«نبض السودان» ينشر البيان الختامي لاجتماعات الجبهة المدنية بـ«ادبس ابابا»
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
رصد – نبض السودان
البيان الختامي
الاجتماع التحضيري لوحدة القوى المدنية الديمقراطية
تقيف بس – أديس أبابا
26 أكتوبر 2023م
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة/ات ممثلي لجان المقاومة والأجسام المطلبية الثورية الجذوة المتقدة لثورة ديسمبر المجيدة
السادة/السيدات رؤساء وممثلي/ات الأحزاب والتحالفات السياسية، والحركات المسلحة، والقوى المدنية والمهنية والنسوية والشبابية
السادة/ات الحضور من الشخصيات الوطنية وأصحاب المبادرات والرموز الدينية والمجتمعية والأهلية
السادة/ات الحضور جميعا داخل القاعة وكل لشعب السوداني
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
في البدء نترحم على أرواح كل من فقدناهم في حروب السودان جنوبا وغربا وشرقا، وكل من فقدناهم في حرب الخامس عشر من ابريل اللعينة ، ونتمنى عاجل الشفاء للجرحى والعودة الامنة للمفقودين، كما نتوجه بنداء عاجل لإغاثة الشعب السوداني الذي يرزح تحت وطأة مأساة انسانية غير مسبوقة تستوجب أقصى درجات الجدية والسرعة في ايجاد وسيلة فعالة لإيصال العون الانساني الى مستحقيه اليوم قبل الغد.
السادة والسيدات، يشرفني ان أتلو على حضراتكم البيان الختامي للجنة التحضيرية لاجتماع توحيد القوى المدنية الساعية لإنهاء الحرب وبناء السلام المستدام واستعادة المسار الديمقراطي، مسار ثورة ديسمبر المجيدة، مسار الحرية والسلام والعدالة الذي مهره الشعب السوداني بالدم، وفي سبيله صعدت ارواح مئات الشهداء، وما اندلعت هذه الحرب إلا لتصفية هذه الثورة العظيمة، ومعاقبة الشعب السوداني عليها، وإدخاله من جديد في سجن الاستبداد والفساد كسيرا مقهورا بغلظة الحرب وجبروتها، انعقد اجتماعنا هذا في سياق تمليك الشعب السوداني أهم أداة من أدوات انتصاره ممثلا في التحرر من هذا المصير الذي رسمه له مشعلو الحرب ودعاة استمرارها، الا وهي “وحدة القوى الديمقراطية المدنية “وتنظيم صفوفها في هياكل مؤسسية بقيادات متوافق عليها ومن ثم تعظيم فاعليتها في خدمة مصالح الشعب السوداني وعلى رأسها إطفاء حريق هذه الحرب بمشروع للسلام والتحول الديمقراطي مؤهل لأن يجعلها آخر حروب السودان.
على هذه الخلفية قدمت الدعوة للمشاركة في الإجتماع التحضيري لبناء اوسع جبهة مدنية ممكنة للوقوف ضد الحرب وإستعادة الديمقراطية، الذي انعقد بالفعل في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا في الفترة من 23 الى 26اكتوبر، قدمت الدعوة لكافة المبادرات والتنظيمات المدنية والسياسية من قوى ثورة ديسمبر المجيدة، ومن القوى والتنظيمات المناهضة لحرب الخامس عشر من ابريل.
ان اللجنة التحضيرية ترحب باستئناف منبر جدة التفاوضي، وتقدم بالشكر لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية الدولتين الراعيتين للمنبر ، كما تثمن كل مبادرات ايقاف الحرب الاقليمية كمبادرة الايقاد والاتحاد الافريقي ودول الجوار وتدعو الى توحيد كل هذه المبادرات في منبر جدة التفاوضي، وتناشد طرفي النزاع التحلي بالمسؤولية والجدية في إيقاف هذه الحرب التي لا منتصر فيها.
وقد لبى نداء الدعوة لهذ الاجتماع التحضيري مائة مشارك ومشاركة، من فئات متنوعة شملت لجان المقاومة والأحزاب والتحالفات السياسية، وحركات الكفاح المسلح، وممثلون عن النقابات والأجسام المهنية، وتنظيمات وتحالفات المجتمع المدني، ومبادرات توحيد القوى الديمقراطية، وممثلات عن المجموعات النسوية، والشخصيات القومية والأكاديمية وقدامى المحاربين (من شخصيات عسكرية متقاعدة)والادارات الاهلية والرموز الدينية، حيث عكس حضور الإجتماع تنوعاً وتمثيلاً جغرافياً وجيلياً ونوعيا وفئوياً وفكرياً واسعاً من قوى ثورة ديسمبر ومن مناهضي حرب الخامس عشر من ابريل.
وفي توافق تاريخي مشهود، أجمع المشاركون على المضي قدماً في مسار عقد “المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، (تقدم)، لإيقاف الحرب وإستعادة الديمقراطية في البلاد، متفقين على هيكل تنظيمي مرن ومؤقت للتحضير للمؤتمر التأسيسي، وللإيفاء بجملة من المهام الضاغطة بسبب الحرب وإفرازاتها وعلى رأسها الإغاثة الانسانية العاجلة لضحايا الحرب، تاركين الباب مشرعاً لمشاركة كل من يرغب من قوى ثورة ديسمبر المنتصرة ومن دعاة السلام المناهضين لحرب الخامس عشر من أبريل في التحضير للمؤتمر المزمع وإنجاحه. ح تم الإتفاق على الهيكل التنظيمي المؤقت لـــ (تقدم) ليشمل الهيئة القيادية التحضيرية، برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك ، للقيام بالمهام الرقابية والإشرافية ومتابعة التحضير للمؤتمر التأسيسي.
وتضم الهيئة القيادية عدد ستين عضوا وعضوة، وقد توافق الاجتماع على أن تمثل القوى غير الحزبية من لجان المقاومة والنقابات والاجسام المهنية وتنظيمات ومبادرات المجتمع المدني،والتنظيمات النسوية، نسبة 70% من الهيئة القيادية، بينما تمثل التنظيمات والتحالفات السياسية وحركات الكفاح المسلح نسبة الـــــــ 30 % فقط. وتوافق الإجتماع ايضاً على مكتب تنفيذي تنيسقي من ثلاثين عضو(ة)، يمثلون ذات نسب الفئات المكونة للهيئة القيادية لــــ(تقدم)، كما حددت مهام المكتب التنفيذي للقيام بالاعباء العاجلة والتحضير للمؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بما في ذلك تكوين لجنة تحضيرية وسكرتارية فنية للمؤتمر ، والذي قرر له ان ينعقد خلال الاسابيع الثمانية القادمة، وسوف تعمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر التأسيسي المنبثقة عن الهيئة القيادية المؤقتة لان يكون عدد المشاركين الف مشارك ومشاركة مع تخصيص نسبة 30% كحد أدنى لمشاركة النساء وفي هذا السياق نحيي فئة المهنيين والنقابات التي شكلت النساء نسبة 45% من ممثليها في الهيئة القيادية التحضيرية.
لقد كان تخصيص نسبة 70% من الهيئة القيادية والمكتب التنفيذي لقوى غير حزبية قرارا توافقيا القصد منه توسيع مشاركة قطاعات كبيرة فاعلة في المجال الديمقراطي وغير منتمية لأحزاب سياسية، لا سيما وان البلاد مقبلة على انتقال تأسيسي جديد يتطلب نجاحه مساهمة كل الخبرات الوطنية من موقع شراكة حقيقية وعادلة، وهذا التوافق نعتبره مأثرة لهذا الاجتماع تتساوى في فضلها القوى الحزبية والقوى غير الحزبية، وهنا لا بد ان نؤكد ان هذا الاجراء بعيد كل البعد عن نزعة الهجوم على الأحزاب وتجريمها حسب ثقافة الانظمة الدكتاتورية، فالأحزاب مؤسسات مهمة ولها دورها المفصلي في نجاح أي تجربة ديمقراطية وظرفنا الراهن يستوجب اعلاء روح العمل الجماعي بين كل الفاعلين.
لقد نجح الاجتماع التحضيري عبر مناقشات عميقة بين المشاركين شملت محاور رئيسة هي المحور السياسي والمحور الاقتصادي ومحور العمل الإنساني والمحور الإعلامي، نجح في بلورة مسودات لأوراق العمل التي ستعرض على “المؤتمر التأسيسي”، كما قرر الاجتماع تنظيم ورش عمل تخصصية لتقديم توصيات مفصلة في القضايا التالية:
1. تطوير الموقف التفاوضي للقوى المدنية
2. الإصلاح الأمني و العسكري
3. العدالة الانتقالية
4. إعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة ( الخدمة المدنية والأجهزة العدلية)
5. السلام ورتق النسيج الاجتماعي و محاربة خطاب الكراهية
6. صناعة االدستور الدائم
7. البرنامج الاقتصادي لإعادة البناء والاعمار
8. قضايا الولايات و الحكم المحلي
في المحور السياسي قرر الاجتماع التحضيري تحويل ورقة ” الموجهات العامة للعملية التفاوضية لوقف الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية” للهيئة القيادية المؤقتة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية”تقدم” لاعتمادها كمسودة موقف تفاوضي للقوى الديمقراطية المدنية.
كما أجاز “اسس ومبادئ إنهاء الحرب وتأسيس الدولة السودانية” واهمها ان التصورات للحلول السياسية يجب أن تحافظ على وحدة السودان وسيادته على كامل أراضيه، و تضمن قيام دولة مدنية ديمقراطية مستقلة ذات سيادة ، وان الضمان لبقاء السودان موحدا هو تأسيس دولة المواطنة، التي تعرف نفسها تعريفا شاملا يتضمن الأبعاد التاريخية والحضارية لمكوناته المتعددة و المتنوعة. دولة ذات رؤية ديمقراطية تنموية تشاركية وعادلة تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان و الثقافات و تجرّم كافة أشكال التمييز، وأن جهود وقف الحرب وإعادة البناء وعمليات التأسيس لهذه الدولة يجب أن تقوم على عملية سياسية تفاوضية لا تستثني أي فصيل سياسي سوى المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وواجهاتها و كل من دعم و يدعم حرب الخامس عشر من أبريل، وان الاصلاح الأمني والعسكري وصولا الى الجيش الوطني المهني الواحد، وخروج الجيش والامن والشرطة والدعم السريع من النشاط السياسي والاقتصادي، والعدالة الانتقالية والعلاقات الخارجية المتوازنة شرط اساسي من شروط الانتقال التأسيسي.
شدد الاجتماع التحضيري على ان التصدي للكارثة الانسانية المترتبة على الحرب واجب اللحظة الذي لا يحتمل التأجيل إذ يوجد في السودان ما لا يقل عن عشرين مليون شخص بحاجة الى الغوث الانساني في ظل فراغ سياسي واداري واستشراء للفساد أدى الى عدم وصول الإغاثة لمستحقيها الامر الذي يستوجب مجهودات وطنية ودولية لإدارة الاغاثة الانسانية وفي هذا السياق لا بد من اتفاق لوقف اطلاق النار وفتح الممرات الامنة للاغاثة برقابة دولية واعتماد طرق جديدة لدخول المعونات وايصالها لمستحقيها ومناشدة كل من الجيش والدعم السريع تسهيل مرور الاغاثة الى داخل مناطق سيطرتهم، ومناشدة الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو فتح مسارات الرعي لان اغلاقها يتسبب في احتقان يهدد بتمدد الحرب في كردفان الكبرى.
ان السودان بعد مخاض الدم والدموع وكل اوجاع الحروب التي نتمنى ان تكون حرب الخامس عشر من أبريل آخرها، يستحق الحرية والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية ، يستحق التقدم الى الامام لا الردة الى الخلف، ولن يتقدم السودان بغير وحدة وتنظيم وفاعلية قواه الديمقراطية، كلنا ثقة في النجاح في عقد “المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية(تقدم)” ونتطلع ان يخرج ذلك المؤتمر برؤية سياسية والية تنفيذية ومؤسسة رقابية وقيادة متوافق عليها للقوى المدنية الديمقراطية.
ختاما : تتقدم اللجنة التحضيرية نيابة عن المشاركين والمشاركات بالشكر للمجتمع الدولي لدعمه لوحدة القوى المدنية الديمقراطية وتناشده ممارسة اقصى الضغوط على طرفي القتال للقبول بوقف اطلاق نار للاغراض الانسانية ومن ثم انهاء الحرب.
كما تتقدم اللجنة التحضيرية وكل المشاركين بوافر الشكر والتقدير لدولة إثيوبيا الشقيقة، حكومة وشعبا، لاستضافتها للاجتماع التحضيري الممهد للمؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.
، نعم لإنهاء الحرب وبناء السلام المستدام
المجد والخلود لشهداء/ات الوطن النازف
نعم لتحقيق شعارات الثورة حرية سلام عدالة
اللجنة التحضيرية لمؤتمر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”
أثيوبيا، أديس ابابا
الخميس 26 اكتوبر 2023
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: البيان الختامي نبض السودان ينشر الاجتماع التحضیری اللجنة التحضیریة الهیئة القیادیة الشعب السودانی القوى المدنیة ثورة دیسمبر
إقرأ أيضاً:
في شهرها العشرين وقف الحرب واستدامةالديمقراطية؟
بقلم : تاج السر عثمان
١
تدخل الحرب اللعينة في السودان شهرها العشرين، مع استمرار جرائم الابادة الجماعية التي يمارسها الدعم السريع في شرق الجزيرة ودارفور وبقية المناطق وقصف الجيش للمدنيين بالطيران، مع تزايد مآسي الحرب، والمزيد من فقدان الأرواح والتهجير القسري وما يتبعه من نهب الأراضي الزراعية والممتلكات، وماسي إنسانية، اضافة للقمع الوحشي والتعذيب حتى الموت للمعتقلين السياسيين ولجان المقاومة والناشطين في لجان الخدمات في سجون طرفي الحرب ، والمحاولة السافرة لظهور المؤتمر الوطني في الحياة السياسية ومخاطبة مجرمي الحرب مثل: احمد هارون و البشير لاجتماعه ، مما يؤكد ان هدف الحرب تصفية الثورة، وإعادة التمكين للإسلامويين مرة أخرى، الأمر الذي وجد رفضا وَاستنكارا شديدا من الجماهير.
كما فشلت الحلول الخارجية في منابر جدة واخرها منبر جنيف في وقف الحرب، ونجلي التدخل الدولي الهادف لنهب ثروات البلاد والداعم لطرفي الحرب،وإطالة أمدها، في مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن لحماية المدنيين الأخير، الذي اوقفته روسيا باستخدام حق" الفيتو"، وهو تعبير عن الصراع الدولي لنهب الموارد بين المحاور الداعمة لطرفي الحرب، وشن الحروب من أجل ذلك كما في الحرب الروسية - الاوكرانية وحرب غزة.،الهادفة لنهب الموارد وتمزيق وحدة بلدان المنطقة.
كما برزت الدعوات للتدخل العسكري الدولي لوقف الحرب، علما بأن تجارب التدخل كانت غير حميدة كما حدث في : دارفور، اليمن ، ليبيا، العراق وسوريا. الخ. العامل الحاسم هو وحدة وصمود الحركة الجماهيرية في الداخل، والعامل الخارجي مساعد، فوحدة السودانيين كما أكدت التجربة الماضية لعبت دورها في اسقاط النظم الاستعمارية والديكتاتورية، كما حدث في الاستقلال ١٩٥٦، ثورة أكتوبر 1964، انتفاضة مارس - أبريل ١٩٨٥، وفي ثورة ديسمبر 2018.
التدخل الدولي الداعم لطرفي الحرب بالسلاح والعتاد بات معروفا بهدف نهب الذهب وبقية المعادن والأراضي وغيرها من ثروات البلاد، وإيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر، مع اشتداد حدة الصراع الدولي على الموارد في السودان وأفريقيا، وشن الحروب لتحقيق ذلك الهدف.
كما يستمر التدهور في الأوضاع المعيشية والصحية، مع خطر المجاعة الذي يهدد ٢٥ مليون سوداني حسب بيانات الأمم المتحدة، واستمرار تدهور الاقتصاد السوداني كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي الأخير متوقع تراجع الاقتصاد السوداني الي ٢٠٪ بنهاية العام ٢٠٢٤ ،مع استمرار انخفاض الجنية السوداني وارتفاع الأسعار، وتعطيل الزراعة والصناعة والخدمات بسبب الحرب، اضافة لعدم فتح المسارات الآمنة لوصول الأغاثات للمتضررين.
٢
كما فشلت الحلول الخارجية في تحقيق الديمقراطية و السلام العادل والشامل،كما حدث بعد اتفاقية نيفاشا التي أدت لفصل الجنوب، وبعد ثورة ديسمبر 2018 في التسوية على أساس الوثيقة الدستورية "المعيبة" وانقلاب ٢٥ أكتوبر 2021 عليها الذي قاد للحرب الحالية، ومحاولة إعادة التسوية والشراكة مع العسكر والدعم السريع التي تعيد إنتاج الحرب بشكل أوسع من السابق وتقود لتمزيق وحدة البلاد، بينما المطلوب استدامة الديمقراطية بخروج العسكر والدعم السريع من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية،إضافة للمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
بالتالي هناك ضرورة للاستفادة من التجارب السابقة، في استدامة الديمقراطية، َتحقيق السلام العادل والشامل، ووقف الحرب ومواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها ومهام الفترة الانتقالية وأهمها عقد المؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم ، وإقرار دستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهه في نهاية الفترة الانتقالية.
٣
كما اشرنا سابقا، بعد الاستقلال كانت جماهير شعبنا تتطلع لاستكماله بالاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي، وترسيخ الديمقراطية والتعددية السياسية ومعالجة مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية لا الانقلاب عليها ، وانجاز التنمية المتوازنة في كل أنحاء البلاد، بإنجاز الدستور الدائم، وقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع غض النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة أو الفكر السياسي والفلسفي، ولكن ذلك لم يتم مما أدى لدخول البلاد في حلقة جهنمية من انقلابات عسكرية وأنظمة ديكتاتورية شمولية أخذت 58 عاما من عمر الاستقلال البالغ أكثر من 68 عاما، وأسهمت تلك الأنظمة العسكرية في تكريس قهر الجنوب وانفصاله، اضافة للمناطق المهمشة، والتنمية غير المتوازنة ومصادرة الديمقراطية والحقوق الأساسية، وتكريس التنمية الرأسمالية والفوارق الطبقية والتبعية للدول الغربية حتى بلغت ديون السودان حاليا أكثر من 60 مليار دولار، مما يتطلب الاستفادة من تجارب فشل الديمقراطية الأولي والديمقراطية الثانية والثالثة التي تناولناها بالتفصيل في الدراسات السابقة بنجاح الفترة الانتقالية الحالية التي نشأت بعد ثورة ديسمبر 2018 ، في ترسيخ السلام والحل الشامل والعادل الذي يخاطب جذور الأزمة، ولا يعيد إنتاج المظالم والقهر والحرب، والديمقراطية المستدامة والتنمية المتوازنة، وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية، وقيام علاقات خارجية متوازنة تكرّس السيادة الوطنية.
٤
ويفيد ان نعيد هنا نشر أهم ملامح تجارب الفترات الانتقالية التي تم اجهاضها:
ا - تجربة الفترة الانتقالية بعد ثورة أكتوبر 1964م
بعد ثورة أكتوبر، ونجاح الاضراب السياسي والعصيان المدني الذي قادته جبهة الهيئات، تمّ تكوين الحكومة الانتقالية الأولي بعد مفاوضات بدأت في البداية بين جبهة الأحزاب وقيادات من القوات المسلحة ، وفي وقت لاحق انضم اليها مندوبو جبهة الهيئات، وحزب الشعب الديمقراطي والحزب الشيوعي.
كان برنامج الفترة الانتقالية للحكومة الجديدة :
- حل مشكلة الجنوب ووقف الحرب الأهلية، ومكافحة الفساد.
- حل مشاكل الجماهير المعيشية والاقتصادية
- اعداد قانون انتخابات لانتخاب جمعية تأسيسية في نهاية الفترة الانتقالية لاعداد دستور دائم للبلاد.
لكن تم الفشل في انجاز مهام الفترة الانتقالية بسبب الضغوط من حزب الأمة والأحزاب التقليدية علي حكومة سر الختم الخليفة ، لدرجة تسيير المواكب من المليشيات المسلحة ضدها لاسقاط الحكومة، واشتدت ضغوط حزب الأمة علي سرالختم الخليفة رئيس الوزراء ، فاضطر لتقديم استقالة حكومته في 28 ديسمبر1965، بعد أن اشتدت الضغوط عليه.
بعد استقالة سرالختم الخليفة ، تمّ تشكيل حكومة جديدة في 24 فبراير 1965 ، كان نصيب كل من حزب الأمة والوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وكتلة الجنوبيين بثلاثة وزراء ، وتمثيل كل من الحزب الشيوعي والإخوان المسلمين بوزير واحد، بالتالي اصبح للأحزاب التقليدية الأغلبية فيها ، وتمّ الاسراع في الانتخابات المبكرة التي تقرر عقدها في يونيو 1965.
حتى الانتخابات المبكرة لم يتم الصبر عليها ، وتم حل الحزب الشيوهي الذي قاز فيها ب 11 نائبا ، وطرد نوابه من البرلمان ، مما قاد للازمة الدستورية وتقويض الديمقراطية ، والي انقلاب 25 مايو 1969.
ب - الفترة الانتقالية بعد انتفاضة مارس – ابريل 1985
بعد انتفاضة مارس – ابريل ونجاح الاضراب السياسي العام الذي قاده التجمع الوطني لانقاذ الوطن،جاء ميثاق التجمع الوطني الذي حوي النقاط التالية:
- فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات، مهامها تنظيم العمل السياسي بموجب دستور 1956 المعدل 1964.
- كفالة الحقوق والحريات الأساسية.
- الحل السلمي الديمقراطي لقضية الجنوب في اطار الحكم الذاتي الموحد.
- التحرر من التبعية الاقتصادية والاصلاح الاقتصادي بخلق بنية اقتصادية تحقق العدل والكفاءة، ومواجهة المجاعة وشح المواد التموينية والغلاء، السيادة الوطنية والتحرر من التبعية للقوى الخارجية.
- قيام علاقات خارجية متوازنة.
- تصفية أثار مايو وقوانيتها القمعية، والطبقة الطفيلية المايوية.
- اصلاح الخدمة العامة، وتصفية المؤسسات المايوية الخربة، تأكيد مبدأ الحكم الامركزي.
- حكم البلاد بعد الفترة الانتقالية بواسطة دستور يقره برلمان منتخب ديمقراطيا .
لكن انقلاب الفريق سوار الذهب قطع الطريق أمام الانتفاضة ،مما أدي لتخوف التجمع من هيمنة الحكم العسكري ، فبادر بتقليص الفترة الانتقالية من ثلاث سنوات الي سنة واحدة، بعد ها يتم تسليم السلطة في انتخابات لممثلي الشعب وتمت انتخابات 1986 المعروفة ، ولم تصير الجبهة الإسلامية علي الديمقراطية ، وكان انقلاب 30 يونيو 1989 .
ج - الفترة الانتقالية بعداتفاقية نيفاشا
جاءت مهام الفترة الانتقالية بعد اتفاقية نيفاشا في الاتي:
- تغليب خيار الوحدة علي أساس العدالة ورد مظالم شعب جنوب السودان، وتخطيط وتنفيذ الاتفاقية بجعل وحدة السودان خيارا جاذبا وبصفة خاصة لشعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا (بروتكول مشاكوس).
- كما جاء في بروتكول مشاكوس، هو التحول الديمقراطي وقيام نظام ديمقراطي يأخذ في الحسبان التنوع الثقافي والعرقي والديني والجنسي واللغة والمساواة بين الجنسين لدي شعب جنوب السودان، وكفلت الاتفاقية الحقوق والحريات الأساسية، وأكدت علي أن يكون جهاز الأمن القومي جهازا مهنيا ويكون التفويض المخول له هو تقديم النصح والتركيز علي جمع المعلومات وتحليلها (المادة:2-7 -2-4)، وتم تضمين ذلك في وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لسنة 2005م، علي أن يتوج ذلك بانتخابات حرة نزيهة تحت اشراف مفوضية للانتخابات مستقلة ومحايدة(المادة:2-1-1-1)، واستفتاء علي تقرير المصير في نهاية الفترة الانتقالية يدعم ويعزز خيار الوحدة.
ا- كما جاء في بروتكول مشاكوس: ايجاد حل شامل يعالج التدهور الاقتصادي والاجتماعي في السودان، ويستبدل الحرب ليس بمجرد السلام، بل أيضا بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الانسانية والسياسية الأساسية لجميع الشعب السوداني.
كانت تلك الأضلاع الثلاثة الحد الأدني الذي بنت عليه جماهير الشعب السوداني الآمال العراض و تأييدها للاتفاقية التي اوقفت نزيف الحرب، رغم عيوب الاتفاقية التي لا تخطئها العين، التي كانت ثنائية ،وتم استبعاد ممثلي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني الأخري، ولا سيما أن الاتفاقية تناولت قضية أساسية تتعلق بمصير السودان ووحدته فلا يمكن ان تترك لشريكين، فالمؤتمر الوطني لايمثل الشمال ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب، وكانت الحصيلة شراكة متشاكسة كّرست الشمولية والديكتاتورية.
اضافة للثغرات الأخري في الاتفاقية مثل تقسيم البلاد علي أساس ديني، واقتسام السلطة الذي كرّس الصراع بين الشريكين وهيمنة المؤتمر الوطني في الحكومة المركزية والمجلس الوطني من خلال الأغلبية الميكانيكية والتي افرغ بها المؤتمر الاتفاقية من مضمونها وتم إعادة إنتاج الشمولية والديكتاتورية، اضافة لوجود نظامين مصرفيين والذي اكدت التجربة العملية فشله، اضافة للخلل في توزيع عائدات النفط بين الشمال والجنوب والتي لم تذهب الي التنمية وخدمات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والبنيات الأساسية.الخ.
لكن، كما هو معروف لم يتم تنفيذ الاتفاقية بالشكل المطلوب، وكانت النتيجة انفصال الجنوب.
د - تجربة الفترة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر 2018
تناولنا هذه الفترة بتفصيل في دراسات ومقالات سابقة التي كانت أهم معالمها قطع انقلاب اللجنة الأمنية الطريق أمام الثورة ، ومجزرة فض الاعتصام أمام القيادة العامة والولايات لتصفية الثورة ، اضافة لتراجع قوى الحرية والتغيير عن ميثاق إعلان الحرية والتغيير الذي وقع في يناير 2018 الذي ركز على قيام الحكم المدني الديمقراطي ، بالتوقيع على الوثيقة الدستورية التي كرّست الشراكة مع العسكر وقننت الجنجويد دستوريا ، وحتى الوثيقة الدستورية تم الانقلاب عليها بالتوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب ،والهادف لتصفية الثورة ، وانقلاب 25 أكتوبر ، بعد ذلك تم الانقلاب على الاتفاق الإطاري بعد صراع العسكر والجنجويد على فترة دمج الجنجويد في الجيش ، مما أدي لانفجار الحرب الراهنة التي قضت على الأخضر واليابس.
مما يتطلب وقف الحرب ومواصلة الثورة ، واستلهام الدروس السابقة والخروج من الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية وتنفيذ المواثيق التي يتم الاتفاق عليها ، وهذا ما نعنيه بترسيخ الحكم المدني الديمقراطي واستدامة الديمقراطية الذي يبدا بقيام نظام ديمقراطي مستدام، وتنمية متوازنة، وسلام عادل وشامل، وقيام علاقات خارجية متوازنة مع كل دول العالم، وضمان السيادة الوطنية، وحماية ثروات البلاد، وانجاز أهداف ثورة ديسمبر ومهام الفترة الانتقالية .
alsirbabo@yahoo.co.uk