من قال إنَّ أهل الجنوب تركوا أرضهم ورحلوا وسط التوتر القائم هناك عند الحدود مع فلسطين المُحتلّة؟ مشهدُ النزوح الموقّت لا يعني أنّ أبناء الجنوب قد إنسلخوا عن أرضهم، فالعودةُ تحصلُ يومياً لكنّ الظروف الأمنية تمنع الركون في المنازل حفاظاً على الحياة.   ما تعيشهُ المناطق الحدودية صعبٌ جداً باعتبار أنّ الإسرائيليين يُهدّدون السكان هناك بإستمرار عبر القصف العشوائيّ.

لكن وسط ذلك، هناك عائلات كثيرة ما زالت تقطنُ في منازلها ولم تُغادرها. أما من رحلَ صوب المدارس ومراكز الإيواء، فيسعى لتفقُّد ممتلكاته كلما سنحت الفُرصة له.. حقاً، هذه هي روحيّة التمسُّك بالأرض التي لا يمكن تركها بتاتاً مهما كانت الصعوبات، وهنا تتجلّى "مشهدية الصمود".   من بيت ياحون وعين إبل وصولاً إلى رميش وعيتا الشعب ورامية ومروحين والضهيرة وصولاً إلى الناقورة فمدينة صور، يمكن القول إنَّ الحركة معدومة إلا بإستثناء وجود تجمعات لشبان من البلدات بهدف الحفاظ على الأمن فيها. بشكلٍ طبيعي، سيُغادر سكان تلك البلدات والقرى منازلهم تفادياً لخطر الموت بسبب القذائف الإسرائيلية، لكنّ فكرة التمسّك بالأرض تكمنُ في مكان آخر. "لبنان24" جال في المناطق المذكورة وكانت له مُشاهدات تُفسّر كيف أنّ بعض المواطنين يعودون بشكلٍ يومي من أجل الإطلاع على أحوال بلداتهم.  ففي عيتا الشعب، عاد المواطن علي لمُعاينة منزله والإطلاع على أحوال الشارع الذي يقطنُ فيه، ويقولُ لـ"لبنان24": "ليس لدينا أرضٌ أخرى.. فهذه أرضنا ولا نتخلى عنها أبداً.. الإسرائيليون يريدون تهجيرنا نهائياً ولكن ذلك لن يحصل.. صامدون وسنبقى كذلك".   داخل المدارس التي تحتضنُ النازحين في مدينة صور، كلامٌ يقال كثيراً عن التمسُّك بالأرض والعودة إلى المنازل والبلدات. هناك، لسان حال العائلات هو التالي: "نريد العودة إلى منازلنا، وما حدا بيرتاح إلا ببيتو". في تلك الصروح التعليمية، تكمنُ الرسالة الأقوى من بعض نساء الجنوب، وإحداهُنّ قالت لـ"لبنان24" داخل تكميلية صور الرسمية للبنات: "نحنا اليوم عم نواجه التهجير.. صحيح مش قاعدين ببيوتنا بس فشر عرقاب الإسرائيليّة يخلونا براتها.. مش خيفانين من شي".   وتُضيف: "يُقال عننا أننا أصبحنا كالسوريين.. من قال ذلك؟ هؤلاء لا يريدون العودة إلى بلدهم لأنهم يتسفيدون من المساعدات.. نحنُ أيضاً نحصل على المساعدات في مراكز الإيواء، لكن ذلك لا يمنعنا من العودة إلى منازلنا بأسرع وقتٍ ممكن.. بكل بساطة، حينما يُقال إن الأمور هدأت، سأعود إلى منزلي فوراً".   شوارع لا تموت في مدينة صور، حركة نابضة بالحياة رغم كل شيء. صحيحٌ أن المناطق الحدودية قريبة منها، إلا أنّها بقيت موئلاً وملاذاً للجنوبيين النازحين، فمنها يشترون حاجياتهم ومن خلالها ينظرون إلى الطرقات التي تؤدي إلى المناطق الحدودية. لو كان الخوف قائماً، لما كانت صورُ تعجّ بالسكان بشكلٍ أكبر من أيام السلم. كل ذلك موجود لأنّ إرادة الجنوبيين كبيرة، فلا إنهزام أمام وقائع توترٍ "ساقط"، ولا إستسلام. لهذه الأسباب كلها، تُعدّ مدينة صور "درعاً" للنازحين الجنوبيين، كما أن الإستنفار الذي تشهده على صعيد فعالياتها والجمعيات فيها، يشيرُ إلى أنّ الإهتمام بالنازحين أولوية رغم وجود الكثير من العراقيل والإشكاليات.   وفي ظلّ صمودهم الكبير في مراكز الإيواء، يُجمع عدد من الأشخاص على ضرورة الإبتعاد عن التصعيد والحفاظ على أمن الجنوب. أغلبُ الذين التقاهُم "لبنان24" يُجمعون على تحييد لبنان التوتر، ويقولُ أحدهم في هذا الإطار: "عندي أطفال.. عندي ولاد.. وغيري كمان.. كرمالهم تهجرنا وكرمالهم رح نرجع، ومع هيك ما بدنا حرب".   إذاً، يبقى الجنوب عنواناً للبقاء والإستمراريّة، وما إن يجري الإعلان عن وقف للتوتر، حتى يعود المواطنون إلى منازلهم فوراً.. لماذا؟ لأنهم أصليون وليسوا مُرتزقة.. لأنهم أصحاب الأرض وليسوا غرباء عنها.. هكذا كان أبناء الجنوب.. وهكذا سيبقون دائماً!       المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

هناك شيء منتن في ارض الدنمارك – في الرد على ابواق الحرب الجنجويدية

ليس بمستغربٍ ذلك الدركُ السحيق من الانحطاط الأخلاقي والمفاهيمي الذي تهوي إليه باطراد المنابر الإعلامية الموالية لتحالفي “صمود” و”تأسيس”، ومن يقف خلفهما في ظلال الميليشيا، وذلك بعد أن أعوزهم الإفلاس السياسي التام أيَّ منطقٍ يدافعون به عن مواقفهم المتماهية مع غزوٍ سافرٍ لبلادنا، وتدميرٍ ممنهجٍ لكيانها، وسفكٍ لدماء مئات الآلاف، وتشريدٍ للملايين، ونهبٍ للممتلكات، واغتصاب النساء. إنه سقوطٌ نخبويٌّ مدوٍّ، لا يشبه في عاره أي سقوطٍ عرفته السياسة في اي مكان في العالم من قبل.

فمن استطاع أن يجد المسوّغات لكل هذه الفظائع والجرائم، وأن يتعامل معها كأنها مجرد وجهة نظر سياسية قابلة للنقاش، ساعياً من ورائها لتأمين موطئ قدمٍ في السلطة لميليشيا الدعم السريع ومكانة سياسية لها؛ لا يُستبعد منه، وقد تجرد من كل وازع أخلاقي او انتماء وطني، أن يلجَ غمار الأعراض، ويحاول وصم مخالفيه بكل نقيصة، وخلق صورة نمطية عنهم يحاول بها تجاوز مضمون ومنطق ما يعرئ اطروحاتهم البائسة ، بعد أن خَذَلَهم المنطقُ وعجز عن مقارعة الحجة بالحجة وهم يتمرغون في وحل الخيانة للوطن والشعب، فيزيدهم حقداً و ضراوة في مهاجمة الشرفاء.

ولكن هل يُرتجى خيرٌ من هذا القاع المفتقر لأبسط مقومات الأخلاق؟ إن تزييف الحقائق، ونهش الأعراض، والتطاول على حُرُمات الأُسر، واختلاق الأباطيل، وبثَّ الزيف، هي ممارساتٌ أدمنتها تلك الزمرة التي تسعى جاهدةً لصياغة واقعٍ بديلٍ مُشوّه، يُتوَّجُ فيه “حميدتي” وجنجويده أبطالاً للخير، ورُسُلاً للديمقراطية في سودانٍ يُرادُ لأهله أن يُكذِّبوا أعينهم وما تكابده حواسهم من أهوالٍ يومية. حتى انهم حولوا شعار وقف الحرب من سعي لانقاذ الناس من اهوالها ومقصد انساني نبيل، وأفرغوه من جوهره ليستعملوه كمجرد أداةٍ حربيةٍ رخيصة، تُوظّف بخبث في خدمة اغراض ميليشيا فاشية النزعة، غاشمة البطش كقوات الدعم السريع، وفي خدمة من يقف خلفها من امراء الخراب في الإمارات. فاصبحوا يحتفلون بهجمات المليشيا كما حدث في الخرطوم والجزيرة بل ويمهدون لها بالمبررات الكاذبة والتدليس كما حدث في مخيم زمزم، وهم يتشدقون بالسلام زوراً وبهتاناً.

وما علي أحمد (ومن يختبئ خلفه من اسمٍ مستعارٍ كاشفٍ عن جُبنه)، وخضر عطا المنان، ورشا عوض، وصحفٌ كـ”التغيير”، ومنصاتٌ كـ”مجد”، ناهيك عن سكان او مأجوري حزب (الماخور) السوداني، وغيرهم من الأصوات العالية في صرح الاكاذيب، غير أدوات بناء في محاولات لبناءِ سردية هذا الواقعِ الزائف، التي يظنون واهمين أنهم قادرون على تشييدها بتكديس الأكاذيب ورُكامِ البهتان. بيد أن انحطاط أقلامهم، وانحدار خطابهم، يفضحُ عوارهم قبل أن يكتمل بنيانهم الواهي. إن “تحالف الانحطاط الأخلاقي” هذا لتزكمُ الأنوفَ رائحتُه الكريهة؛ فكما قال شكسبير على لسان هاملت واصفاً حال مملكته الدنمارك: “هناك شيء منتن في مملكة الدنمارك”، فان هناك شيء منتن في دوائرهم، لا يمكن اخفاءه ولن تُجدي معه كلُّ عطورِ ندواتِ “تشاتام هاوس” الفاخرة، ولا سترات المتحدثين الانيقة، ولا بريق المنصات الدولية، في سترِ نتانتهِ الآخذةِ بالانتشار، والتي باتت وصمة عارٍ على جبين كل من يدافع عنه أو يبرر له.

أمّا نحن، فلنا في محراب خدمة هذا الشعبِ الأبيِّ سجلٌّ حافلٌ ناصعُ البياض، سطرناه بمواقفَ سياسيةٍ واضحةٍ دفعنا أثمانها باهظةً، حباً وكرامة، في أزمنة عصيبة لم نبحث فيها عن سبل الخلاص الشخصي، وزُيّن بمبادراتٍ اجتماعية في مجال العمل الطوعي تركت بصماتها الملموسة والممتدة، بل استمر بعضهم يحاول تقليدها في سعي لكسب سياسي رخيص لم يستطع ان يفطن الي حقيقتها او اغراضها، وما كل ذلك منّة نمنّ بها على شعبنا، بل هو اداء واجب على كل من اختار العمل العام في خدمة شعب عظيم يستحق البذل والعطاء، وليس المتاجرة بمعاناته والمه في وقت كارثته الاكبر.

وهذا الكتاب ذو الصفحات المبذولة في العلن – هو لعمر الحق – يتقاصر كل فعل هولاء المتحالفين الجُدد مع الجنجويد عن الاتيان بصفحةٍ من صفحاته؛ فليس في جعبتهم سوى أكاذيبَ مدفوعة الاجر تنضحُ بها ضغائنُ نفوسِهم الصغيرة وأحقادُهم الدفينة التي يعكسونها على كل من يرفع صوته في مواجهتهم. وإن توهموا، في غمرةِ انحطاطهم، أنهم بمثل هذه الأساليبِ الوضيعة ومحاولاتِ اغتيالِ الشخصية تشويه السمعةِ البائسةِ قادرون على إسكاتِ صوتِنا أو اسكات اصواتنا او شل حراكِنا، فلهم نقول بلسان أهل السودان الذي لا يعرف المواربة أو المهادنة: (وين يا… كان غيركم أشطر!).

امجد فريد الطيب

نقلا عن : صحيفة الأحداث نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • موثقة بفيديو صادم.. تصفية أكثر من 31 مواطن على يد الدعم السريع بأم درمان في أبشع مجزرة وجريمة قتل بدم بارد.. مواقف مفاجئة من صمود والمؤتمر السوداني والأمة القومي
  • التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” يدين الجريمة التي ارتكبها الدعم السريع بامدرمان وأدت لمقتل 31 مواطنا
  • وصفها بـ «البشعة» .. تحالف «صمود» يُدين جريمة الدعم السريع بـ «الصالحة» أم درمان 
  • ائتلاف المالكي يحسم الجدل: الشرع لن يحضر لبغداد.. هناك خطورة على حياته
  • النمر: ليس هناك علاقة بين أدوية الكولسترول ومرض الزهايمر
  • وزير الخارجية الإيراني: هناك تقدم جدي في محادثات النووي مع واشنطن
  • هناك شيء منتن في ارض الدنمارك – في الرد على ابواق الحرب الجنجويدية
  • ترامب: هناك حاجة ماسة للأدوية والغذاء في غزة وسنهتم بذلك
  • طقس الجمعة: زخات رعدية وبرد محلي بعدد من المناطق
  • السيسي: نرفض بكل حزم أي تهجير للفلسطينيين خارج أرضهم