الواقع الافتراضي والمعزز يفتحان آفاقا جديدة لتذوّق الفن
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
في عالمنا الرقمي سريع التطور، تشتبك مجالات الفن والتكنولوجيا مع الواقع أكثر من أي وقت مضى، حتى إن الواقع الافتراضي "في آر" (VR) والواقع المعزز "إيه آر" (AR) تحولا بسرعة إلى وسائط قوية بيد الفنانين والمبدعين، للتعبير عن رؤاهم بطريقة تساعدهم على التفاعل مع الجماهير على مستوى جديد تمامًا.
نظرة عابرة على هذا العالم المثير، كفيلة بأن تكشف لنا مدى تأثير هذه التقنيات التفاعلية على الفن المعاصر، وعلى الكيفية التي تتعامل بها المتاحف ومعارض الفن مع تلك التقنيات سريعة الانتشار والتي وصلت لعالم الفن الفلسطيني.
يشير الواقع المعزز (Augmented Reality)، المختصر عادة بـ"إيه آر" (AR)، إلى التكنولوجيا التي تضيف محتوى رقميًا إضافيًا إلى العالم الحقيقي. سواء كان ذلك من خلال تطبيقات الهواتف الذكية أو نظارات "إيه آر"، أو نظارات الواقع الافتراضي، فقد اكتشف الفنانون طرقًا مبتكرة لإنشاء تجارب فنية تفاعلية وديناميكية في عالم الفن، ففتحت تكنولوجيا الواقع الافتراضي الباب على مصراعيه أمامهم للقفز إلى أقصى حدود الإبداع.
دفع الفن المعاصر حدود التعبير إلى خارج السياق التقليدي بسبب الواقع المعزز والذي يتميز بقدرته على دمج العناصر الفعلية والرقمية فصار بمثابة "كنفاس" أو قماش حديث ومن نوع خاص للفنانين. الاحتمالات لا تنتهي في هذا الإطار، تخيل المشي في مدينة متخيلة أو حتى واقعية ورؤية جدارية في الشارع تتحول إلى حياة، بل وتتفاعل مع مرورك بجانبها. بل تخيل الدخول إلى صالة فنية تفاعلية حيث تتفاعل الأعمال الفنية مع وجودك في القاعة.
مثالٌ بسيط، تخيل نفسك في قاعة في معرض فني أو متحف، تعرض لوحة "تفتح اللوز" التي رسمها فان جوخ، فتضمك اللوحة، وتصبح جزءا منها، ويتساقط اللوز على رأسك ومن حولك! هذا الاندماج بين الواقع واللمسة الخيالية التي تعزز حضوره وتجعله أكثر حيوية وديناميكية ليست فقط تكنولوجيا حديثة ولكن أيضًا ساحرة، لهذا السبب، يعتنق الفن المعاصر أدوات وتكنولوجيا الواقع المعزز "إيه آر" كعصا سحرية يمكنها التعبير عن الذات كما لم يحدث من قبل.
أما الواقع الافتراضي (Virtual Reality)، والمعروف اختصارًا باسم "في آر" (VR)، فيوفر بدوره تجربة غامرة بالكامل، حيث يتم نقل المشاهدين إلى بيئات رقمية تمامًا، فهو لا يحسن من الواقع أو يغير من تفاصيله ليعززه ويجعله أكثر ثراءً كما في الـ"إيه آر"، بل يختلق عالما مغايرا من محض الخيال، لا أساس له البتة في أرض الواقع.
هذه التكنولوجيا غيّرت عالم الفن، حيث أتاحت للفنانين إمكانية إنشاء عوالم كاملة يمكن استكشافها والتفاعل معها، فصار خيالا حميدًا للهروب من حمى وأمراض الواقع.
الآن، أنت لا تدخل متحفا أو معرضا فنيا، لتعيش داخل لوحة فان جوخ الحقيقية للحظات معدودة بطريقة وأسلوب أكثر ثراء مما كان عليه الحال من قبل، بل تخلق عالما بأسره، وليكن كوكبًا كاملًا، ولتملأه بما تشاء وكيفما تشاء، كل خيالاتك وأوهامك، الآن صارت حقائق يمكن أن تسكنها، بعدما كانت هي مَن يسكُنك، فقط ارتدِ إحدى نظارات العالم الافتراضي واهرب.
معارض الفن والمتاحف في العصر الرقميتكيفت معارض الفن والمتاحف على إثر تلك القفزة الهائلة التي يفرضها علينا العصر الرقمي. وقد أدى ظهور ما يعرف بفن العالم الافتراضي "في آر" وفن الواقع المعزز "إيه آر"، إلى تغيير المشهد الفني وحتى حدود المساحات الجغرافية التقليدية للمعارض والمتاحف، إذ جعلت الجولات الافتراضية والتجارب الغامرة الفن متاحًا للجمهور العالمي دون الحاجة للسفر أو الانتقال، ولم تعد متاحف الفن والعروض الفنية مقتصرة على المواقع الجغرافية الآن بل صارت متاحة من المنزل. وبالطبع، سمح هذا التغيير للفنانين والجماهير بالتواصل عبر الحدود بطرق لم يسبق لها مثيل.
على سبيل المثال، دخل متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك، وهو واحد من أشهر المتاحف المعروفة بالحفاظ على الفنون من مختلف العصور وعرضها، إلى عالم الواقع المعزز والواقع الافتراضي، فلم يعد مقتصرًا على جدران المبنى المادية بل صار الآن متاحًا من أي مكان في العالم.
يمكن للزوار حاليًا، بمساعدة تكنولوجيا الواقع المعزز، فهم الأعمال الفنية بشكل أعمق، في حين يسمح لهم الواقع الافتراضي باستكشاف الفترات التاريخية والتفاعل مع الفن بطريقة لم تكن ممكنة من قبل، وكأنهم موجودون داخل المبنى ويختبرون بأنفسهم ساحات العرض بطريقة تفتح أبوابًا جديدة للتعليم والمشاركة.
انغمس المجتمع العالمي للفن في الواقع المعزز والواقع الافتراضي كأدوات مبتكرة للتعبير الفني واختصار المسافات بين القارات والثقافات، ومع استمرار الفنانين في تجربة هذه التقنيات، فإننا بصدد اختبار أبعاد جديدة للفن والتجارب الإبداعية وحتى قدرة الخيال البشري على خلق عوالم مغايرة.
وانتقل الفن، الذي كان مقيدًا سابقًا بالمباني المادية للمتاحف والمعارض والحدود الجغرافية للدول والبلاد، الآن إلى عالم رقمي يتسع للجميع، بينما استفادت المتاحف والمعارض الفنية من إمكانات التكنولوجيا للوصول إلى جمهور أوسع.
يُمكن القول أنه توجد الآن بوابتان عملاقتان في عالم الفن، الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، تقود كل بوابة على حدة إلى عالم غير مسبوق من الفن والإبداع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الواقع الافتراضی الواقع المعزز عالم الفن فان جوخ
إقرأ أيضاً:
يوم المفاجآت في كأس العالم للأندية.. أوروبا لا تتفوق دائماً!
معتز الشامي (واشنطن)
أخبار ذات صلة
تابعت الجماهير الهزيمة القاسية لفريقين من أكبر أندية أوروبا، حيث ودع مانشستر سيتي وإنتر ميلان، بطولة كأس العالم للأندية من دور الـ 16، في مفاجأة لم يتوقعها أحد، رغم وصول العملاقين إلى مرحلة خروج المغلوب بعد تصدرهما مجموعتيهما، بينما كان السيتي الفريق الوحيد الذي حقق سجل فوز بنسبة 100% في المسابقة، وقبل انطلاق الأدوار الإقصائية، كان باريس سان جيرمان فقط (20.6%) لديه فرصة أكبر للفوز بكأس العالم للأندية 2025 من بين الفرق الستة عشر المتبقية، متفوقاً على مان سيتي (20.4%) وإنتر ميلان (12.4%)، بحسب «أوبتا»، لكن كل شيء تغير يوم الاثنين، عندما فاجأ الهلال وفلومينينسي منافسيهما الأكثر شهرة، وأخرجا الفريقين الأوروبيين من البطولة، وأعادا رسم ملامحها.
وقبل مباراتهم ضد فلومينينسي في شارلوت، كان إنتر سابع أقوى فريق في العالم، حسب تصنيفات «أوبتا»، بينما كان منافسه البرازيلي في المركز الـ181، ما يجعلهم النادي الأقل تصنيفاً الذي شارك في مرحلة خروج المغلوب من المسابقة، وحقق فلومينينسي الفوز الثالث للأندية البرازيلية ضد الفرق الأوروبية في كأس العالم للأندية 2025، وحظيت الأندية البرازيلية بميزة التوقيت قبل انطلاق البطولة، فمع انتهاء 12 جولة فقط من موسمها المكون من 38 مباراة في الدوري، وصلت الفرق البرازيلية إلى هذه البطولة في كامل نشاطها، على عكس العديد من الأندية الأوروبية التي خرجت من مواسم طويلة ومرهقة، وقد تجلّت هذه الحيوية في أدائها حتى الآن، ويواجه فلومينينسي الآن الهلال في ربع النهائي بعد فوز الفريق السعودي المثير 4-3 على مانشستر سيتي، وهي المباراة التي يمكن القول إنها الأفضل في البطولة حتى الآن.
وشهدت المباراة أكبر عدد من التسديدات (47)، والتسديدات على المرمى (20) وأعلى إجمالي xG أهداف متوقعة (7.37) من أي مباراة في كأس العالم للأندية 2025 حتى الآن، في حين كانت أيضاً أول مباراة يصل فيها إجمالي اللمسات في منطقة جزاء المنافس إلى 100، وأنهت هذه النتيجة مسيرة جوارديولا الاستثنائية في البطولة، دخل المدرب الإسباني المباراة بسجل خالٍ من الهزائم في كأس العالم للأندية (11 فوزاً و0 تعادلات، بما في ذلك النسخ السابقة) كمدرب، متفوقاً على منافسيه بنتيجة 38-4 في تلك المباريات، ورغم أن الفارق بين الناديين لم يكن كبيرا كما هو الحال بين فلومينينسي وإنتر في تصنيفات أوبتا، إلا أن الفارق كان 66 مركزاً (الرابع مقابل السبعين) صباح المباراة، وتوقعت «أوبتا» التعادل المثير 1-1 الذي حققه أوكلاند سيتي أمام بوكا جونيورز في مرحلة المجموعات بنسبة 5.4% فقط، حيث تظل أكبر نتيجة غير متوقعة في هذه البطولة، وكان فوز بوتافوجو 1-0 على باريس سان جيرمان في مرحلة المجموعات الانتصار الأقل توقعاً وفقاً لتوقعات أوبتا، حيث كانت نسبة فوز الفريق البرازيلي بالمباراة 6.4%.
ويحتل فوز فلومينينسي الليلة الماضية المركز الثالث في ترتيب أكثر النتائج غير المتوقعة في هذه البطولة، حيث هزم إنتر ميلان فقط في 7.5% من عمليات المحاكاة قبل المباراة، بينما يُعد فوز الهلال بنسبة 9.9% قبل انطلاق المباراة ضد مانشستر سيتي رابع أكبر مفاجأة في كأس العالم للأندية 2025 حتى الآن.