هل ينجح المخطط الإيراني في غزة؟
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
الموقف الأمريكي يصعب تفسيره بمعزل عن وجود رغبة لدى واشنطن، في تفادي الاعتراف بتورط إيران بحيث تصبح مطالبة بالرد أو على الأقل منح إسرائيل ضوءاً أخضر للرد، وتوفير حماية عسكرية لها.
ثمة هدف إستراتيجي إيراني يتمثل في إرباك حسابات حكومة نتانياهو
في ظل الشواهد والمؤشرات القوية التي تربط النظام الإيراني بالهجوم الدموي الذي شنته حركة حماس ضد إسرائيل، والذي جر على سكان غزة الويلات والموت، فإن تحليل المشهد برمته يشير إلى أن طهران تسعى إلى تفجير الوضع الإقليمي بأكمله لإنهاء التوجه المتزايد والمتسارع نحو توقيع اتفاقات سلام بين إسرائيل وجيرانها العرب ودول إسلامية أخرى، أو على أقل التقديرات تجميد هذا المسار وإيقافه ولو مرحلياً، بحيث يصبح من الصعب للغاية على أي دولة عربية أن تتخذ قراراً بشأن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل.
وأعتقد أن رغبة النظام الإيراني في تحقيق هذا الهدف قد تزايدت في ظل تزايد احتمالات توقيع اتفاق سلام بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، والأمر هنا لا يقتصر على محاولة نسف هذا التوجه فقط، ولكنه يصب في مصلحة تحقيق أهداف أخرى حيوية للغاية، ومنها محاولة إنهاء ما تردد بقوة بشأن التفاوض الجاري حول توقيع اتفاق أمني غير مسبوق بين الرياض وواشنطن، وكذلك ما يتعلق بحصول المملكة على دعم تقني أمريكي في مجال التكنولوجيا النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وهو ما يصب في خانة إحداث تحول نوعي كبير في دور المملكة العربية السعودية ومكانتها وترسيخ الشراكة السعودية – الأمريكية، بكل ما يعنيه ذلك من توابع إستراتيجية طالما سعى النظام الإيراني لإنهائها، ولا سيما ما يتعلق بتفكيك علاقات الشراكة الإستراتيجية التقليدية بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.
ثمة هدف إستراتيجي إيراني مهم آخر يتمثل في إرباك حسابات الحكومة اليمينية الإسرائيلية وإجبارها على تغيير تفكيرها الإستراتيجي الخاص الذي يتمحور جزء كبير منه حول استهداف المنشآت النووية الإيرانية ومحاولة إنهاء طموحات إيران على هذا الصعيد باعتبارها التهديد الأخطر الذي يواجه أمن إسرائيل.. وقد تلاقى الطرفان "الحمساوي" والإيراني إذاً على محاولة تغيير قواعد اللعبة والمعادلات الأمنية القائمة، حيث تصورت حركة حماس أن هناك أيضاً فرصة لحلحلة القضية وإجبار إسرائيل على الجلوس على مائدة التفاوض.
الواقع الآن يقول إن إيران قد نجحت عبر الذراع "الحمساوي" في الاقتراب من تحقيق هدفها، حيث توترت الأجواء إقليمياً وعالمياً بشكل غير مسبوق منذ سنوات بل وعقود، وعاد الحديث عن العداء مع إسرائيل إلى واجهة النقاش العربي والإسلامي، وتراجعت فرص مواصلة مسيرة السلام العربي – الإسرائيلي حتى إشعار آخر، وبالتالي فإن النظام الإيراني قد نجح في تحقيق جانب مهم من أهدافه، وهذا هو أخطر ما في الموضوع برمته، إذ يمكن أن يقود الاستسلام لفكرة التغيير الإيراني إلى واقع شرق أوسطي تسيطر عليه تنظيمات الإرهاب والتطرف التي ترعاها وتمولها إيران، خصماً من رصيد الدولة الوطنية والجهود التي بذلت على مدى سنوات طويلة من أجل تغيير ثقافة العنف وإحلال ثقافة التعايش والتسامح والانفتاح.
المسألة لا تقتصر هنا على الشق الأمني والعسكري وحتى السياسي، بل تطال مصالح الدول والشعوب والاستثمارات والخطط الاقتصادية التي بات تنفيذها في مواجهة تحدّ يصعب تجاهله، وحيث لا يمكن القبول بأن تتحكم إيران في ممرات ومشروعات التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، أو ترسم مستقبل هذه المنطقة وفق ما يتراءى لقادتها ويتماشى مع تصوراتهم الأيديولوجية الطائفية الضيقة، كما لا يمكن القبول بفكرة تحكم الميليشيات الموالية لإيران في مصير المنطقة ودولها، خصوصاً أن نجاح هذا السيناريو الكارثي يعني أن لنا أن نتوقع تكاثراً فطرياً لهذه الميليشيات خلال المرحلة المقبلة وهو ما نراه يحصل الآن فعلياً.
لا خيارات أمام دول المنطقة لتفادي تداعيات المخطط الإيراني في المنطقة سوى التعاون والتنسيق من أجل تجاوز هذا المأزق، لأن البديل هو نجاح إيران في الوقيعة بين هذه الأطراف جميعاً ووضعها في حال صدام كارثي مباشر وحرب، سواء من خلال أفكار مثل إجبار سكان غزة على الانتقال إلى داخل مصر، بكل ما يعنيه ذلك من تأثيرات عميقة على العلاقات الإسرائيلية – المصرية، أو تحويل الحدود المصرية – الإسرائيلية إلى مفرخة جديدة للإرهاب الذي لن تقتصر تأثيراته على إسرائيل بل تشمل مصر نفسها والأردن وغيرهما، فضلاً عن إمكانية تحول هذه المنطقة إلى نقطة جذب جديدة للعناصر الإرهابية وإنعاش أنشطة الإرهاب بعد كل الجهد الذي بذلته دول المنطقة والقوى الدولية في مكافحة هذه الآفة.
السؤال الأهم هنا: إذا كان هذا السيناريو الإيراني والمعلومات الداعمة له لا تخفى على إسرائيل والولايات المتحدة على الرغم من محاولات النفي الأمريكية لوجود أي معلومات داعمة له وعلى الرغم من أن واشنطن لا تترك فرصة غالباً إلا وتكيل الاتهامات لإيران سواء وجدت ما يؤيد كلامها من الأدلة أم لا فهل تفلت إيران بجريمتها هذه المرة أيضاً؟ الجواب بالتأكيد مرهون بحسابات إسرائيل والولايات المتحدة، ولكننا نلاحظ أن مثل هذا الموقف الأمريكي يصعب تفسيره بمعزل عن وجود رغبة أمريكية دفينة في تفادي الاعتراف علناً بتورط إيران وبحيث تصبح مطالبة بالرد عليها أو على الأقل منح إسرائيل ضوءاً أخضر للرد وتوفير حماية عسكرية لها.
وهنا نلاحظ أن الولايات المتحدة ترددت أو امتنعت عن توجيه اتهامات لإيران عقب قيام الأخيرة باستهداف حلفاء واشنطن وشركائها مرات عدة، إذ تكرر ذلك من قبل في عمليات استهداف المنشآت النفطية السعودية والإماراتية، وكانت الأسباب الأمريكية ذاتها تقف وراء الصمت أو التردد أو إنكار وجود معلومات حول تورط إيراني محتمل في هذه الهجمات.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل إيران النظام الإیرانی
إقرأ أيضاً:
سيطرة “إسرائيل” على سوريا.. مقدّمة لحرب ضدّ إيران
في ما بدا جلياً أنه مخطّط إسرائيلي تركي أمريكي لإسقاط الرئيس بشار الأسد، قامت مجاميع مسلحة مكونة من عشرات الآلاف المدرّبة والمدعومة من قبل تركيا وأوكرانيا و»إسرائيل» بالهجوم على الجيش السوري انطلاقاً من إدلب باتجاه حلب، لتُتبعه بعد ذلك بالتوجّه إلى حماة وحمص التي توقّف عندها القتال بشكل مريب ليتمّ الإعلان بعدها عن انسحاب الجيش السوري من القتال وتسليم العاصمة السورية لهذه الجماعات المسلحة.
وقد تلى ذلك قيام «الجيش» الصهيوني بهجوم جوي كاسح، أدى إلى ضرب كلّ المطارات والقواعد العسكرية للجيش السوري وغيرها من المرافق، ليتمّ بعدها تقدّم بري باتجاه دمشق لإقفال طريق دمشق بيروت.
بعض المؤشرات تفيد بأنّ ما يجري في سوريا قد لا يكون نهاية المطاف، بل قد يكون مقدّمة للانطلاق نحو العراق ومنها إلى إيران، وفي هذا الإطار كتب مايك ويتني مقالاً في 1 ديسمبر، أي قبل أسبوع من سقوط نظام الرئيس الأسد، بعنوان «بالنسبة لنتنياهو، الطريق إلى طهران يمرّ عبر دمشق».
وبالنسبة للكاتب فإنّ سوريا تشكّل جزءاً لا غنى عنه من خطة «إسرائيل» الطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، حيث تعتبر قلب المنطقة وتعمل كجسر بري حاسم لنقل الأسلحة والجنود من إيران إلى حلفائها، فضلاً عن كونها المركز الجيوسياسي للمقاومة المسلحة للتوسّع الإسرائيلي.
ويرى الكاتب أنه من أجل الهيمنة الحقيقية على المنطقة، يتعيّن على «إسرائيل» أن تطيح بالحكومة في دمشق وتضع نظاماً دمية لها شبيهاً بأنظمة الأردن ومصر، وبما أن نتنياهو استطاع إقناع واشنطن بدعم مصالح «إسرائيل» من دون قيد أو شرط، فلا يوجد وقت أفضل من الآن لإحداث التغييرات التي من المرجّح أن تحقّق خطة «تل أبيب» الشاملة.
وعلى هذا فإنّ بنيامين نتنياهو شنّ حربه البرية من الجنوب لخلق حرب على جبهتين من شأنها أن تقسم القوات السورية إلى نصفين، بالتنسيق مع هجوم الجماعات المسلحة من الشمال. وبعد الإطاحة بالأسد، وهو ما تنبّأ به ويتني، فإنّ حلم «إسرائيل» بفرض هيمنتها الإقليمية بات قاب قوسين أو أدنى، خصوصاً في ظلّ تعهّد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لشنّ حرب ضدّ إيران كجزء من صفقة مقايضة مع اللوبيات التي أوصلته إلى البيت الأبيض.
وفيما اعتبر الكاتب أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو الوحيد الذي كان قادراً على وقف مفاعيل هذا المخطّط بتقديم الدعم اللازم للرئيس الأسد للصمود في مواجهته، إلا أنّ ما جرى كان معاكساً تماماً، إذ أنّ روسيا اختارت أن تتوصّل إلى تسوية مع تركيا، لحقن الدماء عبر دفع الأسد إلى القبول بتسليم السلطة.
لكنّ مراقبين اعتبروا أنّ هذا شكّل خطأ في الحسابات الاستراتيجية وقعت فيه روسيا، يماثل الخطأ الذي وقعت فيه قبل عقد من ذلك التاريخ حين تخلّت عن الزعيم الليبي معمر القذافي.
واعتبر محللون إسرائيليون أنّ سقوط الأسد شكّل ضربة استراتيجية لروسيا هي الأقوى التي تتعرّض لها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إذ أنّ هذا سيؤدّي إلى إضعاف حضورها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ولن تستعيض روسيا عن خسارتها لسوريا بكسب ودّ الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أو مصر.
والجدير ذكره أن الرئيس الأسد نفسه وقع في أخطاء استراتيجية قاتلة حين اختار الابتعاد نسبياً عن إيران ومحاولة التقارب مع أبو ظبي والرياض للحصول منهما على مساعدات اقتصادية لترميم وضعه الاقتصادي المهترئ، لكنه وبعد سنوات من محاولات فاشلة فإنه لم يحصل على أي شيء مما كان يأمله، وقد أدى هذا الخطأ الاستراتيجي إلى أنه عند بدء هجوم الجماعات المسلحة عليه من الشمال فإن وضع جيشه ميدانياً كان معرى في ظلّ تقليص أعداد المستشارين الإيرانيين وقوات حليفة لهم في الميدان السوري، وبما أنّ التجربة أثبتت أن الدعم الجوي لا يغيّر مجريات الميدان، فإن هجوم الجماعات المسلحة جاء بالنسبة للأسد في وقت قاتل.
والجدير ذكره أنّ هذه العملية المدعومة من الولايات المتحدة و»إسرائيل» والقاعدة وتركيا ضدّ سوريا، باستخدام وكلاء ومجموعات مختلفة، تمّ التخطيط لها منذ فترة طويلة من أجل تحويل قوات الجيش السوري وزعزعة استقرارها وإرهاقها، والسماح لـ «إسرائيل» بالدخول من الجنوب، ومنع تدفّق الأسلحة إلى حزب الله من إيران إلى العراق وسوريا ثم لبنان.
هذا يجعلنا نستنتج أنّ الحرب الإسرائيلية على لبنان ستتواصل، وأنّ مفاوضات وقف إطلاق النار بين لبنان و»إسرائيل» ما هي إلا ملهاة من قبل «تل أبيب» لتنهي فيها عملية تموضعها على طريق بيروت دمشق لتقطع هذه الطريق من الجهة السورية وتمهّد لحملة جوية كثيفة على حزب الله، بذرائع تحمّل الحزب مسؤولية خرق اتفاق وقف إطلاق النار.
وهنا لن تحتاج «إسرائيل» إلى التغلغل البري في لبنان، بل إنها ستعتمد على الجماعات المسلحة التي سيطرت على العاصمة السورية لتقوم بالمهمة عنها عبر التغلغل إلى بيئات شكّلت حاضنات لهذه الجماعات في منطقة عنجر والبقاع الأوسط، وأجزاء من البقاع الغربي، وأيضاً في شمال لبنان انطلاقاً من تل كلخ إلى سهل عكار فمدينة طرابلس.
وقد ينطوي ذلك على مخاطر للدفع باتجاه تغيير ديمغرافي يؤدي إلى تهجير قسم كبير من الشيعة إلى العراق وتهميش الباقين منهم في لبنان، ليتمّ تقاسم النفوذ بين المسيحيين من جهة والسنة من جهة أخرى مع تأدية الدروز دور الموازن في العلاقة بين الطرفين، علماً أنه ستكون لـ «إسرائيل» الدالة الكبرى عليهم بعد احتلالها لجنوب سوريا وإدخالها دروز الجولان وجبل العرب تحت مظلتها.
من هنا فإنّ «إسرائيل» ستكون هي المهيمن على لبنان عبر تحالفها مع أطراف مسيحية تربطها بها علاقات تاريخية من جهة، ومع السنة في لبنان عبر الدالة التي سيمارسها عليهم الحكم السني في دمشق، مع تشكيل الدروز للكتلة الأكثر فاعلية في موازنة وضع النظام اللبناني الذي سيكون تحت القبضة الإسرائيلية.
ويرى المراقبون أنّ وقف إطلاق النار المؤقت، سيمنح «إسرائيل» الوقت للتعافي لأنها ضعيفة، والوقت لوضع استراتيجية مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي ستكون الأكثر صهيونية في تاريخ الولايات المتحدة، أما بالنسبة لتركيا، فهي ستستغلّ ذلك لضمّ شمال سوريا في إطار مطالبتها بمدينة حلب.
لهذا فإنّ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان مستعدّاً حتى للتنسيق مع جماعة قسد والاعتراف لها بسيطرتها على شرق سوريا.
أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية