حرب الإبادة وتصفية المقاومة وتهجير الفلسطينيين
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
عبد النبي العكري
منذ إطلاق حماس عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وحتى اليوم الخميس 26 أكتوبر؛ أي بعد مرور 20 يومًا من إعلان "إسرائيل" حربها على الشعب الفلسطيني في غزة، في عملية أطلقت عليها مسمى "السيوف الحديدية"؛ فإنها تشن حربَ إبادة ضد الشعب الفلسطيني في القطاع، مع عدوان واسع النطاق في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشريف، فضلًا عن إجراءات عقابية ضد فلسطيني 1948.
حرب الإبادة هذه لها في بعض أوجهها سوابقَ في تاريخ حروب وعمليات القوات الصهيونية ضد الفلسطينين حتى نكبة 1948، وبعدها حروب وعمليات إسرائيل العسكرية ضد الفلسطينين والمقاومة الفلسطينية والدول العربية المحيطة بفلسطين (لبنان وسوريا والأردن ومصر)، لكن الحرب على غزة هذه المرة تجاوزت بكثير ما سبق في همجيته ودماره وضحاياه.
كلنا نعرف أن العصابات الصهيونية وبدعم من قوات الاحتلال البريطانية، عمدت إلى ارتكاب مئات المذابح ضد الفلسطينين؛ ومنها مذبحة دير ياسين مثلَا لإشاعة الرعب في أوساط الفلسطينيين وإجبارهم بالقوة على الرحيل عن فلسطين؛ حيث أُجبر ما يقارب 740 ألف فلسطيني؛ أي نصف السكان الفلسطينين في 1948، على مغادرة فلسطين برًا وبحرًا إلى البلدان العربية المحيطة (لبنان وسوريا والأردن ومصر)، أو اللجوء داخل فلسطين في الضفة وقطاع غزة والقدس. وقامت هذه العصابات بمحو مئات القرى وهدم أحياء من المدن والاستيلاء على الأراضي والمدن والقرى الفلسطينية وتهويدها.
وفي أعقاب حرب 1967 اضطر مئات الآلاف من فلسطيني الضفة الغربية إلى اللجوء إلى الأردن ولجوء عشرات الآلاف من سوريي الجولان والقنيطرة إلى سوريا.
ومنذ انطلاق الثورة الفلسطينية في 1965، وتمركزها في الأردن ولبنان وسوريا، لم تقتصر هجمات القوات الإسرائيلية على قواعد المقاومة؛ بل عمدت إلى قصف المخيمات والتجمعات الفلسطينية. ونذكر هنا مذبحة صبرا وشاتيلا في بيروت (سبتمبر 1982) والتي نفذتها قوات لبنانية بدعم من القوات الإسرائيلية ومذبحة قانا في جنوب لبنان خلال عملية "عناقيد العنب" في جنوب لبنان في أبريل 1993؛ بل إن القوات الإسرائيلية لاحقت الفلسطينين بعد الانسحاب من بيروت في سبتمبر 1982، حتي حي حمام الشط في تونس، والذي شهد غارة مدمرة في أكتوبر 1985، والقيام بعمليات اغتيال للقيادات الفلسطينية على امتداد العالم.
الحصار وسلسلة الحروب
ومنذ احتلال إسرائيل لما تبقى من الأراضي الفلسطينة في يونيو 1967، شكَّل قطاع غزة مُعضلة للاحتلال الإسرائيلي. وغزة من أكثر مناطق العالم ازدحامًا بالسكان؛ حيث يكتظ حاليا نحو 2.3 مليون فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا من الأراضي المنبسطة، ويفتقد للملاجئ. ويعيش سكانه في بؤس وفقر مدقع وبطالة. ولم تستطع إسرائيل فرض سيطرتها الأمنية على القطاع منذ احتلاله في 1967، ووُجِهَت بالمقاومة المسلحة، ونذكر هنا البطل جيفارا غزة.
وحتى بعد اتفاق أوسلو بين "إسرائيل" ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1997، فإن محاولات ضبط واحتواء منظمات المقاومة المسلحة من قبل القوات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينة لم تنجح في غزة، وخصوصًا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية عنها في 2005، في ظل حكومة أرئيل شارون. وعمدت إسرائيل من حينها إلى فرض حصار على غزة.
وبعد سيطرة حماس على السلطة في غزة في 2007 وما ترتب على ذلك من عدم اعتراف اتفاق أوسلو وتبعاته وتعزيز قوات فصائل المقاومة (حماس والجهاد والجبهة الشعبية وغيرها)، عمدت إسرائيل إلى تشديد الحصار، كما شنت الحرب على غزة عدة مرات، وكانت تنتهي كل مرة بالاتفاق على وقف إطلاق النار مع حماس؛ لتعاود إسرائيل شنها مرة أخرى.
الحصار الإسرائيلي على غزة طوال 17 عامًا مترافقًا مع إجراءات مشددة في معبر رفح مع مصر، جعل حياة سكان غزة جحيمًا لا يُطاق. لكنَّ فلسطينيي غزة صمدوا صمودًا أسطوريًا وتمسكوا بالبقاء في وطنهم.
الأهم أنهم في ظل هذا الحصار المُحَكم، طوَّروا إمكانياتهم العسكرية واللوجستية، وخصوصًا القدرات الصاروخية، رغم التفوق العسكري الهائل للعدو؛ مما كان يترتب عليه التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بعد كل جولة من العدوان الإسرائيلي. كما إن نجاح قوات المقاومة في أسر جنود إسرئيليين، ومنهم الجندي جلعاد شاليط، ومبادلته بمئات الأسرى الفلسطينيين أعطى المقاومة مصداقية واحترامًا.
الحرب الراهنة
ثمّة خصوصية للعدوان الإسرائيلي الجاري على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 حتى الآن، في سياق سجل العدوان الإسرائيلي على القطاع؛ أولًا: أن هذه أول مرة تُبادر فيها كتائب القسام (الجناح العسكري لحماس) إلى شن عملية عسكرية مُباغتة ومُعقّدة وكبيرة ضد المستعمرات والقواعد العسكرية الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023. وخلال ساعات تمكّنت قوات المقاومة الفلسطينية من السيطرة على هذه المستعمرات والقواعد بعمق يصل إلى 40 كيلومترًا، ودمّرت الكثير من معدات وتجهيزات العدو، وألحقت به خسائر بشرية جسيمة، تجاوزت 1300 قتيل، وما يزيد عن ألفي جريح إضافه إلى ما يربو على 200 أسير؛ غالبيتهم عسكريون، وبينهم ضباط كبار.
أصابت عملية "طوفان الأقصى" إسرائيل وحلفاءها بالذهول والصدمة، ووصفها مسؤولوهم بأنها "أكبر كارثة لليهود بعد المحرقة في الحرب العالمية الثانية".
بالطبع.. الإسرائيليون وحلفاؤهم لم يقارنوا ذلك بما ألحقوه من دمار بالشعب الفلسطيني والشعوب العربية طيلة عقود مضت، وترددت أصداء العملية بقوة في كيان العدو على مختلف المستويات وكذلك لدى حلفاء "إسرائيل"؛ وكأن شعب "إسرائيل" مُهدد بالفناء وأن اليهود على امتداد العالم في خطر!
وانطلاقًا من ذلك، وبعد يومين من إعاده السيطرة الإسرائيلية على المُستعمرات والمراكز العسكرية المحيطة في غزة، وبعد اجتماعات مكثفة لحكومة الحرب المصغرة برئاسة نتنياهو ومشاركة وزير الحرب الجنرال يواف جالانت، ورئيس الأركان الجنرال هيلفي جاريزي، مع كبار القادة العسكريين وقادة الأجهزة الأمنية والمخابراتية (الموساد- الشين بيت- الشاباك) واتصالات مكثفة مع الحليف الأمريكي وفي مقدمتهم الرئيس جو بايدن، قررت إسرائيل الرد على عملية طوفان الأقصى بعملية "السيوف الحديدية"، والتي تكشف لاحقًا أنه لا سابق لها في الحروب المعاصرة؛ بما في ذلك الحروب العربية الإسرائيلية وحروب إسرائيل ضد الفلسطينين، كما إن نتنياهو دعا المعارضة لتشكيل "حكومة وحدة وطنية" وقد استجابت معظم أطراف المعارضه لذلك.
وأعلن وزير الحرب الجنرال جالانت، فرض حصار فوري وشامل على قطاع غزة ومنع إمدادات الكهرباء والماء والوقود والأغذية والأدوية وغيرها، في حين أن قطاع غزة يحتاج يوميًا إلى 500 شاحنة كبيرة لإمداده بمتطلبات سكانه من أجل البقاء على قيد الحياة، والحصار يعني الحكم عليهم بالإعدام. وأتبع ذلك قرار "إسرائيل" بشن حرب مدمرة ضد حماس ومحتضنيها؛ أي الشعب الفلسطيني في غزة، وشن الطيران الإسرائيلي عمليات قصف لمدن وقرى ومخيمات القطاع بأشد القنابل فتكًا، وانضم إليها سلاحا البحرية وقوات المدفعية، وشمل ذلك كل ما هو قائم على أرض قطاع من مساكن وبنية تحتية ومستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس وغيرها؛ حيث دُمِّر حتى الآن ما يقارب 40% من المباني.
وترتب على ذلك، استشهاد ما يزيد عن 7 آلاف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلًا عن الآلاف تحت ركام المباني المدمرة، وجُرح ما يصل إلى 20 ألفًا. وأرقام الضحايا في تزايد مخيف بسبب تصاعد وتيرة الحرب، وعجز الخدمات الطبية من مستشفيات وإسعاف وغيرها، وعدم قدره الدفاع المدني على إنقاذ الضحايا.
من الواضح أن إسرائيل ماضية في تدمير قطاع غزة بالكامل وإبقاء الحصار الشامل بقطع شرايين الحياة عن السكان وهدفها المعلن "القضاء حماس واستعادة الرهائن"، ولهذا فإن "إسرائيل" لن تتوقف عن حرب الدمار الشامل التي تقترفها بحق الشعب الفلسطيني في غزة وتحشد قوات هائلة حول القطاع استعدادًا لحرب برية، ليس للقضاء على حماس وحدها؛ بل القضاء على المقاومة الفلسطينية وقواتها وتدمير بنيتها، مثل الأنفاق ومنصات إطلاق الصواريخ، وأسر من يتبقى من قياداتها وكوادرها ومقاتليها، وإخضاع الشعب الفلسطيني في غزة أو تهجيره.
لكن هذه الحرب في حقيقتها لا تقتصر على قطاع غزة؛ إذ وسّعت إسرائيل عملياتها العسكرية والأمنية ضد الشعب الفلسطيني ومنظماته وقوى المقاومة في الضفة والقدس، مستخدمة قوات الجيش والشرطة والطيران والمستوطنين المسلحين؛ إذ يسقط يوميًا عشرات الشهداء والجرحى وتدمير الأحياء السكنية والقرى والمخيمات، واعتقال المئات من المناضلين الفلسطينيين.
وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة في 1948، يجري اعتقال الكثير من الفلسطينين لمجرد استنكارهم للجرائم الصهيونية ودعم أشقائهم الفلسطينيين. كما إنَّ حربًا محدودة تجري على الجبهة الشمالية مع لبنان، وخصوصًا مع حزب الله، والتي يُمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية شاملة.
لكن أهداف هذه الحرب أبعد من ذلك؛ فقد قالت قيادات إسرائيلية وصهيونية ومراكز أبحاث إن الحل لمعضلة غزة هو إجبار سكانها على ترك القطاع نهائيًا والنزوح إلى صحراء سيناء المصرية، بما قد يمثل نكبة جديدة، وترحيل البعض منهم إلى دول عربية، وربما بتمويل عربي!
وهنا يجب عدم الاستخفاف بهذا الخطر؛ إذ يفترض هذا الخيار أنه في ظل التدمير الشامل والحصار الشامل لقطاع غزة، فإنه سيجري وبقوة السلاح إجبار الفلسطينين على النزوح عن وطنهم عبر المعبر الوحيد الذي تتيحه إسرائيل وهو معبر رفح المصري. ورغم ثقتنا في صمود الشعب الفلسطيني في غزة فإنه يتوجب عدم التقليل من مخاطر ذلك.
الموقف العربي والدولي
الواضح منذ بداية هذه الحرب أن الأنظمة العربية الرسمية عاجزة عن دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية وأفضلها هو من اتخذ موقفًا سياسيًا معارضًا، وسمح لشعبه أن يتحرك بحرية للتعبير عن دعمه لأشقائه في تظاهرات سلمية، كما إن العمل والتحرك العربي المشترك من خلال الجامعة العربية مُخجل جدًا، وهذا يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقال.
أما الموقف الغربي، فإنه يمثل في هذه الحرب "صراعًا بين الحضارة التي تمثلها إسرائيل والغرب من ناحية والهمجية التي تمثلها حماس ومن خلفها الشعب الفلسطيني والشعوب المؤيدة له"، حسب زعم بعض الأصوات في الغرب!
ويكرر قادة الغرب ما يقوله القادة الصهاينة بتشبيه حماس بتنظيم داعش! وفي هذا الصدد، فإن الغرب الرسمي وقف منذ اليوم الأول للحرب إلى جانب إسرائيل دون تحفظ. والأشد من ذلك المشاركة في الحرب إلى جانب إسرائيل، وهو موقف عبرت عنه أمريكا من خلال مشاركة أساطيلها وقواتها وإرسال إمددات عسكرية.
التعبير عن التبني الكامل للموقف الإسرائيلي، تجسد في تزاحم الزعماء الغربيين على زيارة الكيان المحتل، والتأكيد- دون تحفظ- على تأييدهم لإسرائيل فيما تقوم به من حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وعملياتها الوحشية في باقي الأراضي الفلسطينة المحتلة تحت شعار "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها"، أو هكذا يزعمون!
وفي ذات الوقت، تجريم حق المقاومة في الدفاع عن الشعب الفلسطيني، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستعماره الاستيطاني وحكم الفصل العنصري؛ حيث إن الشعب الفلسطيني بين لاجئ خارج وطنه أو مُستعبد في وطنه، سُلب منه وطنه وأرضه.
الموقف الرسمي الغربي الذي تقوده أمريكا وحلفاؤها في الاتحاد الأوربي وكندا وأستراليا واليابان وكوريا والهند وغيرها، ضرب عرض الحائط بالمبادئ والعهود الدولية لحقوق الإنسان والشعوب في زمن السلم والحرب؛ بما في ذلك الشعب الفلسطيني.
هذا التحالف الشرير لا يُقيم وزنًا لأرواح الفلسطينين ومعاناتهم، فهو في أحسن الأحوال يدعو لهدنة إنسانية، لإيصال إمددات الإغاثة لضحايا غزة، لكنه لا يدعو أبدًا لإيقاف حرب الإبادة والعمليات العسكرية الإسرائيلية؛ إذ يؤيد الموقف الإسرائيلي في المضي قدمًا في حربه لشطب قطاع غزة والمقاومة.
وباستثناء بضعة دول مثل روسيا والصين وإيران وجنوب إفريقيا وكوبا وكولمبيا والبرازيل وماليزيا ونيكارجوا؛ فإن غالبية الدول غير مكترثة أو ساكتة عمّا يجري، ما دام أصحاب القضية- الدول العربية- بهذه السلبية.
بالطبع.. نتحدث عن مواقف الدول الرسمية وليس عن مواقف الشعوب والقوى والنخب الشريفة والتي تملأ الساحات بأعداد لا سابق لها، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني ومعارضةً للحرب الإسرائيلية، رغم ما تتعرض له بعض هذه الاحتجاجات لقمع وتجريم.
أما في مجلس الأمن الدولي، فقد أحبط الفيتو الأمركي الغربي مشاريع قرارات لروسيا والبرازيل لوقف الحرب فورًا وإيصال مساعدات الإغاثة واستئناف عمليلة السلام وتنفيذ القرارات الدولية بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب "دولة إسرائيل".
أما مشروع القرار الأمريكي الذي قُدِّمَ إلى مجلس الأمن مساء الأربعاء 25 أكتوبر، فقد أيد إسرائيل في حربها على قطاع غزة وإعلان حركة حماس "منظمة إرهابية"، وإعلان هدنة مؤقتة لتقديم الإغاثة.
ولولا الفيتو الروسي والصيني لجرت الموافقة على المشروع الأمريكي، وفي ظل الوضع الحالي فإن إسرائيل مطمئنة وماضية في حربها حتى النهاية مدعومة من الغرب دون تحفظ.
وفي ظل احتمال توسع النزاع؛ ليشمل ساحات أخرى في الشرق الأوسط مثل لبنان وسوريا وإيران وغيرها أو ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، فإن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يقوم بعمليات حشد لا سابق لها للأساطيل البحرية في شرق البحر المتوسط، وعلى متنها الآلاف من قوات النخبة، مع نشر شبكات صواريخ "أرض- جو" في البلدان الصديقة لها في المنطقة، ورفع جاهزية قواعدها في المنطقة العربية واليونان؛ وهو السبب الرئيسي وراء تأخُّر الاجتياح الإسرائيلي البري لغزة، حتى يكتمل التحشيد الأمريكي والغربي.
إنَّ الموقف الغربي يمثل استمرارًا لانفراد إسرائيل بالشعب الفلسطيني خصوصًا في غزة، وردع أية أطراف أو دول عن نجدة الشعب الفلسطيني، بفتح جبهات. لكن ذلك لن يمنع إسرائيل وأمريكا من شن الحرب ضد لبنان مثلًا بعد الانتهاء من غزة.
شلل الأمم المتحدة ودورها
أما بالنسبة للأمم المتحدة وأجهزتها العاملة في غزة وفي مقدمتها "الأونروا؛ فهي مستباحة تمامًا؛ حيث قُتل العشرات من عامليها وقُصفت مدارسها ومنشآتها، ومُنعت عنها إمدادات الإغاثة. في حين أن الأمم المتحدة على النطاق الأوسع عرضة لعقاب إسرائيل بدعم من حلفائها.
فمنذ بداية الحرب تحرك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش، من أجل وقف الحرب وإنهاء الحصار دون جدوى، وعبّر جوتيرش في جلسات مجلس الأمن وغيرها عن موقف الأمم المتحدة بالدعوة لوقف الحرب فورًا وإنهاء الحصار الإسرائيلي وحماية المدنيين واستئناف الحوار، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع.
ورغم أنه في كلمته أمام مجلس الأمن في 23-10-2023، أدان عملية حماس ضد المستوطنين الإسرائيليين وإطلاق صواريخها ضد "إسرائيل"، إلّا أنه تعرض لأوضاع الفلسطينين ومظلومتيهم التاريخية على امتداد 75 عامًا، وظروف سكان غزة تحت الحصار، والتي أدت إلى عملية حماس الأخيرة. غير أن ما حدث لا سابق له في تاريخ الأمم المتحدة؛ اذ ألغى وزير الخارجية الإسرائيلي اجتماعه مع الأمين العام وطالبه بالاستقالة فورًا أو الاعتذار، كما ألغت إسرائيل جميع تأشيرات الزيارة لموظفي الأمم المتحدة؛ بمن فيهم وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن جريفيث. ورغم عقد الأمين العام مؤتمرًا صحفيًا لتوضيح موقفه، إلّا أن إسرائيل مُصرّة على إقالته.
إذن.. نحن أمام وضعية غير مسبوقة على الإطلاق في الحروب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، ومن يقف معهم، وهي حرب إبادة إسرائيلية للشعب الفلسطيني، وسط تخاذل عربي رسمي، وتحالف غربي إسرائيلي، وعجز دولي، وتعطيل لدور الأمم المتحدة، في ظاهرة تسترجع حقبة الاستعمار الغربي وإبادة الشعوب الأصلية.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
يديعوت – نتنياهـو يشـقّ الشعب ويُضـعـف إسرائيل في زمـن الحــرب
#سواليف
أتت إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، أمس، لتُفرّق الشعب وتُضعف دولة إسرائيل في وقت الحرب. وفي الواقع بات الإيرانيون، الذين وعدوا، الأسبوع الماضي، بردّ حاسم على الهجوم الإسرائيلي، يرون ما يحدث في إسرائيل، ويفهمون أن أملهم لم يتبدد بعد.
ليس هذا فحسب، بل إن النتيجة الفورية والأهم لإقالة غالانت هي أن بنيامين نتنياهو لم يعد فقط رئيس الوزراء، بل أصبح هو أيضاً وزير الدفاع. في الواقع، ومن الآن فصاعدا، سيكون نتنياهو صاحب الكلمة الفصل في مسائل الدفاع التكتيكية والنظامية والاستراتيجية. صحيح أن وزير الدفاع، إسرائيل كاتس، الذي تم تعيينه وزيراً للدفاع، قد حلّ محل غالانت، لكنه لا يشكل سلطة أمنية أمام مَن هم فوقه، أي نتنياهو، ولا أمام مرؤوسيه، أي كبار ضباط الجيش الإسرائيلي والجيش بأكمله.
يمكن أن نفهم، من خلال ملاحظة سلوك كاتس السياسي، أن دوره لن يعدو كونه منفّذاً لأوامر نتنياهو، وأنه لن يؤدي أكثر من دور مشرف ينوب عنه في متابعة المنظومة الأمنية، وخاصة كبار ضباطها: رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، رونين بار، ورئيس “الموساد”، ديفيد برنياع، الذين لا يتفقون دائماً مع نتنياهو، وخصوصاً في القضايا المتعلقة بالأسرى وإدارة الحرب في غزة.
تنتشر الشائعات في جهاز الأمن منذ عدة أيام، وخاصة التكهنات، بشأن إمكانية استقالة كلٍّ من رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك”، اللذين يخضعان مباشرة لإمرة نتنياهو، بسبب الخلاف بشأن ضرورة وقف القتال في غزة، من أجل إطلاق سراح الأسرى، لكنني أشك في حدوث ذلك. فهرتسي هليفي وبار، وكذلك برنياع، يعتقدون أنهم إذا استقالوا، الآن، فإنهم سيتسببون بمزيد من الضرر لإدارة الحرب وأمن إسرائيل، وأنهم بذلك لن يتمكنوا من خدمة الشعب. لذلك، وعلى الرغم من أن غالانت عمل إلى حد كبير كما لو كان بذلة واقية تحمي رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” ورئيس “الموساد”، فهؤلاء سيتعلمون، ويعرفون كيف يتأقلمون مع الوضع الجديد، إذ إن جميع رؤساء المنظومة الأمنية، بمن فيهم هرتسي هليفي والجنرالات في رئاسة هيئة الأركان، يُدارون مباشرةً من نتنياهو.
مقالات ذات صلة أمستردام.. جنود إسرائيليون يهتفون لإبادة أطفال غزة والجيش يصدر أوامر بحظر سفرهم إلى هولندا (فيديو) 2024/11/08من المتوقع ألّا يؤثر الأمر في الجيش مباشرةً، لكنه قد يؤدي إلى أن يجرب الضباط الكبار، ممن لديهم آراء تختلف عن تلك التي لدى رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، حظوظهم لدى رئيس الوزراء ووزرائه، وهو ما قد يقوّض الانضباط في الجيش الإسرائيلي. الجيش بطبيعته قادر على التكيف، ويعرف كيف يتلقى الأوامر، بشرط أن تكون قانونية. لذلك، إذا كان هناك زلزال متوقع، فسيصيب بشكل رئيسي طبقة رؤساء هيئة الأركان، أي رئيس هيئة الأركان، وربما بعض الرؤساء الضباط الذين يبدؤون الآن باتخاذ مواقف.
إلى جانب تأثير وجود غالانت في المنظومة الأمنية فإن وجوده في وزارة الدفاع بثّ أيضاً في نفوس الشعب إحساساً بالاستقرار والقيادة المهنية والخبيرة. عندما وافق غالانت، كوزير دفاع، على العمليات، أو كرر زيارة الجبهات المختلفة، كان لذلك تأثير في توفير طمأنينة أمنية للجمهور المدني، باستثناء القطاع اليميني المتطرف الذي عارض غالانت وكرهه. كما أن الاستطلاعات التي أُجريت بين الجمهور، بما في ذلك بين العرب في إسرائيل، منحت غالانت وأداءه درجات عالية جداً، تفوق كثيراً ما حققه الوزراء الآخرون، بمن فيهم نتنياهو. وربما يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت نتنياهو يرغب في التخلص من غالانت: لم يتحمل نتنياهو قط الأشخاص الذين تفوقوا عليه، أو كانوا خلفاء محتملين له. في الواقع، كان دائماً يطرد مثل هؤلاء الأشخاص، أو يرسلهم إلى مناصب مرموقة، لكن مناصب لا تسمح لهم بتهديد موقعه كرئيس حكومة.
أسباب الإقالة
هناك أربعة أسباب فورية وواضحة لإقالة غالانت: معارضته قانون تمويل التهرب من الخدمة العسكرية (قانون الحضانات)، والخلافات بينه وبين نتنياهو، والانتخابات الأميركية، والفضائح التي يواجهها مكتب رئيس الوزراء.
السبب الأول، حسبما أسلفنا، هو معارضة وزير الدفاع غالانت لقانون التهرب من التجنيد، وقانون الحضانات، الذي يُعد في الواقع محوراً بديلاً لتثبيت قانون استثناء الحريديم من التجنيد في الجيش الإسرائيلي. كان نتنياهو يخاف من أنه إذا لم يُمرر، على الأقل، أحد هذين القانونين، فإن حاخامات الحريديم، برئاسة الحاخام أدمور غور، سينفذون تهديداتهم، وينسحبون من الائتلاف، بما يسمح بإجراء انتخابات مبكرة. رأى نتنياهو أنه من الضروري إزالة هذا التهديد، وإزاحة غالانت من طريقه – وهكذا تعيّن على غالانت الرحيل. وفي هذا السياق، يجب أن نتذكر أن غالانت أعطى، اليوم، أمراً للجيش بتجنيد 7000 من طلاب المدارس الدينية من الحريديم، وهو ما زاد في غضب وخوف الحريديم. وأدرك نتنياهو أن عليه حسم الأمر، لذا، تمت إقالة غالانت في المقام الأول للحفاظ على الائتلاف والحكومة برئاسة نتنياهو، ولا علاقة لذلك بإدارة الحرب.
يتمثل السبب الثاني، من ناحية الأهمية، في الخلافات القائمة بين نتنياهو وغالانت وكبار مسؤولي المنظومة الأمنية الآخرين بشأن قضية الأسرى الإسرائيليين والقتال في غزة. فعلاً، خلال هذا العام، برزت خلافات عديدة بين الطرفين، لكنها حُلّت بصورة أو بأُخرى. فعندما قرر رئيس الوزراء، على سبيل المثال، عدم شن هجوم على لبنان، بينما اقترح غالانت وهرتسي هليفي ذلك في 11 تشرين الأول، بعد أيام قليلة من “مذبحة” 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يعتقد أيّ شخص في جهاز الأمن أن هذا القرار غير شرعي، ونابع من دوافع غير مهنية.
جرى الأمر نفسه عندما أجّل نتنياهو بدء المناورة البرية في قطاع غزة، ثم فيما يتعلق بدخول رفح. لقد كانت هناك خلافات كبيرة بين الأطراف، لكنها كانت مسائل خلافية انبثقت من الوضعين، المحلي والدولي، المعقّدين اللذين تجري الحرب في ظلهما. لكن فيما يتعلق بمسألة الرهائن، ظهرت خلافات جوهرية بين غالانت ورؤساء المنظومة الأمنية ونتنياهو. أهمها: أن نتنياهو غير مستعد لوقف الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن، بينما يرى كلٌّ من غالانت، وهرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك”، ورئيس “الموساد”، أنه في مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء، يمكن وقف الحرب وإنهاء ما يجب إنهاؤه في قطاع غزة في موعد لاحق.
لقد ساد إجماع في المنظومة الأمنية على أن الانتصار على “حماس” سيتحقق، عاجلاً أم آجلاً، لكن نتنياهو لا يقبل هذا الرأي، ويريد الاستمرار حتى النصر الكامل، عندما تستسلم “حماس”، ثم تطلق سراح الرهائن.. لكن هذا الموقف أثار ضده حنق جزء كبير من الشعب الداعم لعائلات المختطفين، وهو لا يرغب في أن يواصل غالانت الضرب في غزة.
يتمثل السبب الثالث الكامن خلف توقيت الإقالة التي كانت تلوح في الأجواء منذ فترة طويلة، في أثناء الانتخابات الأميركية، حسبما أسلفنا. فالاهتمام الشعبي الإسرائيلي، بحسب افتراض نتنياهو، سيجعل الإقالة أسلس، من دون أن تشتعل احتجاجات شعبية هائلة، مثلما جرى في المرة السابقة. لا يتعلق الأمر بانشغال الجمهور بالانتخابات الأميركية فحسب، بل أيضاً لأن الجمهور الذي خرج ليحتج في الشوارع، تضاءل حجمه على مدار العام الماضي خلال الحرب، ولأن جزءاً كبيراً منه يخدم في سلاح الاحتياط الآن، ولعل هذا ما يفسّر التوقيت. لكن كما رأينا في الساعات الأخيرة، فإن آمال نتنياهو بمرور خطوته من دون احتجاج جماهيري هائل قد تلاشت، إذ خرجت الجماهير إلى الشوارع للاحتجاج.
أمّا السبب الرابع، فهو قضية الوثائق السرية والقضية الإضافية التي كُشفت تحقيقاتها، اليوم، والتي تقع في إطار صلاحيات ديوان رئيس الوزراء، ونتنياهو متورط فيها، وإن لم يكن بصورة مباشرة. وإقالة غالانت تتسبب الآن بتحويل اهتمام الجمهور عن هذه القضايا التي تصدرت العناوين في الأيام الأخيرة.
آثار الإقالة على الحرب
علينا أن نعترف، بصدق، أن غالانت كان صدامياً في تعامُله مع رئيس الوزراء. لقد وجّه إليه كثيراً من الانتقادات، وتسبّب بإحراجه كثيراً، وتمرد على سلطته عدة مرات، وأحياناً، جرى ذلك علناً، وأحياناً أُخرى، خلف الكواليس – لكن الرجل أدى دوره كوزير دفاع بأمانة أمام الشعب الإسرائيلي، لقد قام بذلك بصورة مهنية، وبكثير من الذكاء العاطفي، ولهذا، نحن مدينون له بالشكر. ومن الآن فصاعداً، سنحتاج إلى التعود على حقيقة أن نتنياهو لم يعد رئيس الوزراء القوي فحسب، بل هو أيضاً وزير الدفاع.
بالمناسبة، هذه ليست المرة الأولى التي يقبض فيها رؤساء حكومات إسرائيليون، بدءاً من بن غوريون، على حقيبة الدفاع، إمّا رسمياً، أو حتى شكلياً. في حالة بن غوريون، كان الأمر ناجحاً، كما أن الأمر كان مرتبطاً بما حدث خلال حرب 1948. لكن بن غوريون كان يتمتع بثقة شعبية شبه كاملة، حتى في صفوف معارضيه السياسيين. أمّا نتنياهو فليس سراً القول، إن نصف الشعب لا يثق بقدراته الإدارية ودوافعه، ولا يمنحه الثقة.
أمّا فيما يتعلق بالتداعيات الدولية التي ستترتب على إقالة غالانت، فمن الواضح تماماً أن الأمر سيؤثر سلباً في الإدارة الأميركية، سواء تم انتخاب كامالا هاريس، أم دونالد ترامب، بشأن إدارة الحرب بالتنسيق مع الوصية علينا عسكرياً. السبب البسيط هو أن غالانت نجح في نسج علاقة وثيقة وجيدة مع “البنتاغون”، ومع القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم). وهذه الحقيقة، بالمناسبة، كانت واحدة من القضايا التي ضاعفت توتُّر العلاقات بين غالانت ونتنياهو. لقد كان رئيس الوزراء يعتقد، ببساطة، وعلى الأرجح هو محق، أن الأميركيين يتجاوزونه من خلال علاقتهم الوثيقة بغالانت وتواصلهم الحميم معه، ولذلك، على سبيل المثال، لم يسمح له بالسفر إلى الولايات المتحدة، كوسيلة لإجبار الرئيس جو بايدن على التواصل معه (مع نتنياهو)، حسبما يتذكر الجميع.
ستستمر إدارة بايدن في الحكم حتى 21 كانون الثاني، إلى أن يجري تنصيب الرئيس الجديد، من المرجح أن يؤثر ذلك سواء في المساعدات العسكرية التي سنتلقاها، أو في الجوانب السياسية لإدارة الحرب، بما في ذلك الخطة الخاصة باليوم التالي في غزة. وحتى لو تم انتخاب ترامب، فإن طريق نتنياهو لن تكون سهلة حقاً، لأن ترامب عبّر عن غضبه، علناً، عدة مرات، وربما حتى عن كراهيته لنتنياهو. لا شك في أن رئيس الوزراء يعتقد أنه يستطيع إصلاح علاقاته مع ترامب، وأنه يفضل، في كل الأحوال، حُكم ترامب المتقلب والذي يمكن التأثير فيه بسهولة، على حُكم كامالا هاريس رئيسة.
الخلاصة هي أن نتنياهو، كوزير دفاع، سيكون أقل قدرةً بكثير من غالانت على حماية مصالح دولة إسرائيل. وهذا ينطبق أيضاً على مصالح الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والأردن، ومصر، التي لا تخفي خلافاتها مع نتنياهو ومعارضتها له، وخاصة الخط السياسي الذي يقوده، والذي يعارض إقامة دولة فلسطينية. أمّا غالانت، من ناحية أُخرى، فقد يكون قد روّج نظاماً بديلاً من “حماس” في غزة – وهو أمر ضروري جداً لإنهاء الحرب. أمّا نتنياهو، فسيجلس على الجدار وينتظر من الأميركيين والإماراتيين والمصريين والأردنيين القيام بالعمل نيابةً عنه، حتى لو لم يدفع هذا قدماً بإنشاء دولة فلسطينية. وحتى إذا نجحت سياسة نتنياهو هذه، فإنها ستؤدي إلى إطالة أمد الحرب في غزة بشكل كبير، ومن المؤكد أنها لن تعزز فرص إطلاق سراح الرهائن.
أمّا بالنسبة إلى التخوف من قيام نتنياهو بإقالة رئيس هيئة الأركان ورئيس “الشاباك” فمن المحتمل ألاّ يقيلهما لأن الصدمة ستكون كبيرة جداً في هيكل إدارة الحرب، وفي ثقة الجمهور به. لن يجد وزير الدفاع نتنياهو، فعلياً، مصاعب في توجيه هذين الشخصين بناءً على إرادته، ومن المتوقع أن يستقيلا إذا ما افترضا أن فرص إعادة الرهائن تلاشت. لكن في نهاية المطاف، يمكن التقدير أن إقالة غالانت لن تساهم في تحقيق النصر الكامل في الحرب، لكنها ستؤدي إلى إطالتها.