مصطفى ثابت: التاريخ يرد على كل من يحاول التشكيك في دور مصر تجاه القضية الفلسطينية
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
قال الدكتور مصطفى ثابت، رئيس تحرير بوابة الفجر الإلكترونية، إن الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية بدأ من عام 1948، حيث دعم كل رؤساء مصر حل القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مصر.
الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية
وأشار ثابت، خلال لقاء خاص مع الإعلامي محمد موسى ببرنامج "خط أحمر" المذاع عبر فضائية "الحدث اليوم"، مساء الخميس، إلى أن مصر كانت السبب الرئيسي في قيام منظمة التحرير الفلسطينية، منوها بأن من يحاول التشكيك في الدور المصري تجاه دعم القضية الفلسطينية مردود عليه بالوقائع التاريخية.
وأضاف الدكتور مصطفى ثابت، رئيس تحرير بوابة الفجر الإلكترونية، أن بيان وزراء الخارجية العرب يؤسس لما تم تناوله في مؤتمر القادة في مصر بشأن دعم القضية الفلسطينية، منوها بأن القرار المصري نابع من الداخل المصري ودون أي تأثيرات خارجية.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مصطفى ثابت بوابة الفجر الإلكترونية القضية الفلسطينية مصر القضیة الفلسطینیة مصطفى ثابت
إقرأ أيضاً:
قصة الوادي الصغير (15)
حمد الناصري
بعد أن وصل خبر اصطفاف رجال الوادي الصغير بجانب عامر النجدي ابن القرية العتيقة، وكوّنوا عُصبة باسم "عُصبة البلدتين "
اجتمع جماعة من رجال "ثابت" المُهتمين بمَشروع البحر والرمال، بقيادة الغربيين وعلى رأسهم المُعلم "آرثر" الذي أشار إلى أنّ تلك الفِرقة من الناس والتي أطلقت على نفسها إسم "عُصبة البلدتين " والتي يقودها عامر النجدي، ما هي إلا زُمرة فاسِدة ومن ورائها "مشروع الشرق الكبير" بملامح شرقية وهيمنة ذو الانوف الفطحاء وذي العيون السُود وذو العيون الجاحظة وفارعي الطول.
والشرقيون منذ زمنٍ بعيد، يسعون لإنجاح مشروع "الشرق الكبير" وهو ربط البحر الشرقي عبر بحر الظُلمات، وصولاً إلى البحر العميق وانتهاءً ببحر الاعراب.. وهذه المساحة البحرية الواسعة لا تقل عن مساحة الأرض التي يَمُر عبرها المشروع الكبير ناهيك عن مساحة اليابسة بأرض الشرق، وتُشكل كلها مُجتمعة ما يُوازي عشرات المرات مساحة أرض الغربيين، ولكنّا نحن الغربيون مُتفوّقون عليهم بتجارتنا وعلاقاتنا معكم، منذ قديم الزمن ونحن في مُبادلات تجارية مع أغلبية الأعراب وبيننا اتفاقيات طويلة الأمد، تمتد إلى قرون من الزمن، ورغم ذلك كله فنحن نحتاج إلى خَلق علاقة تعتدون بها دون حاجةٍ إلى الشرقيين.. وسنعمل على توسيع قاعدة الارتباط بيننا، وسنحاربهم بها، وسنصيبهم في مَقتل في عُقر دارهم.. وسننافسهم في اقتصادهم وفي أرضهم بتجارتنا وبضائعنا التي لم يتمكّنوا من مُنافستها بالقيمة والنوع وسنزرع في ديارهم ثقافة غربية يتفاعل معها أبناؤهم وينبهرون بها، ثقافة تُعبّر عن فكرنا وعقيدتنا العظيمة، وذلك ما سوف نتّبعه لتفكيك جمعهم وإضعاف قوتهم في جُغرافيتهم الشرقية، فتحرّكاتهم عبارة عن حركات قديمة عفا عليها الزمن، كانت دومًا سبباً في خَلق توتّرات واضطرابات في كل مرحلة تتعاظم فيها قوتهم.
قال رجل غربي من مُؤيدي زعامة ثابت:
ـ ما يَهمنا هو إنجاح مَشروع الغربيين "البحر والرمال " وإظهار القوة الحادية عَشرة كقوة مُهيمنة على بلدات ومناطق البحر والرمال وعلينا أنْ نعزل قرية البحر وننقل تبعيّتها إلى منظومة الوادي الصغير، وتوطيد علاقة قوية مع القوة الحادية عشرة لتكون أكبر قوة في مشروعنا الأكبر، مشروع البحر والرمال.؛
قال ثابت مُداخلاً بعجالة ودهشة:
ـ لديّ فكرة نُعزز بها دور القوة الحادية عشرة الخفيّة، وهو القيام بإعلان انفصال الحارة التاسعة عن الحارات العشر، وتكون حليفة استراتيجية للقوة الحادية عشرة ، على أنْ يتضمّن ذلك الانفصال تحالفاً جديداً مع الحارة العاشرة الاوسع مساحة ، ذلك ما سيبرر لنا تحرير تلك المساحة واستغلالها للتخزين ، لخدماتنا وعملياتنا التي نقوم بها ضد الشرقيين وتمهيدًا لتمتين علاقة أقوى من ذي قَبْل مع أعراب الحارة العاشرة والاهم في منظومة رمال الأعراب ولا غرو فإنّ الساحل الطويل مِحور مُهم جداً للسيطرة على الوادي الصغير.
قال الرجل الغربي، من مُؤيدي زعامة ثابت على " رمال الوادي الصغير":
ـ وأننا معكم بعزم لجعل قرى الساحل الطويل محور أساسي لكل خططنا المكشوفة منها والسُرية، فالوادي الصغير الآن يُسيطر على تجارة الشرق والغرب معاً، ذلك لأنّ بحرهم الكبير أصبح محوراً تجارياً وذو أهمية كُبرى في علاقاتنا البحرية.. وإنْ تنبّهَ الاعراب واستفاقت عقولهم لأهمية البحر الكبير فإنّ أحداثاً قادمة من الشرق سوف لن تسرنا، وقد نخسر كل شيء.. ولذا فإنّ علينا قطع الطريق على الشرقيين أولاً بطريقة ذكية، حتى وإنْ تنازع معنا الشرقيون أو تصادموا معنا، أو دَهمنا أمرهم وشقّ علينا أفعالهم.
ابتسمَ والتفت إلى ثابت وأردف بعد بُرهة.. جِئْنا بالداهية "ثابت" ليؤدي دورهُ الثابت فيُشتتهم بأفكاره المُتناقضة، ويحدث صَدْعاً يُزلزل تمدّدهم، أو يجعلهم ينسحبون إلى ما وراء بحر الاعراب.
ابتسم ثابت وهز رأسه موافقًا ثم ارتجف وكأنّ نشوة انتابته، وقال:
ـ الحياة تحتاج الى عُمق في النظرة وفهم للوجود.. فإذا لم نكن واعون وحذرون فستكثر أخطائنا وستفشل كل مساعينا.
ـ إذن برأيك.. إنّ زلزلة الأعراب لا تقل أهمية من زلزلة الشرقيين أعداء أمّتنا الغربية، وبقاءهم مُنشغلون بشكوكهم الظنية والوقفية وسُوء النية.. تمكيناً لقوتنا المُتمثلة في القوة الحادية العاشرة، والأكثر أهمية الآن وكما فهمت من قولك. هو عزل قرى البحر جميعها عن منظومة الوادي الصغير لتكون مدخلاً لوجود القوة الحادية عشرة الخفيّة كحليفة في المنظومة ومع مرور الوقت تتكوّن علاقة طبيعية وتتغلغل القوة الحادية عشرة وتتعاظم قوتها ويَكبر دورها لتكون جزءًا أساسيًا من مشروع "البحر والرمال" الذي نهتم به كأمة غربية في بلاد رمال الأعراب.
أطرق ثابت بوجهه الصارم وبشرته القُمحية هنيهة.. لا يتكلّم.. تدور عينيه البُنّية المائلة إلى لون العسل النقي في وجوه القوم وبحذر واهتمام شديد وبفطنة البدوي مُتقد الفِراسة وبحدس قويّ حادّ البصيرة، وهو ينظر في الوجوه المُجتمعة به ، حتى وهو في سِنين العِز ، قال عنه خُصومه ، خمسون عاماً قضاها في الدهاء وفي فنون المكر والخداع ، شغل بها العُقول وظلّل بها الأفكار ، لا يتورع عن الكشف عنها ، يمتلك خاصية الاقناع حتى في أحلك الظروف وأفكاره مُتوارية مُظلمة لا يكشفها غيره إلا من بَعد زمن طويل ، حتى وإنْ أحدثتْ انقلاباً مُفاجئاً أو تسَبّبت في حدوث تناقض مع كُليّهما ، الشرقيين والغربيين معاً ، فهما لا يستغنون عن أفكاره المُتناقضة وعبقريته الماكرة بشهادة الغربيين المُخبرين " آرثر وزوجه كارينا ولاّدة النساء " وبشهادة ثابتة من الشرقيين أعداء الغربيين في بحر الوادي الصغير ورماله.. قال عنه إسكندر آرون ، قائد الشرقيين في البحر الشرقي العميق ، ثابت من أعظم دُهاة الاعراب.؛
عدل "آرثر" في جلسته وصرخ منتفضًا بحماس:
ـ نعم صدقت.. إنها فكرة رائعة، فكرة أبحث عنها، إعتصرتُ أفكاري وعقلي فلم أتوصّل إليها ولم تأتيني فكرتها.. فالحارة التاسعة منها مُحسن الشيخ وتحالفها مع الحارة العاشرة كقوة واحدة، يَصعب على أيّ قوة كسر شوكتهما حتى وإن أبطأ تحالفهما مَشروعنا الكبير "البحر والرمال " في أرض الاعراب، فهذه الفكرة العظيمة ستؤلف جزءًا من مشروعنا الكبير في أرض الاعراب، نعم، لا بُدّ أنْ نعزل بحارهم عن رمالهم، ونُفرقهم ثم نجمعهم وما جاورهم إلى منظومة واحدة.. إنها الخطة الغائبة الحاضرة، سنعتمد هذه الخطة، وحتى إذا فشل مشروع البحر والرمال، أو حتى وإنْ تدخّل ذي العيون الزرقاء أو ذي الانوف الفطحاء فستكون البديل الأمثل.
قِمّة الابداع أنْ نتوصل إلى فكرة كانت غائبة، فقد تنبّهنا إلى الكثير من التفاصيل الغائبة، التي تدق في أذهاننا ناقوساً من الخطر لم نكتشفه.. إنّ ثابت أثبت فعلاً أنه من رجالنا الذين نعتد بهم.. إنه الرجل الثابت بأفكاره المُتميزة، يَرسمها بدقة وبحصافة مُتناهية.
هزّ ثابت رأسه موافقاً:
ـ نعم ولْتضل القوة الحادية عشرة كقوة خفيّة في أرض الأعراب، حاضرة حتى في بحارهم، موجودة على رمالهم، راسخة في عقولهم.
ـ أنتَ قوة إمْتداد، يُشار إليها بالبنان بل أنتَ أحد أسس تأمين قوتنا الغربية في بلاد الاعراب، ومُساهماً فاعلاً في صُنع القرار في مشروع ذو الوجوه الحمراء المُكتنزة "البحر والرمال" والوادي الصغير ليس فقط مُهِمًا لنا بل هو حيويّ لإنجاز مشاريعنا، ذلك الوادي الذي يشغل بال الشرقيين، وهم يُسمونه وادي الرمال الذهبية.
قال ثابت بتوجس:
ـ ولكني أريد أنْ يُحدث المشروع الكبير " البحر والرمال " زلزلة في رمال الوادي الصغير، أهمها الحارات العشر وقرية البحر.. ثم بقية القرى تُباعاً، والتي ستكون أسهل من غيرها.
قالت "كارينا" ولاّدة النساء ، وتُعرف في مجتمع الاعراب، بأنها زوج "آرثر" ويُشاع محلياً بأنّهما زوجين عقيمين أو أنّ أحدهما عقيم لا يَنجب.. وفي لغة الغُرباء تتداول في سياق الأحاديث والأقوال، كارينا ولادة النساء صديقة آرثر، وهو المُتعارف عليه:
ـ عليك أنْ تُركّز على الوادي الصغير وقرية التراث وأحياء الرمال والكثبان وكلها مُهم في المشروع الغربي لكون أعراب الرمال مُؤثرين بقوتهم وكلمتهم.. وأمّا رأيك عن قرية البحر ففيه صواب كبير فعزلها عن سيح المالح مطلب مُهم في خِططنا ومن دوافع أفكارنا ومَطلبنا أنْ تكون تبعيّتها بعيداً عن الوادي الصغير.. فيجب أن نعزلها أولاً ثم نعود إليها، أما منظومة الوادي الساحلية فصَعبة جدا ويجب أن نتأنّى في هذا المشروع ونُبقيه في سُرية تامة.
وقد استمعت إلى حديثك مع " آرثر " وأرى أنه يجب تقسيم الوادي الصغير إلى كيانات مُنفصلة ومناطق مُشتتة لإضعاف مَنظومته، ولتفتيت بلاد الكثبان والرمال والحارات، لتسهيل دخول القوة الحادية عشرة التي نُريد لها مقاماً في بلاد الاعراب وبحارهم، تحقيقاً لأهدافنا وخِططنا ومصالحنا وفي عملياتنا ضِد الشرقيين ذو العيون الزرقاء، والانوف الفطحاء وحُلفائهم، فارعي الطول وذي العيون السُود.. لتكون قوتنا هيَ الغالبة.
والْتفتت “كارينا " إلى آرثر، وكأنّها بإلْتفاتتها تنشد الموافقة على كلامها لتسترسل. وأردفت:
ـ يا ثابت ، أنت رجل ثِقة ، نقي السريرة ، تُريد لقومك الاعراب الخير والتغيير والتحرر من قبضة الشرقيين ، لتكونوا بَدْواً أنقياء أصفياء السريرة ، لا يُحيطكم خوف من ذوي العيون الزرقاء ، ولذا عليك أنْ تُحِط خُبْراً بفساد الشرقيين في أرضكم ، وتتحمّل المسؤولية ، فأنت قائد مُلهم ، ونحن من وراءك نمدّك بالأسرار ونُحيطك بما خفيَ عليك بحكمة وسُريّة رجالنا في أرضكم ، وبيننا سِنين من التخابر والبصيرة ، ودورك الآن واضح ، وعليك أنْ تفضح الشرقيين ذوي العيون الزرقاء وذوي الأنوف الفطحاء ومن معهم ، فهم يُنكرون تُراثكم القديم، ويتكتّمون عن قيَم أصيلة منذ التكوين الأول وما ذلك إلا خيانة لعقيدة الاعراب ، وإن بدا الاعراب يتخفّون وراء المشروع الشرقي الكبير في بقاع الرمال والبحار ، فإنّ الشرقيين سوف يُفسدون عقيدتكم الصحيحة وسوف يُقيّدون افكاركم بالتحرر ويرتكبون جرائم وحشيّة وقد يُبررون ذلك بأنهم يُدافعون عن إنسانية الأعراب. وها نحن وقد أحطناك عِلماً بما لديك من خبر يَقين.
سكتت قليلاً والتفتت إلى آرثر مرة أخرى وهمست بصوت لا يسمعه ثابت:
ـ أنا لديّ فكرة رائعة لكيفية الوصول إلى خزائن رمال الأعراب، وإلى براري الرمال والكهوف والأودية وقيعان بحار لا تُقدر بثمن.. وأزيدك أنّ في سهولهم موارد وثروات لا يفقهها الاعراب.. وأنا مُطّلعة على أحوالهم فقد عملت في أغلب بلاد العُربان بحرًا وسيحاً ورمالاً..
هزّ آرثر مُثنياً على صديقته" كارينا " وهمس:
ـ كلامك ، محلّ ثقة ، وحديثك فيه صواب كبير، وأنا بكل صراحة بدأت اقتنع بالخِطط التي رسمتيها والخطوط التي نسير عليها ، والأفكار التي تحدثتِ عنها ، قد جُمعت سابقاً بخبرة ومعرفة مُخبرينا الذين يُؤكدون على أماكن وجود كنوز رمال الاعراب وكيفية الوصول إليها بأقلّ تكلفة.؛
توقف برهة ثم أردف، ولكن ماذا عن ثابت.؟
ـ ثابت لا أمانة له بتاتاً وهو شخص خطير جدا.. وقتله هو الارجح، فثابت بمجرد أن يُقلب كفّيه فقط يُمكنه أن يُشعل فتنة كبرى في الوادي والرمال، لكنّا نفتقر إلى خِطط بديلة في مستوى الاغتيال إن حدث.؟ وقد اقترح أحد مُخبرينا وهو الأقرب إلى "ثابت" فكرياً ونفسياً عليّ فكرة الموت البطيء، وتسميم جسده بخلايا تستوطن جسده وتفتك به سريعاً، فتجعل جسده لا يُقاوم، فيسير إلى نهايته المحتومة بلا إثارة شُكوك ولا مشاكل لدى أتباعه.
ـ ولكن، كيف.؟ قالها "آرثر" بإندهاش واستغراب.؟
ـ لدينا في رمال الوادي، من يكره "ثابت"." واعتقد أنك تذكُر جيداً ، أنّ هناك رجال لا يُطيقون سماع حتى ذِكْر اسم ثابت، في مُحيط رمال الاعراب ، بل هُم أشدّ مقتاً لبعضهم ، ومُستعدون لقتل ثابت والتخلص منه بأي طريقة.؛
ـ نعم أذكر أبرزهم، عامر النجدي من قرية التراث، ومُحسن الشيخ من الحارة التاسعة، والتاجرين أبناء الشيخ الأعور فالع وفلوع من سيح المالح.. وكل أولئك نحن من صَنعناهم بأيدينا.؛
ـ إذنْ أقول، نعتمد هذه الطريقة، فالقتل البطيء هي الطريقة الناجعة في التخلص من ثابت، وهي طريقة دقيقة ومُحكمة وخطة بديلة ومُلهمة ولا تُثير شكوكاً ولا تساؤلات، فاغتيال ثابت وقتله بالطريقة المُباشرة سوف يزيد من غضب أقوام عرب الوادي الصغير ، وربما قد تتصاعد حِدة الخصام ، وتُؤجج المشاعر لديهم لما يُعرف عندهم بالغُرباء الأشرار وقد تزيد الشُقة بين أقوام الاعراب إلى أكبر من ذلك .. فـ ثابت رجل له وزنه ومنزلته عند عرب الوادي سِيْحاً وبحرًا ورمالاً وهو الرجل المُهم في سيح المالح وبلاد الاعراب والكثبان والوادي الصغير، وكان جدّه الأكبر سالم الراس رجلاً مُهاباً وتسيّد الرمال والبحار منذ بعيد. ومن أجل سُرية الخِطة الغربية، يجب التكتم عن الحديث عن ثابت الآن، وعدم التلميح إلى شيء من هذا القبيل، فالرجل ذكي وفطِن وحذر جداً، دقيق ويُحسن التصرف، وقد يُؤلب قتله مُجتمع الاعراب بدعم من ذوي العيون الزرقاء ونخشى أنْ يُسرّب أو يبوح أو يُفشي سرِّنا للشرقيين بمَدد دعمنا بالأسلحة إلى بَدْو الكثبان وأعراب الرمال.؛ وهو قادر على أن يُجيّش رجال الوادي ضِدنا في أقل من نهار.
ـ ألهذه الدرجة تصل عبقرية وإمكانيات هذا الرجل؟
ـ نعم، بل إلى أبعد من ذلك.. فثابت شخص شكّاك وذي نباهة وذكاء حادّ ولديه فراسة كبيرة في قراءة الرجال ومكنونات صُدورهم، وكأنه يقرأ السرّ من كتاب.؛
ـ طيب وما هو العمل الان.؟
ـ العمل هو التركيز على خطة بديلة، تُمكننا من تفكيك النسيج الاجتماعي والتأريخي للأعراب قاطبة. وتقسيم المُجتمع إلى عِرقية وإثنيّة وطائفية مُتعددة الأقطاب .. في سائر بلاد الاعراب.
توقفتْ عن الحديث لبرهة.. سحبت نفساً وأخرجته ببطء شديد، ثم استطردت..
- علينا بجمع فئة من الاعراب، من ذوي مرجعية أصولية معروفة وتاريخ مُستقطب من التراث، ونُؤلف منهم مرجعية أخرى تلتزم بعراقة الموروث بلا مُساومة، ونخلق ثالثة مُتصالحة مع قيَم السماء وما يلتزم به الناس في مُجتمع الاعراب، تحقيقاً لمقاصدنا.؛ ثم نُثير نزاعات على مُستوى تلك المرجعيات المُجتمعية، يتخلّلها قتل ودمار مُستمر يُضعف الاقتصاد حتى تكون مصادر الناس ومعايشهم في ركود.. وتحويل القوة الحادية عشرة إلى بُنية تحتية مُتفوقة ومركز اقتصادي يعتمد عليه الاعراب.
ثم نقوم بدعوة مُحسن الشيخ، والترويج لأفكار ثابت التي هيَ على النقيض من أفكار مُحسن الشيخ، ثم نجد طريقة لجعلهما يتصادمان وبذلك لن يتوصّلا إلى رشاد أو سلام ولن يستطيع أحد أن يُوفق بينهما ، وسنكون نحن بالمرصاد ، فنصبّ الزيت على النار ونزيد من الكراهية بينهما علاوة على أنّ مُحسن الشيخ أيضاً لا يُخفي كراهيته لعامر النجدي ، وبينهما ما صنع الحدّاد ، ذلك المَثل يُعرف عند الاعراب ويُضرب حين يقوم نزاع وتوتر وقلق بين رجلين او فئتين ويستحيل معهما الصُلح ، فتزداد بينهما المشاكل وتتصاعد التوترات ، ومنذ مُدة طويلة من الزمن بين مُحسن الشيخ وعامر النجدي عدم توافق فكري وعدم ترابط وتقارب ولكلّ منهما هدف ولا تستقيم أحوالهم حتى وإنْ تظافرت الجهود للتقريب بينهما ، يودّ أحدهما لو يتمكّن من الآخر فيقضي عليه.؛
قاطعها "آرثر " هامسًا بصوت خافت:
ـ أخشى أنْ يُفشي أحد ما بهذه الخِطة مُحكمة التنفيذ، وقناعتي أنّ عامر النجدي سيدرك بأنّ "ثابت" يتقاضى منافعاً عن تصرفاته وأفعاله، وذلك السبب هو من أسباب تقلباته الماكرة، ولا شك فإنّ رجال البلدة العتيقة على أهبة الاستعداد لتنفيذ أمر سيّدهم.؛
ابتسمت "كارينا" وأردفت:
ـ عبقرية قُدامى المُخبرين، أكبر من ذكاء ثابت وقُدرته على الالتفاف على رجالنا، فمن رجالنا المُخبرين ما يفوق الأعراب ذكاء ودهاء؟ ولذلك أرى ، أنه بزوال " ثابت " تنتهي لعبة " القط والفار" في رمال الوادي الصغير، وبغيابه عن الاعراب سِيْحاً وبحراً ورمالاً سيضمن لنا ، تمكين القوة الحادية عشرة في وادي الاعراب وعندها سنستغل عودة الفوضى في بُلدان الاعراب بحرًا ورمالًا وكثباناً مرة أخرى .. ونقطع على الشرقيين طريقهم ومُحاولاته للسيطرة على بُلدان الوادي الصغير وساحله الطويل.
ـ ... هز "آرثر" رأسه مُتحيرًا من دهاء صديقته كارينا.. وفي نفسه حيرة وتساؤل بدهشة ، هل كل امرأة مِثْل كارينا في الدّهاء.؛ وظلّ صامتا لا يقوى على قول شيء، وقد ازداد إعجابه بصديقته الذكية، ولم يرفع عينه عن تواصلها مع عينيها .. ويسترق بين الفَينة والأخرى نظرة باهتة من عيني ثابت.
ضحكَ ثابت بتلطف وشاركه آرثر وصديقته كارينا ولاّدة النساء في ضِحكة مِثْلها.. وقال:
ـ سيدي، إني أرى وأعلم بهذه البلاد أكثر بكثير مِما ترونه وتعلمونه ، وبرأيي ما يجب أن يحدث في رمال الوادي الصغير ، هو تنفيذ ما تمّ عليه الاتفاق بيننا وهو إيجاد خطة غربيّة مُعلنة ، فنحن لا نُريد من الشرقيين القيام بلعبة ماكرة في الوادي الصغير والرمال فيفسدون كل ما خطّطنا له ، وأرى أنه يجب إنهاء ما يُعرف بلعبة القط والفار على أرضنا .
ضحك ثابت بمكر يعجز عن فهمه أحد غيره ، فقال مُمازحاً.. نحن أعراب الساحل وسيح المالح وقرية البحر ورجال الوادي نسمي القط محليّا بالسَنّور.
لم تجد مُلاحظته تلك صداها لدى الحضور، لكنّ ثابت ذكيّ جداً، فحوّل مزحته إلى تساؤل ليشغلهم به:
ـ ماذا لو حاول الغُرباء الشرقيين إفساد مشروعنا الكبير في وادي الاعراب وفي الرمال والكثبان.؟
همستْ كارينا إلى آرثر:
ـ ألم أقل لك أنّ ثابت عبقري ماكر، فهو يعني ما يقول وكأنه قرأ أفكارنا دون أن يستفزّهُ أحد.. رجل خبيث وماكر يجب أن نتخلّص منه بتلك الطريقة فوراً.
ـ لكن تلك الطريقة ستأخذ وقتًا طويلًا ورُبما سيُعرقل خِططنا في بحار الاعراب ورمالهم خلال ذلك الوقت.
ـ لا عليك سنشغله بأكثر من جانب.. سوف نكشف له مَرضه بعد حين، ونجعل ذلك المرض شُغله الشاغل. ثم نقوم بإشغاله بتأجيج فِتن مُفاجئة في الوادي، ونتعهد له بإخمادها وقتياً.. لا نتركه يَهنأ أو يُفكر أبداً حتى لا يقترب من الشرقيين خُصومنا ويُؤلبهم علينا. بل علينا أن نُبقيه كطرف نزاع، حتى يأتي يومه.؛
ـ ولكن الشرقيين لديهم من القوة والتأييد من رجال مُؤيدين لهم وداعمين لأفكارهم ضِد منافعنا، وهم يَشرعون الآن بإلغاء اتفاقياتنا الغربية المُبرمة مع الاعراب.. هذا ما وصلني من المُخبرين السريين من رجالنا ومن العاملين معنا من الاعراب.؛
عاد آرثر وصديقته الى حيرتهما وأحسّا أنّ الأمور قد تَنْفلت من بين أيديهم وساد الصّمت المكان فلا يكاد يُسمع صوت غير أنفاس مُتصاعدة، وكأنهما استرسلا في تفكير عميق وفي جُعبتيهما ما يُثير الدهشة والاستغراب.. تُرى من الذي يُسَرّب الأسرار إلى الشرقيين دون أنْ يكتشفه أحد.؟.