علَّقت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية على زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الشرق الأوسط، ولقائه بالرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيرة إلى أن مصر من أهم اللاعبين الرئيسيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تسيطر على الحدود الجنوبية لقطاع غزة، وتحديداً معبر رفح، وهو الممر الوحيد والأهم للفلسطينيين الذين يرغبون فى السفر إلى الخارج، وأصبح مؤخراً نقطة إمداد رئيسية للقطاع الذى تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، واليوم لا تصل شاحنة واحدة من المساعدات الإنسانية إلى غزة دون الحصول على تصريح مسبق من السلطات فى مصر.

وفى مؤتمر صحفى بالقصر الرئاسى فى القاهرة، أشاد الرئيس الفرنسى بنجاح الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس، خاصة فى مكافحة الإرهاب وحل القضية الليبية، وأكد أن البلدين لم يتوقفا أبداً عن الدعوة إلى إقامة الدولة الفلسطينية، ووجَّه «السيسى» الشكر الحار للرئيس ماكرون على موقفه الشجاع والضرورى، وأضافت الصحيفة أن «ماكرون» أجرى جولة إقليمية تضمنت محادثات مع الرئيس السيسى فى القاهرة، ومع العاهل الأردنى الملك عبدالله فى عَمَّان، فى محاولة للمساهمة فى إحلال السلام بالشرق الأوسط.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بالنسبة للرئيس ماكرون ونظرائه العرب، من الأهمية بمكان منع الصراع من التوسع، ولهذا السبب حثَّ الزعماء الثلاثة إسرائيل على وقف العدوان على غزة وقرى الجليل بجنوب لبنان، التى تسيطر عليها ميليشيات وجماعات أخرى.

وأوضحت الصحيفة أن الرئيس الفرنسى اقترح على الرئيس السيسى والملك عبدالله تدشين تحالف دولى للسلام والأمن، يتألف من القوى الكبرى ودول الشرق الأوسط الراغبة فى مكافحة الإرهاب، لافتا إلى أن أداء التحالف الدولى لمحاربة الإرهاب نجح فى القضاء على «داعش»، مشدداً على أهمية تبادل المعلومات الاستخبارية.

كما حرص على عدم مقارنة الفصائل الفلسطينية بـ«داعش»، وهو ما فعله أثناء لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، بعد أن أدرك «ماكرون» أن العرب ينظرون إلى الفصائل باعتبارها حركة مقاومة تضفى الشرعية على سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.5 مليون نسمة.

أما الركيزة الثانية التى اقترحها «ماكرون» على نظرائه العرب، بحسب الصحيفة الفرنسية، فتضمنت النضال المشترك لدعم تنمية السكان الفقراء المتضررين من الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى الذى لا نهاية له، وعلى المدى القصير، فإن الهدف هو تقديم أقصى قدر من المساعدة لغزة وضمان فتح الممرات الإنسانية.

وأعلن «ماكرون» مغادرة «سفينة مستشفى بحرية»، مدينة تولون باتجاه شواطئ غزة، وابتداء من 26 أكتوبر، ستقوم طائرات فرنسية برحلات مكوكية بين مصر وغزة لتقديم المساعدات الإنسانية لسكان القطاع، وتابعت الصحيفة أن «ماكرون» حاول الرد على الاتهامات العربية للدول الغربية حول الكيل بمكيالين تجاه الضحايا الفلسطينيين، وقال إن فرنسا باعتبارها أرض الإنسانية، لا تنخرط أبداً فى مثل هذه الممارسات، متابعاً: «بالنسبة لفرنسا، كل الناس متساوون، ولا يوجد تسلسل هرمى».

وعلى المدى المتوسط، سيعمل الرئيس الفرنسى، بحسب «لوفيجارو»، ونظراؤه العرب على خلق استثمارات ومشروعات إنتاجية فى الأراضى الفلسطينية بمجرد أن ترفع إسرائيل الحصار عن القطاع، وأوضح «ماكرون» أنه لن يكون هناك سلام أبداً فى المنطقة دون إعلان دولة فلسطينية قابلة للحياة، وشدد على أن التطلع الفلسطينى إلى إقامة دولة يساوى حق إسرائيل فى الأمن.

وأكدت الصحيفة أن تنحية فكرة تشكيل تحالف عسكرى دولى ضد الفصائل الفلسطينية خلقت تفوقاً للرئيس ماكرون على نظرائه الغربيين على الصعيد الدبلوماسى، وبينما زار «بايدن وسوناك» إسرائيل فقط، تمكَّن «ماكرون» من بناء شراكة ذات مصداقية مع القادة العرب المجاورين للفلسطينيين.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: وزراء الخارجية العرب التهجير القسرى القضية الفلسطينية قطاع غزة معبر رفح الصحیفة أن

إقرأ أيضاً:

فرنسا.. إلى أين؟

لا تبدو صورة فرنسا اليوم واضحة، بل تعبر عن حالة بلد تتناسل الأسئلة بشأن حاضره، ومعالم مستقبله، والحقيقة أن الصورة الرمادية، المخيفة والمقلقة لفرنسا، شرعت في التكون منذ السنوات الأولى من ولاية ماكرون الأولى، حين اخترقت موجة عارمة من التصدع والاحتجاج نسيج المجتمع، قادتها حركة أصحاب "السترات الصفراء"، ومن انتصر لمطالبهم من المواطنين، واستمرت، وإن بإيقاع أقل مع انتشار وباء كورونا، وما خلف من آثار اجتماعية ونفسية واقتصادية ومالية. وعلى الرغم من الرصيد المتواضع لأداء الرئيس ماكرون خلال ولايته الأولى، لم يكن أمام الفرنسيين بدائل حقيقية للتغيير، واستبدال رئيسهم بآخر أكثر إقناعا، وأجدر بتحمل مسؤولية قيادة البلاد، بل تمت إعادة انتخاب ماكرون لولاية ثانية، قضى منها حتى الآن نصفها وما يزيد بشهور قليلة (2022-2027). لم يستطع ماكرون مراكمة إنجازات فعلية مقنعة للناخبين، بل تراجعت شعبيته، وتآكلت مشروعيته الانتخابية والسياسية.

تُجمع الكثير من الأدبيات والتحليلات على تراجع الخطاب السياسي في فرنسا، وتقهقر صورة النخب السياسية المتنافسة، وانتهاء زمن الشخصيات السياسية المؤثرة في تطور البلاد، لعل آخرها الرئيس جاك شيراك، الذي انتخب لولايتين متعاقبتين. وموازاة لهذا المنحى التقهقري في تطور الحياة السياسية الفرنسية، ثمة تصاعد متزايد لليمين المتطرف، مجسدا في حزب "التجمع الوطني"، الذي قاده الرئيس المؤسس "جان ماري لوبين" منذ العام 1972 وحتى 2011، قبل أن تتسلمه ابنته "مارين" ما بين 2011 و2021، وليتولى قيادته " جوردان بارديلا" (Jordan Bardella) منذ أيلول/ سبتمبر 2021.

تُجمع الكثير من الأدبيات والتحليلات على تراجع الخطاب السياسي في فرنسا، وتقهقر صورة النخب السياسية المتنافسة، وانتهاء زمن الشخصيات السياسية المؤثرة في تطور البلاد، لعل آخرها الرئيس جاك شيراك، الذي انتخب لولايتين متعاقبتين. وموازاة لهذا المنحى التقهقري في تطور الحياة السياسية الفرنسية، ثمة تصاعد متزايد لليمين المتطرف،
فخلال هذه المسيرة الطويلة للتجمع (52 سنة)، ظل اليمين المتطرف وأنصاره يطورون استراتيجيات عملهم، ويسعون إلى توسيع قاعدتهم الاجتماعية، ويزحفون على المكاسب الانتخابية والمنافع السياسية، وقد ألزموا الطبقة السياسية الفرنسية في أكثر من استحقاق انتخابي رئاسي على التكاتف والتعاضد من أجل الوقوف أمام زحفه المتزايد، كان آخر فصولها الاقتراع الرئاسي عام 2022، حين نافست مارين لوبين الرئيس ماكرون في الجولة الثانية، وفازت بقرابة 42 في المائة من أصوات الفرنسيين.

أذهلت نتائج الانتخابات الأوروبية الأخيرة (6-9 حزيران/ يونيو 2024)، أوروبا والعالم، وصدمت الفرنسيين، حين فاز اليمين المتطرف بـ31.5 في المائة من الأصوات، متقدما على كل الأحزاب السياسية الفرنسية المنافسة له، وبسبب عمق الصدمة الناجمة عن هذا الفوز، بادر الرئيس ماكرون إلى إعمال حقه الدستوري في حل البرلمان، والدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، يومي 30 حزيران/ يونيو و7 تموز/ يوليو 2024.

ربما كان اعتقاد الرئيس أن حل البرلمان سيدفع بالفرنسيين إلى التكتل من جديد والظفر بنتائج تمكنهم من إيقاف زحف اليمين المتطرف، على شاكلة ما وقع في الاقتراع الرئاسي لعام 2022، والحال أن اللحظتين السياسيتين مختلفتان في الطبيعة والسياق. لذلك، كان ردود فعل الطبقة السياسية، حتى من داخل الأغلبية الرئاسية، منتقدة لقرار الرئيس بحل البرلمان، واللجوء إلى تنظيم انتخابات تشريعية قبل الأوان، بل إن آراء وازنة من قبل سياسيين فرنسيين اعتبروا الرئيس مسؤولا عن حالة الشك وعدم اليقين التي تعيشها فرنسا اليوم، والتي لا تظهر بما يكفي من الوضوح إلى ما ستؤول إليه الحياة السياسية الفرنسية في أعقاب الإعلان عن نتائج الاقتراع التشريعي بدورتيه.

ومما أثار الشعور بالقلق وعدم اليقين لدي فئات واسعة من الفرنسيين، وزاد من تخوفهم من فوز اليمين المتطرف، أي حزب التجمع الوطني، انقسام الأحزاب التي لها مصلحة في إيقاع هزيمة بهذا الأخير، والمقصود هنا تحديدا أحزاب اليسار بكل أطيافها وحزب الأغلبية الرئاسية الحاكمة. فالكل ينتقد تصاعد قوة اليمين المتطرف، والكل لا يمتلك الإرادة الصادقة لبناء تحالف واسع لإيقاف زحف حزب التجمع الوطني، مما أثار الشعور بالقلق وعدم اليقين لدي فئات واسعة من الفرنسيين، وزاد من تخوفهم من فوز اليمين المتطرف، أي حزب التجمع الوطني، انقسام الأحزاب التي لها مصلحة في إيقاع هزيمة بهذا الأخير، والمقصود هنا تحديدا أحزاب اليسار بكل أطيافها وحزب الأغلبية الرئاسية الحاكمة. فالكل ينتقد تصاعد قوة اليمين المتطرف، والكل لا يمتلك الإرادة الصادقة لبناء تحالف واسع لإيقاف زحف حزب التجمع الوطنيوالخوف كل الخوف أن يُفضي هذا الانقسام وضعف إرادة البناء المشترك إلى تعزيز صفوف اليمين المتطرف، وتمكينه من الفوز بالأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل، المكون من 925 عضوا، 348 في مجلس الشيوخ و577 في الجمعية الوطنية، والحال أن الأغلبية المطلقة المطلوبة في هذه الأخيرة هي 290 عضوا في الجمعية الوطنية.

فلو افترضنا انتصار اليمين المتطرف، أي حزب التجمع الوطني، وفوزه بالأغلبية المطلقة، فستجد فرنسا نفسها أمام وضعية شديدة التعقيد والخطورة، لأن الحزب الفائز سيكون الوزير الأول من داخله بحسب أحكام الدستور، وإلى جانب رئيس دولة لم تنته ولايته بعد، وبرلمان بمثابة رداء الأغلبية لحماية الوزير الأول والحكومة، ويمتلك أعضاؤه قدرة المبادرة التشريعية، كما هو حال وزرائه، وفي الآن معا هناك رئيس دولة يضمن له دستور الجمهورية الخامسة (4 تشرين الأول/ أكتوبر 1958)، الكثير من الصلاحيات تجاه الحكومة والبرلمان معا.. فكيف ستدار فرنسا إذن في حال تحقق هذا المشهد أو السيناريو؟

لم يرد في خلد ولا تفكير واضعي دستور الجمهورية الخامسة حدوث مثل هذه الوضعيات، ولا في كيفية إدارتها، لكنها حصلت أكثر من مرة في عهد كل من فرانسوا ميتران، وجاك شيراك، فاجتهد الفقه الدستوري والقانوني في إبداع فكر "التعايش" (cohabitation)، من أجل ضمان تدبير شؤون البلاد. وهي حالة مألوفة في نظم دستورية وسياسية كثيرة، منها النظام الفيدرالي الأمريكي. ومع ذلك، لن يكون التعايش في فرنسا هذه المرة سهلا ولا ميسرا، لأن اليمين المتطرف يروم إحداث تغيير جذري في أسس العيش المشترك المألوف في فرنسا، لا سيما في أربع قضايا مفصلية، هي: الهوية والانتماء إلى الأرض (droit au sol)، والهجرة والمهاجرون، والإسلام والمسلمون، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وموقف فرنسا منها.. إنها القضايا التي ستقصم ظهر فرنسا وربما تفتحها على المجهول.

مقالات مشابهة

  • صحيفة: الرئيس الصيني سيتحدث في قمة شنغهاي للتعاون عن الوحدة والسلام
  • هل ينسحب بايدن من السباق الرئاسي؟ صحيفة تركية تتساءل
  • المملكة تجدّد موقفها الراسخ في دعم القضية الفلسطينية ووقف العدوان الإسرائيلي
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: ترتيب الأوضاع الداخلية من شأن الفلسطينيين وليس "نتنياهو"
  • السحيباني: المملكة تجدّد موقفها الثابت والراسخ في دعم القضية الفلسطينية ووقف العدوان الإسرائيلي
  • الانتخابات التشريعية مأساة فرنسية.. صحف تندب حظ البلاد
  • فاينانشيال تايمز: "مقامرة ماكرون المتهورة" تترك الناخبين الفرنسيين أمام اختيار صعب
  • فرنسا.. إلى أين؟
  • صحيفة إسرائيلية تكشف تفاصيل شجار مجلس الحرب الإسرائيلي في اجتماعه الأخير
  • فتح: انضمام إسبانيا إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل انتصار لقيم الإنسانية