الثغرة المستحيلة.. كيف تغلَّبت المقاومة على التفوُّق التقني الإسرائيلي؟
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
في غضون ساعات من فجر يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، استطاعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اختراق حاجز غلاف غزة شديد التحصين وسط ذهول من الإسرائيليين الذين لم يتخيَّلوا أن تتحطَّم تحصيناتهم وتتفرَّق صفوفهم ويتساقط منهم القتلى الواحد تلو الآخر. لقد بنَى الإسرائيليون حول قطاع غزة المُحاصَر سياجا حديديا بطول 50 كيلومترا، وزوَّدوه بأجهزة استشعار ورادارات وكاميرات لكشف التهديدات القادمة من غزة.
سمحت هذه الأدوات البسيطة التي استخدمها مقاتلو كتائب القسَّام بالتغلب على الميزة التكنولوجية لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يُعَدُّ من الجيوش الأكثر إنفاقا في العالم بميزانية تفوق 23 مليار دولار سنويا. وإلى جانب تلك القدرات المالية الفائقة، يمتلك جيش الاحتلال منظومة القبة الحديدية ومنظومة "مقلاع داود" بعيدة المدى، علاوة على ما يتوفَّر لها من تسليح أميركي هو الأحدث في العالم، وحصولها على مساعدات أميركية سنوية تُقدَّر بـ3.8 مليارات دولار تضمن لها أن تكون صاحبة التفوُّق العسكري في مواجهة خصومها في الشرق الأوسط. كان من المفترض أن تجعلها تلك الإمكانات قادرة على مواجهة دولة واحدة أو عدة دول ضمن تحالف عسكري مُعادٍ، لكنها وقفت مكتوفة الأيدي أمام قوات حماس، التي لا تكافئها في العدة أو العتاد (1) (2).
الثغرة المستحيلةمن بين كل الأسلحة والتكتيكات التي يمتلكها مقاتلو القسام، قلبت المُسيَّرات معادلة القوة كُليا في تلك المعركة، وفي حين شكَّلت الصواريخ والطائرات الشراعية والقوات البرية الجزء الأكبر من هجوم حماس، لم يكن لينجح الهجوم الذي اعتمد في الأساس على عنصرَيْ التضليل والمباغتة لولا الطائرات المُسيَّرة، التي استطاعت حماس تحقيق طفرة واضحة فيها، ومكَّنتها من تدمير دبابات ميركافا، واحدة من الأكثر تطورا وتحصينا من نوعها في العالم. بيد أن دور المُسيَّرات لم تُدمر ميركافا فحسب، بل كانت "كلمة السر" في شن عملية طوفان الأقصى (3).
قبل تنفيذ العملية، كانت هناك جملة من المعطيات المستعصية التي تجعل أي هجوم من غزة ضربا من المستحيلات، فلا يمكن نظريا التسلُّل عبر البحر، لأنها مغامرة غير محسوبة العواقب في ظل الرقابة والحصار الذيت تفرضهما بحرية الاحتلال. أما على الأرض فيقف سور حديدي تقطعه كل بضعة كيلومترات أبراج حراسة شديدة التحصين، وأبراج اتصالات، وكاميرات متطورة مُزوَّدة بتقنية التعرُّف على الوجوه، ومن خلف الأسوار تتوارَى أنظمة دفاع جوي تحمي الجنوب الإسرائيلي من القصف بالصواريخ أو من أي هجوم بري محتمل (4).
ومع ذلك، فوجئت إسرائيل نفسها أن المقاومة وجدت طريقها إلى اختراق تلك التحصينات، حيث أطلقت المقاومة في البداية وابلا من الصواريخ الكثيفة بلغت نحو خمسة آلاف صاروخ صوب مختلف المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة للقطاع، وذلك كي تنشغل القبة الحديدية باعتراضها، وكذلك كي يوجه الجيش الإسرائيلي أنظاره بعيدا عن مُسيَّرات القسام في ظل الدخان الكثيف الذي ملأ السماء. في غضون ذلك، استهدفت المُسيَّرات أبراج المراقبة ومراكز الاتصالات التي حدَّدتها حماس بدقة، ما أدى إلى إتلاف وتعطيل أنظمة متقدمة تمثل خط الدفاع الحدودي الأول. وقد تلت ذلك تحرُّكات للقوات البرية للفصائل شملت جرَّارات وعربات ودراجات بخارية، إلى جانب قوات المظلات الشراعية، دون أن تكون إسرائيل قد انتبهت بَعد إلى حجم العملية. ويكشف مقطع فيديو آخر نشره الإعلام العسكري لحماس أن مقاتلي المقاومة استخدموا الدرونز في الهجوم على قاعدة عسكرية إسرائيلية، تمهيدا لاقتحامها والسيطرة عليها (5).
مسيرات حماس وتكتيكات الحرب الأوكرانيةلعل حماس نفسها لم تتوقَّع هذا النجاح الساحق في ساعات معدودات كما جاء على لسان بعض قادتها، لكن صحيفة هآرتس الإسرائيلية قدمت تفسيرا لما حدث نقلا عن مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، الذي أوضح أن مشكلة الطائرات المُسيَّرة أنها يصعُب كشفها بواسطة الرادار، كما يصعب على أنظمة الدفاع الجوي الحالية التعامل معها. ورغم أن إسرائيل تمتلك بالفعل أنظمة مخصصة للتعامل مع المُسيَّرات، فإنها غير قادرة على توفير الحماية لمساحات كبيرة شاسعة. وبحسب هآرتس فإن الطريقة الوحيدة لإسقاط المُسيَّرات هي التشويش عليها وتعطيل الاتصالات بينها وبين مُشغِّليها (6).
تتشابه تكتيكات حماس الأخيرة مع تلك التي ظهرت في الحرب الأوكرانية، فمع وجود تحصينات قوية لا يمكن اختراقها بالقوات البرية، إلى جانب دفاعات قوية مكثفة مضادة للطائرات والصواريخ، ظهرت الحاجة إلى تلك المسيرات ذات البصمة الرادارية المنخفضة. لقد كانت "قطع الموت الصغير" تلك هي البديل الأكثر فعالية لاستخدامها في المواقع العسكرية ذات الوجود المكثف والمكتظ بأنظمة الدفاع الجوي الأكثر تقدما في العالم، وليس أدل على ذلك من استخدام روسيا جيشا من المُسيَّرات الانتحارية الإيرانية من طراز شاهد، أثناء محاولة السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، وكذلك الهجوم الذي شنَّته أوكرانيا داخل الأراضي الخاضعة للسيطرة الروسية بواسطة المُسيَّرات التي استطاعت استهداف السفن والمواقع والمنشآت الحيوية الروسية.
لقد طوَّرت روسيا دِرعا يعتمد على نظام تشويش موجي بهدف إبعاد المسيرات وتضليلها عن أهدافها، فضلا عن إنشاء تطبيق على الهواتف المحمولة يسمح للسكان بالإبلاغ وتحذير الجيش من تحليق المسيرات، غير أن إسرائيل في المقابل أخفقت في التعاطي مع تهديد المُسيَّرات بجدية. وسَبق وأسقط الاحتلال أثناء معركة "أسوار القدس" عام 2014 مُسيَّرة تابعة للمقاومة من طراز "أبابيل 1" كانت تحلق فوق مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية، واخترقت كل الحواجز في مفاجأة أربكت جيش الاحتلال، ورغم أنه نجح في إسقاطها، فإنه فوجئ بتسلُّلها من قطاع غزة ووصولها إلى هدفها في وقت قصير (7).
في هذا العام، أعلنت إسرائيل أنها تصدَّت لنحو 10 مُسيَّرات عند معبر بيت حانون العسكري، ولم ينتبه الاحتلال إلى أن تكثيف إطلاق تلك المسيرات صوب ذلك الموقع بالتحديد كان من ضمن التحضيرات السرية للتخطيط لاقتحامه خلال عملية "طوفان الأقصى"، وهو ما تؤكده التسجيلات التي نشرها الإعلام العسكري لاقتحام الموقع نفسه. ورغم التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة، فإن الخبراء العسكريين يقولون بأنه توجد حتى الآن خيارات محدودة للغاية لمواجهة المُسيَّرات، لأن واحدا من عيوب أنظمة الدفاع الجوي تتمثَّل في عجزها عن تحديد الأهداف ذات الارتفاع المنخفض، كما أن المدافع الرشاشة مُقيَّدة في الاتجاهات التي تُطلَق منها، وتفقد الدقة مع زيادة المسافة وفترات الرؤية المحدودة في الليل والضباب والعواصف، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على تكنولوجيا الليزر التي تستهدف تسخين الدوائر الإلكترونية بهدف تعطيل الطائرة وإسقاطها (8) (9).
مُسيَّرات حماس وقلب معادلة القوةتمتلك جميع الجيوش الحديثة تقريبا أوجه قصور إذن في مواجهة المُسيَّرات، فالصواريخ المضادة للطائرات مُكلِّفة للغاية للاستخدام على الأجهزة الرخيصة، ومعظم القواعد العسكرية ليس لديها ما يكفي من الصواريخ لتدمير سرب مُسيَّرات كامل يتراوح ثمن الواحدة منها بين 100 إلى 500 دولار. وبحسب ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية فإن تكلفة كل صاروخ اعتراضي من منظومة "مقلاع داوود" يتكلَّف نحو مليون دولار، وما يزيد تكلفة الحرب الأخيرة أن حماس أطلقت سربا من 35 مسيرة انتحارية من طراز "الزواري" في جميع محاور القتال، التي سُمِّيت بذلك الاسم نسبة إلى القيادي التونسي في الجناح العسكري لحماس المهندس محمد الزواري، الذي قُتِل أمام منزله في مدينة صفاقس التونسية عام 2016 (10) (11).
وبحسب المعلومات التي نشرها الإعلام العسكري لكتائب القسام، تُعَدُّ "الزواري" من أحدث جيل الطائرات المسيرة للمقاومة، وقد كانت في أول الأمر مجرد طائرة استطلاع، ثم أصبحت قادرة على حمل رؤوس متفجرة وإصابة أهدافها بدقة، وسبق وشبَّهتها صحيفة هآرتس بمُسيَّرة "سكايلارك" الإسرائيلية التي تخدم في جيش الاحتلال منذ عام 2008، حيث تمتاز كلتا الطائرتين بصغر حجمها وبصمتها الحرارية الضئيلة التي تُمكِّنها من الاقتراب من الهدف دون اكتشافها (12) (13).
إلى جانب الزواري، تمتلك القسام مسيرات أخرى من طراز "شهاب" و"أبابيل"، وقد نجحت الأخيرة في استهداف منصات إسرائيلية للغاز في عرض البحر قبالة الساحل شمالي غزة على بُعد أكثر من 100 كيلومتر أثناء معركة سيف القدس عام 2021، كما استهدفت حشودا عسكرية إسرائيلية على تخوم القطاع. وتمتلك المقاومة ثلاثة نماذج من هذه الطائرات اختلفت مهامها بين الاستطلاع والهجوم، وسبق وأذاعت حماس فيديو لإحدى طائراتها وهي تحلق على مسافات بعيدة عن حدود القطاع، وقامت بتصوير مساحات شاسعة من الأراضي المحتلة، بهدف جمع المعلومات الاستخباراتية في تحدٍّ واضح لجيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل أن تعود بسلام إلى مخابئها دون أن ترصدها الدفاعات الإسرائيلية (14).
من المفارقة أن إسرائيل واحدة من الدول الرائدة في مجال المُسيَّرات، فقد مثَّلت صفقات المُسيَّرات المُبرمة مع إسرائيل ربع قيمة صفقات تصدير السلاح السنوية لدولة الاحتلال، وفي مقابل ثلاثة أنواع من المُسيَّرات فقط تمتلكها حماس، تمتلك إسرائيل أنواعا عديدة يزداد الطلب عليها على مستوى العالم، وأشهرها "هِرمس 450″ الاستخباراتية، و"هيرون" الهجومية، و"إيتان" متعددة الأهداف، و"سكايلارك" صغيرة الحجم وغيرها (15).
بيد أنه لا التفوُّق التقني ولا حتى الدعم الدولي منحا دولة الاحتلال حصانة كافية من ترسانة حماس العسكرية البسيطة، ولا من التهديدات القادمة إليها من حزب الله اللبناني في الشمال. غير أن الولايات المتحدة استطاعت مؤخرا تصنيع سلاح أثبت فعاليته في هذا المِضمار يقوم على استخدام طاقة كهرومغناطيسية مكثفة وموجهة عبر موجات وترددات عالية بهدف تدمير الشرائح الإلكترونية لتلك المسيرات وهي في الجو قبل أن تصل إلى أهدافها. وسبق ونجح ذلك السلاح أثناء اختباره في هزيمة سرب كامل بالفعل، لكن مشكلته تكمن في كلفته الباهظة بالمقارنة مع الكلفة المتواضعة للمُسيَّرات الصغيرة، ما يعني أن باب المُسيَّرات الذي انفتح على مصراعيه أمام شتى الجماعات المسلحة في العالم قد خلق موازين جديدة مع الجيوش النظامية التي طالما احتكرت السيطرة على السماء (16) (17).
___________________________________________
المصادر
TRENDS IN WORLD MILITARY EXPENDITURE, 2022 (2) U.S. Foreign Aid to Israel (3) IDF Spokesperson: Hamas attack is "biggest massacre of Israelis" since nation founded (4) post The Mossad: Satirical, Yet Awesome (5) How Hamas likely used rudimentary drones to ‘blind and deafen’ Israel’s border and pave the way for its onslaught (6) Hamas drone assault surprised Israel, using Russia-Ukraine War tactics (7) Hamas announces ‘manufacture’ of aerial drones Israel records $12.5 billion in defense exports, led by drones, air defense (8) Hamas drone assault surprised Israel, using Russia-Ukraine War tactics (9) Fighting the Locusts: Implementing Military Countermeasures Against Drones and Drone Swarms (10) IDF announces first use of David’s Sling air defense system against Gaza rocket (11) Hamas: Drone Expert Assassinated by Israel in Tunisia Was Part of Our Military Wing (12) IDF to Replace Skylark Mini UAS with new Skylark1 eVTOL Drones (13) Hamas adds drones to arsenal in conflict with Israel (14) طائرة استطلاع من صنع القسام عادت لغزة بسلام (15) Israel records $12.5 billion in defense exports, led by drones, air defense (16) A new Air Force weapon will wipe out drone swarms with the push of a button (17) THOR defeats swarm with energy weaponالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی العالم إلى جانب من طراز رات الم من الم التی ت الم سی
إقرأ أيضاً:
نتنياهو: الحوثيون سيتعلمون الدرس الذي تعلمته حماس وحزب الله
أضاء رئيس الوزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء الأربعاء، شمعة عيد الحانوكا الأولى في مكتب رئيس الوزراء، بمشاركة موظفي المكتب وكبار المسؤولين وأطفالهم، وفق ما أفادت صحف عبرية.
وقال نتنياهو بعد إضاءة الشموع: "اليوم نضيء الشمعة الأولى من عيد الحانوكا احتفالا بانتصار المكابيين آنذاك، وأيضا انتصار "المكابيين اليوم".
وأضاف "كما فعلنا آنذاك، فإننا نضرب أعداءنا، و الذين ظنوا أنهم يستطيعون قطع حياتنا".
وتابع رئيس الوزراء: "الحوثيون سوف يتعلمون أيضا ما تعلمته حماس وحزب الله ونظام الأسد وآخرون، وهذا سيستغرق وقتا أيضا. هذا الدرس سوف يتعلمه الشرق الأوسط بأكمله".
كما قال ديوان نتنياهو: "صدى جديد ومضلل لدعاية حماس من جهات مجهولة في فريق المفاوضات تعمل بدافع أجندة سياسية حيث إن رئيس الوزراء ملتزم بإعادة جميع المختطفين وتحقيق أهداف الحرب في غزة و من الأفضل للجهات التي تنشر التسريبات أن تركز كل جهودها على المهمة المقدسة لإعادة المختطفين".