أعرب مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق السفير ديفيد هيل عن قلقه تجاه الوضع الراهن، قال: "أتفهم القلق الذي يشعر به الجميع خصوصاً في لبنان".



وفي حديث لـ"mtv"، قال: "مجرد التفكير بأنّ إيران تضع أولويات بشأن من تريد أن تحمي ومن تتخلى عنه فهذا يختصر الأمر بكامله".

.

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

سوريا: من الخوف إلى القلق

لأن الحدث السوري ذكّرنا بأشواق الربيع العربي وعثراته، فإننا نتمنى له أن يكون أفضل حظًا؛ لأن التجربة علمتنا أن شتاءنا العربي ليس مأمون العاقبة. ولأنه كان مفاجئًا ومدويًا وجاءنا من حيث لا نحتسب، فإنه استصحب سيلًا من الأسئلة داخل سوريا وخارجها.

وهي ليست مقصورة على ملابسات الحدث وخلفياته، لكنها انصبت ربما بدرجة أكبر على خيارات الحاضر، وطموحات المستقبل. لذلك ليس مستغربًا أن يتراجع الخوف، الذي كان عنوانًا للماضي، ليحل محله القلق ويصبح أحد عناوين المستقبل القريب على الأقل.

***

منذ وقع الزلزال وأدهشتنا المفاجأة، تداعت أمامنا قائمة طويلة من الأسئلة حول خلفيات القيادة السورية الجديدة وأهدافها. ولذلك دعوت إلى الاكتفاء بالرصد والمتابعة مع تجنب التسرع في إصدار الأحكام قبل أن يتبدد الغموض الذي أحاط بعملية إسقاط نظام بشار الأسد.

ولأنني ركزت على المتابعة، فقد لاحظت أن حديث القائد العام للإدارة الجديدة، أحمد الشرع، بدا مرتبًا ومتصالحًا مع الجميع ومعتدلًا في كلماته وهيئته. وهو ما تناقض مع كثافة اللحى التي أحاطت به، والجلابيب التي اختفت من ثياب الجالسين، كما العمائم التي كنا نراها على رؤوس المجاهدين من أقرانه. وهو ما أقنعني أنهم ينتمون إلى لون واحد، وإن تم إخراج الصورة على نحو يبعث على الاطمئنان.

إعلان

ولاحظت أن العلم السوري ظهر في زاوية المجلس، وإلى جواره علم هيئة تحرير الشام التي يمثلها. ولأنني كنت تحت تأثير انطباعي عن صور الخارجين من سجن صيدنايا، فإنني لم أسترح لإظهار علم الهيئة المذكورة واعتبرته خطأ في الإخراج لرجل ظهر كمتحدث باسم الثورة السورية، وليس بصفته رئيسًا للفصيل الذي يقوده.

ثم تجاوزت الموضوع ترجيحًا لحسن الظن، لكني رجعت إليه بعد أيام قليلة، حين وجدت أن الحضور على الشاشات صار مقصورًا على الشرع وبعض رفاقه، فوجدت أننا نرى على الشاشات الفريق ذاته، ولم أرَ الشعب السوري إلا خارجًا من السجون أو مهللًا في الميادين.

وبذلت جهدًا لاستبعاد خاطر إسقاط نظام الأسد واحتمال استبداله بنظام يتغير فيه اسم السلطان الجديد وهيئته، وهي الفكرة التي قاومتها بشدة؛ لأن الشعب السوري هو الذي انتصر في حقيقة الأمر، وليس هيئة تحرير الشام التي هي بعض منه، ولم نعرف أنها تمثله كله. بما يعني أنها حققت بعض الإنجاز، وجاءت بحكم الأمر الواقع المؤقت، وليس بانتخاب الشعب لها.

خشيت أن أكون قد وقعت في التسرع الذي حذرت منه، وتأثرت في ذلك بحساسية الصورة النمطية التي روجتها وسائل الإعلام للمجاهدين في أفغانستان، والقاعدة وتنظيم الدولة في بلاد الشام.

ثم إنني بنيت انطباعي متأثرًا بالصورة المنشورة للشرع مع مساعديه وبعض ضيوفه، بعد أن نبّهني أحد الأصدقاء ذوي الصلة، إلى أن للرجل لقاءات أخرى عديدة تم تصويرها وغير منشورة.

وأوضح أن الشرع حين كان في إدلب، التي شكل فيها حكومة انتقالية مؤقتة، لم يتوقف عن التواصل مع العديد من ممثلي مكونات المجتمع السوري. وهو يتبع النهج البراغماتي ذاته لطمأنة الجميع منذ وصل إلى دمشق، وأراد أن يُمهّد بذلك لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي أشار إليه في بعض لقاءاته ولم يتحدد موعده.

***

إذا نزعنا اسم سوريا من هذا المقال، فسنجد أن ثمة نماذج أخرى شبيهة جاهزة لشغل الفراغ. ولن يختفي من المقال شيء سوى اسم الكاتب

ولأن الجراح أعمق من أن تُداوى بالكلمات المنمقة والمظاهر المطمئنة، فلم يكن ما قدمه الشرع كافيًا لتبديد القلق وإزالة كوامن الخوف الذي تيبّس في المجتمع السوري، بطبيعته السكانية التي يعز فيها التوافق الأهلي، بعدما مزق الاستبداد أواصره، وأشاع النفور بين مكوناته.

إعلان

صحيح أن بعض كتب التراث تحدثت عن «الطاعة الشامية» التي روج لها بعض علماء الشيعة الذين أرادوا الغمز في الأمويين بعد مقتل الإمام الحسين في كربلاء، إلا أن صفحة التمرد في عهد الأسد حافلة بالانتفاضات الشعبية في عدة محافظات.

ورغم تجليات الفرح في أنحاء البلاد بعد سقوط النظام، فإن ذلك لم يوقف التسرع في التعبير عن القلق، وهو ما تجلى في بيان أصدره بعض رجال الدين المسيحيين السوريين، ذكّروا فيه النظام الجديد، ربما بمناسبة الحديث عن كتابة دستور جديد، بحقوقهم وحضورهم كطائفة ومواطنين. وبيان آخر للعلويين عبروا فيه عن قلق مما أصابهم جراء انتساب الأسد إليهم. كذلك خرجت مظاهرة في دمشق تطالب بعلمانية الدولة الجديدة.

وهذا الذي حدث حتى الآن ليس سوى مقدمات للحراك المرتقب في الساحة السورية، إذ لا يُستبعد أن تختلف الصورة تدريجيًا بعد عودة وفود النازحين والمهاجرين الذين تركوا البلاد راغبين أو مكرهين خلال السنوات التي خلت. ولأن هؤلاء يُقدر عددهم بتسعة ملايين، فإن إضافة أعدادهم إلى الموجودين، حاملين معهم أشواقهم وثاراتهم وخبراتهم، خصوصًا في الدول الديمقراطية، على نحو قد يغير من ملامح المشهد.

وحين يستعيد الوطن أبناءه، تصبح قسمات وجهه أكثر وضوحًا، إذ نرى فيه حجم التنوع الفريد في مكوناته. فالشام واحد حقًا، لكن الشوام ليسوا كذلك. فالأغلبية من المسلمين السنة، ولغة الجميع عربية، وإن احتفظ البعض منهم باللغة الكردية، والبعض الآخر بالآرامية. والتعدد الأكبر في الأعراق والإثنيات إلى جانب اختلاف الملل والمذاهب، إذ يتوزعون بين الأكراد والعلويين والشيعة والسريان الآشوريين والشركس والأرناؤوط والدروز الإسماعيليين.

وتتوازى هذه الاختلافات العرقية والملّية مع تعدد الانتماءات الفكرية والسياسية. فمن بينهم معتدلون ودراويش ومتطرفون ومتَصوفون ومؤمنون وملحدون وشيوعيون. والاتجاه الإسلامي قوي وله حضوره التاريخي بين الجماهير، كما أن الاتجاه العلماني قوي أيضًا، وأنصاره أكثر حضورًا بين المثقفين، ومنهم من يعتبر الإسلاميين أعداء لهم.

إعلان

هذا التعدد والتنوع حاصل ليس فقط بين المكونات السكانية، لكنه موجود أيضًا داخل بعض التجمعات الأهلية. وعلى سبيل المثال، فإن تحالف الفصائل التي اشتركت في إسقاط النظام ضم حوالي 20 مجموعة تنتمي إلى ما يسمى بالإسلام الجهادي. وهؤلاء يختلفون مع زملائهم الذين ينتمون إلى جماعات تُنسب إلى الإسلام السياسي، أو نظيرهم الدعوي الذي لا شأن له بالسياسة، ولا أعرف لهم عددًا.

***

ليست خافية جسامة التركة التي خلفها النظام السابق، الذي حوَّل الدولة إلى فقاعة فارغة تهاوت وتبخرت خلال أيام معدودة. وما فعله النظام الجديد حتى الآن أنه حرَّر الآلاف الذين امتلأت بهم السجون، ولا يزال يسعى لتحرير المجتمع من الخوف والقهر والفقر.

وتلك مهمة أشبه ما تكون برحلة الألف ميل، التي تحفل بالتحديات الكامنة داخل البلاد وخارجها. وحلقاتها الأولى المحلية هي الأصعب، لأسباب أشرت إلى بعضها. ورغم أن البلد غني بكفاءاته في كل المجالات، فإن التوافق الوطني فيه يحتاج إلى جهد ووقت لتحقيقه؛ بسبب خلافات مكونات مجتمعه التي عمَّقتها سياسات النظام الاستبدادي السابق.

ولأن الاحتشاد الوطني مطلوب بشدة في مرحلة استحضار المجتمع لإقامة النظام الجديد، فإن تلك المهمة كانت أثقل من أن تقوم بها حكومة «الإنقاذ»، التي شكَّلتها هيئة تحرير الشام من عناصرها في إدلب.

أدري أن الشرع يبذل جهدًا كبيرًا لطمأنة الجميع، سواء بخطابه وأدائه التوافقي، أو من خلال التأكيد على طي صفحة الماضي، أو التنبيه إلى اختلاف فريقه عن الجماعات أو المليشيات الأخرى الموجودة في الساحة. لذلك ظل مهمًا ومحقًا التعليق الذي ورد على ألسنة كثير من المراقبين المنصفين، الذين اختزلوه في جملة واحدة: العبرة بالأفعال لا بالأقوال. وأُسجل في هذا الصدد ملاحظتين؛ إحداهما عن الأصداء الداخلية، والأخرى تتعلق بنظيرتها الخارجية.

إعلان الملاحظة الأولى:

أعتذر في الملاحظة الأولى عن التعليق على الأصداء الداخلية؛ لأن سوريا الحقيقية في وجداننا هي لكل العرب. ومن ثم أسمح لنفسي أن أقول إن الخلاف المثار حول هوية الدولة، وهل ستكون إسلامية أو علمانية، ترف لا يجوز الاختلاف حوله الآن، لأسباب عدة أهمها أنه يُفترض أن تكون هناك أولًا دولة حقيقية يمكن الاختلاف حول تفاصيلها. والدولة الحقيقية كما أفهمها هي تلك التي تقوم على العدالة والحرية.

وسوريا القائمة الآن هي شبه دولة، أو بالكاد شبه ضيعة أو عزبة، بحاجة إلى جهد شاق وعمل دؤوب تتضافر فيه كل القوى لإعادة البناء الذي يقوم فيه العدل، وتشيع أجواء الحرية والكرامة لكل المواطنين، من خلال مؤسسات ينتخبها المجتمع، وليس من خلال موالين تنتقيهم السلطة، وخطب وهتافات ترددها وسائل الإعلام.

ولسنا بحاجة إلى أن نستعيد الجرائم التي ارتُكبت حولنا باسم أنبل الشعارات وأعذب الكلمات. وللعلم، فإن نظام الأسد كان «علمانيًا» متطرفًا، كما أن تجاوزات تنظيم الدولة تمت باسم الخلافة الإسلامية.

الملاحظة الثانية:

تتعلق برسائل الوفود الغربية التي هُرعت إلى دمشق مؤخرًا والنصائح التي قدمتها، وهي تتحرى مصالحها. إذ القاسم المشترك بينها أنها سعت إلى تغريب النظام الجديد، باعتبار أن النموذج الغربي هو المثل الأعلى الذي يتعين احتذاؤه. حتى إن مراسل الإذاعة البريطانية حرص على الاطمئنان على موقفهم إزاء الكحوليات وحجاب المرأة، بعد الحديث عن الأقليات التي تعيش هناك منذ قرون.

وهؤلاء الناصحون قدِموا من بلاد التزمت أنظمتها بالصمت المريب (أو التواطؤ) إزاء الإبادة الإسرائيلية والمقابر الجماعية والتجويع، ونهش الكلاب الضالة لجثث الفلسطينيين الملقاة على الجانب الآخر من الحدود في غزة.

إن الغُمَّة السورية التي أسعدنا انقشاعها ليست استثناءً نادرًا في عالمنا العربي، لكنها حالة قصوى لنماذج شبيهة أخرى متناثرة حولنا. قد تختلف فيها الدرجة، لكنها من نفس النوع. لذلك، إذا نزعنا اسم سوريا من هذا المقال، فسنجد أن ثمة نماذج أخرى شبيهة جاهزة لشغل الفراغ. ولن يختفي من المقال شيء سوى اسم الكاتب.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • سوريا: من الخوف إلى القلق
  • صلاح يشعر بالثقة مع استمرار صدارة ليفربول للدوري
  • يهدد سجل ديفيد بيكهام .. محمد صلاح يحلق منفردا بصدارة هدافي البريميرليج
  • أهم الشخصيات التي ترسم مشهد «الذكاء الاصطناعي العالمي» عام 2025
  • لهذه الأسباب يمتنع حزب الله عن الردّ
  • الأمم المتحدة: "جوتيريش" يشعر بقلق عميق إزاء احتمالات حدوث مزيد من التصعيد في الشرق الأوسط
  • “يونيفيل” تعبر عن قلقها إزاء الضرر الذي تسببه قوات العدو الصهيوني في جنوب لبنان
  • المزارعون في ذمار يتكبدون خسائر كبيرة جراء الصقيع
  • المزارعين بذمار يتكبدون خسائر جراء الصقيع
  • تحديات عودة النازحين إلى سوريا: تنظيم العمالة وإقفال المعابر غير الشرعية