يثار كثير من الجدل حول مفهوم «الأناركية» Anarchism، وهو جدل ناجم عن سوء فهم، فالبعض يتصور - خطأً – أن «الأناركية» تهدف إلى خلق الفوضى والإرهاب، ويعتقدون أن وجود مجتمع بلا سلطة لا يعني سوى الفوضى الاجتماعية والعنف والعودة إلى قوانين الغاب. إن «الأناركية» أو اللاسلطوية هي باختصار نظرية سياسية تعارض جميع أشكال السلطة، وتدعو إلى التعاون الطوعي والارتباط الحر بين الأفراد، وهي مرادف حقيقي للاشتراكية، فالأناركية ليست إلا أحد تيارات الحركة الاشتراكية، إنها تهدف أولًا إلى إنهاء استغلال الإنسان للإنسان.
يظن البعض أن الأناركيينحالمون مهووسون بالمبادىءالمجردة، ولكن الأناركيينهم في الحقيقة يدركون جيدًا أنه لا يمكن الوصول إلى مجتمع مثالي إلا عبر سلسلة طويلة من الصراع مع القوى التي تريد تأييد الأوضاع السلطوية، ويعتقدون أنهم في نضال من أجل محاربة الظلم السياسي والقمع الفكري والاستغلال الاقتصادي، وتعزيز الميول التحررية لدى الأفراد والمجتمعات.
يُعَد مصطلح «السلطة» مصطلحًا غامضًا وملتبسًا، وهو من أكثر المصطلحات التي حظيت بتعريفات مختلفة بل ومتضادة. إن «السلطة» بمعناها الواسع، هي شكل من اشكال «القوة»، فهي الوسيلة التي من خلالها يستطيع شخص ما أن يؤثر على سلوك شخص آخر، إلا أن «القوة» تتميز عن السلطة، بسبب الوسائل المتباينة التي من خلالها يتحقق الإذعان أو الطاعة، فبينما يمكن تعريفها على أنها القدرة على التأثير على سلوك الآخرين، فإن السلطة يمكن فهمها بوصفها امتلاك الحق في القيام بذلك. إن القوة تحقق الإذعان من خلال القدرة على الإقناع، أو الضغط، أو التهديد،أو الإكراه، أو العنف، أما السلطة فهي تعتمد على «الحق في الحكم»، ويحدث الإذعان من خلال التزام أخلاقي ومعنوي من قِبَل المحكوم تجاه السلطة الحاكمة.
ربما تكون الحكومات هي المثال الأكثر وضوحًا فى دمج السلطة والقوة، بما أنها تملك بشكل عام احتكارًا للاستخدام المشروع للقوة المادية لإجبار المرؤوسينعلى الطاعة والولاء،باستخدام أدواتها القسرية،كالجيش والشرطة، اللذان يعملان كامتداد لسلطة الدولة ويشاركانها في شرعيتها. وفي كل الأحوال فإن السلطة هى علاقة قائمة بين طرفين، الآمر والمأمور،الأعلى والأدنى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن الحق الطبيعى كالحرية والحياة والمساواة يُعَد أساسًا للوجود الإنساني، ومن ثمّ فإن الحقوق الطبيعيةللإنسان سابقة على مدنية القانون والسياسة،هى حقوق لا يمنحها المجتمع المتمدن،بل واجبه حمايتها وتعزيزها، لذلك تعارض الأناركية العلاقات السلطوية،فهى علاقات غير متكافئة بين طرفين من حيث القوة (المتسلط والمتسلط عليه)، التي تسلب الحق الطبيعي للفرد (المقهور) في تحقيق استقلاليته، وفى تقرير مصيره بنفسه.
وبما أن السلطة لا يمكن أن تعبِّر إلا عن مصالحها،لذلك يبدو أننا أمام معضلة بين استقلالية الفرد وسلطة الدولة، ولقد رأى المفكر ألأناركي رودولف روكر أن «الحرية بالنسبة للأناركي، ليس مصطلحًا مجردًا ولكنها فرصة حيوية وملموسة، تُتيح للفرد أن يصل إلى بلوغ أكمل لتطوير جميع قدراته وإمكانياته وملكاته التي وهبتها له الطبيعة،وتحويل ذلك كله إلى رصيد اجتماعي،وكلما أفلت هذا النمو الطبيعى للفرد من الوصاية الدينية والسياسية، ازداد انسجام الشخصية الإنسانية، وتنامت وتطورت حتى تصبح مقياس الثقافة العقلية للمجتمع الذى نمت فيه».
دعت «الأناركية» إلى استقلال الفكر وتحرره من أغلال المؤسسات الدينية وقيودها، كما نادت بضرورة إعمال العقل وتحريره من التبعياتوالموروثات التي تكبل العقول وتطمسها، ومع هذا فإن «الأناركية» لا تعادى حرية الاعتقاد، ولا تقيم حَجْرًا على حرية ممارسة الشعائر الدينية،أى إنها لن تعادى الدين ذاته، وأيضًا لا تعترف «الأناركية» بالهويات العرقية والثقافية والقومية التى تكتسب وضعها وفقًا لمبدأ الهوية الجماعيةالقائمة على خصائص تشوبها نكهة السلطة القمعية، والتي تفرض على الفرد قسرًا. ولقد رفض التيار الأناركي الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ونظر إليها بوصفها ملكية غير مشروعة، تقوم على أساس سيطرة مدعومة بالسلطة، ويرى «ببير جوزيف برودون» ثانى رواد الفكر الأناركي أن «الملكية مستحيلة جسديًا ورياضيًا،الملكية مستحيلة، لأنها تتطلب شيئًا مقابل لا شيء، الملكية مستحيلة لأن تكلفة الإنتاج أينما وُجِدَت أكثر مما تستحق، الملكية مستحيلة، لأن الإنتاج برأس مال معين يتناسب مع العمل وليس الملكية».
تؤكد «الأناركية» أن المساواةفي الظروف، والمساواةفي تملك وسائل الإنتاج وتكافؤ الفرص؛ من شأنها الحد من طغيان أي استبداد محتمل في مجتمع السوق الحر، إن الفرق بين السوق الحر ورأسماليةالدولة، هو الفرق بين التبادل الطوعي السلمي والمصادرة العنيفة، وفي الحقيقة تنظر «الأناركية» إلى «الراسمالية» بوصفها نظامًا مرفوضًا لأنه يمنح أصحاب رؤوس المال الحرية المطلقة فى قهر البروليتاريا واستعبادهم، ولا يمكن للرأسمالية أن تستمر إلا بمساندة سلطة الدولة، لذلك ترفض «الأناركية الأخلاقية» بشدة الاعتراف «بالأناركية الرأسمالية»، بوصفها شكلًا من أشكالها المختلفة. لقد اعتبرت الأناركية الرأسمالية مصطلحًا يعادل مصطلح (الربا) ولها ثلاثة أشكال: الفائدة على المال (الرأسماليةالمالية)، إيجار الأرض والمنازل (الرأسماليةالتجارية)، والربح من التبادل والتداولفى السوق (الرأسماليةالصناعية)، أما بخلاف ذلك فإنهم يميلون إلى المنافسةالحرة ودعم التجارة الحرة ويهدفون إلى استبدال العمل المأجور باتحادات عمالية، فلا يمكن أن تتحقق الملكية إلا من خلال العمل، ومن ثمّ للإنسان الحق في أن يملك ويبادل ويتاجر بالمنتج الذى صنعه من الأشياء المادية الموجودةفي الطبيعة من أجل الحفاظ على بقائه.
د. دعاء حسن: باحثة حاصلة على دكتوراه في الفلسفة السياسية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: السلطة
إقرأ أيضاً:
"الحق نفسك وغير موبايلك" هواتف ستغلق رسميًا في مصر بداية 2025
الحق نفسك وغير موبايلك..هواتف ستغلق رسميًا في مصر بداية 2025..حيث تتداول مناقشات حول وقف تشغيل الهواتف المحمولة غير المسجلة رسميًا في مصر كما تتزايد التكهنات بشأن قرار محتمل يتعلق بوقف تشغيل الهواتف المحمولة المستوردة دون سداد الرسوم الجمركية المقررة، إلا أن مصادر مطلعة أكدت عدم صدور أي قرار رسمي حتى الآن، وأن النقاشات لا تزال جارية بهذا الخصوص.
حظر تشغيل الهواتف المستوردة بداية من 2025 تعرف على تصريح رئيس شعبة المحمول بالقاهره التجارية
ويشير الاتجاه العام إلى إمكانية حظر تشغيل الأجهزة المستوردة التي لا تخضع للضوابط الجمركية.
كما صرح رئيس شعبة المحمول بغرفة القاهرة التجارية محمد طلعت أن القرار المحتمل يستهدف الأجهزة التي تفتقر إلى رقم تسلسلي مسجل لدى الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وأضاف أن الجهاز القومي قد بدأ فعليًا في اتخاذ خطوات للتحقق من هذه الأجهزة.
كما أشار طلعت إلى تأجيل اجتماع كان مقررًا بين الشعبة والجهاز القومي بسبب ارتباط المسؤولين بمعرض تجاري.
و من جانبه أكد محمد الحداد، عضو مجلس إدارة غرفة الجيزة التجارية ونائب رئيس شعبة تجار المحمول أن الأمر لا يزال قيد المناقشة، حيث تعمل الشعبة على تقديم خطة لحماية حقوق التجار والمستهلكين.
وبيّن أن الهدف الأساسي من هذه الخطوة المحتملة هو دعم الهواتف المصنعة محليًا، خاصة في ظل التسهيلات التي قدمتها الدولة للمستثمرين لتأسيس مصانع جديدة في مصر.
هواتف تعرف على آليات القرار المرتقب بغلق الهواتف المستوردة بداية 2025
يتوقع أن يركز القرار على تسجيل الرقم التعريفي للهواتف المحمولة المستوردة ضمن نظام "IMEI"، الذي يمنع تشغيل الأجهزة غير المسجلة عبر الشبكات المصرية.
وتشمل هذه الإجراءات فرض رسوم على تسجيل الهواتف المستوردة، مع منح فترة سماح مؤقتة قبل تطبيق الحظر.
وقال حمد النبراوي، عضو شعبة المحمول والاتصالات بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن جهاز تنظيم الاتصالات لم يصدر بعد أي قرار رسمي، لكن من المتوقع أن يتم عقد اجتماع مع الجهاز خلال الأسبوع المقبل لبحث التفاصيل.
إقرأ أيضًا..ريلمي تستعد لإطلاق هاتفRealme 14x 5G في الأسواق ديسمبر الجاري بمواصفات استثنائية
تعرف على موقف الهواتف الحالية المهددة بالغلق والتجار
فيما يخص الأجهزة المستوردة التي تعمل حاليًا داخل مصر، أكد النبراوي أن أي قرار جديد لن يشمل هذه الأجهزة.
وأوضح أن القرار سيطبق فقط على الأجهزة المستوردة بعد تاريخ صدوره ولن تؤثر هذه الإجراءات على الهواتف المتاحة بالفعل بين أيدي المستخدمين.
وفيما يتعلق بالتجار الذين استوردوا كميات كبيرة من الهواتف بطرق غير قانونية، أشار النبراوي إلى أن هناك اتجاهًا لمنحهم مهلة تتراوح بين 3 و6 أشهر لتوفيق أوضاعهم قبل تطبيق القرار.
ويهدف هذا الإجراء لضمان التزام الجميع بالقوانين المنظمة لسوق الهواتف المحمولة في مصر ولكي يضمن حقوق الجميع.