موقع مهدية السودان في التاريخ (2/2)
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
موقع مهدية السودان في التاريخ (2 -2)
THE PLACE IN HISTORY OF THE SUDANESE MAHDIA
بيتر هولت Peter Holt
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: هذا هو الجزء الثاني من ترجمة (بتصرف في بعض المواضع) لمقالٍ بقلم المؤرخ البريطاني بيتر هولت عن مهدية السودان وموقعها في التاريخ، نُشر في المجلد الأربعين من مجلة السودان في رسائل ومدونات (SNR) الصادرة في عام 1959م، بالصفحات 107 – 112.
عُيِّنَ البروفسور هولت (1918 – 2006م) عقب تخرجه في جامعة أكسفورد أستاذا للتاريخ بالمدارس الثانوية السودانية، ثم عمل مفتشا بين عامي 1941 – 1953م. وأنشأ من بعد ذلك دار الوثائق وترأسها، وعمل محاضراً غير متفرغ في جامعة الخرطوم بين عامي 1952 – 1953م. وعاد بعد ذلك إلى بلاده وعمل في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية بين عامي 1955 – 1982م إلى حين تقاعده. ونشر الرجل في خلال مسيرته الأكاديمية أعمالا أصيلة عديدة عن تاريخ السودان (خاصة في عهد المهدية) ومصر (في عهد المماليك) وسوريا، وشارك في كتابة فصل عن العرب والإسلام في موسوعة كمبردج عن الاسلام. وكان آخر كتاب له عام 1999م قد صدر تحت عنوان: The Sudan of the Three Niles: The Funj Chronicle.
تعلم هولت اللغة العربية في غضون سنواته في السودان، وترجم كتابين من الألمانية والفرنسية (اُنْظُرْ نعي بروفيسور هولت في صحيفة الإندبندنت https://rb.gy/k66b9).
وقد سبق لنا ترجمة بعض أعمال هولت عن المهدية كان من أهمها مقال بعنوان "محفوظات وثائق (أرشيف) المهدية". ورغم أن هولت كان – على وجه العموم - ينأى بنفسه عن المنهج السياسي الدعائي المنحاز الذي سلكه ونجت وسلاطين وغيره من أوائل الغربيين الذين كتبوا عن المهدية، إلا أنه ظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من الكتابات الغربية الحديثة عن مهدية السودان التي قد لا تتفق مع غالب كتابات هولت وغيره من المؤرخين السابقين، ومن ذلك ما كتبته ميشيل غوردون وايريس سيري – هيرش وغيرهما.
المترجم
************ ************ ***********
(3) فترات تاريخ المهدية
يمكن تحديد فترات زمنية أكثر دقة لتاريخ المهدية ضمن المخطط العام للأحداث، عبر تطورها من حركة إصلاحية، إلى فترة ثيوقراطية، ثم تحولها إلى مملكة إقليمية. وهي مراحل تتشارك فيها المهدية مع الحركات الأخرى في التاريخ الإسلامي، مع احتفاظها ببعض الخصائص الفردية المميزة. ويمكن تقسيم تلك الفترات إلى ست مراحل:
أ/ قيام مهدية ثيوقراطية (1881 – 1885م):
كان ظهور علامات "المهدية" عند محمد أحمد عبد الله (29 يونيو 1881م) بمثابة النقطة التي اكتسبت فيها حركة الإصلاح والإحياء أهمية سياسية وثورية. وأفضى رد الفعل الحتمي للإدارة الخديوية إلى بدء المرحلة القتالية التي بدأت مع الهجرة إلى جبل قدير. وأفلح أنصار المهدي في إيقاع الهزيمة بالقوات المصرية في سلسلة من المواجهات والمعارك الصغيرة، بينما قام المتعاطفون مع المهدي بمضايقة وإزعاج الإدارة المصرية في مختلف أرجاء البلاد. وأفلح المهدي في السيطرة على الأبيض، أهم مدينة في غرب السودان المصري في يوم 19 يناير 1883م. وخابت آمال المصريين في القضاء على المهدي وجنوده عندما مُنِيَ جيشها (بقيادة الجنرال البريطاني هكس) في شيكان في الخامس من نوفمبر 1883م بهزيمة ماحقة. وتبع تلك الهزيمة قيام جيش المهدي بالسيطرة على دارفور وبحر الغزال. وبقيت الحامية المصرية بالخرطوم معزولةً إلى أن سقطت الخرطوم في 26 يناير 1885م، وكان الحاكم العام غوردون من ضمن من قتلوا في العاصمة. وبعد ذلك أقام المهدي له نظاما إدارياً بسيطا، كان يمثل هو فيه المصدر الأوحد للسلطة. وكانت رسائله الخاصة ومنشوراته العامة التي يصدرها بانتظام تمثل أحكامه في كل الأمور الدينية والإدارية والقانونية، وكان نائبه وساعده الأيمن هو عبد الله بن محمد، الخليفة الصديق. وكان له ممثلون في المديريات يسمون "أمراء". وتغير وصفهم بعد شهر مايو عام 1884م وصار يطلق عليهم "عمال". وأقيمت مالية مركزية سُميت بـ "بيت المال"، كانت تتلقى زَكَوات السكان وغنائم الجيش. وكان للجيش ثلاث فرق: الراية الزرقاء (تحت قيادة الخليفة الصديق) وهي مكونة من جنود قبائل البقارة؛ والراية الخضراء (تحت قيادة الخليفة الفاروق)، مكونة من جنود قبائل كنانة ودغيم؛ والراية الحمراء (المكونة من عرب القبائل النيلية والشماليين في الشتات)، وكان هؤلاء يُعرفون بـ "أولاد البلد" (أي "المقيمين/ المستقرين sedentaries، في مقابل الرُحَّل) تحت قيادة قريب للمهدي هو محمد شريف بن حامد (الخليفة الكرار). وعندما وفاة المهدي (في 22 يونيو 1885م) كان قد سيطر على غالب المناطق الشمالية من السودان المصري (سابقا). وظلت القوات المصرية والبريطانية تسيطر على مديرية دنقلا؛ وحافظ أمين باشا (1) على سلطة الحكومة المصرية في مديرية الاستوائية؛ ولم يسقط قط ميناء سواكن أو حاميتها في أيدي قوات المهدية.
ب/ صراعات الخليفة عبد الله من أجل تَسَنُّمُ زمام السلطة (1886 – 1885م):
انتقلت زعامة السلطة بعد وفاة المهدي إلى عبد الله ابن محمد (الخليفة الصديق)، والذي نال أيضاً لقب "خليفة المهدي". غير أن توليه الخلافة لم يلق القبول عند أقرباء المهدي (الأشراف) ولا عند "أولاد البلد"، الذين كان على رأسهم زعيم رمزي اسمه محمد شريف بن حامد، الخليفة الكرار. وكانوا على تواصل مع حاكم دارفور القوي محمد خالد (2)، وهو من أبناء عم المهدي وواحد من جماعتهم. وشرع محمد خالد في التحرك على رأس قواته الإقليمية صوب أم درمان، عاصمة المهدية. وكان الخليفة في ذلك الأثناء قد أفشل مؤامرة الأشراف ضده، بينما تصدت قوات الخليفة عبد الله في كردفان، بقيادة حمدان أبو عنجة (القائد المخلص للخليفة)، للقوات القادمة من دارفور، وهزمتها. وفي ذلك الأثناء تخلص الخليفة من "مرشحي المهدي the Mahdi’s nominees"، وكانوا في غالبهم من "أولاد البلد"، وعزلهم عن مناصبهم، وأحل محلهم أبناء قبيلته ومُشَايِعيه.
ج/ الدولة المهدية المحاربة (1898 – 1886م):
كانت الدولة المهدية ملتزمة – بحكم أيديولوجيتها – بالجهاد ضد الكيانات السياسية (polities) الأخرى، سواءً أكانوا مسلمين أم مسيحيين. وكانت تلك من الأمور المتوقعة في حياة المهدي (إذ أنه كان قد صرح بها. المترجم)، واِتَّبَعَ الخليفة تلك السياسة بهمة ونشاط بعد أن تم له بسط سلطته. ودارت حروب الخليفة في ثلاث مناطق رئيسية هي جبهة الحبشة، وفي دارفور وأقصى غرب السودان، وعلى الجبهة المصرية. وقاد حمدان أبو عنجة الحملة ضد الحبشة في عام 1888م. وبعد وفاته وقعت معركة في يوم 9 مارس 1889م، قُتل فيها حاكم الحبشة جون الرابع. واستمرت المشاكل الداخلية في الحبشة التي أعقبت تلك الحرب، حتى حكم الحبشة الامبراطور منليك، الذي أنهى العداء بين الدولتين. وأفلح الأمير الشاب عثمان آدم (جانو) في إنهاء حركات التمرد والعصيان القبلية ضد الحكم المهدوي في الغرب، ودحر تمرداً خطيراً قاده "أبو جميزة" (1887 – 1889م)، وهو من الشخصيات العيسوية (3). وتولى قيادة العمليات الحربية ضد مصر عبد الرحمن النجومي، الذي كان قد أدى أدواراً مهمة في حصار المهدي للخرطوم. وكانت للخليفة بعض الشكوك في صدق ولاء النجومي له (فهو ليس من رجال قبيلته)، وتشير بعض الأقاويل السودانية (التي ليس لها من سند أو دليل) إلى أن الخليفة تعمد إرسال النجومي وجنوده (الذين كانوا في غالبهم من سكان المناطق النيلية) ليلقوا حتفهم. وكان جيش النجومي قد لقي هزيمة ساحقة، قُتل فيها النجومي في معركة توشكي على يد الجيش المصري بقيادة البريطاني قرينفيل، وذلك في الثالث من أغسطس عام 1889م (4).
د/ فترة الاستقرار (1889 – 1891م):
كانت الفترة بين عامي 1889 – 1890 في غاية الأهمية بالنسبة للخليفة عبد الله. فقد حرمته وفاة أبو عنجة والنجومي وعثمان آدم من أقدر وأمهر قادة قواته. ثم أتت المجاعة (عام 1306هـ، 1888 – 1889م)، التي أعقبها انتشار وباء. وكانت عملية التهجير القسري لأفراد قبيلة الخليفة إلى أم درمان (لتكوين قوة عسكرية داعمة له) سبباً في مضاعفة آثار المجاعة، رغم أن ذلك الدعم القبلي كان مشكوكاً في موثوقيته. وتخلى الخليفة – بصورة ضمنية ومن غير افصاح – عن سياسة الجهاد، وسمح بمعاودة تجارة الحدود بين السودان وبين مصر وسواكن. وأقر الخليفة أيضاً نظاما ماليا دقيقاً ومدروساً، قام عليه بيروقراطيون يستخدمون نفس ما كان يعمل به موظفو الإدارة المصرية بالسودان سابقاً من أساليب وطرق (5). وبادر الخليفة بإجراء بعض المصالحات مع القبائل النهرية / النيلية، إلا أن تلك الفترة قد اختتمت بمحاولة أخرى من "الأشراف" وأتباعهم في أم درمان للتآمر على الخليفة، حدثت في شهر نوفمبر من عام 1891م. غير أن الخليفة نجح مجددا في التغلب عليهم. وأمر الخليفة بنفي قادة المتمردين إلى منطقة أعالي النيل (وأعدمهم لاحقاً كما ورد في مصادر عديدة. المترجم)، وأودع الخليفة محمد شريف سجنا مُذِلاّ، وذلك في شهر مارس من عام 1892م (6).
هـ/ اِنْفِراد الخليفة عبد الله التعايشي بِالسّلْطَة (1892 – 1896م)
تميزت السنوات الخمس التالية بقبول عام لحكم الخليفة في دولة مهدوية مُتَنَاقِصة؛ بتغيرها ضمنياً من "مهدية ثيوقراطية" إلى "مملكة شخصية"، وتعرضها لتهديدات خارجية، مع قيام الإمبريالية الأوروبية بممارسة ضغوط على حدود دولة الخليفة. وكان فشل تمرد "الأشراف" ضد الخليفة يمثل نهاية المقاومة الشاملة للدولة المهدية، أو للخليفة شخصياً. وكان الخليفة عبد الله يمثل "السلطان المسلم"، ومعه أخيه يعقوب بصفته وزيره، وعثمان شيخ الدين بن يعقوب، خليفة أبيه. وأعتمد حكم الخليفة في النهاية على حراس شخصيين (ملازمين)، وعلى من نقلهم قسرا من مناطقهم إلى أم درمان (وكانوا أقل موثوقية من الملازمين). وتَكالَبَت قوى إمبريالية عديدة على دولة الخليفة من اتجاهات مختلفة. فقد كانت هناك قوات بريطانية ومصرية في سواكن، سبق لها أن فشلت في هزيمة الأنصار (بقيادة عثمان دقنة)، ولكنها نجحت في الاستيلاء على كسلا في شهر يوليو من عام 1894م. وشرعت حملات بلجيكية في الدخول إلى مناطق في أعالي النيل وبحر الغزال، وهي مناطق كانت الدولة المهدية تحكم السيطرة عليها. ومنذ عام 1894م بدأ الفرنسيون في وضع التقدم عبر بحر الغزال إلى النيل كواحد من أهداف سياستهم.
م/ استعادة (إعادة استعمار) السودان (1892 – 1896م)
لم تختتم المرحلة الأخيرة من تاريخ الدولة المهدية في السودان بانهيار داخلي، بل عن طريق ضغوطات خارجية كان سببها صراع بين دول إمبريالية. وبعكس منيلك إمبراطور الحبشة، أخفق الخليفة عبد الله في فهم وتقدير خطورة التهديد الأوروبي؛ وأحل سياسة العزلة محل سياسة الجهاد. وبدا أن إدراك البريطانيين لطموحات الفرنسيين للسيطرة على أعالي النيل قد حفزتهم على "استعادة" حكم السودان (7)، على الرغم من أن ذريعة المراحل الأولى للغزو البريطاني كانت هي طلب المساعدة الذي قدمه لهم الإيطاليون بعد هزيمتهم في موقعة "عدوة" (8). وقاد الجيش الغازي الجنرال كتشنر مستخدما في مرحلة الغزو الأولى جنوداً مصريين فقط؛ وأضاف لاحقا لهؤلاء قوات بريطانية أيضاً (9). وعزا كتشنر (وتشرشل أيضاً. المترجم) نصره إلى بناء خطة سكة حديد داخل الأراضي السودانية، وإلى أسلحته الحديثة (التي شملت المدافع) ونجحت الحملة الأولى في هزيمة الحكم المهدوي في دنقلا. ثم تقدم الجيش الغازي نحو قلب الدولة المهدية، وأنتصر وهو في الطريق إليها على جيش محمود ود أحمد في أتبرا (في الثامن من أبريل 1898م). ثم كانت المعركة الكبرى في كرري (في الثاني من سبتمبر 1898م). وانسحب الخليفة (في الأصل فر. المترجم) لمواصلة المقاومة (في ظل سلطته السابقة) حتى قُتل في معركة "أم دبيكرات" في 24 نوفمبر من عام 1899م.
********************* ************** ******
إحالات مرجعية
(1) اُنْظُرْ ما ذُكِرَ في موقع "المعرفة" عن أمين باشا https://shorturl.at/zCFJM
(2) ورد التالي في موسوعة الويكيبديا عن خالد (زقل): "كان الأمير خالد زقل، وهو من الأشراف أقرباء محمد أحمد المهدي، قد استولى على جميع مناطق دارفور عام 1884م، وأصبح حاكماً لها، تحت إمرة المهدي، فلما توفى المهدي وجاهر الأشراف، بمعارضتهم لتولي الخليفة عبد الله التعايشي زمام الحكم ودخلوا معه في صراع سياسي، أراد الخليفة عزل قادتهم وتجريدهم من قوتهم فاستدعى الأمير زقل إلى أم درمان. تحرك زقل بجيشه متجهاً إلى عاصمة المهدية أم درمان، ولكن الخليفة خاف من أن يصل زقل بجيشه وسلاحه، ويشكل بذلك سنداً لخصومه من الأشراف، فطلب من الأمير أبو عنجة التحرك نحو مدينة الأبيض لاعتقال زقل. تجاوز الأمير زقل مدينة الأبيض الواقعة في الطريق بين دار فور وأم درمان وتعقبه أبو عنجة حتى لحق به في بلدة بارا وحاصره هناك حتى استسلم؛ فتم اعتقاله واقتياده إلى أم درمان." https://shorturl.at/qwCX3
(3) اُنْظُرْ ترجمة لبعض ما ورد عن أبي جميزة في كتاب "العقيدة المهدوية والتقاليد السودانوية 1870 – 1930م" للمؤرخة ليدفين كابتيجينز https://shorturl.at/xBIJ8
(4). للمزيد عن عبد الرحمن النجومي ومعركة توشكي يمكن الاطلاع على هذه الروابط https://shorturl.at/hxCT4 و https://shorturl.at/fhLP8
(5). للباحث يتزاك ناكاش مقال بعنوان "النظامان المالي والنقدي في عهد المهدية بالسودان (1881 – 1898م)" يمكن الاطلاع على ترجمة له في هذا الرابط: https://tinyurl.com/y3c68wbc
(6). ورد في الكثير من المصادر أن الخليفة أعدم لاحقاً من نفاهم إلى أعالي النيل، غير أنه عفا عن الخليفة شريف. وشارك الخليفة شريف في معركة كرري، وقتله البريطانيون لاحقاً في الشكابة (https://shorturl.at/bfwM2). اُنْظُرْ أيضاً فصل "المعارضة الداخلية لحكم الخليفة عبد الله" في كتاب "تاريخ السودان الحديث" لمحمد س. القدال، ص 290 -303؛ وكتاب محمد محجوب مالك المعنون "المقاومة الداخلية للحركة المهدية (1881 - 1898م).
(7). يرى الباحث النرويجي تيرجي تيفدين في مقال له بعنوان: إمبراطورية النيل البريطانية والقصة المجهولة للاحتلال البريطاني المصري للسودان" أسباباً أخرى لغزو السودان غير التي ذكرها هولت في هذا المقال. https://tinyurl.com/5hd862uv
(8). اُنْظُرْ ترجمة لتشرشل بعنوان "كيف هزمت الإمبراطورية الإيطالية". https://www.sudaress.com/sudanile/24130
(9). ذكر ويليام رايت في كتابه عن معركة كرري المعنون: Battle Story: Omdurman 1898 أعداد الجنود البريطانيين والمصريين والسودانيين الذين شاركوا في تلك المعركة. https://www.sudaress.com/sudanile/128806
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إلى أم درمان الخلیفة فی فی التاریخ بین عامی من عام
إقرأ أيضاً:
كيف يمكننا إعادة قراءة التاريخ الإسلامي بعيدا عن التقديس والتدنيس؟
ويعرّف إبراهيم محمد زين -وهو أستاذ تاريخ الأديان في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة- إعادة قراءة التاريخ بأنها عملية غير علمية ومحاولة أيديولوجية لتغيير طريقة نظرة المسلمين للشخصيات الفاعلة والمؤثرة في التاريخ، وتقديم صورة جديدة للتاريخ بناء على رؤية أو أيديولوجية جديدة.
ويقول إن الكثير من القراءات التي قام بها المستشرقون للتاريخ الإسلامي كانت بغرض السيطرة على المسلمين، وإن بعض أبناء الأمة الإسلامية الذين درسوا على يد هؤلاء المستشرقين نقلوا أسلوبهم واستعملوه في إعادة قراءة التاريخ الإسلامي.
وفي هذا السياق، يعطي أستاذ التاريخ مثالا بالحركة الصهيونية التي قال إن لديها طريقة معوجة في النظر إلى تاريخ المنطقة العربية تهدف إلى إحكام السيطرة وبناء سردية تاريخية ترمي إلى تبرير الوجود الصهيوني في المنطقة، مشيرا إلى أن المدرسة الصهيونية لم تفلح حتى في إقناع الصهاينة أنفسهم بجدوى دعواهم إلى إعادة قراءة وفهم تاريخ المنطقة.
من جهة أخرى، تتأسف أستاذة الفلسفة العربية والإسلامية في الجامعة اللبنانية نايلة أبي نادر من كون العرب والمسلمين يعانون من "النزعة التقديسية" التي تعظم وتمجد، ليس فقط السلف، بل أي شخصية تراها مميزة رغم أن هؤلاء هم بشر ومحدودون معرفيا واجتماعيا وإيمانيا، كما تقول.
إعلانوترى نايلة -في مداخلة لها ضمن برنامج "موازين"- أن تقديم خدمة راقية ومقدسة للتاريخ في العصر الحالي يكون عبر إعادة قراءة هذا التاريخ وإبراز السقف الأيديولوجي الذي كان مسيطرا على من كتب التاريخ في حينه.
ويعترض أستاذ تاريخ الأديان في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة على كلام نايلة من جهة أن فيه الكثير من التعميم، ويوضح أن أول من كتب سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ابن إسحاق، ولم يكن في هذه السيرة أي تقديس للنبي الكريم ولم يرفعه إلى مصاف أكثر من مصاف البشر، ولم يقم المسلمون بتقديس السلف الصالح ولم يعتبروهم غير بشر.
ويواصل الأستاذ أن الطريقة التي دوّن بها التاريخ الإسلامي ليس فيها تقديس، بل إن هذا التقديس ربما يوجد في الطريقة التي كُتب بها التاريخ اليوناني والروماني والهندوسي، إذ يختلط ما هو مقدس إلهي بما هو بشري.
في المقابل، يقر المتحدث نفسه بوجود تسييس في كتابة التاريخ الإسلامي، خاصة الذي كتب من منطق عقائدي عند بعض المؤرخين.
القضايا الشائكةوعن كيفية إعادة قراءة القضايا الحساسة في التاريخ الإسلامي، يوضح المفكر والداعية الإسلامي محمد العبدة أنه لا توجد خطوط حمراء عندما تكون القراءة موضوعية وتبحث عن الأدلة الصحيحة والمنصفة، فمقتل الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان من أكبر الفتن ومن أكبر المصائب التي أصابت المسلمين، ولكن لا ضير من تناول الموضوع إذا كانت الأدلة قاطعة وثبتت صحتها، والشرط هو الابتعاد عن الهوى والجهل والأكاذيب.
ويشير إلى أن هناك مجالا للتحقيق الدقيق والموضوعي في القضايا الشائكة في التاريخ الإسلامي عبر الاستعانة بكتب الحديث وكتب الطبقات، وليس فقط كتب التاريخ.
ويبرز المفكر والداعية الإسلامي -في حديثه لبرنامج "موازين"- أن الأمة الإسلامية هي أكثر الأمم اهتماما بالتاريخ، فهناك 5 آلاف مؤرخ و10 آلاف كتاب في التاريخ، وقد وضع المؤرخ والفيلسوف عبد الرحمن بن خلدون ضوابط وقواعد لمعرفة الروايات الصحيحة من المغلوطة.
إعلان 25/12/2024