أصداء المخاوف من تهجير فلسطيني آخر تتردد في جميع أنحاء الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
تقرير من إعداد ندى بشير، سيلين الخالدي ونادين إبراهيم، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN للاشتراك في النشرة (اضغط هنا).
(CNN)-- يبدو المزاج واضحًا في الشوارع الضيقة لمخيم جبل الحسين للاجئين في العاصمة الأردنية عمان.
يصرخ بائع فواكه محلي وسط حشود السوق: "فلسطين! "لا لأمريكا، لا لأمريكا... فلسطين."
أنشأت الأمم المتحدة هذا المجمع منذ أكثر من سبعين عامًا، وهو الآن موطن لأكثر من 30 ألف لاجئ فلسطيني، من نسل أكثر من 700 ألف شخص طردوا أو فروا من منازلهم فيما يعرف الآن بإسرائيل في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية في العام 1948، والتي يسميها الإسرائيليون حرب الاستقلال، ويُعرف هذا الحدث عند العرب بالنكبة.
تعرف العائلات في هذا المخيم، الذي أصبح الآن مجتمعًا حضريًا مبنيًا، المنفى جيدًا، وهي محرومة من حق العودة إلى منازل أجدادها فيما يعرف الآن بإسرائيل. يوجد الآن حوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في جميع أنحاء العالم وفقًا للأمم المتحدة، معظمهم من نسل جيل المنفيين في العام 1948.
ويقول هؤلاء اللاجئون إن ذلك بمثابة حكم مؤبد بالانفصال عن العائلة والأصدقاء والوطن. وبالنسبة لأولئك الذين لا يزال لديهم أحباء في غزة، فهم يقولون إن ذلك حكم بأقسى أشكال الألم.
شنت إسرائيل هجومًا جويًا واسع النطاق على القطاع الذي يسكنه أكثر من مليوني فلسطيني بعد أن قتل مسلحو حماس من غزة 1400 شخص في الهجوم المميت داخل إسرائيل في 7 أكتوبر، واحتجزوا أكثر من 200 شخص.
ويقول عبد المنعم دبابشة، 49 عاماً، وهو من سكان المخيم، إن عائلته انتقلت إلى الأردن بعد حرب العام 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة الغربية من الأردن وغزة من مصر. ويقول إنه ترك وراءه معظم أفراد عائلته.
ويقول إنه فقد العديد من أفراد عائلته في الحروب الإسرائيلية المتعاقبة في غزة. فقد قُتلت والدته في العام 2009 وشقيقته في العام 2012، وتوفيت عمته وابنته الكبرى في الجولة الأخيرة من الغارات الجوية الإسرائيلية. ويضيف "في أي لحظة، يمكن أن أتلقى مكالمة هاتفية تخبرني أن أختي وأطفالها قتلوا أيضاً."
قتل ما لا يقل عن 2789 مدنيًا فلسطينيًا في غزة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، وفقًا للأمم المتحدة، غالبًا في عمليات تقول إسرائيل إنها شنتها لاستهداف حماس وجماعات مسلحة أخرى.
يبلغ إجمالي عدد القتلى في غزة بسبب الصراع الحالي أكثر من 5000 شخص، وفقًا للسلطات الصحية الفلسطينية في القطاع الذي تديره حماس، بعد ما يزيد قليلاً عن أسبوعين منذ أطلقت إسرائيل حملتها الجوية المتواصلة.
تعهدت إسرائيل بتكثيف قصفها الجوي لقطاع غزة المحاصر رغم ارتفاع عدد القتلى المدنيين والتدهور السريع للوضع الإنساني، وتوسيع نطاقه ليشمل عملية متعددة المحاور في الأيام المقبلة، حيث تقول إنها تسعى للقضاء على حماس. والتي تم تصنيفها من قبل إسرائيل والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كمنظمة إرهابية.
ومع الآلاف من الضربات العقابية التي شنتها إسرائيل، أصبح الخوف من تكرار التاريخ نفسه ــ نكبة أخرى- محسوسًا في مختلف أنحاء المنطقة.
وفي حين لم تقل إسرائيل إنها تهدف إلى إجلاء سكان غزة إلى مصر أو أي مكان آخر، فقد ظهرت مخاوف من مثل هذه الاحتمالات بعد أن طلب الجيش الإسرائيلي من سكان غزة إخلاء شمال القطاع والتحرك جنوبًا مع استمرار عملياتهم العسكرية، وكذلك بعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة تجري محادثات مع مصر وإسرائيل لإنشاء ممر إنساني في شبه جزيرة سيناء المصرية للأمريكيين والمدنيين الآخرين الفارين من غزة.
قال بلينكن في برنامج "Meet the Press" على قناة NBC يوم الأحد إن إسرائيل "ليس لديها أي نية على الإطلاق" لإدارة غزة.
لكن احتمال تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين قسراً إلى البلدان المجاورة، أو حتى إلى أبعد من ذلك، موضع إدانة في جميع أنحاء العالم العربي.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الماضي إن نقل الفلسطينيين من غزة من المرجح أن يتبعه "طرد مماثل للفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن". وقال وزير الخارجية الأردني في وقت لاحق إن مثل هذه الخطوة ستعتبر بمثابة إعلان "حرب".
حذر المعلقون في وسائل الإعلام العربية من أن إسرائيل ربما تخطط لإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين وحتى إعادة احتلاله.
"العار الجماعي"
لكن بعض الفلسطينيين يفضلون الموت على أن يصبحوا لاجئين مرة أخرى.
ويقول دبابشة عن أقاربه: "بالطبع، لا أحد يريد الذهاب إلى مصر. هذا مستحيل. أقاربي يرفضون ذلك، وأنا أرفضه، هذا تهجير. غزة وطنهم. سيبقون هناك حتى لو كان ذلك يعني القضاء عليهم بغارة جوية."
ويقول إن الفلسطينيين لن يقبلوا التهجير هذه المرة: "الجيل الجديد لن يسمح بذلك، لقد ثبتوا أقدامهم."
ومن بين سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، هناك 1.7 مليون لاجئ، وفقًا للأونروا.
يقول عضو مجلس الأعيان الأردني مصطفى حمارنة: "كان الإسرائيليون مصرين دائمًا على عدم عودة اللاجئين، ولهذا السبب يتمسك الفلسطينيون بحق العودة"، مضيفًا أنه بعد مرور 75 عامًا، لا يزال العالم العربي غير متعاف من خسارة حق عودة الفلسطينيين لوطنهم.
قال حمارنة: "لا أعتقد أن الغرب يدرك عمق العار الجماعي الذي نشعر به نتيجة العام 1948 والشعور بالظلم الذي لحق بنا والذي نحتاج إلى تصحيحه. هناك شعور عميق جدًا بالخجل، لأن ما حدث لنا في العام 1948 لم يكن يجب أن يحدث. إن أي عملية إخلاء جماعي جديدة للاجئين الفلسطينيين هي بالنسبة لنا تكرار لما حدث في العام 1948."
وقال مسؤولون إسرائيليون إنه "ليس لديهم مصلحة" في إعادة احتلال غزة. وكانت إسرائيل قد سحبت قواتها من المنطقة من جانب واحد إضافة إلى المستوطنين اليهود في العام 2005.
نضال الفلسطينيين محسوس بشكل خاص في الأردن، حيث أن أكثر من نصف السكان إما فلسطينيون أو من أصل فلسطيني، بما في ذلك أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني.
لكن هذا الشغف بالقضية الفلسطينية يتردد صداه في جميع أنحاء العالم العربي الذي يضم أكثر من 450 مليون شخص.
وفي مواجهة حادة مع كلاريسا وارد من شبكة CNN عند معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة والتي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، صاحت ناشطة مصرية بأنه على الرغم من محاولات "تقسيم" العرب، "نحن نقف مع الفلسطينيين، ونحن نقف مع العرب."
كانت الناشطة رحمة زين واحدة من العديد من العرب في جميع أنحاء المنطقة المتحمسين للحرب، والتي شقت صورها الدموية طريقها إلى كل قناة إخبارية عربية ومنصات التواصل الاجتماعي تقريبًا.
ولأكثر من أسبوعين، اندلعت احتجاجات تضامنا مع الفلسطينيين في دول من بينها لبنان ومصر وليبيا وتونس والعراق واليمن والكويت وإيران. كما خرج مئات الآلاف إلى شوارع العديد من العواصم الأوروبية والمدن الأمريكية، مطالبين جميعًا بإنهاء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة، والحصار المفروض على القطاع منذ 17 عامًا.
لقد ردد الشباب من جميع أنحاء العالم العربي نفس الصرخات التي رددها آباؤهم وأجدادهم من قبلهم. إنها قضية متعددة الأجيال، والتي لم تتضاءل أهميتها في المنطقة بعد مرور أكثر من 75 عامًا على تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم.
وقال إتش إيه هيلير، خبير دراسات الأمن الدولي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي والمعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن: "بالنسبة لجزء كبير من العالم العربي، تمثل قضية فلسطين آخر شعب عربي مستعمر يحاول الحصول على حريته."
وقال إنه بينما كانت الدول العربية تميل إلى التركيز على المشاكل الأقرب إلى الوطن في السنوات الأخيرة، فإن الحرب الأخيرة "أعادت قضية فلسطين إلى جدول الأعمال".
بالنسبة للعديد من المتظاهرين، فإن المظاهرات ليست تعبيراً عن الدعم لحماس، ولا تعبيراً عن اللامبالاة تجاه قتل المدنيين الإسرائيليين. ويقول العديد من المتظاهرين إنهم يعتقدون أن هذه الأزمة بدأت قبل فترة طويلة من هجمات 7 أكتوبر، مشيرين إلى ما يقولون إنه قمع إسرائيلي للفلسطينيين منذ عقود.
وفي العاصمة العراقية بغداد، التي شهدت خروج مئات المتظاهرين إلى الشوارع خلال عطلة نهاية الأسبوع، قال أحمد السعيد، البالغ من العمر 45 عامًا، إن الحكومات الغربية في السنوات الأخيرة أجبرت الدول العربية وشعوبها على نسيان القضية الفلسطينية، خاصة وأن العرب تعاملوا مع "الصراعات الداخلية والطائفية".
وفي مصر، حيث سُمح بالاحتجاجات الحاشدة يوم الجمعة للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، قالت علياء، التي شاركت في الاحتجاج، إن الموجة الأخيرة من اتفاقيات التطبيع العربية مع إسرائيل جلبت شعوراً بـ"الانهزامية".
وقالت علياء، التي اكتفت بذكر اسمها الأول خوفاً من انتقام السلطات: "لكن ما رأيناه بعد 7 أكتوبر كان بمثابة تذكير صادم لأنفسنا وللعالم بأن هذا الوضع برمته لم يعد إلى طبيعته."
"إنهم يفضلون الموت في غزة على الرحيل"
ويقول المحللون إن المخاوف العربية من تهجير آخر للفلسطينيين تتزايد بشكل خاص بسبب الخطاب التحريضي الذي صدر عن بعض أعضاء الحكومة اليمينية الإسرائيلية في الماضي.
كتب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في العام 2017، بصفته عضوًا في البرلمان، في مقال إنه يجب تشجيع وتحفيز هجرة الفلسطينيين، مضيفًا أن فكرة أن الهجرة قاسية هي فكرة "سخيفة". وقال إن هذه العملية لا ينبغي أن تكون "طرداً قاسياً" بل يجب أن تتم بطريقة "مخططة ومرغوبة، ومبنية على الرغبة في حياة أفضل."
وفي الآونة الأخيرة، أثار ضجة كبيرة في شهر مارس بعد دعوته إلى "محو" قرية حوارة الفلسطينية في أعقاب مقتل اثنين من المستوطنين الإسرائيليين في البلدة في هجوم فلسطيني، مما أدى إلى أعمال انتقامية من قبل المستوطنين الإسرائيليين وهو ما وصفه أحد كبار الجنرالات العسكريين فيما بعد اسم "المذبحة".
أدانت محكمة إسرائيلية وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتامار بن غفير بالعنصرية ضد العرب قبل عقود من انضمامه إلى الحكومة، وكان ذات يوم من أتباع مائير كاهانا، وهو متعصب يهودي دعا علناً إلى طرد الفلسطينيين. ونُقل عن زوجة بن غفير، أيالا نمرودي، قولها إنها ترغب في "التخلص" من الفلسطينيين.
عندما سئل عن خطاب شركائه اليمينيين في الائتلاف، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن يديه هي التي "تقود عجلة القيادة".
وقال هيلير إن هذا النوع من الخطاب أعطى العرب سبباً وجيهاً للخوف من أن طرد الفلسطينيين قد يكون بالفعل مطروحاً على الطاولة.
وقال هيلير: "لا أعتقد أنه من غير المعتاد أن يأخذ الكثيرون في العالم العربي كلامهم على محمل الجد، خاصة بالنظر إلى حقيقة أنه في كل موقف سابق غادر فيه الفلسطينيون الأراضي الفلسطينية، لم يُسمح لهم أبدًا بالعودة."
وقالت هانية سبعاوي، وهي فلسطينية غادرت غزة منذ كانت طفلة رضيعة ولكن عائلتها لا تزال في القطاع، لشبكة CNN إنها لا تعرف ما إذا كانت عائلتها سيكون لديها منازل لتعود إليها.
وأضافت أن "الخوف الأكبر بالطبع هو أنه سيتم إجلاؤهم وتحويلهم إلى لاجئين. هذا ما يتحدث عنه الجميع الآن علنا، كما لو أنهم غير مهمين، إنهم لا يريدون الرحيل، إنهم يفضلون الموت في غزة على الرحيل."
إسرائيلالجيش الإسرائيليغزةنشر الخميس، 26 أكتوبر / تشرين الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتكوبونز CNN بالعربيةCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الجيش الإسرائيلي غزة جمیع أنحاء العالم العالم العربی فی جمیع أنحاء العدید من أکثر من غزة من فی غزة
إقرأ أيضاً:
نظام إسرائيلي في الشرق الأوسط
ترجمة: أحمد شافعي -
أفضل سبيل إلى فهم ما يجري في الشرق الأوسط اليوم هو اعتباره صراعا على نظام إقليمي جديد. منذ هجمة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ظهرت ثلاث رؤى متنافسة للنظام ثم تعثرت: رؤية حماس، ورؤية حزب الله- إيران، والرؤية الأمريكية. حاولت حماس إشعال حرب عديدة الجبهات بهدف تدمير إسرائيل. واستهدفت إيران، ومعها وكيلها حزب الله، حرب انتقامية من شأنها أن تتسبب في انهيار إسرائيل، وترغم الولايات المتحدة على الخروج من المنطقة. وأملت الولايات المتحدة، الواقفة بحزم وراء إسرائيل، في استقرار إقليمي قائم على إمكانات سياسية جديدة للإسرائيليين والفلسطينيين، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ومعاهدة دفاع بين واشنطن والرياض.
ولم تثبت أي من هذه الرؤى قابليتها للتطبيق: إذ أساءت حماس وحزب الله وإيران تقدير قوة الجيش والمجتمع الإسرائيليين والتحالف الأمريكي الإسرائيلي. وغالت الولايات المتحدة في تقدير قدرتها على التأثير في نهج إسرائيل في حرب غزة، ولم تتصد بالقدر الكافي للتهديد الإقليمي الذي تشكله إيران.
وبفشل هذه الرؤى الثلاث ينفتح المجال أمام رؤية رابعة أكثر واقعية هي الرؤية الإسرائيلية. على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، بدأت إسرائيل فرض قوتها لإعادة صياغة الشرق الأوسط، فقضت على قدرات حماس العسكرية، واستهدفت رأس قيادة حزب الله -بتحطيمها نهجه العتيد في الردع- وأرغمت الجماعة القائمة في لبنان على قبول شروط وقف إطلاق النار التي طالما قاومتها، فعزلت بذلك حماس وحرمت إيران من أقدر وكلائها. كما نفذت إسرائيل ضربات نوعية داخل إيران. ويمكن أن نفهم جزئيًا الإطاحة المستغلة للظروف بنظام الأسد في سوريا على أيدي القوات المتمردة باعتبارها محاولة لاستغلال تقويض إسرائيل لقوة إيران الإقليمية. ونتيجة لذلك، فقدت إيران ممرها البري الممتد من حدودها إلى حدود إسرائيل، وهو الممر الذي خصصت إيران موارد كبيرة لإقامته على مدار العقود الأربعة الماضية.
تمثل هذه التطورات تحولًا دراماتيكيًا: فعلى مدى قرابة عام بعد هجمات السابع من أكتوبر كانت رؤية إسرائيل لمستقبل المنطقة غائمة. كانت تدافع عن نفسها، وتقاتل بالتبعية للحفاظ على الوضع القائم الذي لا سبيل إلى إعادته. وبرغم أن عملياتها كانت عدوانية، أحجمت إسرائيل عن تعطيل ديناميات الردع القائمة مع حزب الله وإيران. بل إنها ترددت في فرض نظام جديد في الوقت الذي كانت تعد فيه على المستوى الدولي تحريضية وفي الوقت الذي هددت فيه الانقسامات المجتمع الإسرائيلي داخليا.
تعيد إسرائيل الآن صياغة الشرق الأوسط من خلال عمليات عسكرية، لكنها سوف تستفيد من تأكيد نفسها على الصعيد السياسي أيضا. فلديها كل من الفرصة والمسؤولية لتوجيه مسار المنطقة باتجاه واقع جديد، أميل إلى السلام والاستدامة. وفي الوقت الراهن تفوق قدرة إسرائيل على فرض تغييرات إقليمية فرضًا عسكريًا جاهزيتها لصياغة وتنفيذ رؤية استراتيجية متماسكة، وليست لديها حتى الآن أفكار استراتيجية واضحة تجاري نجاحاتها العملياتية. ويجب أن تدفع إسرائيل إلى إطار سياسي يتوافق مع نجاحاتها الميدانية. وبوسع تحالف عربي إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة أن يصد أخطار الراديكاليين الشيعة والسنة، ويوفر للفلسطينيين مستقبلا سياسيا واقعيا، ويؤمّن مصالح إسرائيل الأمنية، ويضمن رجوع الرهائن الإسرائيليين الباقين في غزة إلى الآن، ويحول دون وقوع هجمة أخرى على التراب الإسرائيلي.
لا ينبغي أن تسعى إسرائيل إلى فرض رؤيتها لنظام إقليمي جديد منفردة. إذ يلزمها دعم الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة وكذلك ألمانيا والمملكة المتحدة، حتى في الوقت الذي تمر فيه السياسة الخارجية الأمريكية بإعادة ترتيب في ظل الرئيس المنتخب دونالد ترامب. والوضع دقيق. لكن للمرة الأولى منذ هجمة السابع من أكتوبر، تسنح لإسرائيل فرصة كي تستغل اللحظة.
أفضل الخطط المطروحة
حينما أمر يحيى السنوار، زعيم حماس الراحل، بغزو إسرائيل في السابع من أكتوبر سنة 2023، فعل ذلك برؤية محسوبة للشرق الأوسط: في أعقاب هجمة حماس مباشرة، توقع هجومًا منسقًا من الميلشيات المدعومة من إيران في المنطقة من شأنه أن يلهم عرب إسرائيل والفلسطينيين في الضفة الغربية ببدء انتفاضة جديدة. وقد اعتمدت خطة السنوار على مشاركة من حزب الله ومن أعضاء آخرين في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، بل ومن إيران نفسها، بما يفضي في نهاية المطاف إلى هزيمة عسكرية كاملة لإسرائيل.
ولكن السنوار ارتكب خطأ جسيمًا في تقدير الديناميات الإقليمية. في الثامن من أكتوبر، برغم أن حزب الله أعلن دعمه لحماس وبدأ قصف بلدات إسرائيلية، كانت أفعاله محدودة. وأطلقت ميلشيات شيعية من العراق وسوريا صواريخ ومسيّرات لتعطيل أنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية المتقدمة فلم تمثل هذه المحاولات تهديدًا ذا شأن لها. وانضم الحوثيون في اليمن إلى الهجوم باستهداف السفن في البحر الأحمر وأطلقوا الصواريخ على مدن إسرائيلية. وسهَّل بشار الأسد نقل الأسلحة الإيرانية إلى لبنان وإن لوحظ أنه أوقف الميلشيات الإيرانية عن مهاجمة إسرائيل من الأراضي السورية ولم يشرك الجيش السوري في الصراع، برغم مواجهته ضغوطا إيرانية للقيام بذلك. ولم يغزُ حزب الله أراضي إسرائيلية، مركِّزا بدلا من ذلك على تشتيت الجيش الإسرائيلي في الشمال لصرف انتباهه عن غزة. يضاف إلى ذلك إن الانتفاضة الفلسطينية التي رجاها السنوار لم تتحقق، وذلك جزئيا بسبب مسارعة الجيش الإسرائيلي إلى الانتشار الفعال في مناطق الضفة الغربية التي تشهد وجود حماس والجهاد الفلسطيني الإسلامي. وفي الوقت نفسه، استخدمت إسرائيل قوات كثيفة في غزة، فقتلت آلافا من مقاتلي حماس، وقتلت في النهاية السنوار نفسه.
أدى قرار إسرائيل الأولي بالانخراط في حرب مطولة إلى أن اجترأت إيران وحزب الله. إذ رأيا الصراع فرصة لتأكيد هيمنتهما الإقليمية. وخلافا لحماس التي كان هدفها هو تدمير إسرائيل مباشرة، سعت إيران سعيا أكثر تواضعا إلى تحسين موقفها الإقليمي. وسعت إيران ـ من خلال إدامة حرب انتقامية عديدة الجبهات مع إسرائيل ـ إلى زيادة الضغط على المجتمع الإسرائيلي وتعظيم تكلفة الحرب. ومع تركيز الولايات المتحدة في منافستها الاستراتيجية مع الصين وحرب أوكرانيا، توقعت إيران أن تمعن واشنطن في الانسحاب من المنطقة.
بدا رد إسرائيل الأولي على استراتيجية حزب الله وإيران متسما بالحذر. إذ أخلت إسرائيل المناطق الشمالية لإيجاد منطقة أمنية عازلة بدلا من غزو لبنان رأسا لمواجهة هجمات حزب الله الصاروخية، فسمحت فعليا لحزب الله بمواصلة ضرباته. فضلا عن ذلك، وبرغم دعم الولايات المتحدة علنا لإسرائيل، عجزت الحكومات الغربية إلى حد كبير عن فرض تكاليف ذات شأن على محور المقاومة المدعوم من إيران. وعجزت عن إيقاف ميليشيات الحوثيين في اليمن عن التدخل في المرور البحري بالبحر الأحمر، فتسبب ذلك العجز في اجتراء الجماعة على تصعيد هجماتها على إسرائيل. وحجّم الضغط الدولي قدرة إسرائيل على تحقيق هزيمة حاسمة على حماس وزاد من أمل السنوار في أن تعجز إسرائيل عن إدامة القتال طويلا. واجتمعت هذه العوامل فأدت إلى أن تصورت إيران وحلفاؤها أن إسرائيل قد تجد نفسها في نهاية المطاف معزولة، مستنزفة اقتصاديا، ومنهكة. وتأكدت هذه الفكرة حينما أطلقت إيران في أبريل هجمة غير مسبوقة على إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات من أراضيها مباشرة. واحتفى الزعماء الإيرانيون برد إسرائيل المحسوب، واستمرار الاضطراب السياسي داخل إسرائيل. وواصلت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتباع سياسات أطالت أمد الحرب، وأجهدت الاقتصاد، وزادت الاستقطاب، وجعلت اليد العليا لأعداء إسرائيل.
في غضون ذلك، واصلت الولايات المتحدة استراتيجية في الشرق الأوسط قائمة على الاتفاقيات الإبراهيمية التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة. فبعد السابع من أكتوبر، ضغطت واشنطن على المملكة العربية السعودية لإنهاء المعاهدة الدفاعية المرتبطة بالتطبيع مع إسرائيل وجدَّدت تأكيد إيمانها بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين. وسعت إدارة بايدن إلى الاستفادة من الحرب في تكوين تحالف أقوى في الشرق الأوسط موال لأمريكا، ترسيخًا لنفوذ واشنطن وإيجادًا لمركز اقتصادي إقليمي أكثر تكاملا يربط أوروبا بمنطقة المحيطين الهندي والهادي في سياق منافستها مع الصين.
لكن الخطة الأمريكية فشلت في معالجة كافية لتهديد إيران المجترئة أو تخفيف مخاوف شركاء الولايات المتحدة الصغار. فرفضت المملكة العربية السعودية تطبيع العلاقات مع إسرائيل طالما استمرت الحرب في غزة، وبخاصة مع رفض إسرائيل الالتزام بحل الدولتين، وهي خطوة كان أعداء إسرائيل في المنطقة ليفسروها باعتبارها انتصارا لحماس. ومن جانبه اختار نتنياهو أن يرجئ إنهاء مرحلة الحرب المحتدمة، وينتظر نتيجة انتخابات الولايات المتحدة الرئاسية راجيا انتصار الجمهوريين. وكان يعتقد أن من شأن انتخاب ترامب أن يقلل مراقبة الولايات المتحدة لحملته على حماس. ومع خسارة الديمقراطيين في نوفمبر، أحاط الشك باستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبرغم كل ما لواشنطن من سلطة ونفوذ، أثبتت رؤية أمريكية للنظام الإقليمي الجديد، مهما تبد عقلانية، عدم جدواها هي الأخرى ـ شأن رؤيتي حماس وحزب الله وإيران.
عرش خاو
في سبتمبر، بدأت الرياح المسيطرة على الشرق الأوسط في التغير. بعد أحد عشر شهرا لم تحدد فيها حكومة إسرائيل أي أهداف في المسرح الشمالي، أضاف مجلس الوزراء الإسرائيلي رجوع سكان شمال إسرائيل الآمن لبيوتهم إلى أهداف الحرب الرسمية. كانت الحرب قد بدأت فعلا في التحول شمالا، باستفزاز من هجمة حزب الله الصاروخية في أواخر يوليو على ملعب كرة قدم في مرتفعات الجولان أدت إلى مقتل اثني عشر طفلا وإصابة أكثر من أربعين. وردا على ذلك اغتالت إسرائيل فؤاد شكر نائب زعيم حزب الله حسن نصر الله، واستهدفت هيكل قيادة حزب الله بعملية مهينة، حيث اشتعلت متفجرات مزروعة في أجهزة البيجر الخاصة بالمنظمة في وقت واحد فقتلت وشوهت العشرات من العناصر. ثم أطلقت إسرائيل سلسلة غارات جوية دمرت قرابة ثلاثة آلاف من الصواريخ وصواريخ كروز، وقتلت قيادة حزب الله ومنها نصر الله نفسه. واستردت تلك العمليات للجيش الإسرائيلي مكانته المفقودة.
وردًا على ذلك، شنت إيران هجمة مباشرة على إسرائيل في الأول من أكتوبر، فأطلقت مائة وواحدا وثمانين صاروخا بالستيا. فلم يتسبب ذلك الوابل من الذخيرة إلا في ضرر محدود بثلاثة مواقع إسرائيلية: مجمع الموساد في جليلوت وقاعدتين جويتين إسرائيليتين في الجنوب. وفي هذه المرة نظمت إسرائيل ردًا أكبر من رد أبريل، فنشرت مائة وخمسين طائرة لضرب عشرين هدفا مهما في إيران. وأظهرت الضربات تفاوت القدرات العسكرية لدى البلدين، إذ أطلقت إيران كثيرًا من الصواريخ فأدت إلى نتائج محدودة، أما الجيش الإسرائيلي فضرب بدقة أهدافًا رفيعة القيمة منها أنظمة إس-300 المضادة للطائرات ومنشآت بحوث أسلحة نووية في بارشين. وأظهرت الهجمة ضعف أقيَم مواقع الطاقة والمواقع النووية في إيران إذا ما اختار النظام الإيراني مزيدًا من التصعيد. ومنذ ذلك الحين وبرغم تهديدات متكررة، لم تطلق إيران أي ضربة مباشرة أخرى لإسرائيل.
في الرابع والعشرين من نوفمبر، وقعت إسرائيل ولبنان ـ بموافقة من إيران وحزب الله، اتفاقية وقف إطلاق نار، لم تزل سارية إلى حد كبير. وفي اليوم نفسه، بدأ المتمردون بدعم تركي عملية عسكرية ضد نظام الأسد. وفي أقل من أسبوعين، وصل المتمردون إلى دمشق وأعلنوا حكمًا جديدًا ـ بأقل قدر من المقاومة من جانب القوات السورية أو الروسية أو الإيرانية أو قوات حزب الله. وبدلا من ترسيخ هيمنة إيران، وجهت الحرب ضربة قوية لموقفها الإقليمي.
أدى وقف إطلاق النار في لبنان وتغير الوضع في سوريا إلى فراغ قيادي في الشرق الأوسط. وتمثل منجزات إسرائيل العسكرية فرصة لتشكيل تحالف جديد قادر على إعادة صياغة مستقبل المنطقة وطرح واقع بديل قائم على السلام والاستقرار والرخاء.
تحالف الراغبين
لا بد أن تبني إسرائيل على انتصاراتها العسكرية بإيضاح أنها تسعى إلى رؤية استراتيجية متماسكة لتحالف إقليمي معتدل بين إسرائيل والدول العربية السنة بقيادة المملكة العربية السعودية. ولا بد أن تعالج التهديدات الأمنية الأساسية، وأبرزها إيران، وتمثل جبهة متحدة ضد محاولات تركيا وقطر لترسيخ نفوذ الإخوان المسلمين في العالم العربي، وهي مهمة ازدادت إلحاحًا بعد انهيار نظام الأسد. وأخيرًا لا بد أن يعرض التحالف على الفلسطينيين مستقبلًا سياسيًا مع تأمين إسرائيل من الهجمات الإرهابية في المستقبل.
إسرائيل الآن في وضع قوي لإحراز تقدم حقيقي يجعل هذه النتيجة مثمرة. لكن ليس بوسعها أن تفعل ذلك منفردة. فهي بحاجة إلى الولايات المتحدة في قيادة جهود معقدة وشراكة عربية في توفير الشرعية في الشرق الأوسط وتحويل رؤيتها إلى قوة إقليمية فعّالة. والخطوة الأولى: يجب أن تعقد إسرائيل قمة مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والأردن والإمارات العربية المتحدة وأي جهات فاعلة تطمح إلى المساعدة في إعادة تشكيل الشرق الأوسط ومنها ممثلون للسلطة الفلسطينية، على أن تنعقد هذه القمة في عاصمة شرقأوسطية رائدة من قبيل الرياض. ويجب أن تتضمن أهداف هذه القمة إقامة تحالف أمريكي عربي إسرائيلي قائم على رؤية إقليمية مشتركة، ودفع عملية التطبيع قدما بين إسرائيل والسعودية (ومن المثالي أن تتضمن دولا أخرى من قبيل سلطنة عمان وإندونيسيا)، وإنشاء إطار أمني إقليمي جديد، ووضع خريطة طريق لغزة بدون حماس من خلال حملة للقضاء على الصبغة المتطرفة. ويجب أن تهدف الخطة أيضًا إلى زيادة بصمة دول الخليج في سوريا لتقليل نفوذ إيران والإخوان المسلمين في البلد.
لا بد أن تحتوي الرؤية الإقليمية أيضًا عنصرًا فلسطينيًا، بعد اتفاقية لوقف إطلاق النار في غزة تيسر رجوع جميع الرهائن الإسرائيليين. ولا بد أن تقيم القمة مستقبلًا سياسيًا للفلسطينيين متمايزًا عن المناهج السابقة التي تبنتها الدول العربية والولايات المتحدة وركزت على حل الدولتين. فبدلًا من هذه، ينبغي أن يؤكد التحالف انتقالًا مرنًا بعيد الأجل يبدي فيه الفلسطينيون حكما فعّالا ويعملون ناشطين على تقليص نفوذ الفصائل شديدة التطرف في المجتمع الفلسطيني.
فضلا عن ذلك، لا بد أن يوافق الزعماء العرب على أن إعادة غزة من خلال التحالف لن تتقدم إلا بعد نزع السلاح بالكامل من المنطقة، وعندها لا بد أن تلتزم إسرائيل بسحب الجيش. وقبلها، لا بد أن يحتفظ الجيش بالقدرة على إقامة منطقة أمنية عازلة داخل غزة بطول الحدود مع إسرائيل لمنع أي حشد عسكري محتمل من جانب حماس.
يجب أن تشرف الولايات المتحدة على انتقال خاضع جيدا للرقابة نحو حكم فعّال في غزة تتولاه لجنة فلسطينية عربية القيادة تعترف بإسرائيل دولةً يهودية وتقلص الإرهاب وتوقف دفع الرواتب «للإرهابيين» وتشجع القضاء على التطرف داخل المجتمع الفلسطيني وكذلك في المنتديات الدولية. ويجب أيضا أن تعمل مع مصر على وضع استراتيجية لتأمين الحدود بينها وبين غزة لمنع إعادة تسليح حماس.
يجب أن تتوافق هذه الشروط الإسرائيلية مع المصالح الأمريكية والعربية، وبخاصة مصالح دول الخليج الساعية إلى إنهاء الحرب في غزة وتفهم أن قيام دولة فلسطينية قادرة أمر غير واقعي في الوقت الراهن ولكنها تدرك أهمية إمداد الفلسطينيين بأفق سياسي لدفع الأهداف الإقليمية قدما، ومن هذه الأهداف مكافحة إيران، ومكافحة الإخوان المسلمين، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع إسرائيل.
ويجب أن تهدف القمة إلى تسريع إنشاء بنية دفاع إقليمية دائمة. فلا بد لقوات خاصة بقيادة القيادة المركزية الأمريكية، والجيش الإسرائيلي، وجيوش البحرين ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أن تتولى الدفاع الجوي والصاروخي، وتأمين الملاحة البحرية، ومكافحة إرهاب المتطرفين الشيعة والسنة، وتعزز تبادل المعلومات الاستخباراتية. ولا بد أن تعمل إسرائيل والولايات المتحدة خاصة عملًا جادًا لتوفيق استراتيجياتهما منعا لإيران من امتلاك أسلحة نووية. وتزداد أهمية إقامة ردع مضمون لأن إضعاف شبكة وكلاء إيران يزيد من جاذبية خيار التسلح النووي.
وبالمثل
من مصلحة كل من إسرائيل وشركائها الإقليميين أن تبقى إدارة ترامب القادمة ملتزمة تجاه الشرق الأوسط وعازمة على استعمال القوة لضمان أمن حلفائها وردع الخصوم المشتركين. وقد يواجه هذا الالتزام بالدفاع عن المنطقة معارضة من فصائل داخل الإدارة تناصر تقليل التورط الأمريكي الدولي. ولقد أشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة لن تتدخل في سوريا وألمح إلى رغبة في إكمال سحب القوات الأمريكية من سوريا في الوقت الذي ضعف فيه موقفا روسيا وإيران.
لقد بدا أن الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر قد أثبت أن سيطرة إسرائيل على مسار منطقتها أقل كثيرا مما كانت تتصور. وعلى مدى قرابة عام، أشارت حرب إسرائيل التالية في غزة إلى المثل. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن دونما قيادة شجاعة، قد تتبدد فرصة إسرائيل. فتطلعات المتطرفين في ائتلاف نتنياهو إلى ضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض حكم عسكري في غزة، أو اتباع أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة.
إن حكومة إسرائيلية تتقدم بهذه الرؤية المقترحة سوف تحظى بدعم غالبية مواطنيها ومن المرجح أن تعزز مكانة إسرائيل الإقليمية. وبالعكس، من شأن حكومة لا تكبح جماح خطابها وأفعالها المتطرفة ألا تؤدي إلا إلى تمهيد الطريق لصراع إقليمي موسع بلا نهاية واقعية - وتخدم مصالح النظام الإيراني.
لقد أدرك السنوار وقادة إيران أن الحرب قادرة على إعادة ترتيب الشرق الأوسط. ولا يجب أن ترضى إسرائيل بأقل من ذلك. لكن عليها أن تستخدم قوتها بسرعة وحكمة. ولا يمكن أن تستفيد من نجاح إسرائيل العسكري ضد إيران في تحقيق شرق أوسط أكثر استقرارًا وسلامًا وازدهارًا والاستفادة من الفرص التي ستظهر في أعقاب الحرب إلا رؤية للمنطقة تعالج تهديدات إيران، وتعزز التكامل الإقليمي، وتؤسس أفقًا سياسيًا للفلسطينيين، بدعم من خطة منسقة تدعمها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
عاموس يادلين مؤسس ورئيس منظمة MIND Israel. وهو لواء متقاعد في سلاح الجو الإسرائيلي وشغل منصب رئيس مخابرات الدفاع الإسرائيلية من عام 2006 إلى عام 2010.
أفنير جولوف نائب رئيس منظمة MIND Israel. عمل من عام 2018 إلى عام 2023 مديرا في مجلس الأمن القومي في إسرائيل
خدمة فورين أفيرز