التكرار للماضي السياسي. على التحقيق تكمن البدايات في التواضع حول تثمين جميع المؤتمرات الجادة في تحقيق السلام، ومنها التي سبقت المؤتمر التحضيري باديس ابابا، من مخرجات مؤتمر أيوا التاسع، تحت شعار”معاً لإيقاف الحرب واستعادة المسار الديموقراطي”، والذي اوصي في بعض توصياته بجدية العمل لتوحيد القوى المدنية تحت مظلة مشروع وطني متوافق عليه، مع عدم التنازل عن مبدا المحاسبة وتكوين مجلس تشريعي ثوري، وجعل الشرطة في خدمة الشعب..الخ. وقبل ذلك نشيد بمجهود الحملات النسوية لوقف الحرب والظلم، وثوار لجان مقاومة الحاج يوسف، وكذلك مخرجات اجتماع الجمعية العمومية للميثاق الثوري لتأسيس سلطة الشعب، والذي ناقش طبيعة الحرب وطرق إنهائها واستعادة مسار الثورة والتحول المدني، وتحقيق مبدأ مطلب العدالة، لكي تخاطب الحلول جذور الازمة السودانية حتي يتم تجاوز تكرار نشوب الحروب. وبالتأكيد تعود أهمية هذ الحراك إلى ان قياداته الشبابية هي صانعة ثورة التغيير الديسمبرية، ورغم انه جيل ترعرع في سنوات القهر والدكتاتورية الاسلاموية، المناهضة لأحلامهم، ورغم حداثة سنيهم – إلا أن تجربتهم قد جمرتها بسالات الاقدام امام الموت والاستشهاد من اجل التحول المدني، فكانوا كذلك سابقين علميا بتصوراتهم لسبل إيقاف الحرب والتعمير.
فهلا استفادت القوى السياسية التقليدية من هذه الطاقات الخلاقة في صناعة الاستقرار السياسي بالبلاد، بإشراكهم جميعا في هذه المؤتمرات، وتصحيح مسار الإخفاقات السابقة في فشل استيعابهم وتثمين مقدراتهم علي القيادة؟ ومن المحن السياسية المتعاقبة الإرث ان القيادات القديمة والمخضرمة في كل من بلادنا، والمحيط الافريقي والعربي فشلت في وضع برنامج صارم في تأهيل الأجيال اللاحقة لتسلم مقاليد الحكم من بعدهم؛ ذلك رغم ان جميع قادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وصلوا لمناصب الريادة والسلطة، في السودان تحديداً، وهم في أعمار شباب لجان المقاومة. وهذه ليست دعوة للتلاوم وإنما لإنصاف من عركتهم تجربة الحرب (فتجمروا) بنيرانها ، اذ هم السلطة المدنية الفعلية التي حققت الالتصاق الفعلي بالشعب في محنته، في اتون هذه الحرب الدائرة. لذلك لا بد من الانتباه لتلك القوي الحديثة بجدية أكثر، لتصحيح المسار وتفويت فرصة قطع الطريق على دعاة استمرار الحرب ورفض التفاوض، من الذين يجهلون ان الحروب تنتهي على طاولات التفاوض وليس على أشلاء وجثث المواطنين ودماء الأبرياء.
الوسومبثينة تروسالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
د. النور حمد، في متاهته..!
• يواصل د. النور حمد حواراته وكتاباته الداعمة لقيام حكومة موازية تحت مظلة الدعم السريع وبندقيتها، ويطالب القوى السياسية والمدنية والحركات المسلحة بالانخراط في تحالف معها، ينزع الأرض والشرعية من حكومة بورتسودان ويقطع الطريق على عودة الاسلاميين للسلطة، ولا يحفل في دعواه هذي بوحدة البلاد، ولا يقيم لها كبير وزن، ولا ينسى في الوقت ذاته رمي من يخالفونه الرأي بالنعوت والأوصاف، من شاكلة لا يملكون حلولا وبدائل، ويهاجم كالعادة القوى المدنية الرافضة لتصوراته القاصرة تلك.
• قبل اندلاع ثورة ديسمبر ٢٠١٨م كان د. النور حمد ضمن مجموعة من الذين قالوا انه لن تكون هناك ثورة يأسا من الشعب، ومن الداعين الشرسين لقبول فكرة خوض انتخابات ٢٠٢٠م كوسيلة للتغيير المتدرج، وكمدخل لاعادة تنظيم الحركة الجماهيرية، واعتبر أن القوى السياسية ماتت وشبعت موتا، ولا سبيل أمامها خلاف دخول الانتخابات، وحينما قامت الثورة دحضا لكل افتراضاته، لم يكلف الدكتور نفسه حتى عناء الاعتراف بخطل وقصور تصوراته، وانهمك مع داعمي الثورة وصار من منظريها.
• وله من بعد قراءات وتصورات ومواقف عدة خاطئة، أبرزها موقفه المساند لخطوات العسكر نحو التطبيع، ومن المفارقات ان الاسلاميين الذين يعتبر عودتهم للحكم هي الخطر الأعظم، كان هو شخصيا من أهم الداعين للتصالح معهم في أعقاب الثورة، وذلك وحده كاف لتوضيح تناقضات د. النور التي لا حدود لها.
• هذه المقدمة مهمة لتبيان أن د. النور يفتقر لمنهج التحليل العلمي الصائب الذي يعينه على تفكيك الأحداث، وتقديم تصورات موضوعية يمكن الاستناد والبناء عليها، وهذا مدخل لازم للرد على أسانيده التي يستند عليها، في دعم فكرة تأسيس حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، عبر تحالف بين القوى السياسية والمدنية مع بندقية الدعم السريع.
• يقدم د. النور هذا الطرح كبديل وحيد في مواجهة عودة الاسلاميين للحكم، واستبدادهم بالسلطة في حال انتصارهم في الحرب وهزيمة الدعم السريع، وقد قاده ذلك التفكير المختل لأحضان قوى استبدادية رجعية، تمثل أسوأ منتجات تجربة حكم الانقاذ والاسلاميين، ومثقلة بجرائم حرب يندى لها الجبين بحق ملايين السودانيين، يتعامى عنها منذ اندلاع الحرب، فبدا كالمستجير من رمضاء المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية بنار جنجويدهم ويا للعجب..!
• حدد د. النور أسبابه لدعم خيار قيام حكومة في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع -ويشاركه في تلك النقاط دعاة قيام الحكومة الموازية- في التالي؛
– نزع الارض والشرعية من حكومة بورتسودان، كمدخل وحيد للتصدي لعودة الكيزان للسلطة.
– تأكيدات قائد الدعم السريع بعدم رغبته في السلطة، وسعيه لنظام ديمقراطي، واعلانه بتسليم السلطة للمدنيين.
– توفير الخدمات لملايين المواطنين المحرومين منها في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، كجزء من سياسة حكومة بورتسودان.
– توفير الحماية للمدنيين عبر توفير السلاح ومضادات الطيران.
– امكانية إقامة تحالف مع القائدين عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، ليكونا جزء من الحكم المفترض ويضما مناطقهما اليه.
• وهذه الدفوعات هي خليط من أماني ورغبات، لا يسندها واقع الحال الذي كشفت عنه الحرب، بانتهاكات حلفائه الجدد المروعة، وطبيعة قواتهم الخارجة عن القوانين المحلية والدولية وقواعد الضبط والربط العسكري، ولا فلسفة أنظمة الحكم ونظم السياسة الداخلية والخارجية والإدارة، ولا تعقيدات السياسة السودانية وظروفها الذاتية والموضوعية، ومن المعلوم أن المقدمات الخاطئة تقود لنتائج خاطئة، وسنأتي للرد بالتفصيل على هذه النقاط المزعومة.
(نواصل).
Wail Mahgoub
إنضم لقناة النيلين على واتساب