يرفضون الخروج الان ولهم أماكن مقدسة.. إليك تاريخ المسيحيين في غزة
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
السومرية نيوز – دوليات
سلَّط قصف الاحتلال الإسرائيلي على كنيسة القديس بورفيريوس، قبل ايام، الأنظار على المسيحيين الذين يعيشون في غزة المحاصرة وتاريخ وجودهم في هذه المدينة.
ووفقاً لهيئة Caritas Internationalis الأرثوذكسية، فقد توفي 17 مسيحياً على الأقل، بينهم أفراد من عائلة واحدة، في الغارة الإسرائيلية التي أسفرت عن سقوط سقف كنيسة القديس بورفيريوس على مَن فيها.
*تاريخ المسيحيين في غزة
تعتبر دولة فلسطين بشكل عام مهد المسيحية في العالم، فهي موقع العديد من أحداث العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس، كما أنها تحتوي على كنيسة المهد التي وُلد يسوع المسيح في مكان موقعها في مدينة بيت لحم، وبالتالي فإن وجود مسيحيين في غزة هو أمرٌ طبيعي؛ نظراً للتنوع الديني في فلسطين.
ووفقاً لتقرير حديث نشره موقع Middle East Eye (مقره بريطانيا)، فإن التاريخ المسيحي في غزة فريد من نوعه، كون المنطقة تمثل أهمية خاصة في تطور الإيمان.
ووفقاً للتقرير، فإن منطقة قطاع غزة يُشار إليها بالاسم في كتاب العهد الجديد في أعمال الرسل 8، والذي يُشير إلى القديس فيلبس الرسول، الذي يعمد رجلاً من الحبشة على الطريق بين القدس وغزة.
وتقول الآية: "ثم إنَّ ملاك الرب كلم فيلبس قائلاً: قم واذهب نحو الجنوب، على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي برية".
في حين فقد بدأ انتشار المسيحية في منطقة غزة إلى القرن الخامس، وذلك وفقاً وفقاً لما تشير إليه الكنائس والأديرة المتواجدة في القطاع.
وبحسب الباحثة نيكول بلايش، مديرة الدراسات في قسم العلوم الدينية بالمدرسة العملية للدراسات العليا بباريس، والتي تغطي مجالات بحثها الرئيسية الديانات الوثنية وتغيراتها في الإمبراطورية الرومانية الشرقية، فقد ذكرت في كتاب شاركت في الكتابة به، وهو كتاب غزة المسيحية في العصور القديمة المتأخرة "Christian Gaza in Late Antiquity"، فإنه عندما تم تعيين القديس بورفيريوس الرَّائِي أسقفاً لغزة، كان عدد السكان المسيحيين "أقل من 300 من بين عدد السكان الذي يقدر بما بين 20.000 و25.000".
وأضافت الباحثة في الكتاب أنّ التحول الجماعي إلى المسيحية في غزة في القرن الخامس بدأ تحت رعاية الإمبراطورية البيزنطية، خليفة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، مؤكدة أنّ العملية كانت صعبة جداً.
وأوضحت أنّه في نهاية الأمر تم التغلب على التردد الذي كان يشعر به الغزاويون من خلال جهود كبيرة بذلها قساوسة مثل بورفيريوس، استطاعوا بعدها الدمج ما بين الطقوس التي يمارسها السكان الأصليون وبين طقوس الكنيسة المسيحية، مؤكدة أن اعتماد المسيحية في غزة أصبح على نطاق واسع مع حلول نهاية القرن السادس، ولكن لم تستطِع المسيحية أن تبقى وقتاً طويلاً في غزة؛ لأن معظم السكان اعتنقوا الإسلام مع وصوله، وبات الدين الرئيسي للمنطقة.
في حين بقيت أقلية مسيحية صغيرة جداً في غزة استطاعت أن تتمتع بازدهار قصير جداً في ظل الحكم الصليبي لغزة خلال القرن الثاني عشر.
*المسيحيون في غزة خلال العصر الحديث
تعرض الكثير من المسيحيين الفلسطينيين في غزة للتهجير والتحول إلى لاجئين بسبب الاحتلال الإسرائيلي، ما أجبرهم على ترك منازلهم في غزة والفرار إلى مناطق أخرى.
بدأت عمليات تهجير المسيحيين بعد النكبة في عام 1948 ليتضاءل عدد السكان المسيحيين في غزة بشكل أكبر على مر العقود، وهو الاتجاه الذي استمر بعد النكبة.
في منتصف ستينيات القرن الماضي كان عدد المسيحيين في غزة يتراوح ما بين 6 إلى 7 آلاف شخص، ولكن منذ أن بدأ الحصار الإسرائيلي على غزة في عام 2007 أُجبر الكثير منهم على الفرار.
ووفقاً لما ذكرته وكالة الأناضول التركية فإن قطاع غزة حالياً يحتوي على حوالي 1000 مسيحي فلسطيني فقط يعانون من العزلة وانعدام الحرية بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 16 عاماً.
ووفقاً لما ذكره موقع The New Arab، فإن معظم المسيحيين الذين يعيشون في غزة اليوم هم يتبعون الطائفة الأرثوذكسية اليونانية، في حين يتواجد أيضاً أقليات تتبع الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية.
في المقابل أيضاً، فإن المسيحيين في غزة معزولون تماماً عن المجتمعات المسيحية الأكبر المتواجدة في القدس والضفة الغربية، إذ إن أي شخص منهم يحتاج إلى تصريح سفر للخروج من غزة في المناسبات الدينية.
ورغم ذلك، فإن ضمان استخراج هذه التصاريح غير مضمون، ودائماً ما تقوم سلطات الاحتلال بإلغاء تصاريح كان قد استخرجتها للمسيحيين لحضور قداس عيد الفصح.
*يرفضون الخروج من غزة
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال إلى تشويه سمعة المسلمين الذين يعيشون في غزة من خلال اتهامهم بمضايقة المسيحيين، فإن المسيحيين أنفسهم يرفضون الانصياع للاحتلال.
مؤخراً عندما قام جيش الاحتلال الإسرائيلي بتحذير السكان المدنيين من ضرورة الانتقال إلى الجزء الجنوبي من القطاع، قررت الغالبية العظمى من العائلات المسيحية عدم الانتقال والبقاء داخل الكنيسة.
أنطون وهو مسيحي يبلغ من العمر 42 عاماً، صرح لصحيفة EL PAÍS الإسبانية، قائلاً: "في الوقت الحالي، يمكننا البقاء في غزة لمدة تصل إلى شهرين؛ لأننا قمنا بأخذ كامل احتياطاتنا منذ أن بدأ الاحتلال تصعيداته في غزة، فأنشأنا قبل بضعة أشهر لجنة إدارة للأزمات المستقبلية وبدأ الاستعداد للأوقات الصعبة".
وتابع: "لن نرحل، والفكرة هي ضمان بقاء المجتمع المسيحي في غزة عندما تنتهي الحرب، لا نريد أن نضطر إلى الرحيل من هنا، مكاننا في غزة".
*أماكن مسيحية مقدَّسة في غزة
كنيسة القديس برفيريوس التي بُنيت في القرن الخامس وسُميت على اسم القديس برفيريوس، وهي أحد أهم الأماكن الدينية المسيحية في غزة وأقدمها.
في حين أن هناك العديد من الأماكن المسيحية المهمة الأخرى في غزة، مثل دير تل أم عامر، الذي يعتبر مسقط رأس القديس هيلاريون، ويعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس، ويضم كنائس وقاعة معمودية ومقبرة وسرداباً، وكان بمثابة مكان للعبادة للمسافرين بين مصر وبلاد الشام، بما في ذلك فلسطين وسوريا.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: المسیحیین فی غزة المسیحیة فی فی حین
إقرأ أيضاً:
التخاذل الأمريكي لحظة مفتاحية في القرن 21
من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يوم 28 سبتمبر 2015: أرى أن بعض الأطراف (قاصدا بوتين) تبذل كل مساعيها الدبلوماسية لإدخال بشار الأسد طرفا في مسار التفاوض السياسي حول مستقبل سوريا. إلا أنه لا يمكن أن يكون ثمة تعامل وتعاون بين الضحايا والجلاد. الأسد هو أصل المشكلة، ولا يمكنه أن يكون طرفا في الحل. ثم قال في مؤتمر صحافي في اليوم ذاته: لا بد أن يرحل الأسد حتى تتمكن المعارضة وأجهزة النظام من التوصل للتوافق اللازم، ولا بد أن تتوقف فورا أعمال القصف التي يمارسها نظام بشار الأسد اليوم في ظروف بالغة الفظاعة.
صحيح أن العرب درجوا على الاستخفاف بمثل هذه المواقف الغربية وحسبانها مجرد كلام. ولكن الحقيقة أن أولاند كان جادا في إرادة إسقاط النظام الأسدي في أعقاب استخدامه للأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري. والدليل أن أولاند اتفق مع أوباما يوم الجمعة 23 أغسطس 2013 على شن غارات جوية على المواقع الاستراتيجية للنظام بهدف إسقاطه. وكان القرار أن تبدأ العملية في الواحدة من فجر الأحد. وفعلا أصدر أولاند الأمر لسلاح الجو الفرنسي بالاستعداد لشن الغارات في الموعد المحدد. إلا أنه فوجئ بأوباما يهاتفه يوم السبت قائلا: لقد فكرت في الأمر مليا وارتأيت آخر الأمر أن من الأفضل أن أطلب موافقة الكونغرس. عندها أجاب أولاند: هذا قرارك السيادي، ولكنك إذا عرضت الأمر على الكونغرس فهذا يعني أن العملية لن تقع!
ولهذا قالت الصحافة الفرنسية آنذاك إن أوباما خذل أولاند. إلا أن الأمر أخطر من مجرد خذلان رجل لرجل. إنه خيانة للعهد الذي قطعه على نفسه رئيس القوة العسكرية العظمى. فقد التزم أوباما بقَسَم سياسي لما توعّد سفاح دمشق بأن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر وبأن تجاوزه سوف يعرضه للعقاب العسكري. ولكن الرئيس الأمريكي نكص على عقبيه ونكث بقسمه السياسي. والغريب أن أوباما ظل في الأعوام التالية يعلن بملء فيه أنه «لا يجوز دعم طغاة من أمثال الأسد بذريعة أن البديل سيكون أسوأ»! أما الأغرب فهو أن أوباما قرر، مختارا، الحد من سلطاته وتعطيل قدرته على الفعل بينما يجمع المراقبون على أن كل الرؤساء الأمريكيين بلا استثناء قد عملوا، على مدى العقود الستة الماضية، على توسيع سلطاتهم على حساب الكونغرس.
وفي التعليق على ما حدث عام 2013، قال أولاند قبل أيام إن عدول أوباما عن شن العمليات العسكرية في سوريا لم يتح إطالة عمر نظام بشار فحسب، بل إنه مهد الطريق أيضا لتدخل روسيا وتمكنها في سوريا. ثم أصدر أولاند هذا الحكم: إن قرار أوباما عدم التدخل العسكري في سوريا إنما يمثل «لحظة مفتاحية في تاريخ القرن الحادي والعشرين، ذلك أن ثمة أحداثا لا نستطيع قياس أثرها عند حدوثها». فقد كان لهذا القرار، أو بالأحرى اللاّ-قرار، نتائج مشهودة في المنطقة مثلما نرى اليوم، ولكن كان له نتيجة أخرى هي أنه كشف لبوتين أن أمريكا، والدول الغربية عموما، لا عزم لها على التدخل في الخارج. ولهذا أقدم بعد شهور من ذلك على مهاجمة أوكرانيا والاستحواذ على جزيرة القرم والسيطرة غير المباشرة على منطقة دونباس.
ويقتضي الإنصاف القول إن أولاند كان أكثر من ساركوزي وماكرون ثباتا على المبدأ بشأن وجوب الحزم في التعامل مع كل من بشار وبوتين. صحيح أن الأحداث بدت كما لو أنها تفند موقفه، حيث بقي بشار في الحكم زمنا إضافيا بسبب القرار الروسي بتعويمه فوق بحر الدماء السورية التي أراقها وهو يقهقه بكل سماجة، ولكن سقوط النظام أثبت أن أولاند كان على صواب، وأن موقفه كان سائرا في الاتجاه الصحيح للتاريخ، بينما كان موقف أوباما المتخاذل منافيا للمبدأ الأخلاقي والمنطق التاريخي.
هذا، ورغم أن زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان وزعيم اليسار الراديكالي جان-لوك ميلنشون على طرفي نقيض، فإنهما كانا متحديْن في تأييد الطاغية وفي انتقاد موقف أولاند المناهض له. لوبان كانت تعدّه حصنا ضد «الجهاديين» وميلنشون كان معجبا بـ«علمانيته» ومناديا بضرورة التفاوض معه. ولكن الحقيقة هي أن لوبان ثابتة منذ القديم على تأييد الطغاة في كل مكان. أما ميلنشون، الألمعي التقدمي، فإن كراهيته المرَضية لكل ما هو أمريكي هي التي أعمته عن رؤية الآيات البيّنات.
(القدس العربي)