توطئة هامة حتى لا تتغلب علينا العواطف الجياشة وهو أمر جد طبيعي أمام هول المجازر التي نشهدها.
إن الأتي في هذا النص هو محاولة لطرح واقعي بمقتضى القرارات المعترف بها دوليا وليس بمقتضى الحقوق التاريخية التي لا تنازل عنها أو تفريطا فيها على الأقل فكريا بأي حال من الأحوال.
لم يعد كافياً أن نقول بأن جذور القضية الفلسطينية هي احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967.
هذه الأيديولوجية هي الشر الأصلي والمطلق الذي تعاني منه دولة إسرائيل منذ تأسيسها. فإنها الدافع والمحرك لاستمرار الاحتلال ومواصلة ضم الأراضي حتى بعد عام 1948. وباسم هذه الأيديولوجية، أنشأت إسرائيل نظام فصل عنصري أو ما يصطلح عليه بنظام آبارتايد واضح و مفضوح حيث تستند إليه في تعريف الجنسية و الهوية الوطنية على اعتبارات دينية مما يجعلها دولة ذات أسس ثيوقراطية، و رغم ذلك يستمر الغرب في وصفها بالديموقراطية بل في مديحها كالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
والأدهى والأمر أن هذه الأيديولوجية تجعل إسرائيل لا تكتفي بعدم الالتزام بأي قانون من قوانين القانون الدولي بل تعتبر نفسها فوق القانون الدولي.
لذا يجب أن نقول بصوت عال لكل المطبعين من سياسيين رسميين أو مفكرين ونشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أولائك الذين يقدمون التطبيع على أنه السبيل الوحيد لمساعدة الفلسطينيين: أن الأيديولوجيا الصهيونية التي بنية على أساسها دولة إسرائيل تجعل منها ورما سرطانيا مناف لأي وضع طبيعي، فبكل بساطة هي تمثل حالة لا طبيعية، والتطبيع مع هكذا كيان هو مجرد وهم، بل انه انحراف فكري لأنه يعكس المعادلة رأسا على عقب. على غرار ما نشهده اليوم من عكس وقلب للحقائق من طرف الغرب حيث يتحول الضحية إلى الجلاد والمعتدى عليه الى المعتدي.
والحقيقة أن المسؤولية تقع في المقام الأول على إسرائيل لاستعادة حالة من "الطبيعية" من خلال التخلي عن طابعها اليهودي المبني على أسس فكر صهيوني عفي عنه الزمن وبات من المستحيل تبريره بشكل دائم. حينها وفقط حينها سيكون بالإمكان إيجاد صيغ واقعية للتعايش السلمي مع جيرانها في نطاقها الجغرافي.
وفيما يخصنا، يجب أن تكون لدينا الشجاعة الفكرية لطرح تصور عقلاني يجسد حلم تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وليكن هذا "نطاق جغرافي يتيح لكل ساكنته العيش بكرامة والاستمتاع بحقوق متساوية، دون أي شكل من أشكال التمييز على أسس دينية أو عرقية أو غيرها من الاعتبارات". مما يعني ديمقراطية حقيقية بكل بساطة، كما هو معرف في نصوص ومواثيق الغربيين أنفسهم. سواءً كان ذلك في إطار دولتين أو دولة واحدة.
ان الدول العربية، بما في ذلك الفلسطينيين وحماس نفسها، قد قبلوا بهذا الطرح في صيغة حل الدولتين.
وإسرائيل هي التي تتعنت وترفض أي حل مبني على أساس القرارات التي تم اعتمادها بشكل صريح من قبل الأمم المتحدة. وإنها لن توافق على أي تسوية فيها إنصاف ولو جزئي للفلسطينيين إلا تحت وطأة الضغط والإجبار، وذلك بسبب حاجز الأيديولوجية الصهيونية الذي يجب أن يسقط، تمامًا كما سقط جدار برلين.
فكفى قلبا للحقائق وعكسا للمعادلة، فلتطبع إسرائيل كيانه ثم حينها نتكلم عن التطبيع.
ودون ذلك وبعيدا عن الشعارات الجوفاء ان أي تطبيع وإسرائيل على طبيعتها الحالية وتحت سقف شروطها هو مجرد هرولة لتصفية القضية الفلسطينية وبيع لأوهام العيش في رفاهية دون أي اعتبار للكرامة.
المصدر: الخبر
إقرأ أيضاً: