إلى أي مدى يمكن لإيران أن تتدخل في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس؟
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
تتباين آراء الخبراء بشأن ما يمكن لإيران الإقدام عليه في حال بدأت إسرائيل حربا برية واسعة لاستئصال حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، حيث يرى البعض أن طهران ستتدخل بشكل مباشر في الحرب، في حين يستبعد آخرون هذه الفرضية ما لم يتم ضرب الأراضي الإيرانية بشكل مباشر.
ورغم تزايد التحذيرات من احتمال اتساع رقعة الحرب الدائرة بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، فإن الوقائع على الأرض لا توفر معطيات تدل على أي تدخل إيراني مباشر حتى الآن، حسب ما يرى مراقبون.
ورغم أن حزب الله اللبناني، حليف إيران، بدأ اشتباكات متقطعة مع جيش الاحتلال على حدود لبنان، فإن الخبير العسكري اللواء فايز الدويري، يقول إن الأمر يبدو وكأنه اتفاق ضمني بعدم تجاوز الطرفين هذه المنطقة إلى ما هو أبعد.
وخلال المساحة التحليلية التي تقدمها الجزيرة "غزة.. ماذا بعد؟"، قال الدويري إن الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله ما تزال تدور في إطار الفعل ورد الفعل لكنها لا تعطي أي مؤشر على المضي نحو معركة مفتوحة.
وفي حين يتحدث البعض عن دخول إيران في حرب مباشرة فور بدء إسرائيل اجتياح غزة، يقول الدويري إن هذا لن يحدث إلا إذا تعرضت إيران لضربة مباشرة، مؤكدا أن حزب الله نفسه "لن يدخل في الحرب مباشرة كما يتصور البعض".
ليس هذا وحسب -يضيف الدويري- فإن حزب الله "لن يدخل الحرب فور بدء الاجتياح البري القادم لقطاع غزة، وإنما سيرهن هذا بحجم ومدى وتداعيات هذا التدخل"، حسب قوله.
وفي الاتجاه نفسه تقريبا، تحدث المحلل السياسي اللبناني أمين قمورية، قائلا إن حزب الله لديه قواعد للتحرك وإن قواعد الاشتباك بينه وبين إسرائيل ما تزال قائمة رغم أنها تغيرت خلال الأسبوعين الماضيين.
ووفقا لقمورية فإن عدم حديث الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يعني أن هناك موقفا للحزب، وهو ما لم يحدث حتى الآن، مضيفا "رغم وجود حزب الله في المعركة بشكل أو بآخر، إلا أن قرار الدخول في حرب مباشرة له حسابات معقدة داخلية وإقليمية".
أما الباحثة المتخصصة في الشأن الإيراني، الدكتورة فاطمة الصمادي، فترى أن النظر لوضعية إيران في المعركة يتطلب النظر إلى "الفسيفساء الدفاعية التي خلقتها في المنطقة كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن".
وبالتالي -تضيف فاطمة الصمادي- فإنه لا يمكن القول إن حزب الله هو صاحب قرار الدخول في حرب مباشرة؛ لأن دخول أي جزء من هذه الفسيفساء الدفاعية الإيرانية في حرب واسعة سينظر له على أنه دخول إيراني.
وحدة الساحاتوفيما يتعلق بما يطلق عليه وحدة الساحات (ضد إسرائيل)، قال الدويري إن حماس تقاتل وحيدة الآن ضد إسرائيل بشكل مباشر بينما ساحات اليمن والعراق ولبنان لديها مرجعيات في إيران التي لا ترغب في حرب مباشرة ولا تريد أيضا للقوى الموالية لها أن تتورط حتى لا تتسع رقعة الحرب.
في المقابل، يقول قمورية إن وحدة الساحات موجودة لكن ليس بالصورة التي يتمناها أو يتوقعها البعض، معربا عن قناعته بأن المواقف كلها مرهونة بمستقبل المعركة، بما في ذلك المواقف العربية الرسمية.
وفي هذا الشأن، ترى فاطمة الصمادي أن حماس متحالفة مع إيران لكنها ليست جزءا من الفسيفساء الدفاعية الإيرانية، وهناك اتفاق بأنها هي من يتخذ قرار الحرب وأنها لن تقاتل إلا من أجل فلسطين، بيد أن هذا كله لا يعني التخلي عنها من جانب طهران.
الخطوط الحمراءوترى الدكتورة فاطمة أن الخط الأحمر لإيران هو الحفاظ على نظامها السياسي وبالتالي هي تتجنب فتح حرب واسعة في المنطقة قد تؤدي لانهيار النظام، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها التخلي عن حماس لأنها تعتبر القضية الفلسطينية جزءا من مصالحها الوطنية.
وبالتالي -تقول الباحثة- إن إيران لن تسمح بمحو حماس من المعادلة الفلسطينية لأن هذا يعني خسارة طهران لهذه القضية المهمة بالنسبة لها.
واستدلت على ذلك بأن آخر ما عمل عليه قائد الحرس الثوري الراحل قاسم سليماني كانت خطة "لتفعيل الأذرع الخشنة لمحور المقاومة في فلسطين"، مضيفة أن الخطة يتم العمل عليها رغم رحيله.
لكن الدويري يجزم بأن إيران لن تتدخل إلا إذا قصفت مباشرة، وقال إن الولايات المتحدة وضعت في عهد جورج بوش الابن إبان الحرب على العراق خطة من 7 سيناريوهات للتعامل مع طهران أعلاها كان احتلالها بالمطلق وأدناها كان تدمير مشروعها النووي.
وأضاف "في نهايات عهد باراك أوباما وضعت خطة من 4 سيناريوهات لا تزال قائمة تبدأ بتوجيه ألفي ضربة جوية لها نزولا إلى 500 ضربة"، كما تم وضع خيارات توجيه ضربة أميركية منفردة أو ضربة بمشاركة إسرائيل، حسب الدويري.
وخلص الدويري إلى أن الوضع الآن يتجه لضربة أميركية إسرائيلية، وبالتالي فإن إيران لن تتدخل مباشرة في الحرب ولكنها ستوعز لأذرعها بالتدخل في حال وصل الأمر لمحو حماس.
ويرى الدويري أن واشنطن التقطت هذا الموقف وبالتالي بعثت جنرالا لتأطير العملية الإسرائيلية البرية بحيث تكون قوية وتفضي لمخرج سياسي على غرار معركة الموصل.
على العكس من ذلك، يرى قمورية أن قرار حزب الله ليس رهنا لإيران بشكل كامل خصوصا عندما يتعلق الأمر بتثبيت الوجود الأميركي في المنطقة كما يحصل حاليا، لأنه قام بالأساس على مقاومة هذا الوجود.
والأمر نفسه -حسب قمورية- ينسحب على إيران لأن مصلحتها والحفاظ على ما حققته من مكتسبات خلال 4 عقود وتقدمها النووي كلها أمور مرتبطة بما يجري في غزة، وهي لديها حلفاء في الساحات لا يمكن التقليل من قدرتهم على التصرف إذا وقعت معركة مفتوحة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الحرب حزب الله
إقرأ أيضاً:
خسائر إسرائيل في جبهة لبنان.. من يصرخ أولا؟
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، انطلقت أولى صواريخ حزب الله تجاه إسرائيل، في إطار ما أطلق عليه الحزب "معركة الإسناد" لجبهة غزة التي اشتعلت فيها الحرب صباح السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
لكنّ جبهة الإسناد التي دخلت الحرب ضمن نطاق حذر ومتريث ووفق تصعيد منضبط من الطرفين، تحولت بعد عام كامل إلى مواجهة شبه مفتوحة برا وجوا، ولا تزال الحرب فيها عالقة تبحث عن أفق سياسي لا يبدو قريبا.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"هذي مش إسرائيل يا زلمة!".. حوار مع منير شفيقlist 2 of 2طبول الحرب حول تايوان فهل تستعد الصين فعلا للمواجهة الأخطر؟end of listولم يستعد سكان شمال إسرائيل حتى الآن ثقتهم في قدرة جيش الاحتلال على توفير الأمن، ولم يتمكنوا من العودة إلى مستوطناتهم. وفي استطلاع رأي أجراه مؤخرا معهد "مأجار موحوت" الإسرائيلي، عبّر 70% ممن تم إجلاؤهم من مستوطنات الشمال عن عدم رغبتهم في العودة إلى منازلهم، حتى إن توقفت الحرب الآن.
دخلت إسرائيل الحرب مع حزب الله بسقف تصريحات عالٍ، يصل إلى حد تدمير مقدّرات الحزب العسكرية وفرض منطقة خالية من السكان شمال الحدود الإسرائيلية، وتراجعت الأهداف تدريجيا حتى صرّح رئيس الأركان هرتسي هاليفي منذ أسبوع بأن اغتيال القيادات العليا للحزب يُعدّ كافيا لوقف الحرب.
فما الذي خسرته إسرائيل جراء الحرب على جبهة لبنان قد يدفعها فعلا إلى هذا التراجع النسبي؟
هاليفي: اغتيال القيادات العليا لحزب الله كافٍ لوقف الحرب (الفرنسية) إستراتيجيا: خسارة كبرىخلال عام من الحرب، تحولت منطقة الجليل -شمال إسرائيل- ذات الأهمية الإستراتيجية والأمنية إلى منطقة مهددة ورخوة أمنيا، بينما كانت تتمتع طوال ما يقرب من عقدين باستقرار أمني مقارنة بمنطقة غلاف غزة جنوبا.
تتميز الجليل بكونها منطقة مرتفعات وجبال عالية تعطي أفضلية في السيطرة الميدانية والتكتيكية، وتسمح بإنشاء قواعد عسكرية ومراكز اتصالات ومراقبة آمنة في قمم المرتفعات، كما تمثل أهمية خاصة للتراث الصهيوني والوعي القومي الإسرائيلي، وتتميز مستوطناتها بمكانة رمزية خاصة في مشوار تأسيس إسرائيل، باعتبارها موطن قدامى المحاربين و"الكيبوتسات" (البؤر الاستيطانية) التي كانت تستقبل يهود الشام المهاجرين من لبنان وسوريا.
بيد أن الجليل الآن باتت منطقة مكشوفة أمنيا وطاردة للسكان، فقد اضطرت حكومة الاحتلال لتفريغ حوالي 28 مستوطنة من سكانها، وتعرّضت كافة المنشآت العسكرية والاستخباراتية فيها لنيران حزب الله بصورة أهدرت سمعتها الأمنية بشكل بالغ، مثل استهداف مقرّ الاستخبارات الإسرائيلية الرئيسي للمنطقة الشمالية في صفد، واستهداف مقر لواء غولاني -أهم ألوية النخبة الإسرائيلية العاملة في الشمال والذي يعرف بلواء رقم 1- في عملية دقيقة للغاية استهدفت تجمعا للجنود أثناء تناول الطعام.
ويذكر أن لواء غولاني تتبع له الفرقة 36 التي تقود محور الجهد الرئيسي للعملية البرية جنوب لبنان من بلدة راميا إلى عيترون.
فضلا عن ذلك؛ تسهم الحرب على جبهة لبنان، التي يطول مداها دون تحقيق أهدافها، في تعميق الشرخ الذي أحدثه طوفان الأقصى في العقيدة القتالية الإسرائيلية.
فقد تجنبت إسرائيل منذ تأسيسها الحروب الطويلة، واعتمدت مبدأ "الحروب الخاطفة" لتحقيق أهداف سريعة اعتمادا على التفوق التقني والاستخباري الذي بات يتعرض الآن لتساؤلات جوهرية عن مدى جدواه.
كما فشلت إستراتيجية الدفاع السلبي والقائمة على ثلاثية المساحات الآمنة، وقدرة اعتراض عالية للنيران، وقدرة المستوطنين على التحمل. فتعرضت الارتكازات الثلاثة لتحديات تضرب في صميمها.
عسكريا: نزيف مستمرخلال شهر واحد، منذ بدء العملية البرية على جنوب لبنان في 30 سبتمبر/أيلول 2024، فقدت إسرائيل حوالي 95 جنديا قتلوا في مسرح العمليات، وأصيب أكثر من 750 ضابطا وجنديا، كما أُعطبت 38 دبابة "ميركافا" وأُسقطت 4 مسيرات إسرائيلية عالية التقنية من طراز هيرميس 450 وهيرميس 900.
لا تشمل هذه الأرقام خسائر الجبهة الداخلية نتيجة عمليات القصف المستمرة والتي تخضع للرقابة العسكرية ولا تظهر أرقامها الحقيقية، وهذا فضلا عن 12 ألف عسكري استقبلوا في المستشفيات منذ بدء الحرب، منهم 1500 أصيبوا مرتين بحسب بيانات مركز إعادة التأهيل.
وبالرغم من هذه الخسائر التي تعد قياسية بالنسبة لما اعتاده الجيش الإسرائيلي، فلم يتمكن في المقابل من التقدم بصورة كافية على الحدود، ولم يستطع السيطرة على قرية واحدة كاملة، وأيا ما يكن من نتائج مستقبلية قد تجعل الاحتلال في وضع ميداني أكثر تقدما، فهي لن تلغي حقيقة أن الخسائر في هذا الطريق كانت أكثر من المتوقع وأكبر مما تحتمله قدرات إسرائيل على المدى البعيد.
اقتصاديا: نزيف آخر
قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إن تكلفة توسيع الحرب في الجبهة اللبنانية خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين قد بلغت نحو 9 مليارات دولار، وإن هذه النفقات الكبرى ستتطلب إعادة النظر في ميزانية إسرائيل مرة أخرى.
وتضم منطقة الشمال عدة مراكز اقتصادية وحيوية لإسرائيل، وبالأخص مدينة حيفا التي باتت في مرمى نيران حزب الله. وتمثل حيفا مركز ثقل تجاري وطاقوي بالغ الأهمية لإسرائيل، وإدخال حيفا وما حولها ضمن نطاق العمليات العسكرية يتسبب في خسارة ما يقرب من 150 مليون دولار يوميا، علما بأن منشآت الطاقة ومستوعبات "الأمونيا" والرصيف البحري في حيفا لم تدخل في بنك أهداف الحزب إلى اليوم.
كما قالت دراسة لمعهد أهارون للسياسة الاقتصادية إنه مع استمرار السيناريو العسكري الحالي على الجبهة الشمالية، فإن نفقات الحرب قد تزيد بقيمة 111 مليار شيكل حتى نهاية عام 2024 فضلا عن عجز بنسبة 6.8%، لتكون نسبة الدين حوالي 71.6% في نهاية 2024.
كما بلغت خسائر قطاع السياحة في الشمال نحو 3.5 مليارات دولار إلى الآن، علما بأن للجليل -خصوصا الجليل الأعلى- أهمية سياحية كبيرة، إذ يقصده سنويا حوالي 1.5 مليون سائح.
وكلّف إخلاء مستوطنات الشمال البالغ عددها 28 مستوطنة -حتى فبراير/شباط الماضي- حوالي 613 مليون دولار (بتكلفة توازي 163 ألف دولار يوميا)، فيما خُصص نحو 1.7 مليار دولار لمواصلة تمويل إخلاء السكان حتى يوليو/تموز 2024.
وقالت القناة 14 الإسرائيلية إن 6 آلاف طلب قُدمت للتعويض عن منازل تضررت بفعل قصف حزب الله للمستوطنات الشمالية بمعدل حوالي 150 صاروخا يوميا، مشيرة إلى أن طلبات التعويض كلفت خزينة الدولة نحو 4 مليارات دولار. وقدر "بنك إسرائيل" أن غياب 57 ألفا و600 شخص من طاقة العمل في مستوطنات الشمال يكلّف الاقتصاد الإسرائيلي نحو 63.2 مليون دولار أسبوعيا.
الجليل بات منطقة مكشوفة أمنيا وطاردة للسكان (الجزيرة)زراعيا؛ تعرّضت منطقة الجليل لخسائر فادحة، حيث قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إنّ الخوف من نيران حزب الله يتسبب بتعطيل قدرة مزارعي الشمال على الوصول لبساتينهم، وقد بلغت الأضرار الناتجة عن ذلك نحو 500 مليون دولار.
في حين كانت محاصيل زراعية بقيمة 20 مليون شيكل (5.4 ملايين دولار) لا تزال على الأشجار في الجليل الأعلى، لكنها تضررت كليا بسبب نقص الأيدي العاملة الذي بلغ نحو 90%، كما تضررت صناعة الدواجن، وأغلق 24 مرعى حيوانيا كبيرا لأسباب أمنية.
وأضرار القطاع الزراعي تحديدا، لا تحتسب فقط في الميزان المالي، لكن ثمة أبعاد أكثر عمقا تتمثل في ضرب علاقة المزارع بالأرض وارتباطه بها، إذ ينظر إلى مزارعي الشمال تحديدا في إسرائيل باعتبارهم مثالا في الوعي القومي، وبأنهم وقاموا بدور هائل في حماية حدود الدولة وتمكين الاستيطان.
كذلك، فإن الطبيعة التضامنية لسكان "الكيبوتس" والمستوطنات الزراعية تجعل أية خسائر تلحق ببستان أو مزرعة خسارة جماعية يتحملها كافة السكان، لذلك فإن الخسائر الاقتصادية المتراكمة قد تؤدي على مدى زمني طويل إلى صعوبة في استعادة ترابط المستوطنين بالأرض وإعادة تماسك مستوطنات الجليل مرة أخرى.
ويضاف إلى ذلك الأعباء الاقتصادية التي يتحملها هؤلاء المستوطنون بعد نقلهم خارج الشمال، فعلى الرغم من محاولة الحكومة تعويضهم، فإن ثمة أضرارا أكبر من قدرة الحكومة على التعويض.
وفي استطلاع رأي أجرته شركة مايند بول خلال سبتمبر/أيلول الماضي على 500 شخصا ممن جرى إجلاؤهم من الشمال، قال 68% منهم إنهم لم يتلقوا أي مساعدة توظيف منذ بداية الحرب، وأفاد 32% بأنهم لا يجدون عملا حاليا ومهاراتهم المهنية تتآكل، وعبر 31% عن كونهم مستعدين نفسيا للعمل بفرض إتاحته.
ويبدو أن هذه الخسائر العميقة التي سيكون لبعضها تأثيرا طويل المدى، تركت آثارا واضحة على التصور السياسي الإسرائيلي بشأن الأهداف التي يمكن تحقيقها على جبهة الشمال، فبعد الرفض الإسرائيلي لأية تفاهمات بمرجعية القرار 1701 والحديث عن عدم صلاحيته للتطبيق، عادت الأمور مجددا للقبول بنفس القرار مما يعني تخفيضا لسقف التوقعات.
وعلى الرغم من تعمد الاحتلال الإبقاء على قدر كبير من الغموض بشأن أهداف العملية البرية، فإن شهرا كاملا من عملية واسعة تقودها خمس فرق من الجيش الإسرائيلي لا يبدو أن ما حققته حتى الآن من اختراقات محدودة يكافئ ما كان مُتوقعا عندما صرّح قائد المنطقة الشمالية أوري غوردين قائلا "نحن مصممون على تدمير كل البنية التحتية، وإبعاد حزب الله من هنا، ومنعهم من شن أي هجوم ضدنا".
وبطبيعة الحرب وباعتبار فارق ميزان القوى، فإن الخسائر ليست فقط في جانب إسرائيل بكل تأكيد، إذ تضررت البنية التحتية لحزب الله ضررا بالغا منذ دخول الحرب مرحلة التصعيد الواسع بدءا من 17 سبتمبر/أيلول الماضي. وأظهرت إسرائيل مقدرة استخباراتية عالية في لبنان، مقارنة بنظيرتها في غزة، واستطاعت توجيه ضربات قوية لمستودعات الصواريخ ومنصات إطلاقها.
وتدّعي إسرائيل أنها استطاعت تدمير ثلثي البنية الصاروخية لحزب الله، لكن من المرجح أن هذا يحمل قدرا كبيرا من المبالغة، غير أنها بالتأكيد أصابت جزءا مؤثرا من قدراته. هذا كله فضلا عن تصفية قيادات الصف الأول، وضرب منظومة الاتصال الداخلية لحزب الله في عمليات أظهرت احتمالية عالية لوجود اختراق داخل الحزب أو في محيطه القيادي يعمل لصالح إسرائيل.
ولعل الأهم والأعمق هو تهجير قرابة 100 ألف من سكان الجنوب، ويظهر أن عمليات التهجير ليست عشوائية، بل تستهدف إسرائيل بصورة أساسية مناطق تجمع الحاضنة الشعبية للحزب، مما يشكل ضغطا معنويا على مقاتليه، فضلا عن إعادة هندسة ديمغرافية لسكان لبنان قد تؤثر على قاعدة الحزب الاجتماعية بشكل مستدام إذا استمرت الأوضاع الأمنية على ما هي عليه لمدى طويل.
في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الأمين العام الحالي لحزب الله نعيم قاسم إن "الحرب هي حرب من يصرخ، ونحن لن نصرخ، وستسمعون صراخ العدو"، لكن المؤكد فقط هو أن الحرب في جبهة لبنان لم تصل نهايتها بعد، ولم تقترب منها، وكما هو معلوم أن خسائرها في لبنان هائلة، مدنيا وعسكريا، فإن خسائرها في إسرائيل أيضا كذلك.