حسابات بايدن في دعمه الأعمى لإسرائيل
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
"حكومة نتنياهو هي الأكثر تطرفًا على الإطلاق منذ جولدا مائير"، بهذه العبارة انتقد الرئيس الأميركي جو بايدن حكومةَ رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في يوليو الماضي، وذلك على خلفيَّة تمرير القانون المثير للجدل المتعلّق بالتعديلات القضائيَّة في الكنيست الإسرائيلي، والذي أدَّى إلى انقسام المجتمع الإسرائيلي بطريقة لم تحدث منذ قيام إسرائيل قبل خمسةٍ وسبعين عامًا.
فما هي الحسابات والرهانات التي تحرّك إدارة بايدن فيما يخصّ الأزمة الراهنة؟ ولماذا يغامر بايدن بمستقبله السياسي وبمصالح بلاده لصالح إسرائيل؟
أولًا: يؤمن بايدن بشكل شخصي بأنّ وجود إسرائيل مسألة حيوية وضرورية بالنسبة للولايات المتحدة، وهو الذي قال في أكثر من مناسبة- منذ أن كان عضوًا في مجلس الشيوخ الأميركي، بين السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي-: إنه (لو لم يكن هناك إسرائيل … لأوجدناها)، وهي العبارة التي كرَّرها أيضًا خلال زيارته الأخيرة لتل أبيب.
يتجاوز تأييد بايدن المطلق لإسرائيل مسألةَ البعد الديني والرمزي، فهو ليس متدينًا بشكل حقيقي، كما أنه ليس إنجيليًا أو بروتستانتيًا، فهو ثاني رئيس كاثوليكي في تاريخ الولايات المتحدة الذي يحكم أميركا بعد الرئيس الأسبق جون كيندي الذي تمّ اغتياله في نوفمبر عام 1963. وهو أيضًا الذي يعتبر نفسه صهيونيًا رغم أنه ليس يهوديًا، وأطلق عبارته الشهيرة: (ليس بالضرورة أن تكون يهوديًا كي تصبح صهيونيًا). ولعل هذا ما قد يفسر الاندفاع الملحوظ لبايدن وإدارته في التعبير عن دعمهم الكامل لإسرائيل وإرسال كافة أنواع هذا الدعم من أسلحة وذخيرة، وسفن حربية وفرق خبراء وجنود أميركيين على أُهْبة الاستعداد للدفاع عن إسرائيل. فالذي ضُرب في السابع من أكتوبر ليس فقط الهيبة الإسرائيلية، وإنما الأميركية أيضًا باعتبارها الداعم والحاضن الرئيسي للكيان.
ثانيًا: دعم بايدن غير المحدود لإسرائيل، ينبع بالأساس من رؤيته لها، كغيره من الساسة الأميركيين، باعتبارها رصيدًا سياسيًا وأمنيًا واستراتيجيًا لأميركا في منطقة الشرق الأوسط يجب عدم التفريط فيه. وهي رؤية- بغض النظر عن منطقها وصوابها- ليست عابرةً أو وليدة اليوم، وإنما تعود لأكثر من خمسة عقود، وتحديدًا منذ انتصار إسرائيل في حرب الخامس من يونيو/حزيران 1967، وخروجها من تلك الحرب قوَّة إقليميَّة يمكن استخدامها، والاستثمار بها من أجل خدمة وتحقيق المصالح الأميركية في المنطقة، خاصةً في ظل الصراع آنذاك مع المعسكر الشرقيّ بقيادة الاتحاد السوفيتي سابقًا.
لذلك فهناك التزام أميركي مبدئي- من كافة الرؤساء والمسؤولين الأميركيين، خاصةً في الكونجرس الأميركي- بتقديم كافة أنواع الدعم العسكري والاستراتيجي والدبلوماسي لإسرائيل. بل وتمّ تشريع ذلك قانونيًا، فيما يخصّ الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل على جيرانها في المنطقة والذي تلتزم به كافة الإدارات الأميركية منذ السبعينيات وحتى الآن. وهو الدعم الذي أتاح لإسرائيل أن تصبح أكبر متلقٍّ للمساعدات العسكرية الأميركية على مستوى العالم، بما يصل إلى حوالي 4 مليارات دولار سنويًا.
تمثّل إسرائيل حليفًا مهمًا لأميركا فيما يخصّ النشاط الاستخباراتي والأمني بكافة أشكاله، والذي يدعم حماية المصالح والمواطنين الأميركيين في المِنطقة
ثالثًا: تمثل إسرائيل لاعبًا مهمًا في ميزان توازن القوى الإقليمي، وحجرًا أساسيًا في البناء الأمني للشرق الأوسط Middle East Security Architecture الذي وضعته ورسمته أميركا عقب حرب أكتوبر 1973، والذي يقوم على احتواء وكبح جماح القوى المناهضة لأميركا، خاصة إيران، وقبل ذلك كان العراق وليبيا، ولذلك فإن دعم وتسليح إسرائيل بشكل نوعي يساعد في تحقيق نوع من التوازن الاستراتيجي الذي يضمن تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة.
في الوقت نفسه عملت الولايات المتحدة- ولا تزال- على دعم مسارات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ليس لتحقيق مصالح هذه الدول، ولكن بالأساس لعمل توازن في ميزان القوى الإقليمي من جهة، ورفع الغطاء العربي عن دعم المقاومة الفلسطينية من جهة أخرى. لذا ما نشهده اليوم من موقف عربي خجول وضعيف، ليس وليد اللحظة، وإنما بدأ منذ خمسة عقود على الأقل، حين تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979.
رابعًا: يمثل دعم إسرائيل ورقة انتخابية مهمة لبايدن، كما هي لغيره من المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين، الذين يتسابقون حاليًا لإظهار الدعم لها والمزايدة على بعضهم البعض في هذا الشأن. وهي مسألة ليست لحظية أو جديدة، وإنما نتاج مجهود كبير تقوم به المجموعات اليهودية الداعمة لإسرائيل، وأهمها الجمعية الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة (إيباك) والتي يعمل بها ما يقرب من مائة ألف موظف في أكثر من 18 ولاية أميركية، وتقوم بجمع الأموال والتبرعات للسياسيين.
في حين أن كثيرًا ممن يعملون في الأماكن المؤثرة بالمؤسسات السيادية الأميركية كالبيت الأبيض والكونجرس والخارجية الأميركية ووزارة الدفاع إما داعمين لإسرائيل أيديولوجيًا وعقائديًا، وإمَّا بحاجة لدعم اللوبي الإسرائيلي، إذا ما قرّروا دخول المجال السياسي. وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنّ بايدن حريصٌ على الفوز بصوت الناخبين اليهود، والأهم من ذلك مغازلة الكتلة اليمينية المتشددة، والتي تصوت غالبًا للحزب الجمهوري، وهي كتلة أقرب في التصويت إلى الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يعرف كيف يغازلُها ويهيمن عليها بخطابه الشعبويّ.
وأخيرًا، تمثّل إسرائيل حليفًا مهمًا لأميركا فيما يخصّ النشاط الاستخباراتي والأمني بكافة أشكاله، والذي يدعم حماية المصالح والمواطنين الأميركيين في المِنطقة. فالموساد الإسرائيلي يلعب دورًا مهمًا في حماية المصالح الأميركية عبر تبادل المعلومات والتقارير السرّية مع وكالات الأمن والاستخبارات الأميركية حول العديد من المسائل الحرجة، مثل: الجماعات المتطرّفة وأنشطة إيران ووكلائها في المِنطقة. وفي نفس الوقت يقومُ بعمليات سرّية تستهدف خصومَ إسرائيل وأميركا في المنطقة. ناهيك عن تبادل التكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في مجال الأمن السيبرانيّ.
لكنَّ السؤال الآن هو: هل يؤدّي دعم بايدن الأعمى لآلة القتل الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزّة إلى الإضرار بالمصالح الأميركية سواء في المنطقة وخارجها؟ سنحاول الإجابة عن هذا السّؤال في مقالٍ قادم بحول الله.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی المنطقة فیما یخص ا مهم ا
إقرأ أيضاً:
إيران توجه ضربة سيبرانية لإسرائيل.. تسريب معلومات حساسة عن حاملي الأسلحة
اعترف مسؤولون أمنيون في تل أبيب بتعرض قاعدة بيانات حساسة تضم معلومات أكثر من 100 ألف إسرائيلي يحملون أسلحة للاختراق، ما أدى إلى تسريب هذه البيانات وانتشارها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ووصولها إلى جهات معادية.
تفاصيل الاختراق والخطر الأمنيبحسب تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس"، فإن هذا التسريب يشكل تهديدًا مباشرًا على حياة الأفراد الذين تم الكشف عن بياناتهم، حيث يمكن لجهات إجرامية أو متطرفة استغلال هذه المعلومات لتعقب حاملي الأسلحة، أو مصادرتها، أو حتى تهديد حياتهم.
وكشف التحقيق أن قراصنة إيرانيين تمكنوا من الاستيلاء على هذه القوائم السرية، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الوثائق الأخرى التي كانت مخزنة بشكل عشوائي في حواسيب الشرطة الإسرائيلية ووزارة الأمن الوطني وشركات الحراسة. وتشمل هذه الوثائق معلومات حساسة عن حراس مسلحين، وأماكن تخزين الأسلحة في المؤسسات العامة، وهو ما يفاقم المخاطر الأمنية على مستويات عدة.
ووفقًا لمصادر التحقيق، فقد بدأت عمليات التسريب في فبراير 2025، حيث نشرت مجموعة القراصنة جزءًا من البيانات على الإنترنت، فيما هددت بنشر 4 تيرابايت من المعلومات المخترقة لاحقًا.
تحقيقات إسرائيلية واستعانة بشركات أمريكية
على إثر هذا الكشف، باشرت وحدة "لاهف 433" المختصة بالتحقيق في الجرائم السيبرانية فحص الأمر، وأجرت اتصالات بشركة أمريكية تُدعى "داتا بريتش" لتحليل البيانات المسربة.
وأوضحت الشركة أن التسريب جعل أي شخص يمتلك سلاحًا في منزله عرضة لخطر أكبر، موضحة أن المعلومات التعريفية عن 10 آلاف إسرائيلي قد تُستخدم بطرق ضارة.
ووفقًا للتحليلات الأولية، فإن الملفات المسربة محدثة للغاية، وتعود إلى العامين الأخيرين، حيث تشمل مئات الوثائق الصادرة في عام 2025. ومن بين التفاصيل التي تم تسريبها الاسم الكامل لحامل السلاح وعنوان السكن، وصور شخصية والخلفية العسكرية والصحية ونوع السلاح وعدد الذخائر المملوكة ومكان تخزين السلاح داخل المنزل.
كما كشفت التسريبات بطاقات هوية لشرطيين مسلحين، بالإضافة إلى وثائق تقييم أمني لرجال الأمن الذين تم تسريحهم مؤخرًا.
وأكد عدد من الإسرائيليين، الذين وردت أسماؤهم في التسريبات، أن البيانات المنشورة صحيحة تمامًا، مما يزيد من مخاوفهم بشأن تعرضهم لتهديدات محتملة، سواء من عصابات الجريمة أو الجهات المعادية.
من يقف وراء الاختراق؟بحسب التحقيقات، فإن مجموعة قرصنة إيرانية تُدعى "هندلة" هي التي نفذت الهجوم، حيث تفاخرت باختراق أنظمة وزارة الأمن الوطني الإسرائيلية، وقامت بنشر لقطات شاشة لتراخيص الأسلحة، إلى جانب تهديدها بمواصلة نشر المعلومات في الأشهر المقبلة.
وفي الشهر الماضي، سربت المجموعة بالفعل 40 غيغابايت من البيانات كجزء من حربها الإلكترونية ضد إسرائيل، وهو ما يعكس استمرار المواجهة السيبرانية بين إيران وإسرائيل، التي تصاعدت منذ اندلاع الحرب في غزة.
وتعتبر "هندلة" واحدة من عدة مجموعات قرصنة مرتبطة بإيران، التي صعّدت في العام الماضي من هجماتها السيبرانية ضد مؤسسات حكومية وأمنية إسرائيلية، حيث تم اختراق وتسريب بيانات من وزارة العدل ووزارة الدفاع والأمن الوطني، ما أدى إلى كشف معلومات حساسة عن مسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية.
إسرائيل تفشل في احتواء الأزمة
ورغم محاولات إسرائيل إزالة البيانات المسربة من الإنترنت، إلا أن التحقيق أشار إلى أن المعركة خاسرة، حيث يلجأ القراصنة إلى إنشاء قنوات جديدة باستمرار، فضلًا عن استخدام خوادم في دول لا تتعاون مع السلطات الإسرائيلية، مما يجعل من الصعب محو البيانات المسربة نهائيًا.
ويُبرز هذا الهجوم مدى الهشاشة الأمنية للأنظمة الإلكترونية الإسرائيلية، حيث أن تسريب معلومات عشرات الآلاف من حاملي الأسلحة، ومن بينهم عناصر أمنية، يعكس خللًا خطيرًا في حماية البيانات الحساسة، ويزيد من احتمالية تعرض إسرائيل لمزيد من الهجمات السيبرانية في المستقبل.