قال محمد أمين، النائب الأول لرئيس شركة دِل تكنولوجيز في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية والشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، إذا اعتبرنا أن الثقة هي العملة الحقيقية المستخدمة في بيئة الأعمال التنافسية اليوم، فإن الثقة المعدومة هي المقياس الأول الذي يحدد مستوى المرونة السيبرانية في أي شركة.
وقد أصبحت الحاجة اليوم إلى استراتيجية قوية للأمن السيبراني تستند إلى مبدأ "الثقة المعدومة"، أمراً في غاية الأهمية أكثر من أي وقت مضى، لا سيما وأننا نعيش في عصر يهيمن عليه المشهد الرقمي سريع التطور والتهديدات السيبرانية متنامية التعقيد.

 

وقد أشار تقرير المخاطر العالمية لعام 2023، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى أن الجرائم السيبرانية واسعة النطاق وانعدام الأمن السيبراني هما من بين أكبر 10 مخاطر تواجه الاقتصادات على مدى السنوات العشر المقبلة.
ويعتبر توفير الأمن بالنسبة لمعظم الشركات اليوم، أشبه بمحاولة للعبور عبر متاهة عالية المخاطر، تضم العديد من الممرات المختلفة والمعقدة، التي تجعل من الصعب جداً على الإنسان الوصول إلى وجهته. وهنا يأتي دور نهج الثقة المعدومة، الذي يمكن أن يساعد في تسهيل هذه الرحلة. ويعمل نهج الثقة المعدومة على عكس النهج التقليدي المتمثل في "الثقة ثم التحقق"، إذ أنه يدعم مبدأ "لا تثق بشيء أبداً، وتحقق دائماً"، وهو يحث المؤسسات على عدم وضع ثقتها تلقائياً بأي مستخدم أو شبكة أو جهاز، سواء كان داخلياً أو خارجياً.
وتبدأ عملية تعزيز المرونة السيبرانية بمعرفة من أو ما الذي يمكنه الوصول إلى الأصول الحيوية للشركة. وهكذا فإن نشر بنية الثقة المعدومة ضمن البنية التحتية للشركة يوفر للجهات المعنية الطمأنينة وراحة البال بأن سلامة أجهزة الشركة وتطبيقاتها وبياناتها آمنة.
ونحن اليوم في شهر أكتوبر الذي تحتفي خلاله المؤسسات في جميع أنحاء العالم، بشهر التوعية بالأمن السيبراني، وبهذه المناسبة نضع بين أيديكم خمس طرق تستطيعون من خلالها استغلال إمكانات نهج الثقة المعدومة والاستفادة منها بشكل كامل.
عدم التعدي على حدود الغير: المتسللون، كما يقول المثل، لا يقتحمون، بل يقومون بتسجيل الدخول. وغالباً ما تكون أولوية المتسللين سرقة معلومات تسجيل الدخول بدلاً من تخطي الضوابط الأمنية. ويمكن لنهج الثقة المعدومة المساعدة في هذا السياق من خلال تنفيذ مصادقة متعددة العوامل لمنع واجهة برمجة التطبيقات (API) ووصول المستخدم.
الحد من حرية الحركة: بمجرد قيام المتسللين باختراق النظام، فإنهم عادةً ما يحصلون على حرية التنقل في الشبكة بأكملها. وتركز الأنظمة المتقدمة التي تعتمد نهج الثقة المعدومة على إدارة امتياز الوصول، والتحكم في كيفية ترخيص الوصول واستخدامه، وإلغاء الامتيازات في حالة إساءة الاستخدام.
تقليل حجم منطقة التأثير: يقلل نهج الثقة المعدومة من أضرار الهجمات السيبرانية وذلك عن طريق تقييد وصول المستخدمين غير المصرح لهم أو البرامج الضارة. وهكذا فإنه يحد من تأثير الهجوم، ويحصره في مستخدم وتطبيق محددين. وتؤدي إعادة ضبط الشبكة عندما يقوم المستخدمون بتبديل المهام إلى منع الهجمات من الانتشار في المؤسسة.
تقليص نقاط الدخول: يؤدي العدد الزائد من نقاط الدخول، مثل نظام العمل عن بُعد، والتفاعل مع العملاء من خلال تطبيق الهاتف، وتوصيل أجهزة بعيدة بالمكتب الرئيسي أو إعدادات نظام "أحضر جهازك الخاص" إلى زيادة مستوى التعرض للهجمات، كما يوسع عدد نقاط الوصول المحتملة التي يمكن للمتسللين استغلالها. ويضمن نهج الثقة المعدومة أن تكون جميع الأجهزة المتصلة مستوفية لمعايير محددة قبل انضمامها إلى الشبكة.
انهض مجدداً بسرعة: تحدث الهجمات السيبرانية بشكل سريع وخاطف، وفي كثير من الأحيان عندما لا تكون متوقعة بتاتاً، مما يتسبب في أضرار مالية كبيرة. ولهذا السبب من المهم التصرف بسرعة واستئناف العمليات الطبيعية. ويقوم الحل الأمني المتقدم الذي يستند إلى نهج الثقة المعدومة بمراقبة السلوك الجيد والسيئ للنظام بصورة مستمرة، ويعمل على تسريع الاستجابة الأمنية بمجرد حدوث أي تهديد.
ويعد التحول النموذجي إلى نهج الثقة المعدومة في الأمن السيبراني بمثابة استجابة ضرورية ولا بديل لها للتعامل مع مشهد التهديدات المتطور وطبيعة العمل المتغيرة. ولا شك بأن تبني هذا النهج لا يخلو من التحديات، إذ يجب على المؤسسات دمج فلسفة الثقة المعدومة ضمن ثقافة أعمالها، وهذا يتطلب بالطبع تحولاً ثقافياً واستثمارات في التكنولوجيا والتدريب، إلا أن الفوائد التي تنطوي على ذلك تفوق بكثير حجم تلك التحديات، مما يجعل من هذا المسعى جديراً بالاهتمام.
ونحن نرى بأنه قد حان الوقت لتبني نهج الثقة المعدومة كمعيار جديد في الأمن السيبراني، وتعزيز دفاعاتنا في هذا العصر الرقمي دائم التغير.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأمن السیبرانی

إقرأ أيضاً:

ما قل ودل

1-بداية… لا أنكر أن الخوف الذي يراود الأغلبية يسكنني أيضا، ربما بصورة أكبر أشعر بالقلق طيلة الوقت، لكنه ليس القلق الشخصي، بل ربما هموم العام، بما يمثله انطلاقا من المخاطر التي تهدد الإقليم الذي نعيش فيه، ومستقبل المنطقة بالكامل.

2-رغم هذا القلق العام، فإن ما يشغلني بصورة أكبر هو الشعور الذي تملك الأغلبية، وما ساهمت فيه (النخبة العفنة) دون قصد أو عن قصد، تحت مزاعم الاحتياج أو الحاجة والفقر، تلك النخبة التي رسخت لـ "الدونية والتخلف والرجعية" وأسست لروح الانهزام وانعدام الأمل، وعززت من فكرة أن الحل يتمثل في "الهروب".

3-منذ سنوات عدة تراجعت "النزعة المصرية" بصورة ملحوظة، يتضح هذا الأمر في حديث من يسمون بالنخبة على مواقع التواصل، وحتى في الندوات واللقاءات الصحفية وبعض لقاءات المسؤولين الرسميين، هذا الأمر المحزن لدرجة كبيرة والذي أثر ويؤثر بصورة أبشع إن لم نستعد مصريتنا كمصدر للفخر ودافع للأمل والعمل والعودة لمسار مصر الذي تأسس قبل قرون طويلة.

4-في العام 2022 كنت في زيارة للمغرب، وحينها التقيت بوزير الخارجية المغربي الأسبق، محمد بنعيسى، في إطار لقاء صحفي، بمدينة أصيلة، جلست من أجلها ليلة كاملة أعد الأسئلة وأقرأ لقاءات بنعيسى السابقة وتصريحاته، ذهبت لأحدثه عن المغرب وعلاقاته بتفاعلات المنطقة، فوجدته يحدثني أولا قبل الحوار عن مصر وتفاصيلها الدقيقة، كما لو كان يعيش بيننا، تحدث بلغة المحب القلق الغيور، الذي يعي التحولات الجارية ويشغله المستقبل بصورة عامة، كان بنعيسى يتحدث من منطلق أن مصر هي الدولة التي إذا اهتزت يتهاوى الشرق الأوسط كله، وددت حينها لو استمعت له فقط عن مصر دون أن أسأل أكثر.

لم يكن الحديث مع بنعيسى كافيا لأرى صورة مصر بعيون محبيها المحبين الغيورين والقلقين بصدق، اكتشفته أيضا في زيارتي لسلطنة عمان الشقيقة والجزائر وتونس والبحرين ولقاءات عدة مع النخبة التي تدرج حقيقة التاريخ وحتمية الواقع، لأكتشف أننا بحاجة ماسة لأشياء كثيرة في وقتنا الراهن، بدءا من استعادة الثقة بأنفسنا. نعم نحن بحاجة لمشروع قومي لاستعادة الثقة بمصريتنا بهويتنا، بحضارتنا الخالدة حتى اليوم التي لم تأت من فراغ.

5- إن أكثر ما يزعجني هؤلاء الذي يتعاملون مع الغير على أنهم أدنى مرتبة، أو بلغة هزيلة تتدنى إلى مرتبة الهوان والذل دون أن يدركوا أنهم يضيعون هوية بلد تتكالب عليه الأغلبية، منذ قرون، فيما يتنكر البعض في وقتنا الحاضر لكل ما هو مصري، رغم دور المصرية في كل تفاصيل حياتهم وحتى معرفتهم بالحياة والتعليم والطب.

6-كانت مصر منذ فجر التاريخ خير سند ومقوم ومدافع عن جيرانها وأمتها حتى ما قبل الإسلام والعروبة، لكن قلة ممن تصدروا الساحة تدنوا ورسخوا التدني وعزز كل منهم روح الانهزام والانبطاح وفقدان الثقة، حتى اعتلى من لم يرق مقامه فوق الأرض بشبر فوق قامات لم يكن يحلم بالسير في ظلها.

7-الدعوة هنا ليست للتعالي أو للعنصرية، بل للاعتزاز بمصريتنا التي تعد أمة بحد ذاتها، وهو ما يدفعنا لاستعادة الثقة بأنفسنا، للتأكد من أن مصريتنا كفيلة بتصحيح المسار دائما، وبالبناء والنهوض، فلا ألمانيا التي نهضت بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية أفضل وأعرق من مصر، ولا اليابان التي نهضت بعد كارثة هيروشيما وناجازاكي أهم من مصر، نحن نمتلك كل الأدوات والخبرات والتاريخ والحضارة والثقافة، والإرادة التي تجعل من هذه البقعة شعلة لإنارة المستقبل لأبناء هذه الأرض والأرض المجاورة.

8-نحن بحاجة لأن يشعر كل منا أنه الأفضل، القادر على تغيير واقعه بالعلم والعمل، بالأمل والاجتهاد، حين نستعيد الثقة بأنفسنا، سنعيد نظرتنا لأشياء كثيرة، صناعتنا، زراعتنا، جودة تعليمنا، مستوى خدماتنا الصحية، كل شيء.. كل شيء، حين ندرك أنه من الصعب أن تطلب من فاقد الثقة أن يتقن عمله، أن يبدع، أن يفكر، أن يشارك في التنمية، أو أن يحافظ على ما تحقق، كل هذه الجوانب تمثل أهمية وأولوية في ظل تحديات غير مسبوقة على كافة المستويات.

9- ربما ما يعيشه العالم من مخاض وصراع حول شكل العالم الجديد الذي سيحتاج لسنوات طويلة من "تكسير العظام" يحتم علينا الآن أن نحدد لأنفسنا مكانة تليق بمصر وبتاريخها وحاضرها ومستقبلها، بحاجة لأن نعي أن كل منا قادر على التأثير في موقعه على النجاح في مجاله، على المساهمة في البناء الذي يجب أن يبدأ من الذات.. نحن بحاجة لاستثمار كل ما نملك من وقت ومال في بناء أنفسنا وأبنائنا والأجيال القادمة، دون أن يكون ذلك على حساب أحد حتى من الأشقاء، دون أن نتنكر لمواقفهم، دون أن نتخلى عن المساهمة والمساعدة لهم، دون أن نكون عبئا على أحد.. لدينا القدرة إن استعدنا الثقة بأنفسنا أولا.

عاشرا، وأرى أنه الضرورة الملحة الآن، فإن ما حدث في سوريا وما رأيناه بأعيننا الآن، يؤكد أن مساعي الأجنبي لا تهدف للحرية أو الديمقراطية كما يزعمون، بل في تفتيت الدول وإخضاعها بما لا يضمن حتى العيش بسلام لأبنائها كما نشاهد من عمليات اقتتال وثأر وغيرها من المخاطر القادمة لا محالة هناك، ما يحتم على الجميع الآن الاصطفاف، ليس من أجل التصدي لأي محاولات خارجية فقط، بل من أجل الارتقاء والتنمية الشاملة على كافة المستويات، وهي أهم العوامل التي تعزز قدسية الدفاع عن الوطن والأرض والدولة، مع الوضع في الإعتبار أن الإنسان يدافع عن ما يملكه أو ما يشعر بأنه شريك فيه، وفي حال تنافيه فلا مبرر داخله للدفاع.. .ختاما ستبقى مصر الأرض التي تعيد للمنطقة والأمة توازنها من جديد.

مقالات مشابهة

  • عام كامل على متابعة إسرائيل أمام العدل الدولية.. ما الذي تحقق؟
  • كامل الوزير: البنية الأساسية التي تم تنفيذها في مصر ليست كباري فقط
  • خبير عسكري: شمال غزة أصبح مقبرة لقوات الاحتلال رغم حصاره بشكل كامل
  • ما قل ودل
  • تعزيز الوعي الرقمي والحماية من الهجمات السيبرانية في محاضرة توعوية بـ «الشرطة النسائية»
  • تفاصيل جديدة.. عضو بالغرف السياحية: وضع تصور لاستغلال مباني الوزارات بوسط البلد
  • أنقذوا أرواح عشرات السوريين منذ 13 عاما.. تغيير المنظومة الصحية في سوريا بشكل كامل
  • جريمة جديدة ضد الإنسانية| تدمير الأنظمة الطبية والإنسانية بشكل كامل في شمال غزة.. الاحتلال يحرق مستشفى كمال عدوان.. ويعتقل مديرها والعشرات من الطواقم الطبية
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. جريمة جديدة ضد الإنسانية.. تدمير الأنظمة الطبية والإنسانية بشكل كامل فى شمال قطاع غزة
  • وزير الصحة السوداني: الحرب أدت إلى انهيار النظام الصحي بشكل شبه كامل