الجزيرة:
2024-12-22@19:41:52 GMT

بعد أكثر من شهر على الكارثة.. كيف تبدو درنة الليبية؟

تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT

بعد أكثر من شهر على الكارثة.. كيف تبدو درنة الليبية؟

مضى شهر ونصف الشهر على الكارثة التي حلت بمدينة درنة الليبية والأحوال في لا تتحسن بسرعة.

ففي العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، ضربت العاصفة دانيال المتوسطية شرقي ليبيا، وتسببت أمطارها الاستثنائية (400 ملم) في غرق مدن الجبل الأخضر، في حين أدى تراكم المياه إلى انهيار سَدَّي وادي درنة واختفاء ثلث المدينة من الخريطة، بعد أن اقتُلعت المباني من قواعدها وجُرفت بسكانها نحو البحر، وانهارت كل الجسور الرابطة بين ضفتي درنة ومع المدن الأخرى أيضا، هذا بالإضافة لأضرار أقل في المناطق الأكثر ارتفاعا.

ومع أن الأزمة أسفرت عن تلاحم اجتماعي غير مشهود في السنوات الأخيرة بين الليبيين تجلى في حملات إنقاذ وإغاثة تنادت لها كل المدن، تأثر التعاطي الرسمي مع الأزمة بالانقسام السياسي والصراع بين حكومتي طرابلس وبنغازي، في وقت لم يتضح فيه بعد مسار البلاد نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ 2021.

وبعد مرور شهور على السيول التي أودت بحياة الآلاف، لم يتمكن عدد كبير من الناجين حتى الآن من العثور على أحبائهم بينما يحتدم الخلاف بين الفصائل الليبية المتنازعة حول من يتحمل مسؤولية هذه الكارثة وسبل إعادة بناء المدينة المدمرة.

وتجلى واقع التعاطي الحكومي الضعيف في سوء تنظيم جهود الإنقاذ والإغاثة وتحديث الإحصائيات.

ولم يُكشف رسميا إلى الآن عن أعداد نهائية للمفقودين، في حين بلغت آخر إحصائية للوفيات 4278 شخصا، حسب الناطق باسم القوات المسلحة أحمد المسماري.

ثلث المدينة اختفى

ولا تُقنع هذه الأرقام أحد وجهاء درنة، الذي اكتفى بلقبه العوكلي، ويعلق عليها قائلا لوكالة الأنباء الألمانية "اختفاء ثلث المدينة يعني أن 40 ألف شخص تأثروا مباشرة من السيول، إما جرفا نحو البحر أو ردما تحت الطمي، أو نجوا بصعوبة بالغة، ولهذا فالأرقام المُعلنة لا تصل حتى لنصف الضحايا".

ونقلا عن بعض سكان درنة، فإن توقعاتهم للوفيات والمفقودين تتراوح بين 10 إلى 15 ألفا، ويرجح البعض أن تفوق ذلك.

من جهته، يوضح الناطق باسم الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين عبد العزيز الجعفري أن أرقام الوفيات المعلنة "تخص فقط من تم التعرف على هوياتهم". ويُفصح قائلا: "كثيرون تم دفنهم من دون التعرف عليهم ولا أخذ عينات البصمة الوراثية، خاصة خلال الأسبوع الأول، ولهذا يجب استخراج هؤلاء لأخذ عينات وإجراء مقارنات فحوص البصمة الوراثية مع أسر المفقودين، وهذا ما سنشرع في تنفيذه لاحقا".

وفي رد على افتراضات البعض أن هذه الإجراءات ستستغرق وقتا طويلا، مستندين إلى تأخر إغلاق ملف مقابر ترهونة الجماعية المفتوح منذ 2020، يقول الجعفري: "المسألة لن تطول، فمقابر درنة معروفة المكان، على عكس ترهونة التي استغرق اكتشافها وقتا".

ويشير الجعفري إلى أن تقاطع التخصصات "عرقل جهود التعرف على الجثث وتحديث أعداد الوفيات المؤكدة"، لكن الاجتماع الأخير الذي نسقه النائب العام بين الهيئة وقادة فرق الطب الشرعي، والمباحث الجنائية، "وزَع المهام، وسَيُسَرِع الوتيرة"، كما يتوقع.

وأكد الجعفري شروع فرقهم بأخذ العينات من أقارب المفقودين، مُبديا قلقه من أن وفاة عائلات كاملة قد يعطل بعض الفُحوص.

وفي مقابل ذلك، يتوقع العوكلي وجود أغلب المفقودين في عمق البحر بعد شبه اكتمال البحث تحت الأنقاض. ومع تنازل الأعداد المنتشلة يوميا إلى بضع عشرات يتولَد سؤال عن مصيرهم، وعن الاحتمالات التي باتت ضعيفة في العثور عليهم جميعا، وهو أمر يؤرق الدرناويين.

أطلال وأشلاء

وفي السياق، يؤكد مدرب الغوص مروان الوليد صحة هذه الهواجس، حين يقول: "جثث كثيرة تمزقت أو تهشمت وتقطعت أوصالها قبل الوصول إلى البحر، بسبب انهيار المنازل قبل الجرف، والاصطدام في أثنائه بركام وصخور المدينة والأشجار القادمة من عمق الوادي".

ويضيف أن غرق الجثث في البحر ترافق مع درجات مياه عالية ساعدت على سرعة التحلل، وكذلك تيارات قوية أدت لانتشارها على نطاق أوسع حتى وصلت شواطئ طبرق، نحو 150 كلم إلى الشرق.

ومع هذه الحرارة، يفترض الوليد "طفو أغلب الجثث في غضون 4 أيام بعد بدء التحلل وتشكل الغازات داخلها"، وهو ما ساعد في العثور على كثير منها خلال الأسابيع الأولى. لكن "وجود جثة داخل سيارة مثلا أو تراكم الركام فوقها يعوق الطفو، ويستوجب جهودا أكثر، ربما لا تكلل كلها بالنجاح"، على حد وصفه.

ويؤكد العوكلي استمرار استخراج الجثث من داخل السيارات المنتشلة من ميناء درنة، ويتوقع وجود أعداد كثيرة من السيارات وكميات ضخمة من الركام داخله قد تعوق ظهور مزيد.

وبُنيت مدينة درنة على نهر موسمي يمتد من سلسلة جبلية إلى البحر، وهي مدينة ساحلية تقع في شرق ليبيا وتُعرف بأنها مركز ثقافي.

ويبدو الدمار الآن على نطاق مختلف، فبين عشية وضحاها، تحول واد ضيق يمتد بين الشوارع والمباني الأنيقة إلى مساحة واسعة من الطين والصخور وكتل مواد البناء.

لكن ترتيب عملية إعادة إعمار درنة سيكون معقدا مع انقسام ليبيا بين حكومة معترف بها دوليا في طرابلس بالغرب، والمناطق الشرقية التي يسيطر عليها حفتر مع مؤسسات موازية.

عودة تدريجية للحياة

وداخل المدينة، بدأت تظهر بعض ملامح عودة الحياة، ولو على استحياء، فقد انتعشت من جديد الأحياء المرتفعة الأقل ضررا، مثل: السلام، وشيحا، وباب طبرق، في حين تحسنت الأمور نسبيا وسط المدينة الساحلي بعد أعمال تنظيف تطوعية شبابية، لكن مستجدات أخرى بدأت تزعج السكان.

وبدأت القصة -وفق حديث العوكلي- بعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الأهالي يوم 18 سبتمبر/أيلول الماضي، ومطالبتهم بإقالة شخصيات سياسية ومحاسبتهم عن التأخر في صيانة السدود قبل انهيارها. وقد اتخذت السلطات عقب ذلك إجراءات مشددة ضد السكان والناشطين والصحفيين، وفرضت قيودا على المساعدات القادمة من غرب البلاد.

يقول العوكلي "منذ ذاك توقفت الإعانات الإنسانية عن دخول المدينة، وبدأت أعداد النازحين خارجها في التزايد".

وفي تصريح لوسائل الإعلام، كشف المستشار العام بمركز البحوث النفسية بالهيئة الليبية للبحث العلمي خالد المختار عن "وجود 1085 أسرة نازحة من درنة في المدن الليبية"، بينما قدرت البعثة الأممية "نزوح 43 ألف شخص"، ومن غير المستبعد أن تكون الأرقام أكثر، خاصة مع بدء بعض شباب درنة في تركها فُرادى، كما تشير الشواهد.

ولعل الشباب هم الأكثر تأثرا بكارثة درنة، فقد أكد العوكلي انتحار 6 منهم حتى الآن بسبب الضغوط النفسية، في حين أعلن رسميا عن انتحار 4 حتى الآن، وفق تصريح المختار، الذي كشف عن ظهور العديد من الأعراض كالقلق الحاد، والخوف، وعدم قبول الآخر، والاكتئاب، والإحباط، وانفصام الشخصية واضطرابات النوم، معبرا عن تخوفهم من "عدم حدوث توافق اجتماعي ونفسي للأهالي والأسر النازحة بشكل قد يدفع لمواجهة كثير من الأمراض العقلية وتعاطي المخدرات والخمور".

وكانت وزارتا الصحة بالحكومتين قد أعلنتا عن تشكيل لجان خاصة بالدعم النفسي، لكن يبدو أن الفعل والأثر "لم يتعد تشكيل اللجان بكثير"، وفق ما يفيد العوكلي الذي نفى رؤية أي لجان نفسية في المدينة، باستثناء بعض شباب الكشافة الذين يرفِهون عن الأطفال أحيانا، كما يقول.

وفوق كل ذلك، يبدو أن هناك خطرا آخر يهدد درنة، كما يشير الناشط محمد سعيد، ويتمثل في أن "غياب السدود سيجعلها عرضة لفيضانات أخرى قد تحدث خلال الشتاء الذي يطرق الأبواب". وقد أدت الأمطار الأخيرة إلى انجرافات جديدة في طرق المدينة. ولذلك، وكما يقول العوكلي، فإن "القلق والخوف من الغد هما عنوان العيش في مدينة بات أطفالها يرتعدون بمجرد سماع صوت المطر".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی حین

إقرأ أيضاً:

مجازر ليلية ضد النازحين.. والمناشدات الأخيرة من مشفى كمال عدوان تحذر من الكارثة

استشهد ثمانية فلسطينيين وعدد من المصابين إثر قصف جوي إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين بحي الدرج شرقي مدينة غزة

كما استشهد خمسة فلسطينيين وأصيب آخرون بينهم أطفال ونساء، بقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلا بمدينة دير البلح، وسط قطاع غزة.

في ذات الوقت، أعلن مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش، أن الجيش الإسرائيلي أنذر إدارة مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع بإخلائه فورا.

وأكد البرش أن مستشفى كمال عدوان يواجه وضعا كارثيا مع تعرضه لهجوم إسرائيلي غير مسبوق.

لا تناموا وتدعوا "كمال عدوان" تباد في صمت كما الشفاء، انقطعت التغطية وأطبق الجيش واستحالت المخارج وضاقت الأرض؛ فحرروا ولو ألسنتكم، لا هنئ نائم وهم يقظون من رعب! pic.twitter.com/lm42bjy0XR — يوسف الدموكي (@yousefaldomouky) December 21, 2024



وقال، "مستشفى كمال عدوان، في وضع كارثي، الجيش الإسرائيلي يطلب إخلاء المستشفى فورا، بينما يتعرض لقصف مباشر بالقذائف"، مضيفا أن "الاحتلال استهدف المشفى بنيران القناصة وإطلاق القذائف من الدبابات على أقسامه المختلفة".

كما أشار البرش إلى أن النيران اخترقت الجدران ووصلت إلى داخل الأقسام، متسببة بأضرار جسيمة جدا، خصوصا في أقسام الأطفال والعناية المركزة، مبينا أن الهجوم غير مسبوق، والطواقم الطبية اضطرت إلى التجمع في مكان واحد بحثاً عن السلامة.

كما ناشد البرش، دول العالم للتحرك العاجل لوقف هذه الاعتداءات التي تعرض حياة المرضى والطواقم الطبية للخطر.

وفي وقت سابق السبت، أعلن مدير مستشفى كمال عدوان حسام أبو صفية أن المشفى يتعرض لهجوم إسرائيلي “غير مسبوق” بالقذائف التي اخترقت أقسامه متسببة في أضرار جسيمة.

الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان: نحن نحمل العالم مسؤولية ما يحدث لنا. pic.twitter.com/tn0qYt5nkT — أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) December 21, 2024

وقال أبو صفية، إن المستشفى تعرض للقصف المباشر بالقذائف والنيران، التي اخترقت الجدران وأصابت أقساما عدة، بما فيها أقسام الأطفال والحضانة، مُلحقة أضرارا جسيمة.

وأضاف، أن هناك هجوما غير مسبوق على المشفى والأطباء، حيث تجمع الأطباء في مكان واحد، ونتعرض لهجمة غير طبيعية.

كما أكد أن النيران اخترقت جدران الأقسام، محدثة أضرارا جسيمة”، محملا المجتمع الدولي مسؤولية عما يحدث للمستشفى.

من جانبها، أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة في بيان أن المستشفى يتعرض حاليا لقصف مكثف وعنيف جداً، بطريقة غير مسبوقة، دون أي سابق إنذار، مستهدفا قسم الرعاية والحضانة.

وأضافت أن القصف يتم باستخدام القنابل المتفجرة ونيران الدبابات، محملة العالم المسؤولية عما يحدث، ونطالبهم بتحمّل مسؤولياتهم تجاه معاناتنا.

ولفتت الوزارة إلى أنه “من غير المقبول أن يبقى العالم صامتاً وغير قادر على حماية المنظومة الصحية”.



وقالت “نتعرض للهجوم أمام أعين الجميع، بينما يشاهد العالم بأسره، ومع ذلك لا يتدخل أحد في مواجهة هذه الهمجية”.

وبشكل يومي، تواصل دولة الاحتلال استهداف مستشفى كمال عدوان، ما يسفر عن وقوع شهداء وجرحى بين المرضى وأفراد الطواقم الطبية، بالإضافة إلى إلحاق أضرار كبيرة بالمستشفى.

ومطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، اجتاح الجيش الإسرائيلي مجددا شمال قطاع غزة، ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل ترغب في احتلال المنطقة وتحويلها إلى منطقة عازلة بعد تهجيرهم منها تحت وطأة قصف دموي ومنع إدخال الغذاء والماء والأدوية.>

مقالات مشابهة

  • تحضيراً لعقد الجلسة الرسمية.. وصول أعضاء مجلس النواب إلى درنة
  • مجازر ليلية ضد النازحين.. والمناشدات الأخيرة من مشفى كمال عدوان تحذر من الكارثة
  • جون أفريك: درنة.. إعادة إعمار بنكهة الفساد
  • المفوض العام للأونروا: وقف عمل الوكالة في فلسطين يعني الكارثة
  • بعثة الأمم المتحدة تزور مواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة
  • جون أفريك: مشاريع إعمار درنة تغذّي الفساد
  • المنظمات الأهلية الفلسطينية: نطالب بإرسال بعثات دولية إلى غزة لمتابعة حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها شعبنا
  • شاهد.. هكذا تبدو حمص بعد 13 عاما من القصف والدمار
  • جدعون ليفي: إسرائيل غارقة في الكارثة ومصابة بالعمى
  • من تبدو أفضل؟.. توأم إحداهما خضعت للبوتوكس على عكس أختها