مصر وقائدها والعالم المتحضر
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
فى مؤتمر قمة السلام تحدثت مصر وحاولت معظم الدول العربية تصحيح صورة حماس، ولكن الدول الأوروبية لم تتوار وتحدثت بقناعتها.
نعم لا يمكن لجيش إسرائيل القضاء على أى فصيل، ورغم انحيازات العالم لإسرائيل نجحت مصر فى القيام بدورها، وأول ما نجحت فيه هو خلق توازن رغم صعوبة الموقف العالمى والذى عاد لرشده بعد موت الأطفال والكبار بقذف غاشم لكل المنازل والمنشآت وحتى المستشفيات.
نجحت مصر فى تثبيت منطق عدم التهجير للأبد، لأن نزوح الفلسطينيين لأى مكان هو تصفية للقضية وإسقاط لعلمها للأبد.. ونجحت مصر فى فرض منطقها وفكرها الرافض لرؤية العالم المتحضر لدرجة أنه أعاد صياغة موقفه بما يتماشى مع الإنسانية وحق الأبرياء فى العيش بأمان وسيادة مصر على كل شبر فيها.
نجحت مصر فى أن تعيد للجبهة الداخلية لحمتها وانصهارها مع موقف القيادة السياسية وهتفنا جميعا للسيسى لأنه تحدث بقوة عن سيادة مصر فى أرضها وأن موقفنا ثابت لحل القضية فى إطار الدولتين، وأن قرارنا تفرضه وتحكمه مصلحة مصر وشعبها وليس لاى أحد أن يفرض إرادة أو أمرا واقعا لا نريده.
نجحت مصر فى توصيل جسور المساعدات وعدلت زاوية الرؤية العالمية بما يحقق التوازن، وسمعنا لأول مرة من يطلب الوقف الفورى لقتل الأبرياء ونجحنا أيضا فى إطلاق سراح رهينتين وعندما تحدثا للعالم أثنينا على إنسانية العرب فتحسنت الصورة التى حاولت شيطنة العرب.
لا أقول ما كنا بحاجة للطوفان لأنه بات واقعا ولكنى أتمنى استثمار الفرصة وتحقيق حل الدولتين فهذا هو الوقت المناسب، وإن ضاعت هذه المرة فلا أعتقد أن ثمة حل سيراه جيلنا والجيل الذى بعدنا!
صحيح أن القضية لن تموت ولكن هذا هو الوقت لإعطائها قبلة الحياة ولنتحدث مع العالم بالمنطق الذى يفهمه ويحسن إدراكه، فالعاطفة وحدها لا تقدم إلا المناشدات.
نجحت مصر فى إدارة الأزمة التى خلقها الطوفان لدرجة جعلتنى أتمنى أن تكون الحكومة على نفس الفكر والعبقرية فى حل قضايانا الداخلية والاقتصادية.. نعم مصر عظيمة وقائدها زعيم وجيشها كبير وشعبنا أصيل وفى الشدة ينجلى ذهبه وتظهر قوته رغم كل العواصف والأزمات..
ويا مسهل.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مؤتمر قمة السلام مصر الدول العربية صورة حماس
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح لأنه يدعو إلى فتنة تفسد المجتمع كله
قال الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، إن مما ابتُليت به الأمة في عصورها المتأخرة أن تصدر للقول في دين الله من لم يحط بأصول العلم، ولم يرسخ قدمه في مدارج الفهم، فصار يتكلم في المسائل الكبار، ويخوض فيما لا علم له به، خروجًا عن الجماعة العلمية المعتبرة، وتخليًّا عن الضوابط المرعية التي بها يحفظ الدين وتصان الدنيا.
وأشار عبر منشور عبر صفحته على فيس بوك، إلى أن سيدنا رسول الله ﷺ حذَّر من هذا المسلك الخطير، فقال: «فعليكم بالسواد الأعظم»، وقال: «ومن شذ شذ في النار» (رواه ابن ماجه).
وبين أن الجماعة العلمية ليست مجرد اجتماع أشخاص، بل هي مقام الأمة في علمها، وضميرها في فهم نصوصها، وميزانها في ضبط استنباط الأحكام وتنزيلها على الوقائع. والخروج عنها شذوذ، والشذوذ مهلكة في الدين والدنيا معًا.
متى يظهر الشذوذ عن الجماعة
الشذوذ عن الجماعة العلمية يظهر عندما يتكلم من لم تكتمل فيه شروط الإفتاء والاجتهاد:
- فلا يحسن فهم النصوص الشرعية ولا يفرق بين قطعيها وظنيها.
- ولا يدرك الواقع المعيش بكل تعقيداته وتغيراته.
- ولا يراعي المصالح الشرعية، ولا المقاصد الكلية، ولا المآلات المستقبلية للأقوال والأفعال.
- ولا يزن الفتوى بميزان اللغة العربية وأعرافها المرعية.
فإذا اجتمع هذا الجهل المركب، خرج المفتون عن سواء السبيل، وصار تجديدهم تبديدًا، وتقريبهم تبعيدًا، وإصلاحهم إفسادًا.
وهؤلاء إذا رأوا مشكلة، هربوا منها بآراء غريبة، وكلمات تهدم أصول الدين من حيث لا يشعرون، فيتناقض أول كلامهم مع آخره، وتضطرب أقوالهم اضطراب السقيم في خطواته. فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد نبه علماء الأصول إلى هذا الصنف من الناس، وسموه "المفتي الماجن"، وهو الذي خرج عن الجماعة العلمية، وخالف القواعد المرعية، ولم يبالِ بإجماع ولا مصالح ولا مقاصد.
قالوا: المفتي الماجن أخطر من الجاهل الصريح؛ لأنه يلبس على الناس أمر دينهم، ويدعو إلى فتنة لا تقتصر على الدين وحده، بل تفسد المجتمع كله، وتهدد الأمن المجتمعي الذي يقوم على سقف الشريعة الإسلامية.
والفرق بين الفقه والإفتاء واضح عند العلماء:
- الفقه هو تحصيل المسائل العلمية من نصوص الكتاب والسنة.
- أما الإفتاء فهو تنزيل الأحكام على وقائع الناس وأحوالهم، بعد فهم النصوص وفهم الواقع معًا، وضبطهما بالضوابط الشرعية الدقيقة.
أركان الإفتاء
ولذا، فإن الإفتاء يحتاج إلى ثلاثة أركان:
1. إدراك النص (بأقسامه: نص مقدس، ونص اجتهادي).
2. إدراك الواقع (بأبعاده الأربعة: الأشياء، الأشخاص، الأحداث، الأفكار).
3. الربط بين النص والواقع وفق قواعد الاجتهاد وضوابط الفتوى.
ينقسم النص في الشريعة إلى:
- نص مقدس، كالقرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة بالسند الصحيح، وهما المصدران المعصومان.
- ونتاج بشري، هو اجتهادات العلماء والمجتهدين عبر العصور، التي بذلوا فيها الوسع، وجعلوا العلم فوق حياتهم وأهوائهم.
ومع النتاج البشري ينبغي ألا نقف عند مسائلهم الجزئية، بل نغوص في مناهجهم الاستنباطية التي تجاوزت الزمان والمكان، وكان منهاجهم مستوعبًا لطبيعة تغير الأحوال والأزمان.
ولا يصح لمن يتصدر للفتوى أن يتخير من أقوال الفقهاء ما يشتهي دون ضابط، بل عليه أن يتحرى في ضوء:
- قواعد الاجتهاد المقررة.
- ضوابط المصالح والمقاصد والمآلات.
- مراعاة الإجماع واللغة العربية.
وقد أُلِّفَت مجلدات في تحرير هذه الضوابط، مثل ما كتبته دار الإفتاء المصرية في خمسة مجلدات متينة بعنوان "ضوابط الاجتهاد الفقهي".
ليس ما نراه اليوم من فتن الفتاوى الشاذة جديدًا، بل له جذور قديمة:
- في سنة 1930 ظهر محمد أبو زيد الدمنهوري فأنكر المعجزات، وخالف في أحكام الحدود والميراث والخمر والحجاب، ورد عليه العلماء في مجلة الأزهر في ردود مفحمة، وسكنت الفتنة.
- ثم ظهر محمد نجيب، فأنكر السنة، وألف كتابًا سماه "الصلاة"، زعم فيه أن الصلوات عشر، واستدل استدلالات سخيفة، حتى صار مضرب المثل في الجهالة والضلال، حتى ارتد عن الإسلام ومات سنة 1960.
- ثم تتابعت بعده فتن: أباح بعضهم التدخين في رمضان، وآخرون استباحوا القبلات علنًا، وكلما ماتت فتنة بعث الله لها علماء صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فدحضوا الباطل ودافعوا عن الدين.
طريق الشذوذ العلمي طريق مظلم يقود إلى ضياع الدين والدنيا معًا.
ولا نجاة إلا بالرجوع إلى الجماعة العلمية، والتأدب بأدب العلم، ومراعاة أصول الشريعة ومقاصدها.
فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله أن يحفظ ديننا وأمتنا من شذوذ المفتين ومجانة المتجرئين، وأن يردنا إلى الحق ردًا جميلا.
والله المستعان وعليه التكلان.