تحسبا لأي حرب محتملة.. استعدادات لوجستية في جنوب لبنان
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
جنوب لبنان- حركة نزوح كثيفة شهدتها البلدات والقرى في جنوب لبنان، خاصة تلك المحاذية للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. فمع اشتداد المعارك الدائرة بين المقاومة والجيش الإسرائيلي، وقصف الأخير العديد من القرى وتهديده حياة السكان، اضطر الأهالي إلى الخروج من بلداتهم نحو القرى الداخلية، حفاظا على سلامتهم.
ولم يكن أمر النزوح عشوائيا هذه المرة، بل كان مخططا له منذ سنوات طويلة، لأن لبنان لم ينس بعد أجواء حرب تموز 2006 مع إسرائيل، عندما وقع حينها نوع من الارتباك في عملية الإخلاء والإيواء، ولأجل ذلك عملت البلديات واتحاداتها على تأسيس وحدة إدارة الكوارث لأوضاع مشابهة.
وكان اتحاد بلديات قضاء صور قد أسس عام 2010 هذه الوحدة للتصدي للأزمات والكوارث، وها هي اليوم تجتمع في غرفة العمليات التي تعمل ليلا ونهارا في مقر الاتحاد، لتتابع أوضاع النازحين من كثب، ففتحت مراكز إيواء أمام النازحين، وقدّمت لهم كل ما يحتاجونه من غذاء ودواء.
وفتحت البيوت في البلدات والقرى الداخلية في قضاء صور أبوابها أمام الأهالي، واستقبلتهم منذ اليوم الأول للمواجهات في القرى الحدودية، ما يعكس حجم التضامن والتكاتف الشعبي بين اللبنانيين.
وأكد نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور حسن حمود -للجزيرة نت-، أن النازحين بين أهلهم وشعبهم، وأنهم ضيوف معززون ومكرّمون، وتتابع وحدة الكوارث أوضاعهم لحظة بلحظة داخل مراكز الإيواء في مدينة صور، أو في البلدات المستضيفة لهم.
ويوجد في كل قرية مندوب يسمى بـ"المستجيب الأول" الذي يتولى بالتعاون مع البلديات تسجيل أسماء النازحين الواصلين للبلدة، ويزود غرفة العمليات بها، والتي بدورها تدخل أسماءهم ومعلوماتهم في سجلاتها، لتكون على اطلاع دائم بكل ما يجري معهم داخل المراكز، أو في البيوت التي تستضيفهم.
ويضيف حمود أن الاتحاد يؤمن حاجيات النازحين عبر المساعدات التي تقدمها الجمعيات الدولية والمحلية والوزارات المختصّة والمجالس التنمويّة والخيّرون في لبنان. كما يتم تأمين وجبات الطعام ووسائل التنظيف والتعقيم وغيرها من المستلزمات اليومية، ويسعى الاتحاد لتأمين حاجيات النازحين في بيوت المواطنين للتخفيف من أعباء العائلات المستضيفة.
ويلفت المتحدث إلى أن وحدة إدارة الكوارث مؤلّفة من الفاعلين كلهم في الخدمة الاجتماعية من دفاع مدني وإسعاف صحي وإطفاء وجمعيات ناشطة في الإنقاذ ومستشفيات ومراكز صحية، فضلا عن الجيش اللبناني والقوى الأمنية.
وقال "كل هؤلاء هم أعضاء هذه الوحدة، ونحن نقسم العمل بين إنقاذ وإخلاء وإيواء وإطفاء، كل يتحرك وفق مهمته وعمله وخبرته وبالتنسيق بين الأعضاء جميعهم".
انتقلت الجزيرة نت إلى أحد مراكز الإيواء في المدينة، وهو عبارة عن مدرسة رسمية جرى تجهيزها لاستقبال النازحين، أصبحت صفوف المدرسة غرفا للإيواء، وأروقتها مكانا يتجمع فيه الأهالي لتبادل آخر الأخبار والمستجدات، أما الملعب فيلهو فيه الأطفال.
يجول معنا أحد المتطوعين من أبناء المدينة داخل المركز، فهو قد حضر منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات على الحدود، حيث يعمل مع عشرات المتطوعين بموجب الخطة التي وضعتها هيئة إدارة الكوارث، وجرى تجهيز الصفوف بكل الوسائل الضرورية لتأمين سكن الأهالي بشكل لائق.
ويؤكد المتطوع أنه تدرب سابقا مع وحدة إدارة الكوارث لمثل هذه الأحداث، ويقول "نحن لم نبدأ العمل عشوائيا، وإنما وفق ما خططت له الوحدة منذ سنوات، فبعد حرب 2006 بدأت تترسخ لدينا فكرة أننا معرضون لخطر دائم من قبل العدو الإسرائيلي".
ويوصي المتحدث ذاته بضرورة الاستعداد للتعاطي مع أي عدوان إسرائيلي، لذلك خضع مع متطوعين آخرين لدورات تدريبية عديدة مع الوحدة، وهم اليوم يعملون وفق توجيهاتها تسير أمورهم بشكل سلس، وفق تعبيره.
زهراء طحيني من بلدة عيتا الشعب الحدودية وصلت مع عائلتها المكونة من 11 شخصا قبل نحو أسبوع إلى مركز الإيواء، حيث كان المتطوعون في استقبالهم، وأمّنوا لهم غرفة في المدرسة للمكوث فيها، فبعد اشتداد القصف على بلدتها رأت العائلة ضرورة للخروج منها حفاظا على أرواح أبنائها وفق ما أكدت زهراء، والتي شددت على أن إسرائيل تستهدف كل شيء، لذلك كان الأولى الخروج من البلدة.
الضهيرة البلدة الجنوبية التي اشتهرت خلال الأحداث الأخيرة باحتدام القصف فيها، خرج أبناؤها إلى مراكز الإيواء في صور، وأكد عامر أبو ساري أحد النازحين منها، أن أهالي البلدة مكثوا في بيوتهم طوال الأيام الأربعة الأولى من الأحداث الساخنة.
وأضاف أبو ساري أن ما أجبر أهالي الضهيرة على الخروج هو قصف إسرائيل بالقنابل الفوسفورية الحارقة التي تسببت بحالات اختناق لهم، ووصف الحالة الإسرائيلية بالجنونية خاصة بعد تلقيها الضربات من المقاومة.
وكان 9 من أشقاء "أبو ساري" قد استشهدوا عام 1956 في قصف الجيش الإسرائيلي منزلهم في الضهيرة، ولم يتبق له إلا أخ واحد اسمه عثمان، ولأجل ذلك يخشى تكرار السيناريو نفسه مع أسرته.
وأكد جوزيف كلاكش من بلدة راميا الحدودية -للجزيرة نت- أن القصف الإسرائيلي على بلدته كان هستيريا، مما دفع أهالي بلدته إلى الخروج إلى مراكز إيواء النازحين في صور، شاكرا أهالي المدينة والمنظمين على حسن استقبالهم وتأمينهم كل احتياجاتهم.
ولم يعرقل النزوح إلى المدرسة الحياة التعليمية فيها، فأُبقيت بعض الصفوف مفتوحة أمام تلامذتها، والتحق أبناء النازحين بها ليتابعوا المنهج الدراسي، وفق ما أكدت إحدى النازحات (فضلت عدم ذكر اسمها) من بلدة بيت ليف-قضاء بنت جبيل.
وأكدت النازحة نفسها، التي انخرط 3 من أحفادها في صفوف الدراسة، أن الحرب ينبغي ألا تمنع الأطفال من استكمال تعليمهم، "فهذا أمر واجب كحفظ النفس"، وفق تعبيرها.
وكلما طال أمد الاشتباكات زادت معه نسبة النزوح، مما يجعل الجهات الرسمية والمنظمات الدولية أمام وضع يستلزم مد يد العون لوحدات الكوارث الموجودة في المحافظات اللبنانية، كي تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمات للنازحين، خصوصا مع معاناة المواطن اللبناني من ضائقة اقتصادية خانقة غير مسبوقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إدارة الکوارث مراکز الإیواء قضاء صور
إقرأ أيضاً:
القاهرة تؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل بشكل كامل من جنوب لبنان
القاهرة - أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الثلاثاء 22ابريل2025، ضرورة الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره اللبناني يوسف رجي، في القاهرة.
وقال عبد العاطي إن مصر تؤكد دعمها الكامل لجهود الرئيس اللبناني جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام لاستعادة الأمن والاستقرار في لبنان، بما يحقق تطلعات الشعب اللبناني.
وأعرب عن إدانة مصر الكاملة للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، مشددًا على رفضها المساس بسيادة لبنان وسلامة أراضيه.
وأكد أهمية "الالتزام باتفاق وقف الأعمال العدائية والانسحاب الفوري غير المنقوص للقوات الإسرائيلية من النقاط التي تحتلها جنوب لبنان".
وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/ شباط الماضي، خلافا لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، لتنفذ انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال رئيسية ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.
وشدد عبد العاطي على ضرورة تنفيذ القرار الأممي 1701 "دون انتقائية" بما يمكن الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة من الاضطلاع بمسؤولياتها ومهامها وبما يحفظ للبنان سيادته ووحدته وأمنه واستقراره.
وفي 2006 اعتُمد القرار 1701 بالإجماع في الأمم المتحدة بهدف وقف القتال بين "حزب الله" وإسرائيل، ودعا مجلس الأمن إلى وقف دائم لإطلاق النار على أساس إنشاء منطقة عازلة.
وفي 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.
وفيما يخص العلاقات الثنائية بين البلدين أعرب عبد العاطي عن تطلع مصر للارتقاء بالتعاون الثنائي مع لبنان في كافة المجالات، مشيرا إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وجه دعوة لنظيره اللبناني جوزاف عون لزيارة مصر.
بدوره أعرب وزير الخارجية اللبناني عن شكره لمصر على دعمها للبنان وعلى الجهود الدبلوماسية التي تبذلها القاهرة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان.
وحول التطورات الإقليمية أكد عبد العاطي استمرار الجهود المصرية "بالتعاون مع قطر والتنسيق مع الولايات المتحدة، من أجل العودة إلى اتفاق 19 يناير لوقف إطلاق النار في غزة".
وبينما التزمت "حماس" ببنود المرحلة الأولى، تنصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، من بدء مرحلته الثانية استجابة للمتطرفين في ائتلافه الحاكم، وفق إعلام عبري.
وأشار عبد العاطي إلى أنه تناول مع نظيره اللبناني الخطة العربية - الإسلامية للتعافي المبكر وإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين على أرضهم والتحركات المقبلة لدعم الخطة مع الفاعلين الدوليين.
وفي 4 مارس الماضي، اعتمدت قمة عربية طارئة بشأن فلسطين خطة قدمتها مصر لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، على أن يستغرق تنفيذها خمس سنوات، وتكلف نحو 53 مليار دولار.
لكن إسرائيل والولايات المتحدة رفضتا الخطة، وتمسكتا بمخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.
وترتكب إسرائيل بدعم أمريكي مطلق منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 168 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.