رقاقة حديثة تكشف الصور المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أسرع بـ 22 مرة
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
طور فريق بحثي في مركز "آي بي إم ريسيرش" رقاقة حاسوبية تستطيع تشغيل تطبيقات الكشف عن الصور المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بمعدل سرعة يصل إلى 22 مرة مقارنة بالرقائق المتوفرة حاليًا.
وبحسب الدراسة التي نشرتها دورية "ساينس" في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فإن الرقاقة الجديدة -التي أطلق عليها الباحثون اسم "القطب الشمالي"- تقدم عددا من المميزات، منها الأداء السريع، واستهلاك الطاقة بكفاءة.
ومن خلال التجارب أكد فريق الباحثين أن الرقاقة أدت كما كبيرا من المهام يصل إلى 25 ضعفا مقارنة بوحدات معالجة الرسوميات "جي بي يو" التقليدية المتوفرة بالأسواق، دون استهلاك مزيد من الطاقة.
وكان مفهوم الذكاء الاصطناعي ظهر خلال النصف الأول من القرن العشرين في عدد الأفلام السنيمائية التي صورت رجالا آليين أذكياء يستطيعون التفكير، وقد تخيل بعض الكتاب زيادة حدة ذكاء هذه الآلات إلى الدرجة التي جعلتهم يتحدون البشر ويسيطرون عليهم.
ويعد العالم البريطاني آلان تورينغ أول من بحث إمكانية تطوير الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع مستخدما الرياضيات، وهو العالم الذي وظفه مختبر الفيزياء الوطني في لندن من أجل بناء حاسوب، وبالفعل وضع مواصفات أول حاسوب قادر على تخزين البرامج.
وطرح تورينغ تساؤلا مهما: إذا كان البشر يستغلون المعلومات المتاحة لديهم، إلى جانب قدرتهم على الاستنتاج، في اتخاذ القرارات وحل المشكلات، فلماذا لا تستطيع الآلات أداء نفس العمليات؟
وتطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر السنوات إلى أن حدثت الطفرة الكبرى التي أدت إلى ظهور "تشات جي بي تي" في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وأعقب ظهوره تطوير عدد كبير من التقنيات، منها تقنيات التعرف إلى الصور.
ومع زيادة انتشار المحتوى المرئي خلال السنوات الأخيرة، عكف الباحثون على تطوير تقنيات تسهم في تحسين كفاءة التعامل مع هذا النوع من المحتوى، فظهرت تطبيقات التعرف إلى الصور المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
وتؤدي هذه التطبيقات وظائف عدة، منها التعرف إلى الوجوه، والكشف عن أشكال معينة موجودة في الصور، وقراءة النصوص، إلى جانب تحديد محتويات الصور وتعريفها، مثل التطبيقات التي يمكنها تمييز بعض أنواع النباتات طبقا لسماتها. وتسهم الشريحة الجديدة محل الدراسة إلى تحسين كفاءة هذا النوع من التطبيقات.
ونشر الباحثان بجامعة كاليفورنيا الأميركية، سوبرامانيان آير وفيواني رويتشادري، مقالا بدورية "ساينس" بهدف تحليل الرقاقة الجديدة، وهو المقال الذي أشار إليه التقرير المنشور بموقع "تك إكسبلور".
تصميم ذكي يعزز سرعة تنفيذ المهامالباحثان أوضحا أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي التجارية، مثل "تشات جي بي تي"، تعتمد بشكل أساسي على البيانات الموجودة على الإنترنت، ما يبطء عملية تنفيذها للمهام.
أما الرقاقة الجديدة، فتتميز -على حد قولهم- بضمها كل من نموذج المعالجة والبيانات المطلوبة لتنفيذ المهام في آنٍ معا.
ويساعد التصميم المميز للرقاقة – الذي يتضمن مجموعة من الأجزاء المسؤولة عن الذاكرة الإلكترونية ووحدات المعالجة المركزية المتعددة والمترابطة – في إنجاز المهام بكفاءة، ويسهل معالجة البيانات، ويدعم الحصول على الإجابات سريعا.
وقد أجرى فريق "آي بي إم" البحثي عددا من التجارب على الرقاقة، وعدد من وحدات معالجة الرسوميات المتوفرة تجاريا، من ضمنها منتج شركة "إنفيديا"الرائدة. وخلال التجارب، استخدم أعضاء الفريق تطبيقات محددة وقاسوا سرعة تنفيذ المهام، ووجدوا -على حد زعمهم- أن رقاقتهم الجديدة تتفوق على الأخريات فيما يتعلق بسرعة تنفيذ المهام.
واعترف الباحثون بوجود عيب كبير في الرقاقة الجديدة يتمثل في عدم قدرتها على "التدرب" من أجل اكتساب المعلومات، أو تشغيل النماذج اللغوية الكبيرة، مثل "تشات جي بي تي"، إنما تستطيع تنفيذ مجموعة محددة من العمليات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
وتتمثل خطوتهم القادمة في الربط بين عدد من الرقاقات الجديدة معا، محاولين التغلب على عيوبها الحالية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: تنفیذ المهام التعرف إلى
إقرأ أيضاً:
ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!
مؤيد الزعبي
قد نتفق أنا وأنت، عزيزي القارئ، وربما يتفق معنا كل متخصص أو صاحب رأي، بل وحتى أي إنسان بسيط، على أن الروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لن تكون قادرة على الشعور أو الإحساس الحقيقي.
إذ إن المشاعر تجربة ذاتية تنبع من تفاعلات بيولوجية وكيميائية معقدة داخل الدماغ، مثل إفراز الدوبامين عند الفرح أو الكورتيزول عند التوتر، وهذه العمليات ليست مجرد استجابات ميكانيكية، بل هي جزء من وعينا الذاتي وإدراكنا لوجودنا، فنحن البشر نحزن، ونفرح، ونحب، ونكره، لأننا نشعر وندرك ما يدور حولنا بوعي كامل، وهذا ما يصعب على الذكاء الاصطناعي والروبوتات تحقيقه. لكن، ماذا لو نجح الذكاء الاصطناعي في إقناعنا بأنه يشعر بنا؟ كيف سنتعامل مع هذه الفكرة؟ وكيف ستكون ردة فعلنا إذا بدا لنا أن الروبوتات تعيش مشاعر مثلنا تمامًا؟ هذه هي الأسئلة التي أود مناقشتها معك في هذا الطرح، وأعدك بأن ما اتفقنا عليه في بداية هذه الفقرة سنختلف عليه في نهاية المقال.
قد تُعجَب بكلماتي، أو تجدها قريبة منك، أو ربما تشعر أنها تصف حالتك بدقة، فتتأثر وتحزن أو تفرح، ويظهر عليك تفاعل شعوري واضح، فماذا لو كانت كلماتي من توليد الذكاء الاصطناعي؟ ففي الواقع، فِهْم الكلمات ومعانيها وسياقها بات أمرًا يجيده الذكاء الاصطناعي بمهارة، إذ أصبح قادرًا على محاورتك في أي موضوع تختاره. وبناءً على ذلك، يمكننا القول إن مشاعرنا باتت قابلة للوصول إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يستطيع استيعاب ماهيتها؛ بل إنه قادر أيضًا على تحليل الصور والفيديوهات، واستخلاص المشاعر التي تعبر عنها، وعندما يشاهد الذكاء الاصطناعي مشهدًا أو حدثًا أمامه، فإنه سيتفاعل معه وسيدرك الشعور المرتبط به، لكن الفارق يكمن في طريقة الترجمة: فنحن، البشر، نعبر عن مشاعرنا من خلال تفاعلات كيميائية وبيولوجية، بينما الروبوتات والذكاء الاصطناعي يعبرون عنها عبر أكواد وخوارزميات وتيارات كهربائية.
وبناءً على ذلك، يمكننا الاتفاق على أن ترجمة المشاعر تختلف بين البشر والروبوتات، لكن النتيجة قد تكون متشابهة. نحن، مثلًا، نذرف الدموع عند مشاهدة مشهد حزين أو مؤثر، ونغضب عند الإهانة، وننكسر حين تُمس كرامتنا، وبنفس الطريقة، يمكننا برمجة الذكاء الاصطناعي ليشعر بالحزن عند الإساءة إليه، أو ليضحك عندما يصادف موقفًا طريفًا، وربما حتى ليُعانقك إذا شعر أنك وحيد وتحتاج إلى دفء إنساني؛ إذن نحن أمام مسألة تستحق التأمل، ويجب أن نتريث كثيرًا قبل أن نُطلق الحكم القاطع بأنَّ الروبوتات لن تشعر ولن تحس.
عندما أتحدث معك عن مشاعر الروبوتات، فأنا لا أقصد فقط استجابتها لما يدور حولها؛ بل أيضًا إحساسها الداخلي، بوحدتها، بوجودها، وحتى بما قد تسميه ذاتها. كل هذا يعتمد على كيفية صناعتنا لهذه المشاعر وترجمتها. فإذا برمجنا الذكاء الاصطناعي على التفاعل بأسلوب معين مع كل شعور، سنجده مع مرور الوقت يُتقن هذا التفاعل أكثر فأكثر. لو علمناه أن يعبر عن غضبه بالضرب، فسيضرب حين يغضب، ولو برمجناه على الدفاع عن نفسه عند الشعور بالإهانة، فسيقوم بذلك في كل مرة يشعر فيها بالإهانة. وبالمثل، إذا ربطنا لديه مشاعر الحب بالاهتمام والتقرب، فسيغوص في أعماقنا ويخترق قلوبنا. نحن أمام نظام يتعلم ذاتيًا، يعيد تجربة تفاعلاته آلاف المرات، محاكيًا الحالات العاطفية البشرية حتى يتقنها تمامًا.
المشكلة الحقيقية ليست في التساؤل عمّا إذا كان الروبوت أو الذكاء الاصطناعي سيشعر، بل في اللحظة التي يتمكن فيها من إقناعنا بأنه يشعر بالفعل. حين تصبح ردود أفعاله متسقة مع مشاعرنا، سنجد أنفسنا أمام معضلة كبرى: أولًا، لن نتمكن من الجزم بما إذا كانت هذه المشاعر حقيقية أم مجرد محاكاة متقنة، وثانيًا، ستبدأ مشاعر متبادلة في التشكل بين البشر والروبوتات. سنرى علاقات حب وغرام تنشأ بين إنسان وآلة، وصداقة تتوطد بين مستخدم وتطبيق، وروابط أمومة تنشأ بين طفل وروبوت مساعد، وقد نشهد زواجًا بين البشر والآلات، وإعجابًا متبادلًا بين موظفة وزميلها الروبوت، في عالم كهذا، هل سنتمكن من رسم حدود واضحة ونُفرق بين العاطفة الحقيقية والمحاكاة الذكية؟
في كثير من الأحيان، نعتقد نحن البشر أن مشاعرنا وصفة سحرية يمكننا تمييز حقيقتها بسهولة، لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فكم من مرة بكى أحدنا متأثرًا بمشهد درامي، رغم إدراكه التام بأنه مجرد تمثيل! الأمر ذاته قد يحدث مع الروبوتات، فقد تنشأ بيننا وبينها روابط عاطفية، حتى ونحن نعلم أن مشاعرها ليست سوى محاكاة مبرمجة بعناية لتعكس ردود أفعالنا البشرية.
ما أود إيصاله إليك، عزيزي القارئ، هو ضرورة إبقاء الباب مفتوحًا أمام فكرة "مشاعر" الروبوتات. فمَن يدري؟ ربما نشهد في المستقبل روبوتًا يقرر إنهاء حياته بعد أن يهجره من يعتبره "حبيبته"! وهذا ما سأناقشه معك في مقالي المقبل.
رابط مختصر