اليمن وفلسطين.. نموذجا إستعمار واحتلال
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
أولا/في الفروق المفاهيمية:
----------------------------------
إذا كان مفهوم الإستعمار يتلخص بأنه ممارسة السيطرة التي تنطوي على إخضاع شعب لآخر؛فهناك إستعمار بمعنى الغزو والتملك السياسي،بقصد استغلالها/له،لا التوطن الدائم فيه/ها.
والإستعمار هذا أنواع عدة منها:
إستعمار سياسي:ويهدف إلى السيطرة على سياسات الدولة وعلاقاتها،ومواقفها وسلوكها.
وإستعمار عسكري : يروم السيطرة عن طريق القوة والإرهاب،أو اقتصادي بهدف السيطرة على الموارد الإقتصادية،وشل قدرة المجتمع على المجابهة،وهذا شكل الأساس المادي لأغلب أنواع الإستعمار،وصولا إلى تغيير تاريخ هذه الأرض عبر محو هويته التاريخية والحضارية،من خلال تزوير الحقائق التاريخية والثقافية،أو استعمالها في خدمة هيمنة ونفوذ المستعمر.
واستعمار تقافي:يستهدف القيم المجتمعية والثقافية،ويشكل أخطر أنواع الإستعمار،لأنه يعمل على محو الذات الحضارية،وتغيير الهوية،وإقامة علاقات غير متكافئة بين المستعمر والمستعمرة،أي إقامة تبعية ونفوذ وهيمنة.
وإستعمار اجتماعي: وأهم مظاهره التسبب في علو أو خلق طبقة،أو شريحة اثنية،أو طائفة،أو جماعة،أو حركة أو قوة اجتماعية،أو فئة على أخرى،أو باقي الفئات أو الطبقات،أو القوى،وحسب مصالح المستعمر،أي تعارض كلي بين مصالح تلك الفئة عن مصالح باقي الفئات أو القوى في المجتمع.كما أنه سببا في تشكيل قوة سياسية لفئة أو أقلية معينة داخل المجتمع،وبحسب رؤية ومصالح المستعمر نفسه،ناهيك عن ما يولده هكذا إستعمار من تعقيد التركيبة والعقد الإجتماعي في الدولة،إذ يخلط الأوراق في المجتمع،ويتسبب في إحداث شروخ اجتماعية كبيرة.
وإستعمار ثقافي وإعلامي:
يسعى لتغيير أيدلوجية الدولة والمجتمع،وصولا لإحلال هوية طائفية،وخلق ثقافة فئوية،منشطرة الوعي ومنقسمة على نفسها،من خلال تغيير المناهج،وإستبدال ثوابته الوطنية،وشطب الهوية القومية للدولة،وتجريد الفرد من عمق الإنتماء القومي/الوطني،وجعله في حالة اغتراب وبعد عن الواقع الحياتي،وصولا إلى التسبب عمليا في انفصام كامل عن الواقع والتاريخ القومي/الوطني،أي إخضاع منهجي لإطار مفاهيمي استعماري،وهوية ثقافية على الآخرين،إضافة إلى خلق تبعية حضارية.
وهذا يعني تغيير للبنية الإجتماعية،وللبنية المادية والإقتصادية،والثقافية كليا،أي إعادة تشكيل للمنظومة الثقافية للمجتمع وجعله أكثر ارتباطا بالمستعمر،أو الدولة المستعمرة للكيان.
هذا ما نجده حاصلا في اليمن مع إيران،ولذا يختلف عن الإحتلال الذي يهدف إلى السيطرة الدائمة على ارض بعينها،كما هو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
ولضرورة التمييز أكثر نجد الحوثية بوصفها "إستعمار داخلي" بإرادة وإدارة إيرانية وفي هذه العجالة نحاول تسليط الضوء على معناه وسماته،ودلالاته، ومدى ارتباطه بالمفاهيم أعلاه من ثم .
فالإستعمار الداخلي:مصطلح استخدم وظهر لأول مرة في كتابات مفكري امريكا اللاتينية،لوصف العلاقات بين النخب الحاكمة والشعوب التي تحكمها؛حيث وصفت بأنها استعمارية نظرا إلى طبيعتها الإستغلالية،والتي لا تختلف عن طبيعة العلاقة بين الدول الإستعمارية والشعوب المستعمرة.
وينشأ الإستعمار الداخلي من شعور عام بامتلاك قوة غاشمة"ميليشيا"لم تعتد أن تكون مسئولة،أو موضع مراجعة دائمة من جانب مؤسسات الدولة والمجتمع في آن معا.حيث يرتبط بالقوة تلك شعور آخر قوي للغاية،أي عقيدة امتلاك الدولة،وغزوها وسلبها للكيانية،وللمجتمع إرادته،ونجد هنا تواقف وتطابق ذلك مع ما سقناه من مفاهيم أعلاه،إذ أصبحت الفئة تلك،لا تقبل أي منازعة على الإطلاق فيما يخص عقيدة الملكية تلك.كما أنها أضحت قوة مسيطرة تتحكم في مؤسسات الدولة وتسخرها لتحقيق مصالحها الخاصة،غير مكترثة بحال الشعب الفقير والمحروم،تتحكم في الإقتصاد والتجارة والميليشيا لقمع اصوات كل معترض،ومنع قيام حركات سياسية معارضة،أو منافسة،وبعيدا عن كل الأطر القانونية والدستورية،وإجماع الشعب وقواه الحية.
إذ أن الحوثية كمفهوم وحركة وقوة ومصالح وتنظيم ميلاشوي،سري وعلني،وتسليح مرتبطة بإيران المستعمر،جماعة ربطت مصيرها ومصالحها وثقافتها،ونظامها وتنظيمها حتى شعارها ..كلها إيرانية،حتى تشريعاتها وقوانينها وممارساتها،محصلة مزج بين أهداف وشكل الإستعمار الإستيطاني وغيره من أنواع الإستعمار المبينة أعلاه،في السيطرة والهيمنة،وبين أدوات الدولة في التحكم وفرض السياسات-كما يقول مورغنسن.أي مصادرة مستقبل المجتمعات ومنع التطور الطبيعي-كما يقول أمبيمبي-،أو جعله رهنا ودائرا في فلك إيران.فإذا كان الإستعمار بمعناه اللغوي"استغلال أرض الغير استغلالا مباشرا،فالإستعمار إذن سياسة دولية،والرأسمالية نظام اقتصادي داخلي،أما الإمبريالية فهو اسم آخر لميزان القوى الإنتاجي والعسكري،وفقا لفكرة وتعبير عبدالله العروي.
ثانيا: البنى والسياسات:
-----------------------------
إذا كانت فلسطين في معنى حقيقي جدا،بعدا أساسيا في وجود وكيان ومصير كل دولة عربية،حسب فكرة وتعبير جمال حمدان،إذ تشكل القضية الفلسطينية بعدا وطنيا/قوميا،لكل الوحدات السياسية المشكلة للوطن العربي،أي أنها تشكل قمة التداخل والإلتحام العربي في النظرية والتطبيق كما يقول حمدان.
إذ يشكل الوجود الإسرائيلي أكبر عامل في اضطراب حياة العرب وعدم وضوح،واستقرار مستقبلهم،فأضحت إيران تشكل الرئة التي يتنفس من خلالها الإحتلال الإسرائيلي.حيث أنه كلما تحرك العرب خطوة نحو توحيد سياستهم الخارجية إزاء القضية الفلسطينية ،تحركت إيران لضرب تلك الإرادة عبر طائفيتها واستلحاقها وسيطرتها الإستعمارية لمراكز الثقل والإرث الحضاري والبشري في الوطن العربي،العراق/سوريا /اليمن/لبنان..إلخ.
إذ هي سياسة استعمارية اصابت مركز الزعامة الطبيعية الجغرافية_حسب حمدان- والتاريخية للعرب،وعملت على تفريقهم وتبديد وحداتهم ووحدتهم،واضعافهم وتجريدهم من كل فاعلية واحدية القوة تلك،وهذا ما شل مراكز الثقل والقيادة فيها لصالح إيران وأسرائيل،إذ أصبحت الدول العربية مستقلة شكليا،حيث افقدتهم إيران/ اسرائيل "حرية الحركة"-حسب وصف حمدان-، داخل دولهم ذاتها،أي مسا بالنواة الصلبة والإستراتيجية العظمى الكامنة في مكانة وجغرافية وتاريخية تلك الدول؛حيث نحرت إيران واسرائيل المركزية العربية لصالح المركزية الأوربية/الغربية،أي جعلتها مركزية آرية،وإيران لهذه السلالة تنتمي،وما تنازع أو ادعاء تنازع إيران معهم،الا من باب محاولة اقتسام المركزية تلك معهم،أو انتزاعها لصالحها المحض،أي لغة مستعمر جديد،بقديم ليس الا.
فوحدة الأسلوب الإيراني/الغربي/الإسرائيلي،يتأتى من واحدية العرق والهدف والإستراتيجية،وواحدية التفكير،إذ أضحت إيران المعادل الموضوعي للإحتلال/الإستعمار،إن لم يكن للصهيونية ذاتها،كحركة وقوة سياسية ودينامية معا.ناهيك عن ما تشكله إيران بأذرعها وطبقاتها الإستعمارية من تكامل في استراتيجية الكماشة،أو حدي المقص على العرب وقضاياهم،إذ هناك تناقض جذري بين الحرية وحق تقرير المصير العربي/الفلسطيني،وبين السياسة والإستراتيجية الإستعمارية الإيرانية والغربية على حد سواء. مما يعني أن لا مجال للعرب من فرض المساواة الإنسانية الحقة،ولا محل لهم من العزة القومية في هذا العالم،حسب تعبير جمال حمدان،وهذا إدراك غربي ولا وعي باطني لدى الإيرانيين ايضا.
كما نجد أن الطائفية في سياسة إيران واسرائيل عبارة عن بنى قارة،إذ أن صراعهما الكلامي حتى الآن صراع استعماري في العمق،صراع استعماري في ذاته،وإن يكن ضد استعماري في شكله،إذ هو نوع من صراع النازية والفاشية ضد الإمبريالية البريطانية والفرنسية،حول إعادة اقتسام مائدة الإستعمار العالمي للوطن العربي،وتحديد مناطق النفوذ والهيمنة.فمنذ أن ابتلى العرب بمشكل فلسطين،لم يكن اليهود وحدهم الجانب الرابح،بل كان الرابح ايضا الأتراك والفرس،حسب عبارة عبدالله العروي.وتاريخيا فقد كلفت بريطانيا عند انسحابها من الخليج العربي،بالسهر على مصالح الغرب،إذ كانت امريكا يومها غارقة في حرب فيتنام.
ناهيك عن ما تمثله إيران واسرائيل وتسترعيه من تمزيق لجغرافية العالم العربي وضرب وحدة التجانس،والوحدة القانونية والسياسية،وصولا للمكانة الجيواستراتيجية،وتحويلها إلى رأس متفجر لتبرير التوسع الإقليمي،وهو تكتيك الأمر الواقع،كما عرف عن اسرائيل،وفي النهاية والنتيجة تبتغي إيران واسرائيل،أن تصبح حدودها هي حدود ميليشياتهما،وتنظيماتهما، وكما أن لا صلة انثروبولوجيا بين يهود اسرائيل ويهود فلسطين القدامى،إذ انقطعت منذ أكثر من ٢٠قرنا-فكرة حمدان-،فلا صلة انثروبولوجية بين إيران الفارسية،وبين أي هاشمي عربي،اطلاقا-بافتراض عربيتهم لا الإدعاء الزائف أعني.
ومثلما نجد توحد الحقد التاريخي وتداخله مع الجيوسياسية للعالم العربي واتصاله ب العالمية،نجد استراتيجية الإستعمار الإيراني والإحتلال الإسرائيلي بادية للعيان،فالندية والكفاءة والمنافسة الخطرة لأوربا وفارس تاريخيا وحضاريا،وليس سياسيا وحربيا فحسب،ناهيك عن مستواه من حيث القوة كان الوطن العربي،إذ كان في وقت ما القوة والنواة للقوة العظمى الأولى في العالم،كما يذهب لذلك حمدان،أو كما يقول عبدالله العروي"لا يسمع للفرس أي صوت الا إذا فقد العرب وجهتهم القومية"،القومية هنا ليس بمعناه وحمولته الأيدلوجية.
وبهذا يمكن أن نغلب الإستعمار الإستراتيجي"الإيراني"على الإستغلالي في العالم العربي؛فعدم فهم وإدراك الكوارث يكون أقتل بالنسبة لشعب من مادية تلك الكوارث نفسها،حسب فكرة زريق عبر العروي،فكل استعمار هو صراع من اجل القوة،وهذا هو تاريخ الصراع الإستراتيجي بين العرب من جهة وبين إيران واسرائيل والغرب من جهة أخرى.
أخيرا:
إن السنة،كأمة وليس كطائفة، فتاريخيا لم يعرف السنة أنفسهم الا مرادفا للأمة بتعددها وتنوعها وغناها الفكري والحضاري،ولم تظهر كطائفة الا من خلال التناول الإعلامي المبتذل،يعاضده استراتيجية المستعمر بأنواعه واشكاله المختلفة،كقوة ثورية ومحافظة معا،هي التي تصدت ولا تزال لإسرائيل،وبالتالي فإسرائيل والإمبريالية الغربية كانت في الأساس والعمق تروم القضاء على هذه السنة/الأمة،اللحمة الجامعة،هذه الدول التي كونت امبراطورية وحضارة وتاريخ راق،وما زرع اسرائيل الا لضرب تلك القوة والعظمة والديناميكية،وما اتخاذ إيران التشيع كقيدة ودين وسياسة الا لما لم تستطع اسرائيل فعله،سواء عبر طائفية اسرائيل،إذ هي ليست قومية،بل دينية طائفية كتركيبة إيران تماما،وكما يقول ماكيافللي"الزمن أب لكل حقيقة"فاسرائيل وإيران ترومان استغلال ذلك الزمن الذي سيشكل امة وقومية من خلال الطائفية تلك التي تسترعيانها عربيا،إذا كان هناك من دور سلبي للسنة/الأمةكما تحاول إدعاء ذلك إيران،فنجده من الطبقة أو الفئة أو الميليشيا التي رشحتها إيران وأخذت ولاؤها لها وعلى حسابها،بعض أو معظم"الهاشميين واشباههم اعني"،وهاهي تتخذهم أداة للإستعمار الإستراتيجي عربيا/يمنيا كنموذج،وبالتالي فإيران واسرائيل تتخذ من السنة والشيعة أيدلوجية لمحو كل ما هو عربي،شخصية وكيانية وكينونة،وإرثا وعلاقات،وموقف وجغرافيا ،في وجه هذا الإستعمار والإحتلال..وختاما إذا كان من حق الفلسطيني مقاومة المحتل ومقارعته،وجوديا وشرعة سماوية ووضعية على حد سواء،فمن حق اليمني أن يحافظ على حقه في نزال الحوثية بوصفها أداة وتنظيم استعماري إيراني ،فالوجدان المعادي للحقيقة والتاريخ هو إيراني اسرائيلي في العمق.
*نقلًا عن "الصحوة نت"
المصدر: المشهد اليمني
كلمات دلالية: إیران واسرائیل کما یقول من خلال إذا کان
إقرأ أيضاً:
حسين الزناتي: مصر وتونس قواسم وتحديات مشتركة من الدولة الفاطمية حتى الربيع العربي
أكد حسين الزناتى وكيل نقابة الصحفيين، ورئيس لجنة الشؤون العربية، وجود الكثير من القواسم المشتركة بين مصر وتونس؛ فتاريخ الدولتان شهد انتقال عاصمة الفاطميين من المهدية التونسية إلى القاهرة، ومعها نُقلت الآثار الإسلامية والعمارة الفاطمية إليها، ومن جامع الزيتونة في تونس إلى الأزهر الشريف تواصل الفكر الإسلامي المعتدل والمستنير بين البلدين.
وقال "الزناتي" خلال الحوار المفتوح الذي أعدّته لجنة الشؤون العربية بالنقابة لسفير تونس بالقاهرة، ومندوبها الدائم بالجامعة العربية، محمد بن يوسف، اليوم، إن مصر كانت من أولى الدول التي دعمت الكفاح التونسي ضد الاستعمار الفرنسي، رغم أنها كانت تقع تحت الاستعمار البريطاني منذ 1882، لكنها ساندت الحركة الوطنية التونسية، وبعدها شهدت العلاقات بين مصر وتونس توافقًا منذ ثورة 23 يوليو 1952، ولعبت مصر دورًا واضحًا في دعم الحركة الوطنية التونسية، واستمرّت في مساندة كفاحها ضد الاحتلال، وتبنّت قضيتها في مجلس الأمن، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز، وكانت دائمًا معها، حتى حصلت تونس على استقلالها بموجب الاتفاقية التونسية الفرنسية في مارس 1956.
وتابع: “على الجانب الآخر، كان موقف تونس مؤيدًا تمامًا لقرار الحكومة المصرية بتأميم قناة السويس، كما وقفت تونس إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي عليها، بل وشاركت معها في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، وأيضًا في حرب أكتوبر 1973”.
وأضاف وكيل نقابة الصحفيين: “كما جمعت هذه القواسم المشتركة بين البلدين في التاريخ الحديث، فقد واجهتا العديد من التحديات الصعبة، في التاريخ المعاصر؛ حيث شهدتا أولى أحداث ما سُمي بدول الربيع العربي، ومعها كانت تجربة اندلاع ثورتي الياسمين في تونس، ثم 25 يناير في مصر، وبالتزامن أيضًا شهدت الدولتين بعدها ظهور القوى الإسلامية على الساحة السياسية لهما ووصولها للسُلطة، ثم فشلها في الإدارة، مما أدّى برغبة شديدة لدى الشعبين في تغيير النظام، وهو ما حدث في تونس بإقامة انتخابات، وفي مصر بإندلاع ثورة 30 يونيه 2013.”.
واستكمل قائلًا: “أما الآن فمازالت تتسم العلاقات السياسية بين مصر وتونس بالقوة والمتانة، ويسودها التفاهم، ولا توجد عقبات تعترض مسار هذه العلاقات، وهو ما ينعكس في المواقف المتشابهة التي تتبناها الدولتان تجاه القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وتطورات الأزمة الليبية، باعتبارهما دولتي جوار، والوضع في السودان، وغيرها من القضايا”.