فلسطين كرامة الأمة المستباحة..!
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
بيد أن هرولة (بلينكن) وزير خارجية أمريكا للمنطقة برفقة وزير الدفاع الأمريكي، وهرولة عدد من المسؤولين الأوروبيين للكيان، بعد الصدمة التي أرعبتهم وهم يشاهدون حراسهم المتقدمين وحماة مصالحهم وهم مذعورون يتخبطون كالفئران، بل أن يشاهد العالم قائد دبابة (الميركافا) وهو يبكي وأحد أبطال المقاومة يسحبه من داخل برج الدبابة، صورة تكفي ليعرف العالم حقيقة أن أسطورة الجيش الذي لا يقهر مجرد كذبة، والحقيقة أن هدا الجيش هو أجبن جيش وأنذل جيش وأحقر جيش عرفته البشرية، فالجيش الذي يقتل النساء والأطفال والمدنيين العزل ويحاصرهم، والجيش الذي يطالب بإغلاق المستشفيات والمراكز الصحية، والجيش الذي يقطع الكهرباء والمياه والغذاء والدواء عن ملايين من البشر وإن كانوا أعداءه، جيش كهذا جريمة أن ينسب للجيوش، بل هو مجموعة من القتلة والمرتزقة ومحترفي الإجرام بدليل ردة فعله على الأرض وهي ردة فعل لا تأتي من جيش كلاسيكي محترف، بل من عصابة إجرامية، مع أن المقاومة تصرفت بمسؤولية عالية مع سكان المستوطنات بعكس ما قاله الرئيس الأمريكي وما سرد من أكاذيب تدل على أن الرعب الذي عاشته عصابة الاحتلال بلغ البيت الأبيض وأصاب الرجل الأول فيه الذي تحدث عن ذبح أطفال وتقطيع رؤوس وكان حديثه بمثابة إيحاء لعصابته في جيش الاحتلال بهدم قطاع غزة على رؤوس ساكنيه طالما عجز هذا الجيش في الوصول للمقاومة.
هنا يجب إعادة النظر في آلية الصراع والمواجهة مع العدو، وهنا يجب أن نقف مليا أمام تداعيات معركة (طوفان الأقصى) والتعامل مع مخرجاتها ومساراتها وفق قواعد جديدة مستوحاة من السلوك الأمريكي -الغربي وردة الفعل الصهيونية، بعد أن بدا واضحا أن الكيان بدون أمريكا والغرب زائل..!
بمعنى أن عدو فلسطين والأمة ليس الكيان بل أمريكا والغرب، ويجب مواجهة أمريكا والغرب وضرب مصالحهم في المنطقة، وهذا هو الطريق الصحيح إذا اردنا تحرير فلسطين وتحرير الأمة من هيمنة أمريكا واستعمارها، إن الأمة تعيش اليوم تحت رحمة الاستعمار الأمريكي الأكثر قبحا وبشاعة، إنه استعمار غير مسبوق وغير معهود خاصة وهو يأتي في لحظة تاريخية نتوهم أو يتوهم بعض أبناء الأمة أنهم يعيشون في كنف الحرية والاستقلال والتنمية وأنهم مستقلون وبرعاية أنظمة يتربع عليها أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، وأن أنظمة الخليج وشيوخها يعيشون في حالة تنمية وتطور واستقرار وأنهم أصبحوا يحتلون مكانة دولية مرموقة، ونرى تنافس حكام وأنظمة الخليج على خوض معترك التنافس الجيوسياسي داخل الجغرافية العربية، زاعمين أنهم شركاء موثوقون لدى المحاور الدولية، والحقيقة أن كل هذه الأنظمة ليست أكثر من مجرد (سماسرة) توظفهم أمريكا وبعض المحاور الغربية لتأدية أدوار بذاتها، أدوار تدمر كل إمكانيات الأمة وقدراتها ومقوماتها وحقوقها، وإلا ماذا يعني أن توافق هذه الأنظمة على القيام بدورها في إطلاق أسرى الصهاينة لدى المقاومة ولم يسبق لها أن تحدثت عن آلاف الأسري في سجون الاحتلال بمن فيهم النساء والأطفال..؟!
أعرف أن هذه الأنظمة أعجز وأجبن من أن تسجل موقفاً عروبياً تجاه ما يحدث من مجازر في فلسطين وبحق شعبها، حتى من باب التهديد وحسب، وأعرف أن هناك أنظمة عربية وإسلامية للأسف تمارس منذ انطلاق معركة (طوفان الأقصى) ضغوطات على السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى فصائل المقاومة، وهي ضغوطات كبيرة وقاسية لصالح الكيان الصهيوني نزولا عند رغبة واشنطن ولندن وباريس، ولكن بالمقابل فإن معركة طوفان الأقصى قد تكون هي المعركة الفاصلة في مسار النضال العربي الفلسطيني، لأن هناك محاور أخرى على هذا الكون بدأت في إطلاق مفردات الرفض لكل ما يجري وبدأت في التوجه الجاد نحو إنهاء معاناة شعب منذ 75 عاما، احتكرت مفاتيحها واشنطن التي نصبت نفسها خصما وحكما وجلادا وهذا سلوك مرفوض وغير مقبول، وبالتالي لم يعد ممكنا الصمت عما يجري وبرعاية دولة كانت الوسيط وكانت الخصم والحكم والجلاد والراعي الرسمي لكل الجرائم التي لن تقف تبعاتها في نطاق الجغرافية الفلسطينية، بل سوف تمتد قهرا وقسرا لداخل جغرافية أولئك الذين يتوهمون أن أمنهم القومي خط أحمر..!
إن الجغرافية القومية ستكون في دائرة الاستباحة المطلقة إذا لم يقف العالم موقفاً عادلاً بخصوص قضية فلسطين العادلة، وأن تسحب وصاية أمريكا وبريطانيا عن المنطقة، وأن يدرك الجميع من حكام الأمة الخونة منهم والعملاء والمرتهنون والشرفاء المخلصون أن هناك في هذا العالم محاور فاعلة لن تبقي مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية أسيرة لرغبات عواصم الاستعمار القديم والحديث مثل بريطانيا وأمريكا وفرنسا، نعم إذا كانت بعض أنظمة الحكم العربية تخشى على ما أنجزته من أبراج زجاجية أو شقق مفروشة فارهة، أو تخشى على فقدان ازدهارها المزيف الذي توصلت إليه بعد أن حولت مدنها إلى ملاه ليلية، فإن هناك محاور دولية فاعلة لن ترضى بإبقاء العربدة الأمريكية الصهيونية البريطانية وحتى الفرنسية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فليكن الجميع على علم أن هذه المعركة لها ما بعدها فلسطينيا وعربيا وربما إسلاميا ودوليا، وقد تأتي مرحلة قادمة تنتج جيوباً راديكالية متعددة تستهدف مصالح الدول الراعية لهذا الكيان والتي تمده بكل ممكنات القوة خاصة في مرحلة تاريخية أصبح فيها من السهل على أي مجموعة امتلاك عوامل القوة، بدءا من أسلحة فتاكة، وصولا للطائرات المسيَّرة التي يمكن توظيفها لضرب كل هدف في ضربه إرباك وإقلاق لحركة الاقتصاد العالمي، وإن كانت مجموعة من المقاومين قد مرغت كرامة الصهاينة والأمريكان معا، فإن تشكيل جيوب مقاومة على امتداد الجغرافية العربية فعل قابل للتحقق على ضوء نتائج معركة طوفان الأقصى، على أن تكون هذه الجيوب المقاومة في مواجهة مصالح أمريكا والغرب، وضد كل عملائهم في المنطقة أنظمة كانت أو جماعات أو أفراداً وأحزاباً..!
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
لا كرامة لوطن يهان فيه المواطن
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
فكرة هذا المقال مركونة في ذهني منذ خمس سنوات تقريباً، لكنها برزت امامي اليوم بشكل لافت، فوجدت من المفيد عرضها في مقال افتتاحي
بمناسبة العام الجديد، عسى أن ينال الموضوع اهتمام من يعنيهم الأمر، رغم قناعتي أن القضية أكبر من الذين ( يعنيهم الأمر)، وأكبر من مناسبة العام الجديد ..فهي قضية قديمة، متوارثة منذ نشوء الدولة العراقية قبل أكثر من قرن، تزداد سوءاً جيلاً بعد جيل، وحكومة بعد أخرى، بمعنى أنها لا تخص الحكومة العراقية الحالية، ولاتخص السنة الجديدة.. بل ولا تخص العراق فقط، إنما هي قضية عامة تخص كل البلدان العربية، وأغلب البلدان الشرقية أيضاً، رغم أني أعتقد أن حجمها في العراق هو الأكثر ورماً، والأشد أذىً ..
والقضية أو الفكرة التي أتحدث عنها هنا وأدعو لها بقوة، تتمثل باحترام المواطن وصون حريته وكرامته بل وتقديسها إن بقيت ثمة قدسية للأشياء في زمننا هذا ..
نعم، أنا أتحدث عن كرامة المواطن التي تهدر في كل مكان.. وحريته التي تسلب في كل زمان، وليس شرطاً ان تهدر هذه الكرامة في أحد مراكز الشرطة، او إحدى الدوائر الأمنية، فهذه الدوائر استوفت شروط ومستلزمات الإهانة منذ زمن بعيد، بحيث بات المواطن معتاداً عليها، بل ومقتنعاً بما يحصل له من (احترام) وتقدير عالٍ في هذه المواقع ( الوطنية) !
لذلك، أنا لا أتحدث عما يتعرض له المواطن في الدوائر الأمنية فقط، إنما أتحدث عما يحصل له من إهانات وعدم احترام في مختلف دوائر الدولة العراقية أيضاً.. فابتزاز المواطن مثلاً وإجباره على دفع (رشوة) مقابل تمشية معاملته (السليمة) في دوائر البلدية أو العقاري او أحد المنافذ الحدودية، أو في دائرة عقارات الدولة، أو التنمية الصناعية، أو أيّ دائرة حكومية عراقية اخرى، هو امتهان لكرامة المواطن، واحتقار لذاته الإنسانية.. وهو لا يقل أذى وتأثيراً عن أذى وتأثير الكيبلات والصوندات التي يتلقاها (المواطن) في الدوائر الأمنية.. لأني أرى أن دفع المواطن نحو ارتكاب الرشوة، وإشراكه بالاكراه في جريمة او جناية لا يحب الوقوع فيها هو عارٌ ما بعده عارٌ .. فكرامة المواطن يجب أن تأتي قبل كرامة أي كائن آخر، بما في ذلك كرامة الوطن نفسه.. إذ ماذا تعني كرامة الوطن، إذا كان المواطن فيه محتقراً ومهاناً وذليلاً ومقموعاً ومبتزاً !..
وكم سيكون الأمر رائعاً لو جعلنا شعار العام الجديد: ( كرامة المواطن واحترام آدميته) عنواناً وطنياً لعام 2025 ، على أن يؤمن كلٌ من المواطن والدولة معاً بهذه الحقيقة .. فاحترام المواطن عندي فوق احترام الوطن. وطبعاً أنا لست ضد احترام الوطن وتقديسه، وإلا ما سفكنا الدماء أنهاراً على مر الزمن دفاعاً عنه، وعن سيادته وكرامته، ولا ارتقى خيرة شبابنا وأحبتنا أعواد المشانق من اجل حرية الوطن وسعادة شعبه..
كما أن حب الوطن لا ولن يقتصر على العراقيين أو على العرب وحدهم، ولا حتى على شعب، أو قومية أو جنس معين، بل وليس مقتصراً على مستوى، أو درجة من درجات الرقي البشري، أو الثقافي، أو التعليمي، إنما يشمل كل شعوب الارض بلا استثناء. فالأوربي يحب وطنه مثلنا ويدافع عنه حد الموت، والأمريكي يدفع حياته ثمناً لحرية وطنه، وكذلك الإنكليزي والألماني والفرنسي والروسي والياباني والأفريقي والآسيوي وغيرهم أيضاً يحبون أوطانهم ويضحون بكل شيء من أجلها ..
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: (لعد المشكلة وين، إذا كان العراقي أو العربي، لا يختلف في حبه لوطنه عن الأمريكي أو الأوربي، أو الياباني، أو الأسترالي، ولا يختلف عنه في التضحية والفداء )؟!
والجواب: إن المشكلة لا تكمن في العلاقة بالوطن والتضحية لأجله، إنما في العلاقة بالمواطن نفسه ! بمعنى أن المشكلة تتلخص في اختلال التوازن بين الغرب والشرق، ذلك الاختلال المتمثل باختلاف المعايير والمقاسات، والرؤية إلى آدمية المواطن .
فالقياس المستخدم في العلاقة مع المواطن يختلف حتماً بين فرنسا والعراق، وبين امريكا والسودان، وبلجيكا واليمن، وهولندا وايران، وبين هذا البلد الشرقي وذاك البلد الأوربي .. وفضلاً عن نوعية القياس المستخدم، فإن نظرة النظام في العراق إلى مواطنيه تختلف عن نظرة النظام ( السويدي ) إلى مواطنيه والمقيمين أيضاً.
وذات المقارنة يمكن عقدها بين أي مواطن عربي مستلب، ومواطن غربي حر ومتحرر ..!
والسؤال يتكرر مرة أخرى، هنا، باحثاً عن جوهر المشكلة؟.. وجوهر المشكلة برأيي يكمن في ان السلطة في الغرب وجدت، والقوانين سُنّت من أجل حماية الوطن وصيانة حريته، لكنها في الوقت نفسه سنت من أجل صيانة كرامة المواطن وتقديس حريته أيضاً، بينما نجد العكس في بلداننا، حيث القوانين عرجاء، تمشي بساق واحدة.. فالكرامة والاحترام والتبجيل يحظي بها الوطن فحسب، بينما يعاني المواطن من الإهمال وعدم الإهتمام بل وعدم الاحترام أيضاً…. فحكومة العراق مثلاً، أو حكومة السودان، أو حكومة ليبيا، او سوريا، أو أي حكومة عربية أخرى، تحترم وطنها جداً، وتقدسه جداً، لكنها لا تحترم مواطنها (جداً )، بل ولا تشتري كرامته وحريته بفلسين او بفلس واحد على الأقل !
وهنا يكمن جذر الإختلال، فالوطن والمواطن في دول الغرب بكفة واحدة وليس بكفتين متباعدتين، كما هو الحال في العراق او البلدان العربية، كما أن الوطن والمواطن في أوربا وأمريكا والدول المتقدمة محترمان معاً، ومؤمّنان بالدرجة نفسها دون فرق أو تمييز بينهما، بل أن حرية المواطن وكرامته في بعض دول الغرب مصانة ومحفوظة أكثر من الوطن نفسه حتى…!
ثمة حقيقة يجب أن تدركها حكوماتنا، ولأجلها يجب أن تُسنَّ القوانين والقرارات، مفادها أن الوطن – أيّ وطن كان – ليس أكثر من تراب وماء وملح و ( كوم احجار ) ، وهو لايساوي شيئاً بدون وجود المواطن الإنسان.. فالمواطن هو الذي يبني الوطن ويزرعه ويجمله ويكمله وينبض في صدره ويدافع عنه حدّ الموت.. ولهذا يرى الغرب صورة المواطن في قلب صورة الوطن، فتتداخل لديه الصورتان حتى تصبحان صورة واحدة.. إذ لا يمكن أن يكون الوطن جميلاً بدون مواطن جميل، ولن يكون الوطن قوياً ومعافى وفيه المواطن ضعيف و خائف ومرعوب . فالمواطن عندهم يمثل الحياة والرقي والبهجة والجمال، والقوة والابداع والمتعة والتقدم والحرية، لذلك قال (كارل ماركس): “الإنسان أثمن رأس مال”
أما في أوطاننا، فالمواطن للأسف لاقيمة له ولا معنى فهو مجرد رقم لا يؤثر ولا يغير ، إن مات أو عاش ! ..
لذا أقولها بضرس قاطع، إني لا أؤمن بوطن (محترم)، وفيه المواطن (مهان)، ولا أقدس وطناً لا يُقدس إنسانيتي، ولا أدافع عن ( حرية وطن ) بينما تسلب فيه حريتي وكرامتي
وقطعاً لا يوجد في طول الأرض وعرضها، وطن محترم، واللصوصية فيه والرشوة والفساد باتت مهنة يمارسها آلاف السياسيين والنواب، والمسؤولين، والموظفين ورجال الأعمال وغيرهم !
إذاً، لنوقف اسطوانة (الوطن المقدس)، حتى يحترم الإنسان في بلادي، ويتوقف الأطفال في مدينة الثورة وحي طارق، وبوب الشام، والرشاد، والحسينية، والحيانية، وعشرات المدن الفقيرة عن تناول فطورهم من حاويات القمامة !
فالح حسون الدراجي