تحدث الدكتور عبد النور تومي، خبير دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط في أنقرة "أورسام"، عن خلفيات الموقف الأمريكي الداعم لدولة الكيان الصهيوني في حربها ضد الفلسطينيين وقطاع غزة ودور اللوبيات في رسم السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط والنزاع الفلسطيني الصهيوني، كما أجاب في هذا الحوار مع "الخبر" عن تراجع الموقف الفرنسي من القضية الفلسطينية وتأثير هذه المواقف على مصداقية الدول الغربية.

 

لماذا انحازت الولايات المتحدة بهذا الشكل إلى الكيان الصهيوني في حربه ضد الفلسطينيين؟

بعد أسبوعين من عملية "طوفان الأقصى" التي أثبتت الانتصار التاريخي الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وقدرتها على تحرير الأراضي الفلسطينية من يد جيش دولة الكيان الصهيوني الذي كشفت صورته الحقيقية للعالم، أنه جيش كارتوني أو بالون منفوخ، كما سيطرت عناصر المقاومة على أكثر من 35 مُستوطنة، ما دفع بقيادات الكيان الصهيوني مدنيين وعسكريين إلى الرد بطريقة جنونية ضد المدنيين في قطاع غزة والضفة، دخلوا في حرب هستيرية ضد المقاومة، أو حسب سردية الكيان الصهيوني للإعلام الغربي المنحاز أنهم في حرب على "الإرهاب"، شهدنا الدعم المفرط اللامشروط للإدارة الأمريكية لدولة الكيان الصهيوني، وقد كانت أمريكا عادة تلعب سياسة التوازن أو السمسار الموثوق فيه Broker وهذا منذ الدعم الدبلوماسي الأول عام 1948 عندما اعترفت الو.م.أ لإدارة هاري ترومان بعد ضغوطات كبيرة من قبل اللوبي الصهيوني في أمريكا وأوروبا، حينئذ باتت دولة الكيان تتمتع بهذا الدعم اللامشروط (كانت نقطة كادت أن تقلب موازين القوى خلال العدوان الثلاثي ضد جمال عبد الناصر في السويس ولم تشارك أمريكا في العدوان الثلاثي ضد الجيش المصري).

بعدها تطورت الأمور وسارت في اتجاه مسار الدعم المفتوح. لا نبحر كثيرا في موضوع تموضع واشنطن في معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي، كون الدور الهام لأكبر آلات وسائل الإعلام في واشنطن والمال Wall Street نيويورك وحتى الترفيه على غرار Hollywood لون أنجلس، أضف إلى ذلك منظمات يهودية ناشطة ومؤثرة إلى درجة أنها هي من تصنع الرؤساء والنواب في الكونغرس وحتى على المستوى المحلي أي صناعة الحكام الجهويين Governors، هذا نجده عند الحزب الديمقراطي والجمهوري على السواء، كل هذا يصب في تأثير اللوبي اليهودي وعلى رأسه AIPAC.

على سبيل المثال لا الحصر، كل مرشح للرئاسيات عليه أن يحج إلى قبة AIPAC ويشرح موقفه من دولة الكيان، وما هي محددات سياسته الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، هنا يقصدون صراحة دولة الكيان الصهيوني.

إضافة إلى AIPAC هناك أيضا مراكز مختصة في الدراسات الدولية، يعني Think tanks، على غرار مركز AEI a المقرب من المحافظين الجدد وحزب الليكود، كما لا يخفى أن إقرار الرئيس الأمريكي جو روبينات بايدن أنه صهيوني ويفتخر بصهيونته، كما أعلن كاتب الدولة للخارجية الأمريكية أنه زار دولة الكيان كيهودي.

أكيد تطول بنا الإجابة في هذا الشأن، كما هناك أيضا تيار اليمين المتطرف الذي تدعمه ما يعرف في أمريكا بالمسيحية الماسونية، كذلك هناك الكنيسة الإنجيلية، أيضا ملف الانتخابات ومعضلة الولايات المتأرجحة مثلا ولاية فلوريدا حيث يعيش فيها عدد كبير من اليهود، كل هذه العوامل دفعت بإدارة بايدن لتقديم هذا الدعم اللامشروط وغير المسبوق.

 

لكن على غير العادة هناك رفض متنام لهذه السياسات ليس في الشارع فقط ولكن حتى على مستوى الإدارة الأمريكية، وتابعنا استقالات مسؤولين سامين، كيف سيؤثر ذلك على الموقف الأمريكي مستقبلا؟

صحيح، لكن لا أعتقد أنه سيكون له تأثير كبير على الموقف الأمريكي لسبب بسيط، أن الآن هناك دعما غير مشروط في الكونغرس، جل النواب والشيوخ يدعمون دون شرط موقف إدارة بادين، لكن نشير إلى الاستقالات في وزارة الخارجية، مثلا استقالة مسؤول بارز في وزارة الخارجية الأمريكية بسبب تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب على الفلسطينيين، كذلك جوش بول، مدير مكتب شؤون الكونغرس والشؤون العامة في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية للشؤون العامة بالخارجية الأمريكية، الذي يتعامل مع عمليات نقل الأسلحة. هناك شيء أعتقد أنه سيؤثر على نتيجة انتخابات العام المقبل، هو ولاية ميشيغن التي تعيش فيها جالية عربية ومسلمة كبيرة بإمكانها أن تسبب خسارة بايدن، علما أن بايدن فاز بهذه الولاية بسبب الغضب الشديد للجالية العربية والمسلمة في أمريكا ضد سياسة الانحياز الأعمى لدولة الكيان في حربها على الفلسطينيين 2020.

 

إذا كان الموقف الأمريكي مفهوما انطلاقا من مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، لماذا تنصاع الدول الغربية وأخص بالذكر فرنسا لهذا الموقف وتتبنى موقفا يضرب بكل الشعارات التي رفعتها وحتى مواقفها التاريخية المعتدلة من الصراع، ونتذكر هنا موقف فرنسا في عهد شيراك من حرب العراق وفلسطين؟

موقف الغرب الأوروبي ليس بالمفاجئ خاصة في سياق صعود اليمين المتطرف وخطاب الكراهية المتصاعد ضد المسلمين والعرب في أوروبا عموما، وهو خطاب أصبح يكاد يكون سياسة عامة للحكومات الأوروبية خاصة في فرنسا. شهدنا قصة بن زيمة مع وزير الداخلية الفرنسي، جيرارد موسى دارمينين، الذي اتهمه بالعمالة لحماس وصلات بالإخوان المسلمين، وقاد حملة فرنسية ضده بسبب تضامنه مع غزة. يستغل هذا الحدث أو اللا حدث لأغراض سياسية كونه يريد أن يكون مرشح اليمين القوي في انتخابات عام 2027 في فرنسا.

القصة بين موسى وكريم على حلبة مارين. دارمينين يريد أن يحتوي خطاب مارين، التي أصبحت الآن المرشح الطبيعي لحزب اليمين المتطرف، عندها نجد من الغريب موقف اليمين المتطرف الذي لديه تاريخ أسود مع علاقته وسياسته مع اليهود في فرنسا مع حكومة Vichy 1940-1946 التي تعد وصمة عار في تاريخ فرنسا! 

هنالك تقاطع جديد بين الفاشية والعنصرية في أوروبا الغربية وحتى في الهند مع الهندوسي العنصري وزير الهند الأول Narendra Modi، وتعاطفه مع الصهيونية هو من باب ديني مسيحانية Mesianic، لقد انتهى الزمن الذي كان فيه النازي والفاشي والعنصري يكره اليهودي. الصهيونية العالمية بعد سيطرتها على الإعلام والمال استطاعت أن تسحق هؤلاء العنصريين وتجعلهم يتحدون جميعا في عدائهم وكرههم للإسلام.

أما بالنسبة سياسة فرنسا العربية، الرئيس ماكرون قد أكد مقولة وزير خارجية فرنسا السابق، ميشال جبير، لما سئل عن سياسة فرنسا العربية، فرد لم يبق منها سوى: باربس – روشوارت، هو الحي الشعبي بالدائرة العاشرة ببلدية باريس.

أنا أضيف لم يبق منها سوى معهد العالم العربي الذي أصبح مجرد مركز ثقافي يديره جاك لانغ، وزير الثقافة والتربية في حكومات الحزب الاشتراكي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. الرئيس ماكرون خرج عن عقيدة سياسة متزنة وواقعية في المنطقة العربية وشاهدنا أن سياسته الخارجية فشلت فشلا ذريعا، من ليبيا إلى لبنان، هو خرج عن نهج ديغول وميتران وشيراك. كانوا كلهم يدافعون عن مفهوم Realpolitik، لكن ماكرون حولها إلى Surrealpolitik، ريال بوليتك Riyalpolitik مع دول الخليج، وهي سياسة تجارية نفعية بامتياز هي عبارة عن عقود بيع الطائرات الحربية والأسلحة الدفاعية.

أما بريطانيا فهي معروفة، وما يعاني منه الشعب الفلسطيني الشقيق المقاوم هو نتيجة السياسة الاستعلائية الاستعمارية للانتداب البريطاني ووعد العار: وعد بلفور. أكيد نتحدث عن بريطانيا الرسمية.

  

كيف ستؤثر هذه المواقف على مصداقية الدول الغربية؟

بالطبع ضربت في العمق، لقد ثبتت مواقف هذا الغرب المنافق واتباعه سياسة الكيل بمكيالين وحقده المعلن ضد العرب والمسلمين، هذا لوحظ مع الحرب الروسية-الأوكرانية وكيف تعاطى إعلام وساسة وأصحاب القرار في هاته الدول مع أوكرانيا وما يعرف باللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية وكيف كانت سياسة الحماية والاستقبال والدعم، هذا عكس ما شاهدناه مع اللاجئين السوريين والعراقيين والسودانيين والأفغانيين، حيث صرح الإعلام الغربي المنافق صراحة بأن هؤلاء أصحاب العين الزرقاء والبشرة البيضاء يختلفون تماما عن الآخرين ومعهم من وصفهم بـ"الإرهابيين".

هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي فلا نزال بعيدين كل البعد. متى يستفيق المسؤولون والنخب الفكرية والسياسية التي لا تزال تتباهى بـ"قيم" المساواة والتنوير والتسامح وتنظر لهذا الغرب المتغطرس أنه نموذج ناجع في مجتمعاتنا. أعتقد أنه قد آن الأوان لندرس ونتمعن بعمق في مقولة: "إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب..".

 

 

المصدر: الخبر

كلمات دلالية: دولة الکیان الصهیونی الموقف الأمریکی الیمین المتطرف الدول الغربیة

إقرأ أيضاً:

تبعات ضربة “تل أبيب” تطال المشهد السياسي داخل الكيان الصهيوني

يمانيون/ تقارير

في زمن تتعرض فيه القضية الفلسطينية لأبشع إبادة، يظهر الموقف اليمني من القضية أكثر قوة وثباتًا.

إن دعم اليمن لفلسطين يعكس الالتزام المبدئي بالقيم الدينية والإنسانية والأخلاقية، خصوصا، في الوقت الذي تتسم فيه مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية بالتردد أو السلبية أمام الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني.

هنا، يطهر الموقف اليمني قويا ومشرفا، لا يجعله رمزًا للصمود والتضامن مع قضايا الأمة المصيرية فحسب، وإنما يؤكد أهمية الوحدة العربية والإسلامية في مواجهة التحديات.

ويكفي اليمن فخرا، أن الصاروخ اليمني فرط الصوتي الذي انفجر في يافا، في الأراضي المحتلة، فضلا عما أحدثه من زلزال عسكري سياسي في الكيان الصهيوني، حيث أثار حالة من الفوضى والارتباك السياسي بين ما يسمى ” الحكومة الإسرائيلية” برئاسة “بنيامين نتنياهو” والمعارضة. هذا الحدث لم يكن مجرد تصعيد عسكري، بل كان بمثابة جرس إنذار يعكس هشاشة الوضع الأمني في المنطقة ويعزز من حالة القلق بين المستوطنين الصهاينة.

الاضطرابات السياسية التي تلت هذا الهجوم تعكس انقسامًا عميقًا في المجتمع الصهيوني. فقد استغلت المعارضة هذا الحدث لتوجيه انتقادات حادة لنتنياهو، متهمة إياه بالفشل في ضمان الأمن القومي. في المقابل، يسعى نتنياهو إلى تعزيز موقفه من خلال التأكيد على ضرورة “الوحدة الوطنية” في مواجهة التهديدات الخارجية.

 

انقسام داخل الكيان

في هذا السياق هاجم رئيس ما يسمى بـ”حزب العمل” الصهيوني المعارض يائير غولان رئيس”حكومة” الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو.. واصفا إياها “بحكومة الصفر الفاشلة التي تجر البلاد إلى حرب أبدية”.

ودعا غولان -في منشور له عبر منصة إكس- الصهاينة للتظاهر كل يوم.. معتبرا أن الضغط الشعبي المتواصل فقط هو الذي سيسقط “الحكومة”. وقال: “مرة أخرى، تلقينا هذا الصباح تذكيرا لحكومة اليمين وفشلها المستمر”. وأضاف: “بدلا من إغلاق جبهات القتال، تجرنا حكومة الصفر إلى حرب إلى الأبد، وإلى صراع داخلي إلى الأبد، وإلى الهاوية”.

من جانبه، قال حزب “هناك مستقبل” الصهيوني برئاسة زعيم المعارضة يائير لبيد: إن “دولة طبيعية لا تستيقظ على حادثة سقوط صاروخ أرض-أرض على أراضيها يُطلق من اليمن”.. داعياً ما وصفها بحكومة الكوارث الوطنية إلى الاستقالة.

كما يتزايد السخط الإسرائيلي والإحباط لدى مستوطني الجليل والجولان بسبب التمييز الذي تعتمده “الحكومة” الإسرائيلية، وذلك على خلفية طريقة تعاطي “جيش” العدو والساسة هناك مع وابل الصواريخ والمسيّرات التي تُطلق على الشمال وبين ردة الفعل تجاه الصاروخ اليمني الذي سقط في الوسط.

وعبّر مستوطنو الشمال عن إحباطهم العميق لعدم الاهتمام بوضعهم: “هناك منطقة كاملة تتخلى عنها إسرائيل”، وأكدوا وجود حقيقة واحدة وهي أن “هناك دماء أقل قيمة”.

وفي هذا السياق، قال رئيس مجلس الجولان الإقليمي، أوري كالنر: “صفارات الإنذار في الوسط هي مثال صغير لكيف هي حياة الآلاف في الشمال”، ولكن المفارقة أنّ “هكذا تبدو حياتنا في الشمال كل يوم، منذ عام كامل، ليس مرة واحدة كل بضعة أشهر”.

على ذات الصعيد صرح عضو “الكنيست” الصهيوني من “حزب العمل”، “ميراف ميخائيلي”: “الوضع الأمني في البلاد يتدهور بشكل متسارع، وهذا الهجوم هو دليل واضح على أن الحكومة لا تملك خطة فعالة لمواجهة التهديدات.”

وانتقدت زعيمة “حزب ميرتس”، “تمار زاندبرغ”، “حكومة” الكيان قائلة: “نتنياهو يستغل هذه الأزمات لتعزيز سلطته، بينما يتجاهل احتياجات المواطنين الحقيقية. يجب أن تكون الأولوية للأمن وليس للسياسة.”

وأشار زعيم حزب “أزرق أبيض”، “بيني غانتس”، إلى أن “هذا الهجوم يضر بصورة إسرائيل في المجتمع الدولي، ويظهر ضعف الحكومة في التعامل مع التهديدات.” ودعا أعضاء من “المعارضة” إلى فتح تحقيق في كيفية حدوث هذا الهجوم، حيث قال عضو “الكنيست” الصهيوني، “عومر بار ليف”: “يجب أن نعرف كيف تمكن هذا الصاروخ من الوصول إلى يافا، ومن المسؤول عن هذا الإخفاق.”

 

سخط المستوطنون الصهاينة

وفيما يتعلق بردود الفعل في الشارع “الإسرائيلي” على الأحداث الأخيرة، وعلى وجه الخصوص، انفجار الصاروخ اليمني فرط الصوتي في يافا، كانت متنوعة وتعكس مشاعر القلق والغضب، فقد عبر العديد من المستوطنين الصهاينة عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني، حيث قال أحد الصهاينة في يافا: “لم نشعر بهذا القدر من الخوف منذ سنوات. يجب على الحكومة أن تفعل شيئًا لحماية أرواحنا.

وشهدت بعض المدن في الكيان الصهيوني مظاهرات تطالب باستقالة “الحكومة”، حيث رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: “الأمن أولاً، استقالة نتنياهو الآن!”، مما يعكس استياءهم من “الأداء الحكومي”.

وأشار البعض إلى أن الهجوم أثر على حياتهم اليومية، حيث قال أحد أصحاب المحلات: “الناس يتجنبون الخروج، وهذا يؤثر على أعمالنا. نحن بحاجة إلى استعادة الشعور بالأمان.”

كما شهدت منصات التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيرًا، حيث تداول المستخدمون مقاطع فيديو وصور من الحادث، مع تعليقات تتراوح بين الغضب والدعوات إلى اتخاذ إجراءات عاجلة.

وأظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الصهاينة يشعرون بعدم الرضا عن أداء ” الحكومة” في التعامل مع التهديدات الأمنية، مما قد يؤثر على مستقبل “الحكومة” الحالية.

الردود في مجملها، أظهرت الشارع “الإسرائيلي” في حالة من القلق وعدم الاستقرار، بل وأثرت على المشهد السياسي والاجتماعي في الكيان إلى درجة أنها أحدثت اضطرابات باتت تفرض إعادة تقييم استراتيجيات الأمن القومي الصهيوني، وقد تفتح المجال لمزيد من الحوار حول الحلول السياسية الممكنة، رغم أن الأفق يبدو ضبابيًا في ظل تصاعد التوترات.

ما يعني- واقعا- أن الصاروخ اليمني نقل الوضع في المنطقة إلى مأزق يفرض على العدو الإسرائيلي والأطراف الدولية الداعمة له التفكير بعمق في العواقب المحتملة، وخاصة أن الاستمرار في التصعيد قد يؤدي إلى نتائج كارثية على المنطقة والعالم بأسره.

 

تناقض الموقف الأورو-أمريكي

وفي سياق متصل، تبدو المواقف الأمريكية والأوروبية متشابهة في التصريحات التي تدعو في مجملها إلى ضبط النفس والحوار، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهجمات التي تأتي من الجانب العربي. في هذه السياقات، يظهر التأكيد المتكرر على ما تسميه حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها، وهو موقف يتسم بالتناقض الصارخ مع موقف هذه الدول مما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات جسيمة. هذا التوجه يعكس صمتًا مخزيًا من قبل الدول التي تدعي أنها عظمى، والتي من المفترض أن تكون- كما تدعي لنفسها- مسؤولة عن حماية حقوق المدنيين في جميع أنحاء العالم.

إن هذا الموقف لا يعكس فقط انحيازًا واضحًا، بل يكشف أيضًا عن التحديات المعقدة التي تواجهها السياسة الأوروبية تجاه الحروب في “الشرق الأوسط”. فبينما تُعطى الأولوية لحقوق المستوطنين الصهاينة، تُهدر حقوق الفلسطينيين بشكل صارخ. إن هذا التمييز العنصري بين الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني لصالح المستوطنين الصهاينة يعكس أزمة أخلاقية عميقة في السياسة الدولية. فبينما تُحفظ ما يسمى بـ”حقوق المستوطنين” المعتدين وتُدعم بشكل غير مشروط فيما يدعى لها من حق في الدفاع عن النفس، تُترك الحقوق المدنية الفلسطينية لتُداس تحت أقدام آلة التوحش الصهيونية، التي تمارس شتى أنواع القتل و التنكيل والتعذيب.

تتجلى هذه الفجوة في المواقف بشكل واضح في ردود الفعل الدولية على الأحداث. فعندما يتعرض الكيان الإسرائيلي لهجوم، تتسارع الدول الغربية لإصدار بيانات تدين الهجوم وتدعو إلى ضبط النفس، بينما تُغض الطرف عن جرائم الإبادة الجماعية الموسومة في القانون والعرف الدولي بجرائم حرب ضد المدنيين التي تُرتكب بحق الفلسطينيين.

إن هذا التناقض في المواقف يعكس عدم التوازن والكيل بمكيالين في التعاطي مع الأحداث، ويعزز من مشاعر الإحباط واليأس لدى الفلسطينيين، الذين يرون أن المجتمع الدولي لا يكترث لمعاناتهم.

علاوة على ذلك، فإن هذا الموقف يعكس أيضًا فشلًا في فهم الديناميات المعقدة للأحداث. فبدلاً من السعي نحو تحقيق ما تدعي إليه من سلام عادل وشامل، تفضل الدول الغربية الحفاظ على الوضع الراهن لسياسة الاستيطان الاسرائيلي، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. إن هذا الفشل في اتخاذ موقف أخلاقي واضح يعكس عدم قدرة المجتمع الدولي على إيقاف أطماع السياسات الإسرائيلية.

إن المواقف الأمريكية والأوروبية تجاه العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في شكله الحالي مجرد تعبير عن هدر واضح لما تدعيه من قيم ومبادئ تتعلق بحقوق الإنسان والعدالة. بدليل أن استمرار التمييز العنصري في التعامل مع حقوق الفلسطينيين يزيد من تفاقم أوضاع الشعب الفلسطيني، ويزيد من همجية الكيان الصهيوني.

مقالات مشابهة

  • دلالات الضربة اليمنية على الكيان الصهيوني وتداعياتها
  • مجلس الشورى يدين العدوان السيبراني الذي نفذه الكيان الصهيوني على لبنان
  • كنعاني: ما يرتكبه الكيان الصهيوني في غزة دليل على انعدام الأمن المنظم في العالم
  • مجلس الشورى يدين عدوان الكيان الصهيوني على لبنان
  • 50 % من شركات تكنولوجيا الكيان الصهيوني تعاني من إلغاء الاستثمارات
  • استهداف العمق الصهيوني بصاروخ “فلسطين 2” انتصار يمني يتوج الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
  • تبعات ضربة “تل أبيب” تطال المشهد السياسي داخل الكيان الصهيوني
  • بعد طائرة “يافا”.. ما الذي حمله الصاروخ اليمني إلى قلب الكيان؟
  • العمق الصهيوني.. والرد اليمني
  • السنوار في رسالة للحوثي: أبارك وصول صواريخكم لعمق الكيان الصهيوني