حرب غزة وضرب مشروعات التطبيع
تاريخ النشر: 26th, October 2023 GMT
حرب غزة وضرب مشروعات التطبيع في مقتل
الأهم أن حرب غزة أسقطت مزاعم الاحتلال طوال نصف قرن بأنه دولة الجيش الذي لا يقهر وواحة الاستقرار في المنطقة.
حرب غزة تهدد مشروعات تطبيع كان يتم العمل عليها خلال سنوات، منها إنشاء طريق بري يربط بين الإمارات وموانئ إسرائيلية.
الحرب أحبطت، ولو مؤقتا، خطط دولة الاحتلال في التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز، وهمزة وصل بين أسواق آسيا والخليج وأوروبا.
كانت دولة الاحتلال تسارع الخطى لتنفيذ مشروعات التطبيع بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند وبعض الدول العربية.
نجحت حرب إسرائيل الإجرامية على غزة في هز ثقة الدول والمؤسسات والمستثمرين والأفراد في جدوى مشروعات التطبيع وإمكانية تنفيذها.
مع الضربة الموجة للتطبيع تراجع رهان إسرائيل على مشروعات تطبيع خرجت للعلن فيما بعد 2021 لجذب مليارات الدولارات وضخها في شرايين اقتصادها المأزوم.
تبخر حلم استقطاب أموال وثرات وصناديق استثمار ضخمة من دول خليجية لتمويل مشروعات في المستوطنات والأراضي المحتلة أو ضخها في مشروعات إنتاج الغاز شرق البحر المتوسط.
* * *
ضربت حرب غزة مشروعات التطبيع في مقتل، ونجحت الحرب الإسرائيلية الإجرامية على القطاع المحاصر في هز ثقة الدول والمؤسسات والمستثمرين والأفراد في جدوى مشروعات التطبيع وإمكانية تنفيذها وإخراجها إلى النور، وهي المشروعات التي كانت دولة الاحتلال تسارع الخطى لتنفيذها بالتعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا والهند وبعض الدول العربية.
ومع تلك الضربة الموجة للتطبيع عقب حرب غزة، تراجع رهان إسرائيل على تلك المشروعات التي خرجت للعلن في فترة ما بعد 2021 في جذب عشرات المليارات من الدولارات من الخارج وضخها في شرايين اقتصادها الذي يعاني من أزمات عدة.
وتبخر حلم استقطاب أموال وثرات وصناديق استثمار ضخمة من بعض دول الخليج ومستثمرين عرب لتمويل مشروعات مقامة داخل المستوطنات والأراضي المحتلة، أو ضخها في مشروعات طاقة قبالة السواحل الفلسطينية حيث أهم مواقع لإنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط.
والأهم من ذلك أن الحرب على غزة أحبطت، ولو مؤقتا، أحلام وخطط دولة الاحتلال الكبرى في التحول إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا، والتحول إلى همزة وصل بين أسواق آسيا والخليج وأوروبا، وتحويل موانئها على البحر المتوسط إلى ملتقى للتجارة الدولية.
وأجلت خططها الرامية إلى إحداث قفزات في صادراتها إلى أسواق دول المنطقة، واختراق بعض الأسواق الرافضة سلعها ومنتجاتها مثل العراق والجزائر ومصر واليمن ومعظم دول الخليج.
بل والعمل بالتعاون مع حلفاء إقليميين على ضرب قناة السويس، أهم ممر مائي في العالم، وتهديد خط سوميد الذي ينقل النفط الخليجي والعربي إلى أوروبا عبر مصر.
الحرب على غزة أعادت إلى الواجهة سلاح المقاطعة، سواء للسلع الإسرائيلية أو منتجات الشركات الداعمة للاحتلال، وامتدت المقاطعة إلى العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول الإسلامية مثل ماليزيا وتركيا وبنغلادش.
ومع قرار السعودية تعليق محادثات التطبيع مع إسرائيل على خلفية الحرب الدائرة في غزة، فقد تجمدت معها مشروعات التطبيع الاقتصادي بين البلدين، ومنها تسيير خطوط طيران، وتشييد طرق وتطوير موانئ وخطوط سكك حديد تربط بين الهند وأوروبا مرورا بالسعودية ودول الخليج وإسرائيل، وهو ما يعرف بمشروع ممر التنمية الاقتصادي الذي أقرته مجموعة العشرين في اجتماعها الأخير بالهند وتحمست له الرياض بشدة.
كما باتت حرب غزة تهدد مشروعات تطبيع أخرى كان يتم العمل عليها خلال سنوات طويلة خاصة في العامين الماضيين، منها إنشاء طريق بري يربط بين الإمارات وموانئ إسرائيلية على البحر المتوسط، ما يؤدي إلى ربط مباشر بين الخليج وتلك الموانئ البحرية.
وهو المشروع الذي تحمست له الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة أنه يربط بين اقتصادات وأسواق الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، ويعمل على تصدير البضائع من الشرق إلى أوروبا عبر إسرائيل، وبعد ذلك السياح أيضاً.
أيضا، ضربت الحرب على غزة مشروعات تطبيع أخرى، منها مشروع باسم "نظام الربط بين أوروبا وآسيا (TEAS) عبر الخليج، ومشروع إنشاء قناة أو خط سكك حديد بديل لقناة السويس لنقل النفط الخليجي مباشرة إلى أوروبا من دون المرور من القناة المصرية.
الحرب على غزة ليست كلها شر مطلق، فقد ألحقت خسائر فادحة بالاقتصاد الإسرائيلي، وأحيت المقاطعة داخل الشارع العربي، وهو السلاح الذي كاد أن يختفي مع خطوات التطبيع المتسارعة.
والأهم أنها أسقطت المزاعم التي روجها الاحتلال طوال الخمسين سنة الماضية، وهي أنه دولة الجيش الذي لا يقهر وواحة الاستقرار في المنطقة.
*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي
المصدر | العربي الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين حرب غزة مقاطعة إسرائيل العدوان الإسرائيلي الاقتصاد الإسرائيلي البحر المتوسط دولة الاحتلال الحرب على غزة إلى أوروبا حرب غزة
إقرأ أيضاً:
شرحبيل أحمد: النغم الذي يرقص في دواخلنا
إبراهيم برسي
15 يناير 2020
شرحبيل أحمد، أو كما كان يحلو لصديقي خطاب حسن أحمد أن يسميه ( شرحو )، ليس مجرد اسم لفنان، بل هو عالم متكامل من الإبداع يفيض بالموسيقى، الرسم، والرقص. إنه ذلك الفنان الذي حمل على كتفيه إرثاً سودانياً غنياً، وقدم لنا رؤية جديدة للإنسان والفن، رؤية تمزج بين ألوان الحياة وإيقاعاتها، وتحتفي بكل تفاصيلها الصغيرة.
شرحبيل ليس فقط ( ملك الجاز السوداني ) الذي طوّع الجيتار ليحكي حكايات القلوب المرهفة، لكنه أيضاً الفنان الذي يرسم للأطفال عوالمهم الخاصة، ببراءتها وألوانها، كما لو أنه يدخل عقولهم الصغيرة ويشاركهم أحلامهم.
أغانيه، مثل “ستار يا ليل” و “الليل الهادي”، تهمس إلى الروح بلغة عميقة، تسافر عبر الزمان والمكان، تحكي عن الشوق، الحنين، والغربة.
أما رسوماته للأطفال، فهي نوافذ تُطل على عوالم مدهشة، حيث يُصبح الطفل هو القائد والراوي.
في جوهره، كان شرحبيل عاشقاً للحركة، راقصاً يرى في الجسد وسيلة لفهم العالم والتعبير عنه. حين يقف على المسرح، لم يكن يغني فقط؛ كان يتحرك كمن يترجم النغمات إلى لغة جسدية لا يمكن أن تخطئها العين. كان الرقص عنده أكثر من استعراض؛ كان حالة وجودية، امتداداً للحن داخلي يصعب التعبير عنه بالكلمات وحدها.
حركاته كانت أشبه بلوحة حية، تكتسي بالإيقاع وتتحدث بلغة الموسيقى. عندما كان يغني بصوته الفريد ويطلق تلك الأصوات المشحونة بتعبيرات نشوانة – كـ”إييييي يااااااااا” – كان صوته يتماهى مع حركاته، وكأنهما معاً يرويان قصة الإنسان الذي يتحدى صمت العالم برقصه وغنائه. لم يكن الأمر مجرد أداء فني، بل كان تجربة أقرب إلى الجذب الصوفي، حيث يبقى الجسد على الأرض بينما تحلق الروح في عوالم الهيام والسحر.
الرقص بالنسبة لشرحبيل كان الحرية المطلقة، انعتاقاً من قيود الحياة وتناقضاتها. في كل خطوة، كان يحمل روحاً تطفو فوق الواقع، روحاً تسعى إلى الجمال حتى وسط الألم.
وأما الشيء الذي لا أجد تفسيراً له فهو هذا التداخل الراسخ في ذهني بين صورة شرحبيل وصورة الممثل الأمريكي مورغان فريمان. كأن شيئاً خفياً يربط بينهما في أعماقي، ربما يعود ذلك إلى حبي العميق لهذين الرجلين، وإلى ما يشتركان فيه من الهدوء و الحكمة وحضور الكبار.
كلاهما يحمل ملامح وجه تخبرك أن العالم مرّ عليهما، لكنهما تجاوزاه بفن لا ينتهي.
وكما أن مورغان فريمان هو رمز للحكاية والصوت العميق، فإن شرحبيل هو رمز للموسيقى الحية التي ترقص في داخلك.
أغاني شرحبيل أحمد ليست مجرد موسيقى؛ إنها حياة، ذاكرة، وصوت يعيد تشكيل الزمان والمكان. أحبها لأنها ليست فقط ألحاناً عذبة، لكنها حكايات تحكي ما نعيشه وما نحلم به.
أما رسوماته للأطفال، فهي تعبير عن قلب طفل يسكن هذا الرجل، قلب يهمس لكل من يراها: “هكذا تبدو البراءة، وهكذا يجب أن نرى العالم.”
شرحبيل أحمد هو الجسر الذي يربط بين الفن والإنسانية. كان يرى في الفن وسيلة للارتقاء بالروح، ليس فقط بالنسبة له، بل لكل من حوله. في أغنياته ورسوماته وحركاته الراقصة، كان يقول لنا إن الحياة لا تُعاش إلا إذا عشناها كما هي، بألوانها الرمادية والباهتة، بجمالها وألمها.
شرحبيل لم يكن فقط فناناً، بل تجربة متكاملة تعلمنا منها كيف نحب الحياة أكثر، وكيف نرى الجمال في الأشياء البسيطة. كان “شرحو”، وسيظل دائماً، رمزاً للإنسان الذي لا تنتهي رحلته، والذي يرقص على أوتار الحياة ليترك فينا أثراً لا يُمحى.